(الأموال الزكوية – زكاة الحبوب والثمار )
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
أما بعد :
تحدثنا عن الأموال الزكاوية وذكرنا شيئا منها على سبيل التفصيل ونأتي في هذه الليلة إلى واحد من هذه الأموال الزكاوية ألا وهي ( الحبوب والثمار ) وهذا مما يتعلق بالمزارعين .
النبي صلى الله عليه وسلم حث على الزراعة ورغَّب فيها حتى قال عليه الصلاة والسلام كما في المسند ( إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليغرسها ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر ذلك البخاري في صحيحه ( ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة إلا كان له به صدقة )
إذاً الزراعة لها فضلها حتى إن بعض العلماء قال إنها أفضل ما يتكسبه الإنسان من الأعمال ، وقال بعض العلماء غير ذلك ، على كلٍ هذا يدل على فضل زراعة الأشجار ، ولكن ينبغي ألا يبالغ الإنسان في ذلك ، فمن بالغ في ذلك وقع في الحديث الذي ذم الزراعة ، هناك أحاديث تثني على الزراعة وهناك أحاديث تذم الزراعة ، ولذلك لما ذكر البخاري رحمه الله قول النبي عليه الصلاة والسلام ( ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا …الحديث ) ذكر بعده حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه صلى الله عليه وسلم رأى آلة حرث ) يعني آلة زارعة ( في بيت فقال عليه الصلاة والسلام ما دخلت هذه الآلة على أهل بيت إلا أدخل الله عليهم الذل )
وهذا شامل لذل الدنيا ولذل الآخرة ، وهذا مشاهد فمن بالغ في الزراعة مبالغة تصرفه عن مهامِّه الدينية والدنيوية دخل عليه الذل ، فمن بالغ فيها وجعل لها جل وقته وغاية أهدافه تجد أنه سيضطر ولا محالة إلى أن يقترض من هذا ومن ذاك ثم تتراكم عليه الديون بسبب مبالغته في هذه الزراعة فيدخله ذل الدنيا ، إضافة إلى أنه إن أضاف إلى هذه الديون انصرافه عن جماعة المسلمين وانصرافه عن الصلاة في مساجدهم واشتغاله بهذه الزراعة دون أن يتعلم العلم ودون أن يصلي مع المسلمين ومع جماعة المسلمين دخله ذل الآخرة ، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ) كناية عن الزراعة ( ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد ) لأنه انعزل بهذه الزراعة عن الأمور الدينية ( سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم )
إذاً الزراعة لها مكانتها وفضلها في الإسلام ، لكن هناك أحاديث ذمت الزراعة والسبب في ذلك هو المبالغة في الزراعة فيدخله الذل في الدنيا وفي الآخرة .
نأتي إلى هؤلاء المزارعين ، هؤلاء المزارعون إذا زرعوا ثمارا أو حبوبا فتجب فيها الزكاة ، الزكاة إنما تجب في أصناف معينة مما يُزرع ( الحبوب كلها ) جميع الحبوب تجب فيها الزكاة [ قمح – شعير – ذرة – أرز ] هذه فيها الزكاة .
نأتي إلى الثمار : تجب الزكاة في الثمر الذي يكال ، يعني بالصاع أو بالمد ، ويُدَّخر بمعنى أنه يمكن أن يربص هذا الثمر ولا يتأثر مثل التمر والزبيب أصله العنب ، التمر أصله رطب ، فهذا يكال بالصاع وبالمد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ليس في عرفنا وإنما قلنا يكال ويُدَّخر المراد ما عُهد على النبي صلى الله عليه وسلم .
إذاً ما يكال ويُدَّخر تجب فيه الزكاة ، إذاً التمر والزبيب وما شابه ذلك مما يمكن ادِّخاره .
هناك أشياء لا تكال بالصاع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأيضا لو كيلت لا يمكن ادخارها ، لا يمكن تجفيفها مثل الفواكه [ برتقال – تفاح – موز ] هذه لا زكاة فيها ، جاء في سنن الترمذي مرفوعا وموقوفا ( ليس في الخضراوات صدقة ) إلا إن كان هذا المزارع يأخذ هذه الثمار ويأتي بها إلى السوق أو له محل يبيع فيها هذه الخضار وهذه الفواكه هذه تزكى زكاة عروض التجارة إذا جاء تمام الحول وكان عنده شيء فإنه يقوِّم ما عنده ثم يخرج زكاة هذه العروض ، أما أصلها لا تجب فيها الزكاة ، قال الله عز وجل { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ }البقرة267 وقال تعالى { وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } الأنعام141 .
