خطبة ( 1 ) فوائد قول ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) في جلب الخير ودفع الشر

خطبة ( 1 ) فوائد قول ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) في جلب الخير ودفع الشر

مشاهدات: 743

خطبة ( 1 )

فوائد قول ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) في جلب الخير ودفع الشر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[حسبي الله ونعم الوكيل]

ما أعظمها من كلمة قالها نبي الله إبراهيم لعيه السلام في شدة ما يكون من الضرر،  قال ابن عباس رضي الله عنهما كما في صحيح البخاري: “حسبي الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم عليه السلام حينما ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم لما قيل {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} أخرج هذا الأثر البخاري في صحيحه، وهذا الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما، وليتنبه إلى أمر وهو: أن ما يشاع على وجه الإطلاق من أن ابن عباس رضي الله عنهما يأخذ عن بني إسرائيل فهذا فيه نظر على وجه الإطلاق، لم؟ لأنه رضي الله عنه قال كما في صحيح البخاري من مجموع ما ذكره البخاري في أكثر من موطن قال:” يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن كتبهم، وهذا كتاب الله بين أيديكم، وهو أقرب العهد بالله، تقرأونه محضا لم يشب” يعني لم يختلط بغيره ولم يبدل ” وقد حدثكم الله أنهم قد بدلوا وغيروا دينهم، فقالوا هذا دين الله؛ ليشتروا به ثمنا قليلا، أولا ينهاكم ما عندكم من العلم عن مسألتهم، أما والله ما رأينا  أحدا منهم يسألكم عن دينكم”

قال ابن بطال في شرحه على صحيح البخاري: ” قال المهلب، والمهلب رحمه الله يذكره ابن حجر، ويذكره غيره ممن شرح البخاري؛ لأنه من أوائل من شرح البخاري، وهو المهلب بن أحمد بن أبي صفرة الأسدي الأندلسي، وقد وصف بشدة ذكائه وببراعة ذهنه وفهمه، وتولى القضاء، وتوفي سنة أربعمائة وخمس وثلاثين للهجرة.

فالشاهد من هذا: أن ابن بطال قال عن المهلب قال: نهوا عن أن يسألوا أهل الكتاب عن شرعهم؛ لأن في شرعنا فيه كفاية، فإن لم يوجد في شرعنا فبالنظر وبالاستدلال، قال: أما ما يؤخذ عنهم مما في شرعنا، أو  القصص التي جاء تأييدها في شرعنا، فلم ينه عن ذلك.

قلت: فدل هذا على أن ابن عباس رضي الله عنهما إن أخذ عن بني إسرائيل إنما يأخذ ما يؤيد الشرع مما جاء به شرعنا، ولذا إذا قيل هذا أثر عن ابن عباس أخذه من بني إسرائيل، فينظر في سنده لعل في هذا السند ما يوهنه عن ابن عباس، وهذه لطيفة علمية يستفيد منها طلاب العلم.

الشاهد من هذا:

أن قول ” حسبي الله ونعم الوكيل” قالها إبراهيم عليه الصلاة والسلام في شدة ما يكون من الضرر، أما ما جاء من أثر كما قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى من أنه لما ألقي في النار أتاه جبريل فقال: أتريد شيئا؟ فقال: حسبي من سؤالي علمه بحالي” قال ابن تيمية: هذا باطل، فكيف لا يسأل إبراهيم ربه وقد سأل ربه فقال: حسبي الله ونعم الوكيل”، كيف وفي أواخر سورة إبراهيم دعا إبراهيم ربه {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} إلى غير ذلك من الأدعية التي دعا بها إبراهيم عليه السلام كما ذكر ذلك عز وجل، فكيف يقول إبراهيم: ” حسبي من سؤالي علمه بحالي” فيقول هذا باطل، فيقول ابن تيمية فكون العبد، فالله عالم بكل شيء عالم بأنه مذنب، وكونه يأمره عز وجل بأن يستغفر هذا لا يتنافى، هو يعلم أنه مذنب فيحتاج إلى الاستغفار، فيأمره بالاستغفار ليتوب الله عليه، هو يعلم أنه محتاج، فيأمره بالدعاء وبالأسباب التي تأتي بها الحاجات؛ لينال حاجته كما أمره جل وعلا وهو عالم أمره بعبادته؛ لينال بذلك كرامته، فلا تنافي بين هذا وبين هذا.

