خطبة مواقف من السلف حينما تنزل بهم ( الشدائد والأزمات العظام )

خطبة مواقف من السلف حينما تنزل بهم ( الشدائد والأزمات العظام )

مشاهدات: 616

خطبة

 مواقف مِن السَّلَف حينما تنزل بهم

( الشَّدائد والأزمات العظام )

‏‏ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

elbahre.com/zaid

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يقول ابن عُيَينَة – رحمه الله – عند قَول الله عزّ وجلّ { وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ } ، قال رحمه الله : ما أَمَرَك الله بِالسؤال إلَّا لِيُعطِيَك

ما أمَرَكَ بِالسُّؤال -عزّ وجلّ- إلَّا لِيُعطِيَك

النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثَبَتَ عند أبي داوود قال ” مَن أصابَتهُ فاقَة .. ” وهي الفَقر والشِّدَّة

” مَن أصابَتهُ فاقَةٌ فأنزَلَها بِالناس لَم تُسَدَّ فاقَتُه ، وَمَن أصابَتهُ فاقَةٌ فأنزَلَها بِالله أَوشَكَ اللهُ له بِالغِنَى إمّا بِمَوتٍ عاجلٍ أو بِرِزقٍ عاجِلٍ “

ما معنى ( بِمَوتٍ عاجِل ) و ( رِزقٍ عاجِل ) ؟

قال الشُّرَّاح :

 ( المَوتُ العاجِل )

– إمّا أن يموت فَيَستَريح مِن عَناءِ هذه الشِّدَّة فَيَستَغني عنها

ولِذا جاءت الأحاديث الصّحيحة : قَولُه صلّى الله عليه وآله وسلّم عن المؤمن إذا مات ، قال ” مُستَريح “

لأنّ المؤمن يستريح مِن عَناء الدنيا ومن تَعَبِها

– أو ( بِمَوتٍ عاجِل ) أن يَموتَ له قريبٌ غنيّ فيكونُ وارِثًا له ، أو يكونُ هو مِن بَيْنِ الوَرَثَة

( والرِّزق العَاجِل ) : أن يَفْتَح اللهُ عزّ وجلّ له أبوابَ الرِّزق مِن جميع أنواعِه { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}

قال هُنا  : ” مَن أصابَتهُ فاقَةٌ فأنزَلَها بِالناس لَم تُسَدَّ فاقَتُه ، وَمَن أصابَتهُ فاقَةٌ فأنزَلَها بِالله أَوشَكَ اللهُ له بِالغِنَى إمّا بِمَوتٍ عاجلٍ أو بِرِزقٍ عاجِلٍ “

ابنُ رجب رحمه الله في رسائِلِه ذَكَرَ عن الإمام أحمد ، قال رحمه الله : اللَّهُمَّ كما صُنتَ وَجهي عن السُّجود لِغَيرِك ، فَصُنْهُ عَن المَسأَلَة لِغَيرِك

يقول ابن رجب رحمه الله مُعَلِّقًا ، يقول : لِأنّ سؤالَ الله عزّ وجلّ فيه إظهارُ عُبودِيَّةٍ عُظْمَى

تِلك العبوديّة ماهي ؟

هي أن يُظهِر العَبدُ افتِقارَه إلى الله ، ويَعلَم عِلْم اليَقين أنّ الذي يَقضي له حوائجَه هو الله

أمّا سؤالُ المخلوق -كما قال- فَعَكْس ، لِأنّ المخلوق لا يَجلِبُ لِنَفْسه نَفعًا ولا يَدفَع عنها ضُرًّا

قال ابن رجب في تَتِمّة كلامه ، قال : ويَشهَدُ لِهَذَا المعنى حديث النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في صحيح مسلم (( قال الله : يا عِبَادِي لَو أنّ أوَّلَكُم وآخِرَكُم وإنسَكُم وجِنَّكُم قامُوا في صَعيدٍ واحِدٍ فَسَأَلَني كُلُّ واحدٍ مَسأَلَتَهُ ، ما نَقَصَ ذلك مِن مُلكي شَيْئًا إلَّا كما يَنقُصُ المِخْيَطُ إذا أُدخِلَ البَحرَ )) يعني إذا أُدخِلَت الإبرةُ في البحر ثُمّ رُفِعَت مِنْهُ ، فماذا تأخُذ ؟

