الفوائد المنبرية ـ الجزء الأول

الفوائد المنبرية ـ الجزء الأول

مشاهدات: 450

  الفوائد المنبرية  ـ الجزء الأول

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــ

( أما بعد : فيا عباد الله  )

لدي في هذا اليوم بعض الفوائد التي ربما أن تكون مجهولة لدى كثير من الناس ، ويمكن أن تكون أيضا مضمنة بعض التنبيهات وبعض التحذيرات .

( من الفوائد  والتنبيهات  )

أن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين :

( نهى أن يبصق الرجل وهو يصلي تلقاء وجهه ، لأن الله قِبل وجهه ، ونهى أن يبصق عن يمينه وأمره أن يبصق عن يساره أو تحت قدمه )

عند البخاري :

( فإن عن يمينه ملكا )

إذاً البصق تلقاء القبلة أو عن اليمين منهي عنه في الصلاة ،

لو قال قائل : أليس هناك ملك عن يسار المصلي ، لأنه قال عند البخاري ( لأن هناك ملكا عن يمينه ) فأين ملك الشمال ؟

الجواب / أن الصلاة هي أعظم العبادات البدنية ولا تعلق لكاتب السيئات بها ، ومما يدل على ذلك ما جاء عن حذيفة رضي الله عنه موقوفا عند ابن أبي شيبة أنه قال :

( فإن عن يمينه ملكا ) فاقتصر على ملك اليمين .

وجاء عند الطبراني من حديث أبي أمامة رضي الله عنه أنه قال :

( فإن عن يمينه ملكا وعن يساره القرين )

يعني في أثناء الصلاة إذا بصق عن يساره ، ليس هناك ملك للسيئات ، وإنما يكون عن يساره القرين ، فانتفت هنا الشبهة التي ربما تعلق في أذهان بعض الناس .

( من الفوائد  والتنبيهات  )

هل يجوز للإنسان أن يبصق عن يمينه خارج الصلاة ؟

الأحاديث والآثار أتت بالمنع حتى خارج الصلاة من جهة اليمين ، بدليل ما جاء عند عبد الرزاق وعند الطبراني ، ونقل الألباني رحمه الله عن الهيثمي في المجمع أنه قال ” رجاله ثقات “ وهذا يدل على أن الألباني يرى صحة هذا الأثر عن ابن مسعود ( أنه كان ينهى )

وذكر أثرا عن معاذ قال ( ما بصقت عن يميني منذ أسلمت ) وذكر أثرا عن عمر بن عبد العزيز ( كان ينهى ابنه أن يبصق عن يمينه مطلقا )

إذاً لا بصق جهة اليمين ولو كان خارج الصلاة .

( من الفوائد  والتنبيهات  )

هل يجوز له أن يبصق تلقاء وجهه مقابل القبلة ، معلوم أنه منهي عنه داخل الصلاة كما جاء في الصحيحين :

( فإن الله قِبل وجهه )

لكن هل يجوز للرجل أن يبصق تجاه القبلة خارج الصلاة ؟

الأحاديث أتت بالمنع ، والدليل حديث حذيفة رضي الله عنه عند أبي داود :

( من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفله بين عينه )

ويؤيده ما جاء عند البزار وهو شاهد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما .

قال الألباني رحمه الله  : هذا يدل على كراهة التفل داخل الصلاة وخارجها  .

وذكر ابن حجر في الفتح ناقلا عن النووي رحمهما الله : بالجزم بالمنع داخل الصلاة وخارج الصلاة .

أما حديث عمرو بن حزم عند الطبراني :

قال ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بزق عن يمينه وعن يساره ومن بين يديه )

فلا يصح ، بل هو ضعيف جدا ، فيه الواقدي وهو متروك الحديث كما هو معلوم .

فنخلص مما ذكر : أنه يمنع البصق تجاه القبلة داخل الصلاة ، لم ؟  ( لأن الله قِبل وجهه )

يمنع البصق عن يمين المصلي لأن عن يمنه ملك .

أما عن اليسار فجاءت الأحاديث أن القرين يكون عن يسار المصلي ، هذا داخل الصلاة .

وأما خارج الصلاة : لا تبصق عن يمينك للآثار التي أسلفت ذكرها .

وهل له أن يبصق تجاه القبلة خارج الصلاة ؟

الأحاديث والآثار أتت بالمنع .

