تفنيد سبع عشرة شبهة يستدل بها أصحاب الأهواء والبدع على الاحتفال بمولد النبي ﷺ.
لفضيلة الشيخ/ زيد بن مسفر البحري
————————————————
لاشك أن الاحتفال بمولد النبي ﷺ من البدع؛ لأنه لم يفعل ذلك ولم يفعله الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ولكن بما أن هذه المسألة يُدندن حولها ويستدل من يستدل بإقامة هذا الاحتفال بالمولد يستدل ببعض الأدلة وببعض كلام العلماء فإنني في هذا المقام أقول :
إن كان قصد الإنسان اتباع الحق حسب ما جاءت به الأدلة دون النظر إلى ما يُنقل عن فلان أو عن فلان سواء كان عالماً
أو لم يكن عالماً؛ فإنه إن أراد رضى الله عزوجل
فإنه يتبع الحق المبني على الدليل الصحيح الصريح الواضح
ومن هنا نأتي على شبهات هؤلاء:
١– يستدلون بقول الله عزوجل :
(قُل بِفَضلِ اللَّهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذلِكَ فَليَفرَحوا هُوَ خَيرٌ مِمّا يَجمَعونَ)
[يونس: ٥٨]
يقولون:
النبي ﷺ قال عنه عزوجل: ﴿وَما أَرسَلناكَ إِلّا رَحمَةً لِلعالَمينَ﴾
[الأنبياء: ١٠٧]
وقال هنا: (قُل بِفَضلِ اللَّهِ وَبِرَحمَتِهِ)
فهو أحق من يُفرح بولادته ﷺ.
والجواب عن هذا:
أن معظم كلام المفسرين أن الرحمة هي الإسلام أو القرآن وقد أطال الطبري في بيان ذلك ولم أرَ أن أحداً قال إن الرحمة في هذه الآية المقصود هو النبي ﷺ لم أرَ شيئاً من ذلك، ولذا فإن قوله عزوجل: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ المقصود من ذلك أنه رحمة لمن أخذ بهديه واتبع شريعته ﷺ، ولذلك في صحيح مسلم لما قيل له ادعُ على المشركين قال لم أبعث لعّاناً وإنما بعثت رحمة.
٢– أما استدلالهم بحديث النبي ﷺ : ” إنّ اللَّهَ حدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوها وفَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعوها وحَرَّمَ أشْياءَ فَلَا تَنْتَهكوها وتَرَكَ أشْياءَ منْ غَيْرِ نِسْيانٍ منْ رَبِّكمْ وَلكِنْ رَحْمَةً منْهُ لكمْ فاقْبلوها وَلَا تَبْحَثُوا عنها “
من أنهم قالوا هذا الاحتفال مسكوت عنه فلا تثريب علينا
فالجواب عن هذا:
أن هذا الحديث حديث أبي ثعلبة في مستدرك الحاكم وهو ضعيف، وعلى افتراض صحته فإن أوله يرفض ما ذكرتموه لأنه قال:
“ حدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوها وفَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعوها وحَرَّمَ أشْياءَ فَلَا تَنْتَهكوها “ إذاً ما أتيتم به مخالف للشرع مخالفة صريحة بل فيه تجاوز لحدود الله و فرائض الله وإقدام على ما حرم الله عزوجل ولذلك مما يدل على هذا أكثر ما جاء في الحديث الحسن حديث سلمان عند الترمذي وابن ماجه: ” الْحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ، فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ ” ما سكت عنه مما أباحه عزوجل وليس معنى ذلك أن يُقتحم الدين لأن القاعدة في الشرع أن العبادات مبناها على الحظر أي المنع ولاشك أن هذا الاحتفال المربوط بمولده ﷺ لاشك أنه ليس عادة عند هؤلاء وإنما هي عبادة وعلى كل حال هو محرم وبدعه سواء كان ما قصدوه عادةً أو عبادة فالعبادة مبناها على الحظر وهو المنع والدليل ما جاء في الصحيحين قوله ﷺ من حديث عائشة رضي الله عنها ” مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ “
٣– أما ما استدلوا به من أن البدع تنقسم إلى أقسام: بدعة حسنة وبدعة سيئة ومنها بدعة واجبة ومحرمة وبدعة مباحة وبدعة مستحبة وبدعة مكروهة ويقولون الاحتفال بمولده ﷺ من البدع الحسنة
فالجواب عن هذا: أن النبي ﷺ كما جاء في السنن قال:
“كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ” قال: “كُلَّ“ بدون تفصيل
ولو كان المقصود أن هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة لما كان في ذكر كلمة كل أي فائدة!
“كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ“
هذا شامل ولو أتينا إلى هذا التقسيم –وهذا التقسيم مرفوض– لما صلح أن نقول بدعة واجبة وبدعة حسنة لم؟
لأن لها دليلا
إذاً لا تدخل في ضمن ضابط البدعة!
لو سلمنا لهذا إذاً ما كان لكلمة “بدعة“ أي فائدة؛ لأنه إذا قلنا إنها بدعة واجبة إذاً عليها دليل، بدعة محرمة عليها دليل،…….
إذاً كلمة ” كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ” إذاً على قولكم هذا أنه لا فائدة من كلمة “كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ “
٤– أما استدلالهم بأن الله عزوجل ذكر مولد بعض الأنبياء: فمولد النبي ﷺ أولى: واستدلوا بقوله: ﴿وَسَلامٌ عَلَيهِ يَومَ وُلِدَ وَيَومَ يَموتُ وَيَومَ يُبعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: ١]
نقول ماذا قال المفسرون؟ إنما ذُكرت هذه الأحوال الثلاثة حال الولادة وحال الموت وحال البعث لأنها أوحش ما يكون من المواطن فأمَّنه الله عزوجل وسلَّمه الله عزوجل وليس المقصود من ذلك تعظيم هذا اليوم
إذاً لو قيل لِمَا قُلتم؛ إذاً يوم وفاة هؤلاء الأنبياء ويوم وفاة النبي ﷺ هنا يُحتفل به ويُعظَّم!
وهذا مما لا يُقولون به بل لا يُقِرُّه عقل ولا شرع أن يُحتفل بمناسبة موته؛ فكيف إذاً يحتفل بمناسبة مولده ﷺ؟
فلا حجة لهم في الاستدلال بهذه الآية.
٥– أما استدلالهم بأن النبي ﷺ لما سُئل عن صوم يوم الاثنين قال:
“ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ” فيقولون هو عظَّمه في الصيام لأنه ولد فيه فالاحتفال كذلك!
فنقول: سبحان الله هذا الحديث في صحيح مسلم لكن اقرؤوا ما قبله حديث أبي قتادة سُئل عن صومه ﷺ فغضب ثم سئل عن صيام الدهر ثم سئل عن صيام يومين وإفطار يوم ثم سئل عن صوم يوم الاثنين فأجاب قال ذلك يوم ولدت فيه ويوم بعثت أو انزل عليّ فيه ثم سئل عن صيام يوم عرفة ثم سئل عن صيام يوم عاشوراء ) إذاً هذا في سياق أسئلة من الصحابة رضي الله عنهم للنبي ﷺ إذا لو أُخِذ بهذا لأُلزِموا بأن يحتفلوا بيوم وفاته ﷺ لم؟ لأن البخاري بوَّب قال: باب موت يوم الإثنين، وذكر حديث أن أبا بكر سأل عائشة رضي الله عنها في أي يوم مات النبي ﷺ فقالت في يوم الإثنين، ثم هو ﷺ ما كان يحدد على ما ترونه من أنه في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول ما كان يحدد ذلك وإنما كان يصوم يوم الاثنين ثم أيضاً ما الأحاديث الأخرى؟ هل كان يقصد يوم الاثنين؟ وإنما كان يتحرى ولذلك عند الترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها كما ثبت:
“كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صَوْمَ الِاثْنَيْن“ وليس الاثنين فقط بل معه الخميس ولذلك علل سبب الصوم ليس لأنه يوم ولد فيه لا وإنما قال كما عند الترمذي كما ثبت عنه ﷺ:
” تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ ” ثم هل ثبت يقينا أنه ولد ﷺ في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول هذا فيه اختلاف بين أهل السِّيَر هل أنه ثبت من أنه في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول؟
فلم يكن ﷺ يُحتفل به ثم إنه ﷺ لما كان يتحرى الصيام ويصوم يوم الاثنين هل أوجد هذه الاحتفالات وهذه المناسبات وهذه العبادات التي أتيتم بها؟ لم يفعل ذلك ﷺ وإنما هذا شيء أحدثوه من تلقاء أنفسهم.
