خطبة عن الدعاء الذي جمع الاستعاذة من الشرور كلها (اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء..)

خطبة عن الدعاء الذي جمع الاستعاذة من الشرور كلها (اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء..)

مشاهدات: 5671

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة عن الدعاء الذي جمع الاستعاذة من الشرور كلها

(اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء..)

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

21/12/1437هـ

اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ جَهْدِ البَلاَءِ، وَدَرْكِ الشَقَاءِ،

وَسُوءِ القَضَاءِ، وَشَمَاتَةَ الأَعْدَاءِ

هذا الدعاء كان رسولنا يدعو به كما جاء في الصحيحين

 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

 بل في رواية عند البخاري في القدر من طريق مسدد

عن سفيان بن عيينة عن سُمي عن أبي صالح عن أبي هريرة

رضي الله عنه أن النبي قال آمرًا الأمة أن تستعيذ من هذه الأشياء: تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ وَدَرَكِ الشَّقَاءِ،

وَسُوءِ الْقَضَاءِ وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ “.

 هذا الدعاء نحتاج إليه في كل زمن، ولا سيما في مثل هذا الزمن

 الذي عظمت المشقة، وعظم البلاء وكثرت الفتن في مثل هذا العصر، فهو دعاء كما قال الشُّراح: هذا الدعاء جمع الاستعاذة بالله

 جل وعلا من كل شر في الدنيا، وفي الآخرة كيف؟

قال العلماء: لأن البلاء والمكروه مبدأه من جهة أول الأمر؛

كما في جملة: من سوء القضاء.

 ومن جهة نهاية الأمر: في جملة من درك الشقاء.

 والإنسان بين مبدأه وبين نهايته يعيش في هذه الحياة،

 فيكون المكروه الذي يحصل له ما بين المبدأ وبين النهاية في معيشته، وهذا ناتج إما من جهة نفسه، فجاءت جملة من جهد البلاء،

 أو مكروه من جهة غيره، فأتت جملة من شماتة الأعداء.

اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ جَهْدِ البَلاَءِ

جَهد: بفتح الجيم، ويصح أن تنطقها جُهد، والفتح أشهر.

البَلاء: فإن كسرت الباء قصرت: البِلى.

 اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ جَهْدِ البَلاَءِ

 وفي رواية الطبراني من حديث أبي هريرة من روايته في كتابه الدعاء: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ حُلُولِ الْبَلَاءِ

 

 

 اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ جَهْدِ البَلاَءِ

وهي الحالة الشاقة التي تصيب الإنسان، فلا يتحمل أن يحملها

ولا هو يستطيع أن يدفعها.

جَهْدِ البَلاَءِ إما في صحتك، بأن تصاب ببلاء ومرض في صحتك،

 تستعيذ بالله عز وجل من جهد البلاء ألا يصيب بدنك، ولا صحتك،

ولا مالك بحيث تشقى به في جمعه أو في تحصيله، أو في وظيفتك،

أو في أهلك، أو في أولادك، أو في آخر حياتك.

فإذًا هذه الجملة تستعيذ بالله عز وجل من جهد البلاء،

ومن البلاء الذي يكون في كل شأن من شؤونِك.

جملة عظيمة نحتاجها، تحتاجها أنت، وأحتاجها أنا، ويحتاجها كل مسلم، وهذا إن دل يدل على ماذا؟

يدل على افتقار العبد وعلى ضعفه، وعلى عجزه مهما بلغ من منصب، أو مال، أو رياسة، كلنا فقراء إلى الله، محتاجون إلى الله،

لا بد أن نتضرع إلى الله جل وعلا، ولذا قال ابن القيم رحمه الله،

وأنا أقول قبل أن أقول كلمة ابن القيمأقول: على رسلك!،

 لا تظن أنك أنت الوحيد المبتلى لا تقول والله فلان ما عنده ابتلاءات لا.

يقول ابن القيم رحمه الله كما في زاد المعاد:

لو فتشت العالم كله لوجدت أن: الكل مبتلى، إما بحصول مكروه:

 شيء لا يناسبه ولا يلائمه حصل هذا مكروه أو بفوات محبوب:

 مثلا في تجارة مرت به يقول:

 يا ليتني لم أفرط فيها؛ فات محبوب!.