ما أقل نصاب الحبوب والثمار ؟
قال النبي صلى لله عليه وسلم ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة )
والوسق ( ستون صاعا ) ستون × خمسة = ثلاثمائة ، مقدارها بالكيلو [ ستمائة واثنا عشر كيلا ] إذا كان عنده هذه المقادير تجب فيها الزكاة ، إما إذا كان عنده أقل فلا زكاة
يقول العلماء : يسن أن يبعث الإمام والوالي خارصا يخرص على المزارعين ، بمعنى يأتي هذا الخارص المُفوض من قِبل ولي الأمر إلى المزارع وينظر إلى مثلا الرطب وينظر إلى العنب ويخمن يقول : هذه النخيل وما عليها من الرطب لو جفت تكون بالكيلو كذا وكذا ، وهذه التي هي أشجار العنب لو جفت تبلغ كذا وكذا ، هذا يسمى بالخرص ، فيترك الخارص هذا المزارع وثماره فإذا جاء جفاف الثمر ، الرطب لا يؤخذ رطبا في الزكاة فلا يخرج رطبا ولا يخرج عنبا وإنما يخرج يابسا تمرا ويخرج زبيبا ، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، ويُخرج الطيب { وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } البقرة267 ، النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن تمر الجعرور ) وهو تمر رديء يسمى في المدينة بالجعرور
( ولون الحُبيّق ) أيضا رديء ينسب إلى رجل يقال له [ حُبيق ] والنبي صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داود ( دخل ذات يوم في المسجد ومعه عصا وإذا قِنو ) يعني عرق وهو يابس من أردئ التمور ( فقال عليه الصلاة والسلام : لو شاء رب هذه الصدقة أن يتصدق بأطيب منها إن صاحب هذا التمر ليأكل الحشف يوم القيامة ) الجزاء من جنس العمل ، يخلق الله عز وجل في نفسية هذا الرجل شهوة إلى التمر الرديء .
فإذاً يُخرج أطيب ما يكون ولا يُكلف إلا بما عنده .
قلنا أقل النصاب بالكيلو [ ستمائة واثنا عشر كيلا ] لما جاء الخارص وجد على النخيل مئتي كيلو من السكري ومئتي كيلو من الخلاص و مئتي كيلو من البرحي ومئة كيلو من نوع آخر ، هل تجب الزكاة أو لا ؟
تجب الزكاة ، فلا عبرة باختلاف النوع ما دام أنه تمر ، فيجمع جميعه ويكون نصابا لا عبرة بالأنواع ما دام أنه يسمى تمر ، فيكمَّل به النصاب .
لو كان عنده مزرعة في بلد وإذا بالنصاب ثلاثمائة وعنده مزرعة أخرى في بلدة أخرى أربعمائة ، فهنا تجب فيه الزكاة ، فيجمع هذا مع هذا ، ولذلك قال العلماء : تُضم ثمرة العام الواحد ولو تباعدت البساتين ، فتجب فيها الزكاة .
ما المُخرج منها ؟
الخارص يترك بعد خرصه الثلث أو الربع حسب ما تقتضيه المصلحة يعني يتركه ولا يحسبه على المزارع ، لو كان مثلا ثلاثة آلاف كيلو مقدار ما عنده ، يترك إما ثلث هذا الثمر يترك ألف كيلو على حسب ما يراه أو ربع الثلاثة آلاف ، يتركه لماذا ؟ من باب التوسعة على صاحب المزرعة ، قد يقدم عليه ضيف ، أو مسكين أو ابن سبيل وما شابه ذلك فلا تحسب هذه ضمن الزكاة ، فهنا في المثال السباق يبقى ألفين ، ما المقدار المُخرج ؟
مقدار المُخرج إن كان سقيه بمؤونة وكلفة يعني بسواقي وغطاسات ومكائن ، يعني يسقيها بتعب هذه فيها [ نصف العشر ] لكن لو كانت بدون كلفة مثلا بالأمطار أو أنهار هذه فيها [ العشر ] أما الأولى ففيها نصف العشر ، لماذا ؟ حسب المشقة .
إذاً / هذه زكاة الحبوب والثمار .
إنسان مزارع أخرج مثلا نصف العشر بقي عنده ألف كيلو خزنه في البيت مثلا كنزه وتركه من محرم فلما جاء محرم مضت عليه السنة ، هل تجب فيه الزكاة ؟ لا تجب فيه الزكاة ، لأن الله عز وجل علَّق الزكاة بالحصاد وحصاد هذا التمر ما يتكرر قال تعالى { وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } الأنعام141 ، إذاً لو اقتناه بعد أن أخرج زكاته ، قال العلماء: وما زُكي من المُعشِّرات يعني الحبوب والثمار ، فلا زكاة فيه ولو دارت عليه السنة لأنه اتخذه للقنية لكي يأكل منه ويتنعم به .