( من الفوائد  والتنبيهات  )

وهي تكدر صفو المسلم ، وبعض الناس ربما يفعل ذلك من غير ما يظن أو ربما يظن ، فهذا الفعل يكدر صفو المسلم ويقزز نفسه ، تمشي في الطريق وإذا بنخامة ربما تعلق بنعليك أو ربما تؤذي رجليك أو ربما يحصل من هذا يضيق نفس المؤمن حينما يراه ، الإسلام أمرك بأن ترفع الأذى عن الطريق ، فكيف تضف هذا الأذى ؟!

هذه النخامة أعظم أذية من غصن شوك ، لأنه أهون على المسلم أن يلصق به غصن شوك ولا تلصق به مثل هذه الأشياء التي تكدر صفو المسلم ، فعلى المسلم أن يتنبه وأن يعرف أن للطريق حقه ، وبعض الناس – حتى في المساجد – نحن نقول إن الإنسان قد يبتلى ولا أحد يسلم من البصاق ، ولا أحد يسلم من أن يتنخم ، لكن إذا أخذت منديلا خذه وبصوت منخفض ولا تؤذِ الآخرين ، لكن لا تفعل مرة ولا مرتين ولا ثلاث بل عشرات بل مئات المرات ، وإذا به يرفع صوته لكي يجذب كل ما في رأسه وكل ما في صدره ، والناس يتأذون  ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) أما أن يكون الإنسان هذا هو الديدن منه ولا يبالي وكأنه وحده ، فليراع مشاعر الآخرين

( من الفوائد والتنبيهات  )

جاء في الصحيحين : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم يستحب الخروج يوم الخروج )

يعني السفر يوم الخمس، هل هو سفر جهاد ؟

ما جاء في الصحيحين يشير إلى ذلك ، لكن جاء عن النسائي : ( كان يحب صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج لسفر جهاد أو غيره خرج يوم الخميس )

إذاً السفر يوم الخميس مستحب ، لم ؟

قال بعض العلماء : لأن به بركة ، ويمكن أن تكون البركة التي ذكروها من أجل ما جاء في المسند وسنن أبي داود :

( أن الأعمال تعرض يوم الاثنين ويوم الخميس )

وعند البيهقي ( ترفع )

وقال بعض العلماء : لأن يوم الخميس كما جاء عند مسلم ( هو اليوم الذي بُثَّت فيه الخلائق لما خلق الله الخلق ) فكان من المناسب أن ينتشر بالسفر يوم الخميس كما بثَّت الدواب يوم أن خلقها الله يوم الخميس .

وقال بعض العلماء : لأنه صلى الله عليه وسلم يتفاءل باسمه ، لأنه إذا خرج مع الجيش للغزو ، هذا الجيش يسمى بـ ( الخميس ) لأنه مقسم خمسة أقسام ” مقدمة ومؤخرة وميمنة وميسرة وقلب ” فكان من باب التفاؤل أن هذا الخميس الذي هو الجيش ينتصر في يوم الخمس .

أما ما ورد عند ابن ماجه قال صلى الله عليه وسلم :

( اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم الخميس )

فحديث ضعيف .

وما ورد عند ابن عساكر : ( أن هناك ملائكة تنزل ومعها صحف من فضة وأقلام من ذهب يكتبون يوم الخميس وليلة الجمعة من هو أكثر صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم )

فهو حديث ضعيف جدا ، بل قد يصل إلى الوضع .

وما ورد عن الطبراني في استحباب طلب العلم يوم الخميس :

( اغدوا في طلب العلم بورك لأمتي في بكورها ودعوت الله أن يكون يوم الخمس )

فهو حديث لا يصح .

لكن ليعلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يحرص على أن يخرج يوم الخميس ، لكن لو خرج في غير يوم الخميس فلا إشكال ، ولذلك خرج يوم السبت – كما في عون المعبود  – خرج يوم السبت لحجته صلى الله عليه وسلم .

لكن عليك أن تحرص على يوم الخميس إذا أردت أن تسافر .

( من الفوائد  والتنبيهات  )

ويفهم من هذه الفائدة بعض الناس فهما خاطئا بل فهما قاصرا ، بعض الناس يقول :

[ فلان لا يخاف في الله لومة لائم ]

يفهم هذه الجملة فهما خاطئا

أولا : جاءت هذه الجملة بصيغة

( لا تبالوا في الله لومة لائم ) كما عند أحمد ، وعنده :

( لا تأخذكم في الله لومة لائم )

وفي الصحيحين من حديث عبادة :

( لا نخاف في الله لومة لائم )

وهذا مما جاءت به الآية :

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }المائدة54

إذاً وردت ( بالمبالاة والمؤاخذة ) عند أحمد ، ووردت ( بالخوف ) في الصحيحين .