 إذًا الكل لو فتشت العالم، الكل مبتلى

 إما بحصول مكروه، أو بفوات محبوب.

 

 اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ جَهْدِ البَلاَءِ

حتى من جهد البلاء في تربية الأبناء، وفي تربية الأولاد

في مثل هذا الزمن يُحتاج فيه إلى جهد عظيم في متابعة هؤلاء الأولاد، في متابعة الأسرة هذا جهد عظيم.

ولذلك من صور جهد البلاء كما ذكر الشراح أن ابن عمر

رضي الله عنهما كان يقول: أتدرون ما هو جهد البلاء قال:

قلَّة المَال وَكَثْرَة الْعِيَال

يقول ابن حجر رحمه الله: لا شك أن هذه صورة من صور جهد البلاء، ولكن ليست كل جهد البلاء سبحان الله، هذا الكلام يقوله في زمنه، لكن في مثل الزمن قُلْتُ: في مثل هذا الزمن لو قلَّ عيالك وكثر دخلك بالنظر إلى حال هذا الجيل في هذه البيئة، فإن الواحد منهم لأنه لم يعتد على ما اعتاد عليه الآباء والأجداد من ضيق العيش، وإنما أول ما نشأ، نشأ في رفاهية قد يصرف ما لا يصرفه عشرة فيما مضى، ولو قل عيالك في مثل هذا الزمن الصرف، صرف الأموال على الأولاد وإن قلوا في هذا الزمن، فإنه ولا شك من جهد البلاء، لأن البعض قد يكون له مدخل عظيم، وإذا به في نهاية الشهر لا يجد شيئًا، هذا من جهد البلاء.

 

وَدَرْكِ الشَقَاءِقال النووي رحمه الله: نطقها بعض رواة مسلم بإسكان الراء دَرْك الشقاء يصح نطقها: ودَرَك الشقاء وَدَرْكِ الشَقَاءِ

الدَرَك: هو اللحوق، فأنت تستعيذ بالله عز وجل

 من أن يلحق بك شقاء، ما هو الشقاء؟ الهلاك.

قال ابن حجر رحمه الله: وأيضًا السبب الذي يؤدي إلى الهلاك.

 

شقاء ماذا؟ تستعيذ بالله عز وجل حتى لا تشقى، لا بمرض ولا بوظيفة، ولا بمال، ولا بأولاد، ولا بأهل، ولا بسوء عذاب في آخر حياتك،

ولا سوء ختام، ولا أن تدرك دركات جهنم من درك الشقاء، فيعذبك الله عز وجل في نار جهنم.

 سبحان الله!

من درك الشقاء جُمَل عظيمة شاملة: بأن تستعيذ بالله عز وجل

 من كل شقاء يكون في دينك، ودنياك، وفي آخرتك.

 

وَسُوءِ القَضَاءِقضاء الله جل وعلا كله خير.

وهي قاعدة عند أهل السنة والجماعة، كل ما يقع في الكون مِن شر وخير فالله هو الذي خلقه، لو سُئلت من الذي خلق الخير؟

فقل: الله.

لو سُئلت من خلق الشر والمصائب والبلايا؟

فقل: الله.

الله خالق كل شيء، لكن الشر لا ينسب إليه كما في حديث علي

 عند مسلم: وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ ما يقع من شيء في هذا الكون

 إلا بأمر الله، لكن انتبه الله جل وعلا لا يخلق ولا يقضي شرًا محضًا.

 ما تراه من مصائب، شرٌ باعتبار من؟

باعتبار المخلوق، ليس باعتبار فعل الله.

فعل الله، قضاء الله، قدر الله: كله خير.

 لكن قد يكون شرًا باعتبار المخلوق ذاته، لكنه خير باعتبارات أخرى أنزل بك المرض ليكفر عنك سيئاتك، ليرفع درجاتك، أنزل بك المرض أو المكروه بجميع أنواع المكروه والآلام من أجل أن يكفر عنك سيئاتك، أنزل الله جل وعلا بذلك الشرير من البلايا والمصائب، هو شر بالنسبة إليه، لكن ربما يعود إلى الله، وإن لم يعد إلى الله، ففيه خير باعتبار المخلوقين الآخرين الذين ظَلَمُوا، فإنهم إذا رأوا حالة هذا الشخص، وكيف نزل به هذا العذاب إذا بهم يرتدعون.

