بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الثالثة من فوائد ونوادر علمية تحت دعاء
(وأصلح لي آخرتي واجعل الحياة زيادة)
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
16/11/1437 هـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دعاء “اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لي دِينِي الذي هو عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لي دُنْيَايَ الَّتي فِيهَا معاشِي، وَأَصْلِحْ لي آخِرَتي الَّتي فِيهَا معادِي، وَاجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لي في كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ المَوْتَ رَاحَةً لي مِن كُلِّ شَرٍّ“.
هذا الحديث كما سلف شرح الجمل الأولى منه هو حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح مسلم، وتوقفنا عند جملة “وَأَصْلِحْ لي آخِرَتي الَّتي فِيهَا معادِي” الآخرة ضابطها أو اليوم الآخر ضابطه أو متى يكون؟
يكون بعد موت الإنسان، فما بعد الموت، وما بعد قيام الساعة وحتى يدخل المؤمنون الجنة، والكفار النار هذا كله يسمى باليوم الآخر.
قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في العقيدة الواسطية: واليوم الآخر يصدق على ما يكون بعد الموت، فما يكون بعد الموت، وما يكون في القبر، وما يكون في الحشر، وما يكون في الجنة، وما يكون في النار، وما ذكر جل وعلا وذكره رسوله ﷺ من تفاصيل تلك من اليوم الآخر، ويجب الإيمان بها.
والدليل قول الله جل وعلا: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} قول جمهور المفسرين {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي: قبل الموت، {وَفِي الآخِرَةِ} يعني في القبر، وهذا أصح من القول الآخر الذي يقول: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} في الحياة الدنيا يعني في القبر، {وَفِي الآخِرَةِ} يعني عند البعث.
الصحيح أن كلمة {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} يعني قبل الموت في هذه الحياة ينجيه الله عز وجل ويثبته من الفتن، من فتن الشبهات والشهوات، {وَفِي الآخِرَةِ} المقصود في الآية على قول جمهور المفسرين المقصود القبر.
ويدل لهذا ما جاء في الصحيحين قوله ﷺ كما في حديث البراء بن عازب:
“إِذَا أُقْعِدَ المُؤْمِنُ في قَبْرِهِ أُتِيَ، ثُمَّ شَهِدَ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، فَذلكَ قَوْلُهُ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بالقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم: 27]. وفي رواية “نَزَلَتْ في عَذَابِ القَبْرِ“.
ومما يؤكد ذلك قوله ﷺ كما ثبت عند الترمذي:
“إنَّ القبرَ أوَّلُ مَنزلٍ من مَنازلِ الآخرةِ“.
“أَصْلِحْ لي آخِرَتي“.
إذًا هنا يدعو المؤمن أن يصلح الله جل وعلا له آخرته.
إذا صلحت آخرة العبد هنا يُنَجَّى مما يكون من فتن تكون في القبر حينما يُسأل {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم:27]، القول الثابت هو أنه في قبره إذا سُئل عن تلك الأصول الثلاثة التي يجب على كل مسلم أن يتعلمها وأن يعرفها، بعض الناس إذا سئل ما هي الأصول الثلاثة أو الثلاثة الأصول ما يعرفها.
من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟
هذه ستسأل عنها في قبرك، هذه أصول يجب أن تعرفها إذا سئلت ما هي الأصول الثلاثة فقل: العبد يسأل في قبره عن ثلاثة أصول، عن ثلاثة أمور من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك.
هنا إذا أصلح الله جل وعلا آخرة العبد: ثبته الله عز وجل في قبره،
أعطاه الله جل وعلا ما يسره في قبره، يُؤَمَّنُ في قبره، لا يخاف، لا يتعذب، لا يحزن، ويصلح الله جل وعلا له آخرته إذا قام من قبره، فيُؤَمَّنُ من الفزع الأكبر، {فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأحقاف:13] يَرِدُ حوض النبي لأن هذا من صلاح الآخرة، يرد حوض النبي ﷺ فيشرب منه، يُعطى الكتاب بيمينه، يُنَجَّى من ظلمات القيامة لأن في القيامة ظلمة دون الجسر، يُؤَمَّنُ من تلك الظلمة مما فيها من مخاوف، هناك ظلمة دون جسر جهنم كما ثبت الحديث في صحيح مسلم، يصلح الله جل وعلا له أمره إذا عبر الصراط الذي إذا مر به يمر به سريعًا، يصلح الله له آخرته أيضًا لما يعبر هذا الصراط ويدخل الجنة ويتنعم فيها، وقل ما تشاء من صلاح الآخرة، بل كما جاء بذلك حديث الزبير عند البزار الذي في مطلعه “اللَّهمَّ بارك لِي في دِيني الذي هو عصمةُ أمْرِي“ إلى أن قال: “وفي آخِرَتي التي إليها مَصيري ” البركة أيضًا مع صلاح الآخرة، إذا أصلح الله لك آخرتك، هنا أيضًا في هذه الجملة يبارك الله عز وجل لك في آخرتك، فإذا بالدرجات العالية، وإذا بالبركات من الله جل وعلا تتصبب عليك في آخرتك، وهي الآخرة التي إليها المصير، وتأمل هذه الجملة من حديث الزبير لما قال: “وفي آخِرتي الَّتي إليها مَصيري“.