٦- أما ما استدلوا به من أن النبي ﷺ عقّ عن نفسه بعد ما بعث نبياً
هذا حديث أنس وهو في مصنف عبد الرزاق وهذا يصححه الألباني رحمه الله فهم يقولون بأنه ﷺ عقّ بمناسبة ولايته مع أن جده عبد المطلب عقّ عنه إذاً ما عقّ مرة ثانيه إلا من أجل أن لهذا المولد مناسبة عظيمة.
فالجواب عن هذا: أنه ﷺ عقّ عن نفسه بعد ما بعث نبياً هذا أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، الألباني رحمه الله يرى أنه ثابت وصحيح،
لكن يُعلَم أن جمله من العلماء ضعفوه ولذلك قال النووي في المجموع قال هذا حديث باطل وابن حجر رحمه الله تردد مرة يقويه ومرة يضعفه.
افتراضاً أنه صحيح فلا دليل، لأنه ﷺ عقّ عن نفسه لم؟ لأنه إن ثبت أن عبدالمطلب عقّ عنه بكبش وسماه محمداً فقيل له يا أبا الحارث ما حملك على أن تسميه محمداً ولم تسمه باسم آباءه؟ قال: “أَرَدْتُ أَنْ يَحْمَدَهُ الله فِى السَّمَاءِ، وَيَحْمَدَهُ النَّاسُ فِى الأَرْضِ” أولاً هذا أخرجه ابن عساكر في تاريخه بإسناده إلى أبي عثمان البحيري فهذا غير مشهور عند أهل السير وإنما ذكره أبو عثمان البحيري في السابع من فوائده، ثم مع ذلك هو موقوف على ابن عباس رضي الله عنهما وابن عباس رضي الله عنهما في تلك اللحظة لم يولد لم يوجد، وتنزلًا على افتراض أنه صحيح -مع أنه لا يصح- فهو كما قلت وأيضاً هو غير مشهور على افتراض ذلك فالنبي ﷺ إنما عقّ عن نفسه لأنه لما عقّ عنه عبد المطلب لم يكن عبد المطلب مسلماً ولم يُبعث النبي ﷺ وقتها حتى يكون هذا الحكم لهذه العقيقة؛ لأن العقيقة إنما شُرعت بعد ما بُعث ﷺ في زمنه.
٧- أما استدلالهم في ما جاء في البخاري أن عروة قال: ” وَثُوَيْبَةُ مَوْلَاةٌ لِأَبِي لَهَبٍ، كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا فَأَرْضَعَتِ النَّبِيَّ ﷺ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ” يعني حال وضبطت بالخاء خَيبَه“ بِشَرِّ خَيبَةٍ” وضبطت “بِشَرِّ حَيبَةٍ” قال ابن حجر رحمة الله وضبطت بالجيم لكن قال: هي تصحيف المهم ” قَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيتَ؟ قَالَ أَبُو لَهَبٍ: لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ”
أولاً هذا مرسل قاله عروة والمرسل ضعيف لا يحتج به فذكره عروة استطراداً وأثبته البخاري لا لأنه صحيح عنده لأنه ليس حديثاً عن النبي ﷺ فإذاً هو مرسل لا يصح ولو صح تنزلاً فهذه منامات لا حجة فيها حتى نثبت حكماً وعباده ولذلك قال ابن حجر رحمه الله لو أن النبي ﷺ رُئِي في المنام وأمر بشيء فإن ما أمر به يُعرَضُ على شرعه هل يوافق أم لا، ثم كما أشار ابن حجر رحمه الله قال فلعل من رآه لم يكن مسلماً آنذاك فهذا يحتاج إلى اعتماده لأن هذا الناقل ليس بمسلم حتى يعتد بكلامه مع أنه مرسل لكن مع ذلك يقول فلربما أن الرائي له في المنام ليس بمسلم.