 

وَسُوءِ القَضَاءِففعل الله عز وجل كله خير، ولكن سوء القضاء

 كما قال العلماء هنا يعني سوء المقضي، يعني ما يتعلق بالمخلوق مما لا يلائمه هو لا يدري، ينزل به البلاء ولا يدري، لأنه يحكم على أن هذا لا يناسبه ولا يلائمه، (أعوذ بك من سوء القضاء): المقضي، وليس المقصود هنا أن قضاء الله به سوء، ولذلك في قنوت الوتر لمَّا علم النبي الحسن قنوت الوتر: وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ ولم يقل وقني شر قضائك؛ لأن قضاء الله خير، هو خير كله، لكنه شر

 باعتبار هذا المخلوق،

 فأنت تدعو الله عز وجل أن يُبعد عنك الشر.

 وهذا لا يتعارض مع إيمانك بالقدر خيره وشره.

من أصول الإيمان الستة أن تؤمن بالقدر خيره وشره، لكن مع ذلك تدفع الشر، ولذا من الجمل التي يقولها ابن تيمية في مجموع الفتاوى يقول:

فَيَدْفَعُ قَدَرَ اللَّهِ بِقَدَرِ اللَّهِ نعم، في السنن كما ثبت عنه قال:

 وَلَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ سبحان الله، هل الدعاء يرد قدر الله؟

نعم، لكن لتعلم أن ما كتبه الله جل وعلا في اللوح المحفوظ

 من حيث الأزل لا يتغير أبدًا، يمحو الله ما يشاء هنا قال: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد:39]، أصل الكتاب لا يتغير، لكن يتغير ما بأيدي الملائكة، وما تعلمه الملائكة مما يكون لهذا المخلوق، لكن الأصل لا يتغير سبحان الله كيف لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ لمَ؟

لأنه يقدر الله جل وعلا أن هذا الشر، وهذا البلاء سينزل بهذا المخلوق، وهو أيضًا جل وعلا قدَّر من أن هذا المخلوق سيدعو الله جل وعلا، فيصرف عنه هذا الدعاء الذي كُتِب وقُدِّر عليه في اللوح المحفوظ

 أنه سيقوله سيصرف عنه هذا البلاء.

إذًا: لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ نرد قدر الله بقدر من الله، ومما قدَّره الله: ما شرعه الله، ومما شرعه الله: الدعاء.

 عليك بالدعاء، والله نحن بحاجة إلى أن ندعو الله عز وجل

 عند الترمذيالدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ “. وَقَرَأَ : {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]ا.هـ

 {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}

[البقرة:186]

 

وأعوذ بك من سوء القضاء؛ ولذلك كما في مسند الإمام أحمد، وسنن ابن ماجه، وعند البخاري في الأدب المفرد من مجموع ما ذكر قال :

يا عائشة عليكِ بالكوامل وفي رواية عليك بجوامع الدعاء ما هي؟ علمها دعاء الجملة الأخيرة منه هي التي تتعلق بحديثنا هنا عن القضاء قال: قُولي: اللهُم إِنِّي أَسألُك مِن الخَير كُله عَاجِله وآجِله مَا عَلمتُ مِنه ومَا لَم أَعلم، وأَعوذُ بِك مِن الشَرِ كُلهِ عَاجِله وآجِله مَا عَلمتُ مِنه ومَا لَم أَعلم، وأَسألُك الجَنةَ ومَا قَربَ إِليها مِن قَولٍ أَو عَملٍ، وأَعوذُ بِك مِن النَّار ومَا قَربَ إِليها مِن قَول أَوْ عَملٍ، وأَسألُك مِمَا سَألَك بِه مُحمدٌ، وأَعوذُ بِك مِمَا تَعوذَ مِنه مُحمدٌ،

الجملة هنا في ختام هذا الحديث متعلقة بالقضاء

ومَا قَضيتَ لِي مِن قَضاءٍ فَاجعل عَاقِبتَه رَشدًا

 وفي رواية وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لِي خَيْرًا

 ادعُ الله عز وجل.