بل قال ابن رجب رحمه الله معَلِّقًا على كلامِه إذ قال : وَاللهُ عزّ وجلّ يَحُثُّ عِبادَه على أن يَسأَلوه ، فَفِي الثُّلُث الأخير مِن الليل (( هَل مِن دَاعٍ فَأَستَجِيبَ لَهُ ، هَل مِن سَائِلٍ فَأُعطِيَهُ ، هَل مِن مُستَغفِرٍ فَأَغفِرَ لَهُ ))

ذَكَرَ ابنُ أبي الدُّنيا بِسَنَدِه في كِتابِه ( الفَرَج بَعدَ الشِّدَّة ) عن الرَّبيع بن خُثَيم قال في قَوله تعالى { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا } ، قال : يَجعل اللهُ له مَخرجًا وَلَو ضاقَت على الناس كُلِّهم لَجَعَلَ اللهُ لِهَذَا المُتَّقي مَخرجًا

لَكِن نسأل اللهَ عزّ وجلّ أن يُخَلِّصَ تَقْوانا مِن الشوائب التي تَشُوبُها

ذَكَرَ ابنُ أبي الدُّنيا بِإسناده في كِتابِه ( الفَرَج بَعدَ الشِّدَّة ) عن عُمَر بن الخطّاب رضي الله عنه أنّه قال : لا أُبالي على أيِّ حالٍ أصبَحتُ فيما أُحِبُّ أو فيما أَكرَه

لِمَ ؟

قال : لِأنّي لا أدري هل الخَير فيما أُحِبّ أو هو فيما أَكرَه

ذَكَرَ ابنُ أبي الدُّنيا في كتابه ( الفَرَج بَعدَ الشِّدَّة ) بِسَنَدِه عن ابن عُيَينَة رحمهُ الله إذ قال : ما يَكرَهُهُ العَبدُ خَيْرٌ له مِمّا يُحِبّ

لِمَ ؟

قال : لِأنّه إذا أتاهُ ما يَكرَهُه حَثَّهُ على دعاء رَبِّه ، وإذا أتاهُ ما يُحِبُّه أَلهاهُ ذلك عن الدعاء

وذَكَرَ ابنُ أبي الدُّنيا بِسَنَدِه في كِتابِه ( الفَرَج بَعدَ الشِّدَّة ) مِن أنّ أبا عُبَيدة رضي الله عنه كان بِالشام وأحاطَ به العَدُوّ ونالَ مِنْهُ ما نال ، فأرسَلَ إلى عمرَ بن الخطّاب رضي الله عنه وهو في المدينة ، فقال له عمر رضي الله عنه : مَهْمَا يَنزِلُ بِأَمرِك مِن شِدَّة فإنّ اللهَ عزّ وجلّ جاعِلٌ لكَ مِنْهُ مَخرَجًا ، ولن يَغلِبَ عُسرٌ يُسرَين

وربُّكُم يقول { اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } 

وذَكَرَ ابنُ أبي الدُّنيا بِسَنَدِه في كِتابِه ( الفَرَج بَعدَ الشِّدَّة ) مِن أنّ محمّد بن عليّ دَخَلَ على محمّد بن المُنكَدِر -محمّد بن المنكدر مِن التابِعين رحمه الله- وكان مغمومًا

فقال له محمّد بن عليّ : ما لي أراكَ مغمومًا ؟

فقال أبو حازِمٍ رحمه الله : أصابَه دَينٌ عظيمٌ فأَشغَلَهُ

فقال له محمّد بن عليّ : اِفتَح لِهذا الدَّين بابَ الدُّعاء

[ اِفتَحْ لَهُ بابَ الدُّعاء ]

فقال : نعم . فقال : إنّ الله عزّ وجلّ لَيُبارِكُ لِعَبدِه في حاجته إذا أكثَرَ مِن دعائه عزّ وجلّ ، مهما كانت تِلْك الحاجة

افتح له بابَ الدعاء ، أنت في عُسر في ضِيق في مَرَض في كُربة في نائبة ، افتح لها باب الدُّعاء