ثم مع هذا كله كونه يسقى يوم الاثنين على حسب هذه الرؤيا؛ هذه رؤيا -كما سلف- رؤيا منام ومرسله ولا تقاوم ما جاء في قوله عزوجل: ﴿وَقَدِمنا إِلى ما عَمِلوا مِن عَمَلٍ فَجَعَلناهُ هَباءً مَنثورًا﴾ [الفرقان: ٢٣]
ثم مع هذا كله كون أبي لهب أعتق ثويبة لما بشرته بولادة النبي ﷺ قال ابن حجر رحمه الله في الفتح هذا يخالف ما عليه أهل السير لم؟ لأن أبا لهب لم يعتق ثويبة إلا بعد ما أرضعت النبي ﷺ بدهر طويل ولذلك في السير والمشهور في السير كانت خديجه تكرمها وهي يومئذ مملوكه فتبين من هذا أنه لا حجة لهم في ما ذكروه.
٨- أما استدلالهم بأن اليهود والنصارى كانوا يصومون يوم عاشوراء باعتبار أن الله عز وجل نجّى فيه موسى وقومه فتكون هذه مناسبة دينية ومن أعظم ما يكون هو مولد النبي ﷺ.
فالجواب عن هذا أنه ﷺ ما ذكر ما يتعلق بمولده في صيام يوم عاشوراء ثم النبي ﷺ ما كان يصوم باعتبار أن اليهود كانوا يصومونه وإنما كان يصومه قبل ذلك كما جاء في الصحيحين كانت قريش تصومه وكان ﷺ يصومه قبل أن يهاجر صلوات ربي وسلامه عليه.
٩- أما قولهم من أن الاحتفال بالمولد من أنه بدعه حسنه وأنه يندرج تحت القواعد الشرعية.
فالجواب عن هذا ابن مسعود رضي الله عنه انكر على من اجتمعوا على الذكر قالوا ما أردنا إلا الخير قال: “كَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ” مع أنه داخل في قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اذكُرُوا اللَّهَ ذِكرًا كَثيرًا﴾ [الأحزاب: ٤١].
١٠- أما استدلالهم من أن الاحتفال بمولده ﷺ يزيد من كثرة الصلاة عليه ﷺ
فمثل هذا الكلام لا يقوله إنسان له اتصال بالعلم الشرعي لم؟ لأن الصلاة على النبي ﷺ ما تُربط بمثل هذا الحدث وإنما هو ﷺ أمر بالصلاة عليه في أحاديث كثيرة ولم يذكر هذا اليوم الذي ولد فيه ﷺ ولم يحث على أن الناس يكثرون من الصلاة عليه في يوم مولده ﷺ.
ولذلك الموفق الذي يحب النبي ﷺ ويحب شرع الله ﴿قُل إِن كُنتُم تُحِبّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعوني يُحبِبكُمُ اللَّهُ وَيَغفِر لَكُم ذُنوبَكُم﴾ [آل عمران: ٣١]
ثم مع هذا كله فماذا تصنعون في هذا المولد؟ يفعلون من الشركيات والاختلاط والاستغاثة بالنبي ﷺ وما شابه ذلك مما لا يرضاه الله ولا يرضاه رسول الله ﷺ
١١- أما استدلالهم من أن الله عز وجل ذكر أن آدم ولد يوم الجمعة فهذا يدل على تشريف الزمان الذي ولد فيه فالجواب عن هذا أنه في الأصل لم يولد آدم إنما خلق آدم في يوم الجمعة وليس أنه ولد ثم مع هذا كله ولو كان فيوم الجمعة حذر النبي ﷺ كما عند مسلم من تخصيصه بالصيام
” لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ “.
