خطبة ( عشرة أحكام فقهية مختصرة بأدلتها الشرعية عن الصلاة )(1)

خطبة ( عشرة أحكام فقهية مختصرة بأدلتها الشرعية عن الصلاة )(1)

مشاهدات: 518

بسم الله الرحمن الرحيم

الخُطبة الأولى عن أحكام الصلاة بعنوان:

 (عشرة أحكام فقهية مختصرة بأدلتها الشرعية عن الصلاة)

[مِن محتوى هذه الخُطبة: متى فرضت الصلاة، وحكمها، وعلى مَن تجب، وأهمية الصلاة على وقتها]

لفضيلة الشيخ/ زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذه أحكامٌ مختصرة بأدلتها الشرعية عن الصلاة:

أولًا: الصلاةُ فُرِضَت على الأمم السابقة كما فُرِضَت علينا، والأدلة كثيرة، منها قولُه تعالى:

 {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ} [مريم:54-55]؛ وقال تعالى: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران:43] والأدلة حول هذا كثيرة، لكن قال شيخُ الإسلام –رحمه الله-على الأمم السابقة صلاة لكنها لا تُماثِلُ صلاتَنا، لهم صلاة، لها صفتها الخاصة، لكنها لا تُماثِلُ ولا تُشابِهُ صلاتَنا.

ثانيًا: الصلاةُ فُرِضَت على المشهور قبل هجرةِ النبي ﷺ بثلاثِ سنين،

 فرضت عليه ﷺ لما عُرِجَ به إلى السماء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ثالثًا: الصلاةُ لا تصح مِن كافر؛ وذلك لأن كلَّ الأعمال لا تُقبَلُ منه لأنه لا نيّةَ له صحيحة، ولذا قال تعالى فيما يتعلق بالنفقات: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} [التوبة:54] ولكن الكافر لو أسلَمَ؟ فإنه لا يُلزَمُ بقضاء ما فاته مِن الصلوات؛ قال تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال:38]؛ والنبي ﷺ قال كما في صحيح مسلم:

 ” أما علمتَ أنَّ الإسلامَ يَهدِمُ ما كانَ قبلَهُ “، فلا يُلزَم بما مضى مِن صلوات إلا الصلاة التي أسلم في وقتها، يعني أسلم في الوقت، فإن عليه أن يأتي بهذه الصلاة، أما ما سبَقَها فإنه لا يُلزَمُ بشيءٍ مِن ذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رابعًا: الحائضُ والنُّفساء لا تصح الصلاة منهما، بل لو أنَّ الحائضَ أو النفساء صلَّتْ، فإنها آثمة ولا تُقبَلُ منها هذه الصلاة لقوله ﷺ كما في الصحيحين: ” أليست إذا حاضت المرأةُ لم تُصَلِّ ولم تَصُمْ؟ “.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خامسًا: الصغيرُ المُمَيّز يُؤمَرُ بالصلاة، وتصح منه الصلاة عند التمييز، أما قبل التمييز كهؤلاء الأطفال، فإن العبادةَ لا تصح منهم بتاتًا قبل التمييز إلا عبادة واحدة وهي الحج، لما في صحيح مسلم:

” رَفَعَتِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا لَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: ” نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ “

أما ما عداها من صلاة من صيام، فإن هذه العبادة لا تصح منهم قبل التمييز، أما بعد التمييز: فتصح،

ولذلك النبي ﷺ قال كما ثبت كما عند أبي داود: ” مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ “

فيجب على ولي أمْرِهِ أن يمتثل هذا الأمر بأن يأمرَه.

س: لكن لو صلّى هذا الطفلُ المميز، فإن أجر هذه الصلاة أو أجر أي عبادة، تكون لِمَن؟

ج/ تكونُ لهذا الطفل المميز، وليُّ أمْرِه له حسنات وأجر باعتبار أنه أمَرَه بالخير، لكن أي عَمَل من صلاة أو غيرها إذا قام بها المميز فإنها تكونُ في حسناته، لعموم قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46]، فدل هذا على أن عمل يقوم به يكون له وليس لولي أمْرِه، إنما لولي أمْرِه أجر باعتبار أنه أمَرَهُ بهذا الخير.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سادسًا: المجنون لا تصح منه الصلاة، لأنه لا نيّةَ له صحيحة، لقوله ﷺ كما في السنن بألفاظ متعددة منها:

” رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ “، ذَكَرَ منهم: ” عن المَجْنونِ حتَّى يَعقِلَ “.

 

وتأتي مسألة، وهي مسألة: المُغمى عليه أو مِن به غيبوبة، فبعضُهُم قد يظل يومًا أو يومين أو شهرًا أو شهرين، ثم يفيق؛ س/ فهل يقضي تلك الصلوات؟

ج/ بعض العلماء يقول: إذا كانت قليلة: كثلاث صلوات أو أربع صلوات أو خمس صلوات فإنه يقضي،

 إن كانت كثيرة: فلا، والذي يظهر عندي: مِن أنه لا يُلزَم بأي صلاة مرّت عليه فخرج وقتُها أن يقضيها لمَ؟ لأنه شبيهٌ بماذا؟ بالمجنون، وقال ﷺ: ” رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ “، ذَكَرَ منهم: ” عن المَجْنونِ حتَّى يَعقِلَ “

فهو شبيه بالمجنون وليس شبيهًا بالنائم حتى نُلزِمَه، وذلك لأن هناك فَرقًا بين المغمى عليه وبين مِن به غيبوبة وبين النائم، النائم إذا أيقظته استيقظ، لكن هذا لو أيقظته ما استيقظ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سابعًا: لا يجوزُ لأي أحد أن يُخرِجَ الصلاة عن وقتِها لأي عذر من الأعذار، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء:103] فلا يتعذر أحد فيقول: ليس عندي ماء أو أنني لا أستطيع إلى القبلة أو أن بي نجاسة أو كذا، نقول له: صلِّ على حسب وِسعك وطاقتك؛ ما تستطيعه مِن واجبات ومِن شروط تأتي بها، ما عجزت عن ذلك: فلا تلزمه.

