خطبة رقم [3]
ــــــــــــــــــــ
( أحد عشر أصلا )
يحتاجها العامي وطالب العلم في هذا الزمن ليعصمه الله من الزلل
ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
تحدّثنا في الجمعتين السابقتين عن تسعة عشر أصلًا من الأصول المهمّة التي يحتاجها العامّيّ وطالب العلم في كلّ زمن مقتصِرًا فيها على ذكر دليل واحد .
الأصل العشرون
ـــــــــــــــــــــــــ
من رحمة الله جلّ وعلا أن جعل العمل الصالح سببًا لدخول الجنّة ، وليس العمل عِوَضًا عن الجنّة فسِلعة الله غالية
ولذلك قال عزّ وجلّ : { جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ، { ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } هذا سبب ، لكن لا يكون عِوضًا
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال كما في الصحيحين – وله ألفاظ متعدّدة – : ( لن يُدخِل أحدًا عملُه الجنّةَ ) قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ( ولا أنا إلّا أن يتغمّدنيَ اللهُ برحمة منه وفضل )
الأصل الحادي والعشرون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القرآن شفاء لكلّ مرض ، سواء كان مرضًا قلبيًّا أو مرضًا بدنيًّا
شفاء للأوهام للخواطر للوساوس للشبهات للشهوات ، شفاء لكلّ مرض عضويّ في البدن ولو كان داءً عُضالًا
قال عزّ وجلّ { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ } ( مِنْ ) هنا ليست للتبعيضيّة بل للجنس ، كلّ ما في القرآن ولو كانت آيةً تتعلّق بالأحكام الفقهيّة لو قُرئت على حسَب مقتضى الشرع نفع الله بها بإذن الله عزّ وجلّ
{ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } لكن قد لا يُشفى الإنسان ، الخلل في القارئ ، الخلل في الراقي ، وليس الخلل في آيات الله عزّ وجلّ لأنّ هذا القارئ لم يقرأ وقلبه حاضر ، أو لم يقرأ على الطريقة الشرعيّة النبويّة .
الأصل الثاني والعشرون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قَول ( لا إله إلّا الله ) مِن العبد أو من أيّ طائفة ، هذا لا يجعله بِمَنجى من عذاب الله إلّا إذا أتى بشروط وأركان لا إله إلّا الله ، وترك ما يُناقض هذه الكلمة من الشركيّات
ولذلك في نصوص قيّدت أنّ مَن قال لا إله إلّا الله دخل الجنّة قيّدته بالصدق ، قيّدته بالإخلاص، قيّدته بالابتغاء . ومن كان ابتغاؤه لله أتى بشروط وأركان لا إله إلّا الله وترك ما يخالف لا إله إلّا الله،
وكذلك الشأن في الصدق .
ولذلك النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال كما في الصحيحين :
( فإنّ الله حرّم على النار من قال لا إله إلّا الله ..) التتمّة ( يبتغي..) هذا يدعوه إلى العمل وإلى ترك ما يناقض التوحيد ،
فـ ( إنّ الله حرّم على النار من قال لا إله إلّا الله يبتغي بذلك وجه الله ) وأتت نصوص أخرى أن يقولها صادقًا خالصًا مستيقنًا بها قلبه
ولذلك غُلاة الرافضة من الإسماعيليّة والباطنيّة وغلاة الصوفيّة يقولون لا إله إلّا الله ومحمّد رسول الله ، ومع ذلك فهُم من أكفر الطوائف
لِمَ ؟
لأنّهم يأتون بالشركيّات ، يدعون غير الله ، يستغيثون بغير الله ، يدّعون العصمة ويدّعون معرفة الغيب بأوليائهم ، وإلّا فالمنافقون يقولون لا إله إلّا الله محمّد رسول الله . فتنبّه
الأصل الثالث والعشرون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أفضل ذكر ودعاء تدعو به هو التوحيد ، ولذلك عند النسائيّ في السنن الكبرى وصحّحه ابن حجر : قال موسى يا ربِّي علّمني دعاءً أذكرك وأدعوك به ، فقال : (( يا موسى قل لا إله إلّا الله ))
(( أذكُركَ وأدعوكَ به )) ذكر ودعاء ، (( قال يا موسى قل لا إله إلّا الله))
فلذلك ثبت عند الترمذيّ قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم :
( أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة ، وأفضل ما قلته أنا والنبيّون من قبلي : لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير )
: الأصل الرابع والعشرون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنّ دعاء غير الله عزّ وجلّ شرك { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا }
والدعاء نوعان : دعاء عبادة ، ودعاء مسألة
النوع الثاني من أنواع الدعاء : دعاء المسألة كأن تقول : يا ربّ ارزقني ، ارحمني ، اغفر لي . فلا يجوز أن يُقال لإنسان ، لمخلوق . يقول له اشفني أو ارفع عنّي الضرّ أو ما شابه ذلك .
الأصل الخامس والعشرون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله جلّ وعلا في العلوّ ، فوق السماوات .