فتخصيص عبادات بأزمان معينه من تلقاء الإنسان هذا لا شك أنه يفتح أبوابًا من الشرور على الأمه وعلى التطاول على شرع الله وعلى سنة رسول الله ﷺ.
١٢- وأما ما استدلوا به من أن هذا أمر درج عليه الناس.
فنقول سبحان الله الجماعة من وافق الحق ولو كنت وحدك فكون مثل هذا الاحتفال ينشر ويؤيد من قبل دول أو ما شابه ذلك فهذا لا يجعله مسنونًا أو مباحًا ولو كان به خير لفعله الصحابة رضي الله عنهم ولفعله النبي ﷺ والعبادات التي تشرع في مثل هذا اليوم ليست محمودة ولا يثاب صاحبها عليها.
١٣- وأما استدلاكم ببعض كلام الأئمة في بعض المسائل
من أن هذه بدعه حسنة.
فليس مقصود هؤلاء أن هناك بدعه سيئة وبدعه حسنة في الشرع لا وإنما المقصود بدعه لغوية وهذا أيضاً يستدلون به كما قال عمر في صحيح البخاري لما جمعهم في صلاة التراويح: ” نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ ” هنا بدعه لغوية نسبية ليس المقصود أن عمر رضي الله عنه ابتدع شيئاً وهي صلاة التراويح كلا لم؟ لأنها أصلاً موجودة صلى بهم النبي ﷺ أربع ليال جماعة ثم خشي أن تفرض عليهم فترك ذلك ثم أتى زمن أبي بكر واشتغل بحروب المرتدين ثم زمن من عهد عمر فلما استقر الحال جمعهم.
إذاً لما طال الفاصل بين فعله ﷺ جماعة معهم إلى زمن عمر ثم جمعهم هذا الفاصل لما جمعهم قال: ” نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ ” يعني بدعة لغوية باعتبار أنها كادت أن تترك وليس المقصود من ذلك البدعة التي يقصدها هؤلاء فحاشى عمر رضي الله عنه أن يبتدع في شرع الله عزوجل وهو معروفٌ بحرصه على دين الله وعلى سنة رسوله ﷺ.
١٤- أما استدلالهم من أنها إن خلت من المخالفات الشرعية فهي من الدين ولا حرج فيها.
فنقول السلف رحمهم الله لم يفعلوها حتى في القرون المفضلة!
وقد نص على ذلك شيخ الإسلام رحمه الله في اقتضاء الصراط المستقيم وكذلك ذكر ذلك ابن حجر رحمه الله وكذلك السخاوي وغير هؤلاء.
١٥- أما استدلالهم بحديث النبي ﷺ عند مسلم: ” مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا “
فنقول انظر من سن في الإسلام سنة حسنة قيدها بالإسلام يعني هي من الإسلام أصلاً ولم يقل من سن سنة حسنة وأطلق لا من سن في الإسلام سنة حسنة يعني أنها كادت تندثر وهي أصلاً من الشرع فأحياها ثم مع هذا كله انظر إلى سبب الحديث: لما أتى ذلك الوفد من مضر وكانوا فقراء فخطب النبي ﷺ وحث الناس على الصدقة أتى شخص بطعام تكاد يده تعجز عنها فلما رآه الناس تسابقوا فقال هذا الحديث ﷺ من باب أن هذا الرجل فتح لهم باب خير حث عليه النبي ﷺ.
١٦- أما استدلالهم من أن هذا الفعل شأنه كشأن كما زاد بعض الصحابة بعض العبادات من تلقاء أنفسهم ويستدلون بزيادة ابن عمر لما زاد: “وحده لا شريك له” في التشهد كما عند أبي داوود
فنقول سبحان الله ابن عمر رضي الله عنه لم يزدها اختراعاً وابتداعاً من تلقاء نفسه بل أخذ ذلك عن غيره من الصحابة الذين رووا التشهد عنه ﷺ بهذه الزيادة كما أشار إلى ذلك الألباني رحمه الله في أصل صفة صلاة النبي ﷺ فهي من الشرع ثم ما فعلوه ثبت بإقرار النبي ﷺ لكن أنتم من الذي سيقر لكم هذا الفعل؟ مع أن هذا الفعل مخالف لما عليه النبي ﷺ وما عليه أصحابه والتابعون ومن جاء بعدهم.