بعض الناس يظن أن هذه الجملة التي ذكرت في الأحاديث أنها خاصة في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقط ، وهذا فهم خاطئ ، كيف ؟

بعض الناس ربما وهو خطيب لا يقرأ بصورة ” ق ” على منبر يوم الجمعة كما جاء عند مسلم ، يخشى ويخاف من أن يلومه الناس ، لم يفعله من قبلك ، هذا لما يترك هذه السنة ، هذا أخذته في الله لومة اللائمين .

بعض الناس ربما لا يقرأ في فجر الجمعة بسورتي السجدة والإنسان يخشى من لوم الناس،  الأئمة لا يطبقون هذه السنة ، فلماذا تضيق علينا ، فيترك هذه السنة من أجل ألا يلام بمثل هذا الكلام ، فهذا أخذته في الله لومة لائم .

بعض الناس ولاسيما في باب الإنكار على الولاة والحكام ، يجب أن يكون الإنكار بشروطه وضوابطه الشرعية ، يعني لما يتحدث شخص يقولون ” ما شاء الله هذا لا تأخذه في الله لومة لائم “

في المقابل معتقد أهل السنة والجماعة فيما يخص الولاة وفيما يجب لهم من حقوق ذكرها الشرع لا ينطق بها ، لماذا لا تنطق بها ؟

يخشى من لوم الناس ، وإن لم يقل بلسان مقاله قد يقول بلسان حاله ، يقول أخشى أن أنسب إلى أني مداهن أو أني أتزلف عند الدولة أو عند الحكام أو أن يقال هذا من غلاة الطاعة ، فهذا أخذته في الله لومة لائم ، ولذلك من لم يأخذ بهذه الجملة ولاسيما فيما يخص الولاة فقد أخطأ في عدم امتثال الحديث الذي وردت فيه هذه الجملة ، يعني نأخذ بجملة واحدة من الحديث ونترك الجمل الأخرى ؟

النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، واللفظ لمسلم لأن البخاري أسقط لفظة ( العسر واليسر ) وجملة ( أثرة علينا )

قال ( بايعْنَا رسولَ الله ) يعني المبايعة وقعت من الصحابة رضي الله عنهم  ، ويصح ( بايعَنَا رسولُ الله ) يعني المبايعة منه صلى الله عليه وسلم  .

(  بايعْنَا رسولَ الله على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا وأن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم )

يعني تأخذ بالجملة الأخيرة وتترك ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من جمل مذكورة في صدر الحديث وليست جملة واحدة ؟ فهذا أخذته في الله لومة لائم .

 

الخطبة الثانية

أما بعد فيا عباد الله /

( من الفوائد  والتنبيهات  )

وهي تحذير وتنبيه لمن يدخل  في وسائل التنقية

هناك من يفسر القرآن بنظريات فيزيائية له مقاطع ، وقد يكون له أشباه وأمثال ، لكني وقعت على بعض منها لشخص ما ، وقد تكون لأكثر من شخص في هذا الباب .

الحق إذا أتى مما يكون تابعا للقرآن يقبل ، لكن أن يعسف القرآن وأن يعسف النص الشرعي من أجل أن يتوافق الدليل الشرعي مع هذه النظريات – لا – ولذلك يأتي هذا الرجل ببعض الآيات من القرآن لتوافق نظرياته ، حتى إنه في بعض ما يذكر قد يخطئ في إيراد الآية فيلحن فيها ، لكن من بين ما يذكر حرصه على أن يبين أن البشرية كلها جمعاء أنها سعيدة ، وغفل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين في شأن الجنين :

( يكتب له رزقه وعمله وأجله وشقي أو سعيد  )

أيضا  ترتب بنظريات فيزيائية أو علوم طبيعية من عند هؤلاء يرتبون عليها مقاييس الزمن الدنيوي بالأخروي ، ومعلوم أن ما يكون في يوم القيامة لا يمكن أن تتركه العقول حتى نأتي بهذه النظريات ، بل يغفل في مثل هذه المقاطع عن جانب الحكمة الشرعية من خلقه جل وعلا للبشرية  {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56

وأنا أذكر هذا على سبيل المثال ، قد يكون هناك مقاطع أخرى لأشخاص آخرين ، لكن هذا من باب التنبيه والتحذير ، فما كان حقا وتابعا للقرآن فعلى العين والرأس ، لعظمة القرآن نقبله لأن الشرع أمرنا بذلك ، لكن أن يكون الناس القرآني تابعا لنظريات دنيوية ويعسف النص وتلوى عنقه فلا يقبل أبدا .

الخاتمة ………