{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }

{ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }

ذَكَرَ ابنُ رجب رحمهُ الله في رسائلِه مِن أنّ إسحاقَ بنَ عَبّاد البَصْرِيّ نام ذات لَيْلَة فأتاهُ آتٍ في المنام فقال : أَغِثِ المَلهوف ، فقام فَسَأَلَ جيرانَه هل مِن أَحَدٍ به حاجة ؟ فقالوا لا ندري ، فنامَ ، فلمّا نام الثانية والثالثة قيل له : أغِث الملهوف ، أَتَنامُ ولَم تُغِث الملهوف

فيقولُ : ركِبتُ بَغلَتي وذهبتُ في طُرُق البَصرة حتّى أَتَيتُ إلى مسجدٍ فَوَقَفتُ عنده ، ثمّ دَخَلتُ وإذا بِرَجُلٍ يُصَلِّي فَانتَظَرتُه حتّى انصَرَفَ مِن صلاته ، فَقُلتُ له : يا هذا ما الذي أخرَجَك في هذه الليلة ، وما حاجتك ؟

فقال ذلكم الرَّجُل : كان لي مِئةُ دِرهَم هي رأسُ مالي فَذَهَبَت وأصابَتني الدُّيون حتّى بَلَغَت مِئَتَي دِرهَم ، فَدَعَوتُ الله عزّ وجلّ أن يَكشِفَ ما نَزَلَ بي

فَقالَ لهُ إسحاقُ بنُ عَبّاد -وكان قد أَخَذَ معه صُرَّة مِن نُقود- فَقالَ هذه ثَلاثُمِئَةِ دِرهَم

ثمّ قال له : أَتَعرِفُني ؟ قال : لا أعرِفُك

قال : أنا إسحاق بنُ عَبّاد ، فإن نابَتكَ نائِبَةٌ فأْتِنِي فأنا في مَوضِعِ كذا وكذا

فَقالَ له الرَّجُل : رَحِمَك الله ، إن نابَتني نائِبَةٌ فَسَأَفزَع إلى الذي أخرَجَكَ مِن بَيتِك في هذه الساعة حتّى أَتَى بِكَ إِلَيَّ ها هُنا ، بل أفزَعُ إلى الله عزّ وجلّ

ولِذا يَقُول كما ذَكَرَ ابْنُ رجب رحمه الله في رسائله عن بَكرٍ المُزَنِيّ قال : قال بَكْر المُزَنِيّ رحمه الله : مَن مِثلُكَ يا ابْنَ آدم !

مَن مِثلُكَ يا ابْنَ آدم ، إذا أَرَدتَ أن تُناجِيَ رَبَّك تَوَضَّأتَ وصَلَّيتَ وناجَيتَ ربَّك وَلَيْسَ بَيْنَك وبَيْنَهُ تُرجُمان ولا حِجاب

أسألُ اللهَ عزّوجلّ أن يَرحَمَنا بِرَحمَتِه ونَسألُه عزّ وجلّ أن يَجعَلَنا مِن المُتَوَكِّلين عَلَيْه حقَّ التَّوَكُّل

اللَّهُمَّ اكْفِنا بِحَلالِك عن حرامِك وأَغنِنا بِفَضلِك عَمَّن سِواك ، اللَّهُمَّ لا تَدَع لنا ذَنبًا إلَّا غَفَرتَهُ ولا هَمًّا إلَّا فَرَّجتَهُ ولا كَربًا إلَّا نَفَّستَهُ ولا عَيبًا إلَّا سَتَرتَهُ ولا دَينًا إلَّا قَضَيتَه ولا مَرَضًا إلَّا شَفَيتَه ولا مُبتَلًى إلَّا عافَيتَه ولا ضالًّا إلَّا هَدَيتَه ولا حَيرانًا إلَّا دَلَلتَهُ ولا وَلَدًا إلَّا أَصلَحتَهُ ، ولا حاجَةً مِن حَوائج الدُّنيا والآخرة هي لَكَ رِضًا وَلَنا فيها صلاحٌ إلَّا أعَنتَنا على قَضَائِها ويَسَّرتَها بِرَحمَتِك يا أَرحَمَ الرّاحِمين

 

اللَّهُمَّ ارزُقنا العِلمَ النّافِع والعَمَل الصَّالِح