الخطبة الأولى فوائد تربوية ونوادر علمية من دعاء ( اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري )

الخطبة الأولى فوائد تربوية ونوادر علمية من دعاء ( اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري )

مشاهدات: 645

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة فوائد تربوية ونوادر علمية من دعاء

(اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري)

2/11/1437 هـ

لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري حفظه الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

دعاء اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لي دِينِي الذي هو عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لي دُنْيَايَ الَّتي فِيهَا معاشِي، وَأَصْلِحْ لي آخِرَتي الَّتي فِيهَا معادِي، وَاجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لي في كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ المَوْتَ رَاحَةً لي مِن كُلِّ شَرٍّهذا الدعاء هو دعاء ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو من أفراد مسلم أخرجه مسلم في صحيحه، ولم يخرجه البخاري في صحيحه إنما أخرجه البخاري في كتابه (الأدب المفرد) بلفظ اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَحْمَةً لِي مِنْ كُلِّ سُوءٍ»، أَوْ كَمَا قَالَ“.

جملة أو كما قال، ليست مني إنما هي من الراوي.

 هذا الدعاء يقول عنه الشوكاني رحمه الله في (تحفة الذاكرين) قال: هذا الحديث من جوامع الكلم والجوامع هي ما كانت قليلة المبنى واسعة المعنى يعني أن ألفاظه قليلة، لكن معانيه عظيمة وواسعة.

يقول الطيبي رحمه الله عن هذا الحديث يقول: جمع أصول مكارم الأخلاق كلها لمَ؟

لأنه تضمن صلاح الدين، وصلاح الدنيا، وصلاح الآخرة.

قال ابن تيمية رحمه الله في (مجموع الفتاوى) قال: والله أمر عباده أن يسألوه ما فيه صلاحٌ وخير لدينهم ودنياهم وآخرتهم، ولذا كان كما قال من دعاء النبي : اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لي دِينِي الذي هو عِصْمَةُ أَمْرِي وذكر بقية الدعاء.

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لي دِينِي كيف يصلُح دينك؟

الدين لا يصلُح إلا بأمرين، أن يكون هذا الدين خالصًا صوابًا كيف؟

أن يكون خالصًا يعني أن يبتغى به وجه الله، تصوم، تصلي، تتعبد، إنما ذلك من أجل الله عز وجل، لا من أجل الناس، ولا من أجل غرض من أغراض الدنيا لمَ؟

لأنه لو صلى في الصورة، تلك الصلاة من الدين، لكنها غير صالحة، ولذا قال النبي قال الله جل وعلا كما في صحيح مسلم أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ أن يكون خالصًا.

ثانيًا: أن يكون صوابًا، أن تكون تلك العبادة على مقتضى ما شرعه رسول الله ، وإلا وقع الإنسان في البدعة، قد يصلي صلاة، أو يذكر ذكرًا، أو يدعو دعاء، لكنه ليس على ما شرعه رسول الله ، فإن هذا العمل مردود، ولو بكى من بكى.

النصارى يتعبدون في الكنائس ويبكون، لكنه دين باطل، الصوفية لهم أذكار وأدعية، فلا تغرنك دمعة عين أو حزن قلب من أي شخص حتى تنظر إلى فعله، وإلى عبادته، أتلك العبادة التي فعلها أو ذلكم الذكر الذي قاله، أو ذلكم الدعاء الذي دعا به هل هو دعاء مشروع ليس فيه ما يخالف الشرع؟ فإن دعا أو ذكر الله أو تعبد لله، ولو بكى بكاء كثيرًا، ولو كان في أسلوبه نبرة حزن أو ما شابه ذلك، فلا تغتر قال النبي كما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها مَن أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليسَ فِيهِ، فَهو رَدٌّيعني مردود على صاحبه، وفي رواية مسلم مَن عَمِلَ عَمَلًا ليسَ عليه أمْرُنا فَهو رَدٌّ.

إذًا ما السبيل إلى صلاح الدين؟

حتى يسلم المسلم من البدع التي هي غير مقبولة وحتى تصلح عبادته؟ الطريق هو العلم الشرعي ما ضابط العلم الشرعي؟

ضابط العلم الشرعي قال الله وقال رسول الله على ما فهمه سلف هذه الأمة هذا هو العلم الشرعي الذي به تنجو بإذن الله، أقرِّب لك أكثر قال الإمام مالك رحمه الله: ما لم يكن دينا فيما مضى يعني في عهد النبي وفي عهد أصحابه رضي الله عنهم فلن يكون في هذا اليوم دينا، هذا في زمنه فما ظنك في زمننا.

