بسم الله الرحمن الرحيم
الخُطبة الثالثة عن أحكام الصلاة بعنوان:
(ستّة أحكام فقهية مختصرة بأدلتها الشرعية عن الصلاة)
[مِن محتوى هذه الخُطبة: من شروط صحة الصلاة: سَتر العورة،
واجتناب النجاسة في الثوب والبدن والمكان]
لفضيلة الشيخ/ زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحدثنا في الجمعة الماضية عن أحكام مختصرة بأدلتها الشرعية عن الصلاة،
وفي هذا اليوم نذكرُ شيئًا من الأحكام:
أولًا: عورةُ الرجل مِن السرة إلى الركبة؛ كما جاءت بذلك الأدلة التي يعضُدُ بعضُها بعضا،
تنبيه/ بعضُ الناس قد يلبسُ سراويل تصلُ إلى أنصاف فَخِذَيه، ويلبس ثوبا رقيقًا، ومِن ثَمَ:
فإن لونَ البشرة يظهر مع النصف الآخر لوجود هذه الثياب الرقيقة! ومِن ثَم: فإن صلاته لا تصح،
فالمعوَّلُ عليه في سَتْرِ العورة (أن يكون صفيقًا) يعني: متينًا؛ بحيث لا يظهر لون البشرة؛ مَن أبيض وأسود وأحمر، وما شابه ذلك مَن ألوان البشرة، فإذا تبين شيءٌ مَن ذلك ما بين السرة والركبة؟
فإن صلاتَه لا تصح؛ فَلْيُتَفَطن لهذا الأمر.
ومِن ثَمَّ: فإن السرةَ والركبة ليستا مِن العورة -على الصحيح- لخروجها مِن الدليل.
ــــــــــ
وهنا أمْرٌ آخَر: تنبيه/ لمن يلبس البناطيل:
يلبس البنطال ويلبس عليه مما يلبس في الأعلى، بعض الناس يسمون ذلك (بلوزة)، وبعضهم يسمي ذلك (قميصًا)، المهم: بعضُهم إذا سجد يظهرُ شيءٌ مِن عورته، ولربما يكون فاحشًا،
ومِن ثَمَّ: فإن عليه أن يتعاهدَ هذا الأمر؛ حتى لا تبطُلَ صلاتُه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثانيًا: النبيُّ ﷺ قال كما في الصحيحين:
” لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ شَيْءٌ “، وفي رواية: ” لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ “
العاتِق: هو المَنْكِب، وهذا يظهر جليًا فيما لو كان الإنسانُ مُحرِمًا، فتجد أنه يصلي يستر عورتَه مِن السرة إلى الركبة، لكنه لا يضع الرداء على كَتِفَيه؛ أو على واحدٍ منهما؛ وهذا خطأ، وقد نهى النبيُّ ﷺ عن ذلك، لكن هل تبطل صلاتُه؟ الجواب: الصحيح: لا.
س: هل يأثم؟ ج/ الصحيح لا،
لأن النبي ﷺ قال عن الثوب الضيق كما في الصحيحين: ” إِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ “
فاكتفى بالإتزار، فدل ذلك على التسامح في هذا الأمر، لكن لِيُعلَم أن بعضَ العلماء لا يُرَخِّص في هذا، بل يُشَدد في ذلك، لكن ما قلتُه هو رأيُ الجمهور؛ وتدلُّ عليه الأدلة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثالثًا: النبي ﷺ قال كما عند أبي داود: ” لا يقبلُ اللهُ صلاةَ حائضٍ إلا بخمارٍ”
“حائضٍ” يعني: المرأة البالغة، ” إلا بخمارٍ” فلا بد أن تسترَ جميعَ بَدَنِها؛
لكن يُستثنى مِن ذلك: الكَفَّان والوجه، وذلك لأن عادات الصحابيات رضي الله عنهن أنهن ما كن يستُرنَ ذلك أثناء أداء الصلاة.
ومِن ثَم: فيلزَمُها أن تسترَ جميعَ بدنِها؛ ولا يظهر شَعرٌ مِن رأسِها.
لكن بالنسبة للقدمين؟ جاء حديثٌ عند أبي داود؛ حديث أمِّ سَلَمة، أنها سألتِ النبيَّ ﷺ:
” أتُصَلِّي المرأةُ في دِرعٍ وخِمارٍ وليس عليها إِزارٌ؟ قال: إذا كان الدِّرعُ سابِغًا يُغَطِّي ظُهورَ قدَمَيها “
س: فدل هذا على ماذا؟
على أنه لا بد أن تُستَرَ القدمان بالنسبة للمرأة،
وهذا الحديث قال عنه ابنُ حجر رحمه الله: صحح الأئمةُ وَقْفَه.
س: يعني أنه موقوف على منَ؟ على أمِّ سَلَمَة.