ليست السماوات محيطة به ، وليست السماوات تحمله ، تعالى الله عن ذلك ، هي محتاجة { وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ } يمسك السماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه { إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا } فهو جلّ وعلا قد استوى استواءً يليق بجلاله وبعظمته على العرش ، والعرش سقف المخلوقات وقد استوى استواء يليق بجلاله وبعظمته ، ومع ذلك { لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ }
أمّا الآيات التي فيها { وهو معكم } نعم ، هو معنا بعلمه و بإحاطته ، بنحو ذلك . فهو مع الخلق جميعًا ، بإحاطته بقدرته بعلمه . وأيضًا هو مع عباده المحسنين المُتَّقِين بالتأييد وبالنصر وبالتوفيق . فتنبّه . لا تظنّ أنّ الله قد حلّ في كلّ مكان . أمّا قوله تعالى { أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ } مُطلق العلوّ أو تكون ( في ) بمعنى على السماء ، وليست السموات محيطة به ، ولا أنّها تحمله ، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا .
الأصل السادس والعشرون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ربوبيّة الله عزّ وجلّ للعباد على نوعين
ربوبيّة عامّة :
لجميع الخلق ، الله ربّ الجميع . كيف ؟ يعطيهم ، يرزقهم ، يعافيهم . للمؤمن وللكافر .
النوع الثاني :
ربوبيّة خاصّة ، تخصّ المؤمنين ، ربوبيّة خاصّة بالمؤمنين يُغذّي بها قلوب عباده المؤمنين بالهدى و بالخشية و بالتُّقى .و لذلك قال موسى { رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } ودَعَوات عُبَّاد الله الصالحين تُصدَّر بكلمة ( رَبَّنَا ) فهي الربوبيّة الخاصّة ( خاصة بالمؤمنين )
الأصل السابع والعشرون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لُقيا العبد لله عزّ وجلّ على نوعين :
لجميع الخلق يوم القيامة ، للمؤمن وللكافر قال تعالى { يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ } نحن نكدح في هذه الدنيا ، في أمور الدنيا وفي أمور الآخرة . منهم مَن هو المهتدي ، ومنهم مَن هو الضالّ . ولكن بعد هذا الكدح ( فملاقيه ) و لذلك ذكر بعدها ( من يعط كتابه بيمينه ومن يعط كتابه بشماله )
لُقيا التكريم والإكرام والثواب . ولذلك قال تعالى : { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا }
:الأصل الثامن والعشرون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المسلم مهما فعل من الكبائر ولو عظُمت ، ولو كانت فظيعة ، فلا يُخلّد في النار ، ولا يكون كافرًا ، خلافًا للخوارج ، الذين يخرجون على ولاة المسلمين ، ويُكفّرون المسلمين ، ويستبيحون دماءهم بحجّة أنّهم كُفَّار ، هذا مذهب الخوارج . لكن معتقد أهل السنّة والجماعة أنّ العبد مهما عظُمت ذنوبه وكثرت بما أنّه موحِّد ، فهو تحت رحمة الله يوم القيامة ، إن شاء الله عزّ وجلّ رحمه تفضّلًا منه ، وإن شاء عذّبه بقدر ذنبه ، ثمّ المردّ إلى الجنّة . قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ }
: الأصل التاسع والعشرون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العبد مهما أعطاه الله جلّ وعلا من العلم والدِّين ، ومهما كان في بيئةٍ نقيَّةٍ من الشرك ، فالواجب عليه أن يتعلّم التوحيد وأن يحذر من الشرك ، ولذلك إبراهيم عليه السلام إمام في التوحيد { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً } يعني إمامًا يُقتدى به في الخير { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } مع ذلك من دعائه { وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ } إذا كان هذا هو دعاء إبراهيم عليه السلام ، فما ظَنُّكُم بغيره ؟!
: الأصل الثلاثون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كلّ آيات القرآن دون استثناء توحيد ، ما من آية في كتاب الله إلّا وهي تدعو إلى التوحيد ، كلّ القرءان ، دون استثناء . كيف ؟
آيات القرءان إمّا أن تدعو صراحةً إلى التوحيد ، أو أنّها تدعو إلى الأعمال الصالحة التي تكمّل هذا التوحيد ، أو تبيّن ثواب وجزاء الموحّدين في الدنيا وفي الآخرة ، أو آيات صريحة تحذّر من الشرك ، أو آيات تحذّر من الفحشاء والمنكر والذنوب التي قد توقع العبد من حيث لا يشعر في الشرك بالله عزّ وجلّ ، أو آيات تبيّن عقوبة المشركين في الدنيا وفي الآخرة .
إِذًا كلّ آيات القرءان توحيد . أعطيكم مثال : قوله تعالى :
{ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } يعني المطلقة إذا لم تكن حاملًا تعتدّ ثلاث حِيَض ، إذا فعلت فعلت عَمَلًا صالحًا ، هذا العمل يكمِّل التوحيد لديها
أسأل الله عزّ وجلّ لي ولكم العلم النافع والعمل الصالح . وهذه كما سلف أصول مختصرة بالدليل ، بدليل واحد . والأدلّة كثيرة
ولكن من باب الاختصار
فيتعيّن على المسلم أن يعرف أمور دينه
ولهذه الأصول – بإذن الله – تتمّة ؛ لأهميّتها ، ولا يستغني عنها طالب العلم فضلًا عن العامّيّ