 

 انظر إلى أحوال الناس، أما ما يُفعل مما يُقال برامج أو محاضرات أو لقاءات، وبها من الضحك الذي به قلة المروءة أو تعليق الناس بالدنيا وبزخارفها في أبهى الأماكن وفي أجملها من الخضرة والأنهار وما شابه ذلك حتى لا يُدلس على الناس فيقال هذا من الدين أو طريقة من طرق الدين هل فعل هذا الفعل رسول الله أو صحابته أو العلماء الذين ساروا على طريقة السلف؟ ما فُعِل.

 

هذا تعليق للناس بالدنيا وهذا ليس من الدين.

الضابط كما قال الإمام مالك رحمه الله: ما لم يكن فيما مضى دينا، فلن يكون في هذا اليوم دينًا، كما يقال: حرِّك عقلك، تنبه، قِس هذا المقياس؛ حتى لا يُدخل في شرع الله جل وعلا ما ليس منه.

 وسبحان الله سبحان الله يقول ابن القيم رحمه الله كما في كتابه (مفتاح دار السعادة) يذكر حال النبي وما حل به من الابتلاءات مع ما كان لغيره من سعة الدنيا ونعيمها، يقول: حتى وصل ورفعه الله إلى أعلى المراتب التي تليق به كمخلوق عليه الصلاة والسلام.

يقول: ” وأتباعه وورثته من ورثته؟

العلماء الذين يبلغون شرعه، قال: ” وورثته لهم نصيبهم من ذلك على حسب ابتلاء الله عز وجل له“.

قال: “أما من لم يكن كذلك، فليس له نصيب من ذلكم الابتلاء، إنما حظه ونصيبه ما خلق للدنيا، وما خلقت له يقول: “فهو في رغد من العيش يتنعم وأولياء الله يُمتحنون بضيق العيش، هُمْ فِي هَمٍّ، وهو في فرح، هو في شأن، وهم في شأن، هم في وادي، وهو في وادي، همه أن تبقى له مكانته، وأن تُسمع له كلمته، وأن يزداد ماله، وإن لزم ما لزم يعني يقول: لو فعل ما فعل مما يخالف الدين أو يخالف المروءة أهم شيء عنده هذا همه.

قال: “همه أن تبقى مكانته ووجاهته، وأن تسمع كلمته، وأن يزداد مالهقال: “وإن لزم ما لزم لا يضره ذلك، لا يهمه ما يقوله الناس، ولا ما قاله الشرع.

يقول: “وإن لزم ما لزم، وإن رضي من رضي، وسخط من سخط“.

قال: ” أما همُّ من حمل هذا العلم، فهم ورثة النبي همهم أن يظهر دين الله، وأن يظهر شرع الله لمَ؟

حتى يكون المعبود وحده هو الله، وأن يكون المطاع هو رسول الله ، ثم قال رحمه الله: قال سبحان الله كم لله من المحن والابتلاء الذي ينزل على عباده مما تتقاصر به عقولهم قال: وتأمل من وصل إلى أعلى المقامات وأفضل الحالات ما وصل إلا عن طريق جسر الابتلاء والامتحان.

ولذا قال رحمه الله كما في الفوائد قال: ولذلك الرفعة والشرف لمن جمع بين العلم والإيمان، العلم الشرعي الذي قال الله وقال النبي على ما فهمه سلف هذه الأمة من جمع بين العلم والإيمان.

قال: ولذلك قرن بينهما {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]، {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ} [الروم:56] بل سبحان الله يتلذذون يتلذذون

يقول ابن القيم رحمه الله كما في (روضة المحبين) يقول: وإن عشقهم للعلم أعظم من عشق أي شخص لمعشوقه، بل عشق لا يتصور يقول: لماذا؟

يقول: لأن العلم لو صوِّر على أنه رجل لكان من أحسن الرجال.

يقول: ولذلك يقول: قيل لامرأة هنيئًا لكِ ليس لك ضرة يعني لم يعدد زوجك فقالتِ: إن كتبه لأضر علي من عدة ضرائر.

ويقول رحمه الله: حدثني أخو شيخنا عبد الرحمن، يعني عبد الرحمن هو أخ لأحمد بن عبد الحليم الذي هو ابن تيمية يقول: كان أبي يقول كان جدي إذا دخل الخلاء قال: اقرأ هذا الكتاب وأنت خارج الخلاء، وارفع صوتك حتى اسمع ما يريدون أن تمضي عليهم الدقائق والثواني إلا في خير وفي علم، وبعض الناس ينسب للدين بطرق غير مشروعة من أن هذا من الدين من الضحك وما شابه ذلك من إظهار متع الدنيا في السفريات والترحالات والذهاب والإياب سبحان الله.