 لكن كون الإنسان خصوصًا بعض المرضى يؤتى إليه ويقول مثلا: لي ثلاثة أيام أو لي يومان أو ما شابه ذلك ما صليتُ! بسبب والله أن السرير ليس على جهة القبلة، أو لا أستطيع أن أتوضأ، ولا أستطيع أيضًا أن أتيمم؟! نقول: هذا خطأ، صلِّ الصلاةَ قبل أن يخرج وقتها ولا تنظر لأي عذر، ما استطعت مِن واجبات تأتي بها، ما لم تستطع: تسقُط عنك لعَجْزِك وتصلي على حسب حالك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ثامنًا: النائم (وليس المتعمد للنوم) لأن النبي ﷺ يقول كما في صحيح مسلم: ” ليسَ فِيَّ النَّوْمِ تَفْرِيطٌ “

لكن إنسان فاتته الصلاة حتى خرج وقتُها فإنه يُلزَمُ بقضاء تلك الصلاة، وذلك في الصحيحين:

 النبي ﷺ نام عن صلاةِ الفجر حتى طلعت الشمس فقضاها ﷺ.

ولذلك في صحيح مسلم قال ﷺ: ” إِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنِ الصَّلَاةِ، أَوْ غَفَلَ عَنْهَا، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا ” فإنَّ اللَّهَ يقولُ: {وأَقِمِ الصَّلَاةِ لِذِكْرِي} س[طه:14] ” فتتمة هذا الحديث تدل على النسيان، قال: {لِذِكْرِي}

فمعنى قوله ﷺ: ” غَفَلَ عَنْهَا ” أي: نسيَها، كما في الروايات الأخرى في الصحيحين:

” مَن نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّ إذَا ذَكَرَهَا “.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تاسعًا: إذا زال عقْلُ الإنسان باختياره، كأن يُنَبّج لإجراء عملية؛ فمضت عليه صلوات، ولم يَفِق مِن هذا البنج فإنه والحالةُ هذه يَلزمُه قضاء تلك الصلوات لأن هذا باختياره.

 أيضًا: -عافانا الله وإياكم وسلمنا الله وإياكم وأولادَنا – لو أن الإنسان شرب مسكرًا، ففات عليه صلوات فإنه يلزمُه أن يقضي تلك الصلوات، لمَ؟

لأنه زال عقلُه باختياره، ليس كحال مَن به غيبوبة أو مَن هو مُغمَى عليه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عاشرًا: الصلاة ركنٌ مِن أركان الإسلام؛ مَن جَحَد وجوبَها؛ بمعنى أنه قال: ليست واجبة، حتى لو قال: إنها نافلة، وقال: سأصلي على أنها نافلة، لكنه جاحدٌ لوجوبها: فهذا كافر بإجماع العلماء، لمَ؟

ج/ لأنه كذَّبَ اللهَ عز وجل الذي أوجب هذه الصلاة في كتابه، وكذَّبَ النبي ﷺ الذي فَرَض هذه الصلاة في سنته، وكذَّبَ إجماعَ الأمة على أن الصلاة فرضٌ وركنٌ مِن أركان الدين.

 لكن لو أن الإنسان لا يجحد وجوبَها؛ يعترف ويُقِر بأنها واجبة؛ لكنه يتركُها تهاونًا وكسلًا؟

ج/ بعضُ العلماء يقول: لا يكفر، ولكن الأدلة تدل بظاهرها على أنه يكون كافرًا، بل استدل بعضُ العلماء وإن كان في هذا الدليل عند بعضهم تنظير، قوله تعالى: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الروم:31]؛ ومما يدل على تأييد المعنى في هذه الآية: قولُه ﷺ كما في صحيح مسلم:

 ” بيْن الرَّجلِ وبيْن الشِّركِ والكفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ “، وقال النبي ﷺ كما ثبت عنه عند الترمذي والنسائي وابنِ ماجه: ” العَهدُ الَّذي بينَنا وبينَهمُ الصَّلاةُ فمن ترَكَها كفرَ “،

قال عبدُ الله بن شقيق التابعي رحمه الله كما عند الترمذي كما ثبت:

” كان أصحابُ مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يرَوْنَ شيئًا مِن الأعمال تَرْكُه كُفْرٌ غيرَ الصَّلاةِ “

فهذا يدل على خطر مَن تَرَكَ الصلاة ولو تَرَكها تهاونًا وكسلًا،

 فنسألُ اللهَ عز وجل أن يهديَ ضالَّ المسلمين، وأن يحبب إلينا وإليهم الإيمان، وأن يزينه في قلوبنا، وأن يُكَرِّهَ إلينا وإليهم الكفرَ والفسوقَ والعصيان، وأن يجعلنا وإياهم من الراشدين.