 

وأعوذ بك من شَمَاتَةَ الأَعْدَاءِ

 سبحان اللهوَشَمَاتَةَ الأَعْدَاءِ يشمت بك الأعداء إن وقع بك مكروه مما ذُكِر في الجُمل، مما تشير إليه الجمل السابقة سوء القضاء،

 جهد البلاء، درك الشقاء، ما الذي يحصل لأعدائك؟

هم يفرحون بهذا، وإذا بهم يشتمون الجملة أتت هذه الجملة الأخيرة

 من شماتة الأعداء، يعني يا رب استجب لي هذه الدعوات، فإن البلاء إذا حصل بي، فإن الأعداء يشمتون بي.

 [من شماتة الأعداء] هذه الجملة لمَا رواها سفيان بن عيينة رواها عنه ابن المديني قال: فِي الْحَدِيثِ ثَلَاثٌ، زدتُ أَنَا وَاحِدَةً، لَا أَدْرِي أيتهن

 يقول: زدتها من عندي، عند الإسماعيلي

هي جملة شماتة الأعداء.

بعض العلماء جنح إلى أن هذه الجملة ليست من قول النبي لقول سفيان بن عيينة، وإنما هي من قوله، وليست من قول النبي ،

وقد قال بعض العلماء كالبغوي بل رواية البخاري عن مسدد عن سفيان بن عيينة عن سُمَي عن أبي صالح عن أبي هريرة من غير شك ولا تردد، ولا قول زيادة، وهي جملة: تَعُوذُوا بِكَ مِنَ جَهْدِ البَلاَءِ، وَدَرْكِ الشَقَاءِ، وَسُوءِ القَضَاءِ، وَشَمَاتَةَ الأَعْدَاءِ، فقالوا: هذه زيادة ثقة، وزيادة الثقة مقبولة، قلت: ولعل ما يقوي قولهم ما ذكره ابن أبي عاصم في السنة من رواية يعقوب ابن حميد عن سفيان

 قال سفيان: [ وأراه قال: ” وشماتة الأعداء ]

 هذا يشير أنها من قول النبي .

وعلى افتراض أن هذه الجملة ليست من هذا الدعاء،

فإنها واردة عن النبي في دعاء آخر؛ فادعُ الله بها.

 ذلكم الحديث هو ما ثبت في المسند وسنن النسائي

 من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي كان يقول:

 اللَّهم إني أعوذ بك من غلبة الدين وغلبة العدو وشماتة الأعداء

 

 جمل عظيمة جدًا، والله إننا في أمس الحاجة إلى هذا الدعاء

في كل وقت، ولا سيما في هذا الزمن الذي عظمت الفتن بجميع أنواعها حتى الهموم التي تصيبك من جراء ماذا؟

من جراء أنك لم توفق في وظيفة أو لم تحصل على وظيفة، أو خسرت مال، أو فاتك خير من هذه الدنيا أو ابتليت بمتابعة ولد من الأولاد أو بمتابعة أولادك، أصابك شقاء من أهلك لم توفق مع زوجتك، لم تسعد معها، لم توفق مع رئيسك في عملك،

جُمَل عظيمة!

وينشأ من هذا أن الإنسان لمَا يحل به البلاء تأتيه الهموم.

 الهموم من جهد البلاء، تُطِيح بصحة الإنسان، تُضعِف بدنه،

 تجعله طويل الفكر، ينصرف عما ينفعه إما في دنياه، وإما في دينه

فيما لو قرأ القرآن أين خشوعه، فيما لو صلى أين خشوعه؟

إذًا اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ جَهْدِ البَلاَءِ، وَدَرْكِ الشَقَاءِ، وَسُوءِ القَضَاءِ، وَشَمَاتَةَ الأَعْدَاءِ، والله إنه من أعظم الأدعية النبوية التي قال عنها العلماء كما سلف هي جُمَل جَمَعَتْ استعاذة العبد بالله عز وجل من كل شر يكون له في الدنيا، وفي الآخرة.

وقال بعضهم: هي جمل مانعةٌبإذن الله مانعةٌ من أن ينزل به بلاء.

ولو نزل بك بلاء هذه الدعوات تخفف سبحان الله، فإنه لو نزل

 فإن هذا النزول يكون على قلبك يسيرًا، أسأل الله عز وجل لي ولكم

أن يعيذنا جميعًا من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء،

وشماتة الأعداء.