بل يقول رحمه الله ابن القيم في (روضة المحبين) يقول: وأعرف من العلماء من إذا أصابته الحمى والحرارة وضع كتابه عنده، فإذا أفاق قرأ، فإذا أغمي عليه أو إذا تعب تركه حتى نصحه بعض الأطباء قال: هذا يزيد في مرضك، بل يقول: حدثني شيخنا شيخه ابن تيمية يقول: حدثني يقول: ابتدئني المرض فجاءني الطبيب المتحدث من؟

ابن تيمية ينقل عنه تلميذه ابن القيم في (روضة المحبين) يقول: فابتدئني المرض فجاء الطبيب فقال: امتنع عن القراءة، وعن كتب العلم، وإلا سيزداد معك المرض، فقال: لا أستطيع إني لأجد راحة في كتبي.

قال ابن تيمية للطبيب: وسأحاكمك إلى علمك قال الطبيب: كيف؟

قال: ألا ترى أن النفس إذا قَوِيَت يعني الحالة النفسية إذا قويت ألا يكون لها أثر على البدن، فيشفى المرض بإذن الله عز وجل، فقال الطبيب: بلى قال: فأنا إذا قرأت أحدثت لي تلك القراءة سعادة وراحة في نفسي فأستريح من المرض فماذا قال الطبيب؟

قال: هذا علم ليس من علمنا يعني لم نتوصل إلى هذا العلم من أن هذا الدواء دواء لمرضك يقول: لم نتوصل يقول: هذا علم لم ندركه نحن.

فالشاهد من هذا أن عليك عبد الله، ولا سيما في زمن الفتن أن تدعو الله عز وجل بهذا الدعاء اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لي دِينِي الذي هو عِصْمَةُ أَمْرِي سبحان الله عصمة أمري لماذا يُصلح الله لك دينك؟

لأنه عصمة أمرك، العصمة ما هي؟

هي الحِفظ والمَنَعَة ولذا ماذا قال عز وجل؟

{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} يعني بدين الله أو بالقرآن أو بالجماعة كل ذلك يدخل، لأنه من دين الله {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} [آل عمران: 103]

( الذي هو عصمة أمري ) يعني حافظ لي من ماذا؟

من كل شر، الذي هو عصمة أمري، ليس أمرًا واحدًا، الأمر هنا مضاف إلى معرفة يعني جميع أموري، يعني هو عصمة جميع وكل أموري، خذ مثلا أليس من دين الله أن تذكر الله عز وجل في الصباح وفي المساء هذه تحفظك، أليس القيام بشرع الله عز وجل مانعًا لك من أن يعذبك الله عز وجل.

إذًا هو الدين حافظ لك يعصمك هذا الدين في جميع أمورك، ولذلك انظر أول ما بدأ، بدأ بالدين الذي هو عصمة أمري، لأنه أشرف الأشياء، لأنه إذا صلح الدين صلحت الدنيا وصلحت الآخرة، لكن إذا فسد الدين، فسدت الأمور كلها فسد على العبد دنياه وآخرته.

ولعل الحديث نكمله إن شاء الله تعالى في الجمعة القادمة، لأن الوقت زاحمنا جملة واحدة فقط هذا هو الخير، الدين، العلم، السعادة، الراحة، تريد أن تكون مثقفًا لا يمنع أن تكون مثقفًا في الأمور الدنيوية، لكن تريد أن تدخل إلى بوابة الثقافة التي بها خير لك في دينك ودنياك عليك بشرع الله عز وجل لا تحيد عنه، ولا تسمع لأحد، اسمع لمن قال الله وقال النبي على ما فهمه سلف هذه الأمة إن لم تعرف الضابط الذي ذكره الإمام مالك، ما لم يكن دينًا فيما مضى، فلن يكون دينًا في هذا الزمن، لا من حيث طرق الدعوة إلى الله، ولا من حيث تعليم الناس العلم، ولا من حيث إلقاء المحاضرات ولا الكلمات، يعني جملة واحدة مكثنا فيها هذا الوقت، مع إني كنت أظن إني سأنهي هذه الجمل في هذه الخطبة، وفي أقل من هذا الوقت، لكن سبحان الله لعل الله قدر أننا لم نكمل ببقية ما يأتي من جمل حتى نقف وقوفًا واضحًا جليًا على أن الخير والعلم والثقافة والسعادة في هذا الدين الذي إذا صلح لك نلت الشرف في الدنيا وفي الآخرة، والرفعة في الدنيا وفي الآخرة، ولن يصلح لك دينك إلا عن طريق العلم الشرعي أسال الله لي ولكم العلم النافع والعمل الصالح.