قال الصنعاني: ” ولو كان موقوفًا على أم سلمة فمِثلُ هذا لا يُقالُ بالرأي “
على كل حال: لِتَحرِص المرأةُ على أن تغطيَ قدَمَيها أثناء الصلاة، وهذا هو القول الأقرب إلى الصحة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابعًا: النبي ﷺ كما ثبت عند أبي داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
” نَهَى أن يغطِّيَ الرَّجلُ فاهُ في الصَّلاة “، يعني: فَمَه.
وهذا الحديث قال عنه أبو داود رواه عِسل بن سفيان عن عطاء عن أبي هريرة، لكن لم يتفرد عِسْل بذلك، بل رواه سليمان الأحول عند أبي داود، فالحديث ثابت.
وذلك مِثلُ ما يفعلُه بعضُ الناس في الصلاة يتلثّم في الصلاة، أو أنه يضعُ يدَه
(في مقطع اليوتيوب للشيخ: تطبيق عملي لتوضيح التلثم، ووضْع اليد على الفم)
س: لماذا النهي؟
ج/ لأنه إن غطى بيدِه: فقد فاتَه وَضْع اليدَين على الصدر،
وإن غطى بثوبه أو بشماغه: فهنا يحصل مع ذلك عدم الإتيان بالأذكار المشروعة بسهولة،
وأيضًا كما قال العلماء: فيه تشبه بالمجوس الذين يعبدون النار؛ كانوا يتلثمون أمامَها.
ومِن ثَمَّ: فإن الإنسان لا يتلثم إلا إذا وُجِدَت حاجة:
بعضُ الناس ربما أنه يُبتَلى بإنسان كريه الرائحة بجانبه وهو يصلي، فيقول: لا أخشع إلا أن أضعَ ذلك، ج/ لا حرج، ولا سيما مع القاعدة الفقهية: [المكروه تُبيحه الحاجة] على القول بأنه مكروه عند جملة مِن العلماء، فالشاهد مِن هذا:
إذا كان هناك شيءٌ يؤذيه مِن رائحة: فلا إشكالَ في ذلك.
أو أنه مثلا أراد أن يتثاءب؛ فوَضَع يدَه على فمِه: فهذا جاءت به السنةُ في أحاديثَ كثيرة.
والمسالة السابقة وهي: بعضُ الناس قد يجد رائحة كريهة.
س: بعض الناس يقول: لو تلثمتُ ما خشعتُ؛ ماذا أفعل؟
ج/ نقول: إن استطعتَ أن تعودَ إلى الخلف مِن غيرِ أن تقطعَ الصلاة، كأن يكون هناك مجالٌ في الصف الثاني، فلا إشكالَ في ذلك، إن لم تستطع؟
نقول: اقطع صلاتَك؛ واذهبْ إلى مكانٍ آخَر غيرَ هذا المكان.
ومِن ثَمَّ: فإن مثل هذا الأمر على الناس أن يتفهموه، فيما يتعلق بهذه الروائح الكريهة التي يأتون بها، ولعل الحديث يأتينا إن شاء الله فيما يُستقبل عن هذه المسألة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خامسًا/ النهي عن كف الثوب:
النبي ﷺ كما في الصحيحين قال: ” أمِرتُ أن لا أكفَّ ثوبًا “
(في مقطع اليوتيوب للشيخ: تطبيق عملي لتوضيح المسألة، بكف الكم)
وهذا يفعلُه بعضُ الناس، يعني: لمَّا يأتي إلى الصلاة بعضُهم يرفع كمَّيه، ويترك ذلك بعدما يتوضأ،
أو أنه مثلا: انقطع من كمِّه ما يسمى بالكبك؛ أو كذا، فتجِد أنه يُشَمِّر كميه ويُصلي! هذا خطأ؛
مُخالِف للسنة، لمَ؟
ج/ لأن مِثلَ هذه الأشياء مِن الثياب دعها لِتسجُدَ معك ولتركَعَ معك، فهذا نوعٌ مِن التشمير،
بعضُ الناس ربما يأتي لأمْرٍ ما؛ يرفع ثوبَه ويَلُف بثوبه على ِحقوَيه وهو يصلي! هذا مِن الكَف،
(في مقطع اليوتيوب للشيخ: تطبيق عملي لتوضيح كَف الثوب)
وبعضُ الناس عند السجود؛ إذا أراد أن يسجد رَفَعَ ثوبَه عن ساقَيه؛
(في مقطع اليوتيوب للشيخ: تطبيق عملي لتوضيح الصفة)
فتجد أنه لما يُرِد أن يسجد؛ يرفع ثوبَه أثناء السجود! وهذا مِن الكف أيضًا؛ لأنه داخل.