وأما ما يفعله بعضهم فقد يجتهد لأنه كان بعيداً عن النبي ﷺ كما في الصحيحين لما كان عمار بن ياسر أجنب وتيمم بالتراب فعمم بدنه كله وتمرغ كما تتمرغ الدابة ظناً منه أنه كالغسل فالنبي ﷺ لم يقره على ذلك بل بين له أن صفة التيمم أن يضرب الأرض بيديه ضربة واحدة ويمسح وجهه وكفيه.
١٧- أما يستدلون به من كلام شيخ الإسلام رحمه الله وكلامه في اقتضاء الصراط المستقيم قال: “فتعظيم المولد، واتخاذه موسمًا، قد يفعله بعض الناس، ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده”
سبحان الله! الآن يؤخذ بكلام شيخ الإسلام رحمه الله لما أتى بجمل توافق ما يريده هؤلاء؟ سبحان الله!
ونأمل ونرجو أن ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله في تحطيم البدع الأخرى التي عليها بعض الناس أن يؤخذ بها لأنه بيَّن أنها بدع وبيَّن أنها شركيات بالأدلة الشرعية لا لأنه كلام لشيخ الإسلام فقط لا. بعض الناس يظن أننا لما ننقل عن شيخ الإسلام يظن أننا نعظمه باعتبار أنه مشرع لا. نحن نأخذ بما أتى به مما يوافق الحق ومعلوم ومعروف أن شيخ الإسلام رحمه الله وُفِّق -والموفق من وفقه الله عزوجل- وفق في كثير من المسائل التي وافق فيها الحق وهذا فضل من الله عز وجل يؤتيه من يشاء وليست له العصمه ولا يسلم من الخطأ رحمه الله. لكن نقول بما أنكم استدللتم بكلام شيخ الإسلام رحمه الله فنقول سبحان الله ألم تقرؤوا هذا الكتاب الذي أخذتم منه كلامه وهو كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم؟ يعني من ينظر إلى كلام شيخ الإسلام في كتبه الأخرى إذا به يحطم البدع ويفندها كثيراً ولا يُقِرُّها، من يعرف منهج شيخ الإسلام رحمه الله. لكن كلامه هنا مقصوده رحمه الله كما بين في مواطن أخرى من أن الإنسان قد يفعل البدعة لجهل منه أنها بدعة فيؤجر على حسن نيته لا لحسن فعله لأن فعله فعل سيء وبدعة لكن لحسن نيته يثاب من هذه الحيثية، هذا على التسليم بصحة ما قاله رحمه الله لكن تنزلاً، وفي مثل هذا الزمن لا يعذر أحد لأن وسائل التواصل موجودة والقنوات موجودة ووصول الحق إلى الناس سهل في مثل هذا الزمن فليس هناك أحد معذور في مثل هذا الأمر فلا يأتي مبتدع ويقول أنا معذور باعتبار أني حسن النية لا في مثل هذا الزمن لا يعذر. ثم نقول انظروا إلى كلام شيخ الإسلام رحمه الله في كلامه عن المولد قال رحمه الله: ” فإن هذا ” يعني الاحتفال بمولد النبي ﷺ قال: ” فإن هذا لم يفعله السلف، مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه لو كان خيرًا. ولو كان هذا خيرًا محضا، أو راجحًا” يعني خيرًا راجحًا ” لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله ﷺ وتعظيمًا له منا، وهم على الخير أحرص.وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنته باطنًا وظاهرًا، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان. فإن هذه طريقة السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان “
إذاً من تأمل وجد أن مثل هذه الشبه التي يدسها هؤلاء وينشرها هؤلاء ويبثها هؤلاء من أجل تضليل عوام الناس هي شبهه داحضة وباطلة.
واكتفي بهذا القدر فما يأتي من شبه أخرى فتعامل معاملة هذه الشبه التي دُحِضت ولله الحمد بنصوص شرعية واضحة وصريحة.