في الجملة في جملة حديث أبي هريرة في صحيح مسلم “آخِرَتي الَّتي فِيهَا معادِي” المعاد في الآخرة، أيضًا المصير والمنقلب إلى أين؟
إلى الآخرة، ” وفي آخِرَتي التي إليها مَصيري ” مهما بلغ العبد في هذه الدنيا من المكث فيها، فإنه ولا شك إلى زوال، لأن مصير جميع العباد إلى الله جل وعلا، فإذا بالناس ينتقلون من هذه الدار إلى الدار الآخرة التي هي إما جنة، وإما نار، نسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم الجنة، وأن ينجينا وإياكم من النار.
“وَأَصْلِحْ لي آخِرَتي الَّتي فِيهَا معادِي“
بعض الناس ربما أنه إذا دعا يقول: “اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لي دِينِي الذي هو عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لي دُنْيَايَ الَّتي فِيهَا معاشِي، وَأَصْلِحْ لي آخِرَتي الَّتي إليها” يقول: إليها ولم يقل: “فِيهَا“
“ وَأَصْلِحْ لي آخِرَتي الَّتي إليها معادِي” والذي في صحيح مسلم كلمة “فِيهَا“
وليعلم أنه ورد جملة “إليها معادِي“ فلا حرج في ذكر هذه أو في ذكر هذه، وينوع الإنسان.
ووردت هذه الجملة “وأصلِحْ لي آخرتي التي إليها معادي“ في سبعة أجزاء من أمالي أبي الطاهر المُخَلِّص رحمه الله، وهو شيخ محدث من بغداد متوفى سنة ثلاثمائة وثلاثة وتسعين من الهجرة، وهو من المحدثين، وله هذه الأمالي من الأحاديث التي يمليها على طلابه، وهناك مصنف اسمه (المُخَلِّصِيات) جُمِعَت فيها كتب هذا العالم.
إذًا “وَأَصْلِحْ لي آخِرَتي الَّتي فِيهَا معادِي” وكذلك تنطق “وأصلِحْ لي آخرتي التي إليها معادي وَاجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لي في كُلِّ خَيْرٍ” وَاجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لي في كُلِّ خَيْرٍ لمَ؟
لأنه لا طعم ولا لذة ولا راحة ولا سعادة ولا طمأنينة للعبد إلا أن يوفق للخير في هذه الدنيا، وإلا أصبحت هذه الدنيا وبالا عليه ولو جُمِعَت له الأموال، ولو نال من المناصب ما نال {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه:124]
ولذلك يقول ابن القيم رحمه الله قال: فأولئك الذين أعرضوا عن الخير لهم نصيب من قول الله عز وجل: {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار:14]
يقول: لا تظن أن الجحيم الذي يناله الفجار لا تظن أنه في الآخرة فقط، بل في الدور الثلاث، جحيم في الدنيا، وجحيم في القبر، وجحيم في الآخرة.
ومن عمل الخير فله نصيب من قوله تعالى: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [المطففين:22] لا تظنن أن النعيم فقط المذكور في هذه الآية كما قال رحمه الله لا تظنن أنها متعلقة بالآخرة، بل {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [المطففين:22] نعيم في الدنيا، ونعيم في القبر، ونعيم في الآخرة، نعم.
“وَاجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لي في كُلِّ خَيْرٍ” تأمل معي قال: زيادة يعني العبد الصالح لا يقف عند خير فقط، بل يدعو الله جل وعلا أن يزيده من الخيرات، فيدعو الله جل وعلا أن يزيده من الخير لمَ؟
لأنه كما سلف لا طعم لهذه الحياة بلا خير، ولذلك ماذا قال النبي ﷺ كما عند الترمذي كما ثبت عنه؟
“خيرُكُم مَن طالَ عُمرُهُ، وحسُنَ عملُهُ“، وشركم من طال عمره وساء عمله، فلا خير في دنيا لم يُقبل العبد فيها على الخير، فإنه إن نال الخير في هذه الدنيا –الخير المقصود منه خير الدين– إن ناله فقد نال خيرًا عظيمًا، ولعل الحديث نكمله إن شاء الله تعالى في الجمعة القادمة، وننهي بذلك إن شاء الله ما يتعلق بهذا الحديث.
وَاجْعَلِ المَوْتَ رَاحَةً لي مِن كُلِّ شَرٍّ“.