إذاً [حسبي الله ونعم الوكيل] ما معناها؟

معناها باختصار: [حسبي الله] أي يكفيني الله ما أهمني من جلب منفعة، أو دفع مضرة، من جلب منفعة أو دفع مضرة، أنت مهتم لكي تتحصل على شيء سيأتي، ولا تدري هل يأتي أو لا، أكثر من قول: ” حسبي الله ونعم الوكيل”، تخشى من شيء يأتي إليك من ضرر، من مرض، من خوف، من أي ضرر من أنواع الضرر فتخشى أن يقع بك أو تخشى من ظلمة أن يوقعوا بك الضرر فقل” حسبي الله”، يكفيني الله ما أهمني مما فات علي من خير، أو حصل علي من ضرر

[ ونعم الوكيل] نعم الوكيل ربنا أي متولي أمور وتدبير خلقه لكمال علمه وحكمته وفضله، نعم، يتولى أمرك يتولى تدبيرك، يتولى رزقك؛ لكمال علمه، لكمال حكمته، لكمال فضله جل وعلا، وما له من الأسماء والصفات العظيمة، بل يتولى قلبك أيها المؤمن، يتولى قلبك حتى يحفظ من الشبهات ومن الوساوس ومن الخطرات، نعم، ولذلك يعتري القلب ما يعتريه من الوساوس والخواطر والشبهات.

يقول ابن تيمية كما في كتابه درء تعارض العقل والنقل في وساوس  العقائد، بعض الناس تأتيه وساوس في قلبه فيما يتعلق بالعقيدة، فيقول رحمه الله: ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” ليستعذ بالله ولينته” لا ملجأ لك ولا منجا إلا الله، قال: ” ليستعذ بالله ولينته” فيقول: أمره بالاستعاذة، وأمره بأن ينتهي، لم؟ لأنه بهذا السؤال الذي استعذت به والتجأت به إلى الله هل لك مطلب آخر؟ هل لك من يُقصد؟ لم يبق لك إلا أن تنتهي، لم؟ لأنك التجأت إلى الله، ولذلك قال رحمه الله قال الله عز وجل {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} قال: وذكر الإمام مالك في موطئه بلاغا حسبي الله وكفى من الأدعية المأثورة قال الإمام مالك: بلغنا أنه يقال، وطبعا هذا ليس بحديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هي من بلاغات الإمام مالك ذكرها في موطئه، ولذلك ابن حجر قال في إتحاف المهرة قال: ” وقد روي عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ما يؤيد آخره، لكنه عند البزار، وقال شيخه الهيثمي فيه ضعيف.”

الشاهد من هذا: ما الجملة؟ قال الإمام مالك: ذكر من الأدعية المأثورة حسبي الله وكفى، سمع الله لمن دعا، ليس وراء الله مرمى، وفي رواية منتهى، ليس وراء الله مرمى، لا هناك أحد يتوجه إليه ويقصد بعد الله بدعاء برجاء برغبة برهبة، فدل هذا على أن العبد مأمور بأن يفوض أمره إلى الله عز وجل، ” ليس وراء الله مرمى” لا ملجأ لك ولا منجا لك إلا إلى الله.

قال رحمه الله قال: ” ويشبه هذا في العقائد يشبه هذا ما يقع لكثير من الناس في وسوسة العبادات، فيقول يأتي الشيطان إلى أحدهم، والكلام لابن تيمية كما في كتابه درء تعارض العقل والنقل: ” يأتي الشيطان إلى أحدهم ويقول ما نويت، ما كبرت تكبيرة الإحرام، ما قرأت الفاتحة فيقول: وهو يعلم بالضرورة أنه غسل يده بالضرورة، يسمع أنه كبر بقلبه، يعلم بأنه نوى، فيقول رحمه الله: فإذا قال لم تكبر قال فقل في خاطرك بل كبرت، إن قال لم تقرأ الفاتحة فيقول بل قرأت الفاتحة، فيقول فإذا وجده الشيطان متمكنا ثابتا ذهب عنه، وإن وجده مستقبلا للشبهات والخواطر فتح عليه الأبواب، ما لا يستطيع أن يدفعه، ولا طاقة له بدفعه، فيؤدي بذلك إلى الهلكة {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ}