وأما ما ذَكَره الفقهاء مِن حديث: ” تَرِّبْ تَرِّبْ “هذا لم أجد له أصلا في كتب الحديث، وإنما ذَكَره الفقهاء عن ابن القاسم، ليس هو صاحب حاشية الرَّوْض؛ وإنما هو أحمد بن القاسم الذي روى عن الإمام أحمد رحمه الله، ولا يُلتَبس بالحديث الآخَر عند أحمدَ والترمذي: ” ترِّبْ وجهَكَ للهِ “
هذا يتعلق بنفخ التراب في السجود،
ومع ذلك فهذا الحديث الذي هو: ” ترِّبْ وجهَكَ للهِ ” حديث ضعيف.
الشاهد مِن هذا: أنك مأمور بعدم كَف الثوب أو اللباس الذي تلبسُه، لتترك هذه الملابس على حالتها؛ لتسجدَ معك، ولتركع معك، اللهم إلا إذا خشي الإنسان مِن أنه سيسقُط فيما أنه أراد أن يسجد، فخشي أن يسقط، فمِثلُ هذا تُبيحُه الحاجة، ولا حرجَ في ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سادسًا: اجتناب النجاسة
الإنسانُ مأمور بأن يَجتنبَ النجاسة في ثيابه وفي المكان الذي يصلي فيه؛ والأدلة على ذلك كثيرة، منها: قال تعالى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ} [الحج: 26]، وقال تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4]
[مَن يحمل النجاسة أو يُلاقيها فإن صلاتَه تبطُل]
بعضُ الناس يقول: كيف أحمل النجاسة؟ ج/ هناك صور، سأذكُرُ صورة:
بعضُ الناس ربما أنه يُحلل تحليل بول أو براز في العلبة، وإذا بالصلاة تحضر فيُصلي وقد حَمَلَها:
صلاتُه لا تصح.
لكن قد يقولُ قائل: قد يحمِلُها وهو جاهل ما يدري؛ أو نسي؛
أو: وهنا مثال ليس بما يتعلق بهذه القارورة:
ربما أنه بعد الصلاة وجد نجاسةً في ثيابه، فهل يُعيد الصلاة؟
ج/ قولان؛ والصحيح: أنه لا يُعيد، لم؟ لأن النبي ﷺ كما ثبت عند أبي داود كان في نَعلَيه قذر، فأخبرَه جبريل عليه السلام فنَزَعَها، فلو كانت الصلاةُ باطلة لأعاد النبي ﷺ التكبيرةَ من جديد، فدل هذا على أنه لو جَهِلَ حُكْمَها؛ أو جَهِلَها؛ بمعنى: أنه لم يعلم بها إلا بعد الصلاة؛ أو كان يعلم بها ولكنه نَسِيها وقد فَرَغَ مِن الصلاة؟ فصلاتُه صحيحة.
لكن لو أنه تذكر أثناء الصلاة؟ نقول: إن كان مثلا، مِثل هذه القارورة في ثوبِك، فلْتُخرِجْها وتضعها على الأرض، أو مثلا كانت النجاسة في شماغك؛ تخلع الشماغ،
إن كانت النجاسة في مكان على لباس ما تستطيع خلعه، يقول لا أستطيع أن أخلع!؟ نقول: اقطع الصلاة وأزِلْ النجاسة؛ وصلِّ مِن جديد، هذا إذا تذكرتها في ثنايا الصلاة، أما بعد الصلاة: فصلاتُك صحيحة.
هذا ما يتعلق بـ [إذا حَمَل النجاسة].
أما معنى [أو لاقاها] يعني: أنه يصلي على شيءٍ نَجِس.
بعض الناس يسأل ويقول: قد يكون لدي سجادة وأصلي على أرض أعلم بأنها نجِسَة، قد يُصلي على زرع مُتَنَجِّس؛ لكنه يقول: سأضع السجادة وأصلي، أو ما شابه ذلك مِن هذا الأمر؟
ج/ فنقول: صلاتُك صحيحة،
بل حتى الفقهاء في المشهور عنهم قالوا: يُكرَه، ومع ذلك لا دلالة على الكراهة.
إذًا/ صلاتُك صحيحة، لم؟
لأنك صليتَ على سُجادة أو على ساتر طاهر؛ ولا يؤثر وجود النجاسة تحت السجادة، ولذلك النبي قال ﷺ كما في الصحيحين: ” جُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا ” وأنت صليتَ على شيءٍ طاهر،
ولذلك بعضُ الناس ربما يَصُب له ما يسمى بـ (البيارة أو البالوعة) حسب تسميتها عند الناس،
ويصلي عليها والماء يجري: لا إشكال، لأنك إنما صليتَ على مكان طاهر وهي الصبّة العُليا.
هذه جملة مِن المسائل المختصرة بأدلتها الشرعية، أسالُ اللهَ لي ولكم العلم النافع والعمل الصالح.