فإذاً الله عز وجل يتولى أمورك [حسبي الله ونعم الوكيل]

يقول ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى يقول: يؤتى في جلب المنفعة، وفي دفع المضرة، ما الدليل على أنها تأتي في جلب المنفعة؟ هناك شيء تطمح إليه، تتمنى أن يحصل لك تنتظره ترتقبه من مال من ظيفة من ربح من ومن ومن، هذا جلب منفعة، قل [حسبي الله ونعم الوكيل]

أكثر، الدليل على أنها تأتي في سياق جلب المنفعة قال رحمه الله: قال الله عز وجل {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ}  ما الذي بعدها؟ {سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ}، ودع عنك ما يقال وقد رددت على ذلك، وبينت أن به أربعة أخطاء من حذف بعض الكلمات ومن أن هذا الدعاء دعاء المعجزات {حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} {إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} كما يروجه أصحاب الأدعية المجربة، فاحذر منها، وقد نبهت على ذلك في غير هذا الموطن، وهو موجود في اليوتيوب، الرد على مثل هذا الدعاء الذي حذفت منه كلمة، وجر هؤلاء أصحاب الأدعية المجربة إلى أن يدخلوا ويدخلوا في دين الله ما ليس منه.

إذاً هذا في جلب المنفعة..

في دفع المضرة: إبراهيم عليه السلام لما قالها، لما أريد أن يلقى به في النار إبراهيم عليه السلام لما قالها، النبي عليه الصلاة والسلام لما قيل له إن أبا سفيان بعد غزوة أحد قد جمعوا لكم فاخشوهم، فماذا قالوا؟ {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}

أيضا في قوله تعالى {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ}، هذا في حال ماذا؟ في حال الضرر.

وبعد أن تأملت آيات الله وجدت أن هناك آية تجمع الأمرين: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} هذا دفع المضرة {أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} هذا جلب المنفعة، ما الذي بعدها؟ {قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}

إذن إذا قلت [ حسبي الله ونعم الوكيل] ماذا الذي يحصل؟ جلب المنفعة ودفع المضرة.

وتأملت كتاب الله فوجدت أن هذين الأثرين بعد قول [ حسبي الله ونعم الوكيل] سيحصلان لك، لما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إن أبا سفيان قد جمعوا لكم  جموعا عظيمة، قالوا {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} ما الذي بعدها؟ {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ} هذا ماذا؟ جلب المنفعة، {لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ}، دفع المضرة، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ} ختام الآية {وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}

إذاً ما أعظم هذه الكلمة، وما أعظم تأثيرها !

الناس يخشون على دنياهم على حياتهم على صحتهم يؤملون الخير يرجون  أن يدفع عنهم الضر، التجئ إلى الله، ليس وراء الله مرمى، ليس وراء الله منتهى، ما هناك أحد يقصد بعد الله بدعاء برجاء برغبة  [ حسبي الله ونعم الوكيل]، فإذاً أكثر منها.

والوقت قد ضاق بنا، وإلا فهناك فوائد متعلقة بهذه الكلمة، لعل الله ييسر ونذكر ذلك في الخطبة القادمة بإذن الله تعالى، وهنا تنبيه ولعل بعض الأخوة قد لا يعلم بهذا الأمر أن من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة حتى إلى مكان في المقدمة فكما قال صلى الله عليه وسلم عند أبي داود: ” من لغا أو تخطى كانت له ظهرا” تصح منه صلاة الجمعة، لكن فضل صلاة الجمعة لا يحصل له، لكن قد يكون الإنسان جاهلا، والجاهل معذور، لكن يتنبه مستقبلا لهذا الأمر.

أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد…