[ 201 ] [ مائتان وواحد أصلا]
يحتاجها العامي وطالب العلم في هذا الزمن ليعصمه الله من الزلل
(من مجموع ثلاثين خطبة )
ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
[ فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري ]
ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
الناس في هذا الزمن بل وفي كلّ زمن بحاجة إلى أصول علميّة تعصمهم بإذن الله من الفتن التي كُثرت وعمّت
وسأذكر أصولًا يستفيد منها العامّيّ وطالب العلم ، ويفهمها الجميع مقتصرًا على دليل واحد ؛ لأنّ الأدلّة كثيرة
الأصل الأول :
ــــــــــــــــــــ
اعلم – بارك الله فيك – أنّه ليس كلّ من قال أو اعتقد بأنّ الله هو الخالق الرازق المحيي المميت المدبِّر المتصرِّف ، لا يكون بهذا الإقرار وبهذا الاعتقاد والقول – لا يكون مسلمًا إلّا إذا جعل العبادة من صلاة وزكاة ، ونحو ذلك إلّا أن يجعل هذه العبادة لله .
و لذا كفّار قريش ، يقرّون بذلك ( بتوحيد الربوبيّة)
{ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ }
{ قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ }
إِذًا لماذا لا تعبدون الله ؟
فهنا عُرِّف لك الفرق بين توحيد الربوبيّة وبين توحيد الألوهيّة ، فلا بدّ منهما كليهما ، فلا يُغني توحيد الربوبيّة عن توحيد الألوهيّة
: الأصل الثاني
ــــــــــــــــــــ
كلّ ما يحبّه الله ويرضاه ، هذا المحبوب وهذا المرضيّ عند الله إذا صرفه الإنسان لغير الله أو جعل غير الله مساويًا لله في هذا المحبوب و هذا المرضيّ عند الله فقد أشرك .
ولذلك أهل النار { قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) }
و هنا عُرِّف لك الفرق بين العبادة وبين الشرك .
المحبوب لله المرضي عند الله هو العبادة ، هذا المحبوب وهذا المرضي الذي هو عبادة إذا صُرِفَ لغير الله أو جُعِل غير الله عزّ وجلّ مساويًا لله ، فهذا شرك .
الأصل الثالث :
ــــــــــــــــــــ
أنّ كلّ اسم أو صفة ذكرها الله عزّ وجلّ في كتابه أو ذكرها النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم في سنَّته فأثبِتها ، معتقِدًا أنّ لها معاني .
أسماء الله وصفاته لها معاني من حيث اللغة ، أمّا الكيفيّة فهي مجهولة لدَينا الاستواء { الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ }
[ استوى ] معناه في اللغة : العلوّ والارتفاع
لكن كيف استوى ؟ الله أعلم
إِذًا : نُثبت هذه الأسماء وهذه الصفات ونعلم بأنّ لها معاني من حيث اللغة ، لكن لا نكيّفُها ، لا نقُل إنّ كيفيّتها كذا وكذا ، ولا نحرّفها ولا نؤوّلها ولا نشبّهها ولا نمثّلها بصفات المخلوق ، المخلوق له صفة السمع ، الله له صفة السمع ، لكن صفة السمع لله عزّ وجلّ تليق به ، لا تُشابه ولا تُماثل صفة السمع للمخلوق ، وهكذا في جميع الأسماء والصفات .
قال تعالى :{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }
وتوحيد الأسماء والصفات ، لا يعني فقط الإثبات ، معرفتك لتوحيد الأسماء والصفات يزيد إيمانَك ، يجعلك تتفاءل ، تُحسن الظنّ بالله . نَعَم ، الله الرزّاق ؛ إذًا تتفاءل ، تُحسن الظنّ بالله ، من أنّ الله سيرزقك ، الشافي ، أنّ الله سيشفيك ، الغنيّ ، أنّ الله يغنيك . وهكذا
هنا يزداد إيمان العبد ، ليس مجرّد توحيد الأسماء كما يظنّه البعض من أنّه مجرّد إثبات فقط ، لا . وإنّما يزيدك إيمانًا ، يزيدك إيمانًا ، وتحسن الظنّ بالله عزّ وجلّ .
وعليك أن تنفيَ ما نفاه الله عزّ وجلّ عن نفسه ، ونفاه عنه رسوله صلّى الله عليه و آله وسلّم من الأسماء والصفات ، مع إثبات كمال الضدّ
{ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ } نفى عنه الظلم . لمَ ؟ لِكمال عدله . { لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ } لكمال حياته وقيّوميّته . وأن تسكت عمّا سكت عنه الله عزّ وجلّ وسكت عنه رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم
الأصل الرابع
ــــــــــــــــــــ
الجنّ مأمورون كالإنس بعبادة الله ، أعطاهم الله بعض القوى والقدرة نعم ، لكن تلك القوّة وتلك القدرة ما يستطيعون أن يفعلوا شيئًا إلّا بأمر الله وبما أقدرهم الله عزّ وجلّ فهُم ضعفاء ، فهذا الهول والهلع من الجنّ هذا ليس بشيء
مخلوقون مأمورون { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } ، لا يعلمون غيبًا ولا يطّلعون إلّا على ما أراده الله عزّ وجلّ
ولذلك لمّا مات سليمان عليه السلام الجنّ لم تعلم وكانوا يعملون له المحاريب والأعمال الشاقّة ، فلمّا خرّ – يعني سليمان سقط ميّتًا – { فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ }
ما يعلم الغيب إلّا الله { قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ } فعليك أن تتحصّن بما شرعه الله من الأذكار والأوراد من شرّ هؤلاء الجنّ
الأصل الخامس :
ــــــــــــــــــــ
أنّ أيّ شخص يدعو إلى الله وهو لا يدعو إلى التوحيد فدعوته لا ثمرة بها ولا بركة
لأنّ دعوة الرسل التوحيد ، أوّل ما بدؤوا به هو التوحيد
{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ }
إذًا:
من يعقد محاضرات خارج المملكة في أماكن بها شركيّات وبدعيّات ، ويتحدّث في محاضراته عن صدقٍ أو عن أُلفة وعن محبّة فدعوته لا بركة فيها ولا خير
بل حتّى لو كنت في بيئة سليمة من الشرك والبدعيّات لابدّ أن تدعوَ إلى التوحيد ، النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لمّا دخل الناس في دين الله أفواجًا ماصرفه ذلك عن أن يدعو إلى التوحيد حتّى في آخر حياته صلّى الله عليه وآله وسلّم محذّرًا أمّته من الشرك
الأصل السادس :
ــــــــــــــــــــ
العلم النافع هو العلم الذي في القرآن والذي صحّ في سنّة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بشرط أن يُفهم هذا العلم على ما فهمه سلف هذه الأمّة من الصحابة ومن جاء بعدهم ممّن اتّبعهم بإحسان
هذا هو العلم النافع الذي يقيك بإذن الله عزّ وجلّ من الفتن ، لكن أن يُجعل ما يسمّى بالقَصص الحياتيّة في الدعوة إلى الله ( حدّثني كذا، وحدّثني مجموعة ، ورأيت كذا ، والتقيت بأولئك أو بهذا ) هذا ليس بعلم نافع ، بل ذمّ السلف القُصّاص . ولذلك لمّا لم تكن لهؤلاء بضاعة ، أيّ شيء يقع أمامهم وتراه أعينهم يذكرونه من الأحاديث حتّى لو كانت باطلة ، والواقع يشهد بهذا
الناس فيما مضى، آلاف المحاضرات لكنّ التوحيد لايُذكر إلّا نزرًا يسيرًا ، هذا إن ذُكر
لمّا أتت الفتن ما الذي حلّ بالناس ؟ ولذلك قال بعض السلف : من عرف السنّة عرف ما يخالفها من البدعة ، عرف ما يخالفها من البدعة
العلم النافع :
العلم بالقرآن وبالسنّة على فهم سلف هذه الأمّة
ماذا قال جلّ وعلا ؟
{ وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ }
[ ما الذي بعدها ]
وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ } }
يعني إذا عرفت الآيات التي فُصّلت في القرآن وفي السنّة إذًا اطمأننت ، لمَ ؟ لأنّك ستعرف ما يخالفها
لكن محاضرات بالآلاف المؤلّفة فيما مضى في عشرين سنة أو أكثر وقد خلت من العلم النافع ، ما الذي جرى للأمّة ؟
لكن مَن تحدّث فيما مضى عن علمٍ نافع كشيخنا ابن باز وابن عثيمين – رحمة الله عليهما وعلى علماء المسلمين – مازال علمهم باقيًا ، وهذه موعظة وذكرى لي ولك حتّى نتشبّث بالعلم النافع الذي يعصمك بإذن الله عزّ وجلّ من الفتن
الأصل السابع :
ــــــــــــــــــــ
أنّ أعظم أمْر أمَرَ به الله وأمر به رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم هو التوحيد
وإنّ أعظم ما نهى الله عنه ونهى عنه رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم هو الشرك
بل الأنبياء أعظم ما أمروا به هو التوحيد ، وأعظم ما نهوا عنه هو الشرك
قال تعالى : { وَاعْبُدُوا اللَّهَ } [ ما الذي بعده ؟ ]{ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}
{ قلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ }
[ أوَّل شيء ]
{ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا }
ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
هذه أصول عليك أن تفهمها وأن تحفظها وأن تراجعها ، وهذه الأصول أصول مختصرة
وللحديث تتمّة إن شاء الله تعالى في أصولٍ مختصرة أخرى حتّى ينتفع المسلمون في هذا الزمن وفي أيّ زمن ، حتّى ينتفعوا بهذه الأصول فلا يَضِلّوا ولا يُضَلّوا
الأصل الثامن :
ــــــــــــــــــــ
النبيّ صلّى الله عليه و آله وسلّم لم يكتب وصيّة مكتوبة ، أوصى بقوله كما أوصى بالصلاة في آخر حياته وأوصى بغيرها نعم ، أمّا شيء مكتوب فلا
حتّى تردّ على الرافضة الذين يزعمون أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كتب كتابًا لعليّ بالخلافة من بعده
الدليل :
جاء في صحيح البخاريّ عن عليّ رضي الله عنه -الذي يرفعونه فوق منزلته رضي الله عنه- قيل له كما عند البخاريّ :
(( هل عندكم كتاب أوصى به النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ فقال لا ))
الأصل التاسع :
ــــــــــــــــــــ
أنّ أعظم ظلم وقع في الكون هو الشرك بالله، قال تعالى عن لقمان : { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }
لمَ ؟
لأنّه في مقابلة إحسان الله عزّ وجلّ للعبد الذي خلقه وربّاه وأكرمه ، فإذا به يقابل هذا الإحسان بأعظم إساءة
فأعظم سيّئة وقعت في الكون الشرك بالله عزّ وجلّ ، ولأنّ الشرك ليس به محض رغبة للنفس كسائر المعاصي فصاحبه ظالم ، بل أعظم الظالمين
الأصل العاشر :
ــــــــــــــــــــ
الأمن الذي ترغبه النفوس وتحنّ إليه في مجتمعاتها ، بل إنّ الأمن الذي يطلبه كلّ مسلم في قبره لمّا يأتيه الملَكان فيسألانه في قبره
بل كذلك الأمن الذي يكون يوم القيامة لأهل الإيمان { وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ } ، { لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ } لا يمكن أن يتحقّق إلّا بالتوحيد
قال تعالى : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ } يعني بشرك { أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ } وبقدر ما يضعف هذا التوحيد ببدع أو بذنوب بقدر ما يضعف هذا الأمن في الدنيا وفي القبر وفي الآخرة
الأصل الحادي عشر :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إنّ أيّ حقّ ذكره الله عزّ وجلّ في كتابه أو ذكره عنه رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم في سنّته ، حقّ للعباد على الله أو شيء كتبه الله للعباد على الله فهو حقّ تفضّل به عزّ وجلّ ، لا يَلزم لا بدليل عقليّ ولا لأنّ البشر ألزموه، لا
كقوله تعالى : { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ } تفضّلًا منه جلّ وعلا
في الصحيحين :
( ما حقّ العباد على الله ؟ قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : حقّ العباد على الله ألّا يعذّب من لا يشركُ به شيئًا )
الأصل الثاني عشر :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إذا سئلت عن شيء فلَم تعرف جوابه فلا تقل الله ورسوله أعلم ، إنّما قل : الله أعلم
لو سئلتَ فيما يتعلّق بالأمور الكونيّة ، مثلًا : هل تسافر غدًا؟ ، قل الله أعلم ، ولا يجوز أن تقول ورسوله أعلم ، لأنّ الأمور الكونيّة لا يعلم بها النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في حياته إلّا إذا أطلعه الله ، فكيف بعد موته
أمّا لو سئلت عن أمر شرعيّ ، مثلًا : ما حكم القصر في الصلاة ؟ فقل أيضًا الله أعلم . وهذا هو الأفضل
بعض العلماء يقول : في الأمور الشرعيّة لا بأس ، وذكروه في كتبهم
لكنّ الدليل يدلّ على أنّ الأفضل أن تقول فقط : الله أعلم ، إذا سئلت عن سؤال شرعيّ
في صحيح البخاريّ :
عمر رضي الله عنه لمّا سأل الصحابةَ رضي الله عنهم في عهده بعد وفاة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فيمن نزلت هذه الآية { أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ } الآية ، ماذا قالوا ؟ قالوا : الله أعلم . ولم يقولوا الله ورسوله أعلم
إذًا إذا سئلت عن أمر تجهله فقل : الله أعلم
الأصل الثالث عشر :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أعظم وصف يحبّه النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يوصف بأنّه عبد ولذا وصفه بأنّه عبد لمّا أسرَى به ولمّا عُرج به، ولمّا أَنزل عليه القرآن ، ولمّا نافح عنه ودافع عنه ، ولمّا قام يدعوه ، وصفه بالعبوديّة
بل كان يقول صلّى الله عليه وآله وسلّم في أحاديث كثيرة ( إنّما أنا عبد ، فقولوا عبد الله ورسوله ) هو عبد لا يُرفع فوق منزلته وأيضًا هو لا تُحطّ منزلته فهو رسول صلّى الله عليه وآله وسلّم
وفي هذا ردّ على الصوفيّة
الأصل الرابع عشر :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عيسى وُصف في شرعنا بأنّه كلمة الله ، معناها حتّى تردّ على النصارى : معناها أنّه خُلق بكلمة ( كُنْ ) { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ }
الأصل الخامس عشر :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عيسى وُصف في شرعنا بأنّه روح من الله ، معناها حتّى تردّ على النصارى : أنّه روح مخلوقة أُضيفت إلى الله جلّ وعلا ، إضافة مخلوق إلى خالقه وليس جزءًا من الله . لمَ ؟ لأنّه روح ذات جسد يأكل ويشرب
ولذلك قال عزّ وجلّ : { مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ } وهذا من شأن المخلوقين
الأصل السادس عشر :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الجنّة والنار موجودتان الآن حتّى تردّ على الطوائف الضالّة المنحرفة
قال عزّ وجلّ عن الجنّة :{ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } ، وقال عن النار : {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ }
وما أُعِدَّ وَهُيِّئَ فهو موجود الآن ، وقد رآهما النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في صلاة الكسوف
الأصل السابع عشر :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الجنّة والنار يوم القيامة لا تفنيان ولا تبيدان، باقية أبد الآباد
الدليل على أبديّة الجنّة : قال تعالى : { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا }
وقال عن أبديّة النار – كما أسلفت الأدلّة كثيرة لكنّي أقتصر على دليل واحد :
{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا }
الأصل الثامن عشر :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الداعية الحقيقيّ أن يدعو إلى الله ، الداعية الحقيقيّ هو العالم بآثار الشرع وما يتعلّق بالشرع من تفسير وفقه وعقيدة وأحاديث ونحو ذلك
لكن لمّا ولج في الدعوة إلى الله مَن ليس بأهل أو عنده علم قليل أصبح التفريق بين الداعية وبين العالِم ، وإلّا فالعالم الحقيقيّ هو الداعية الحقيقيّ ، والداعية الحقيقيّ هو العالم
الدليل :
{ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي } طريقة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وطريقة أصحابه { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ } [ يعني على علم ] { أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي } هذه هي طريقة من اتّبعني وهم دعاة إلى الله وهم علماء {أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي }
ما ختام الآية ؟
{ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } دلّ على أنّ أعظم ما يُدعى إلى الله هو التوحيد . فتنبّه .
الأصل التاسع عشر :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أنّ الواعظ الحقيقيّ هو العالم بآثار الشرع ، وبأحكام الشرع من فقه وتفسير وحديث وعقيدة ونحو ذلك . هذا هو الواعظ الحقيقيّ .
لكن لمّا دخل في الوعظ من ليس بأهل ، واقتَصر على أمر معيّن حصل التفريق ، وإلّا فالواعظ الحقيقيّ هو العالم الحقيقيّ ، والعالم الحقيقيّ هو الواعظ الحقيقيّ
والوعظ لا يُقتصر على ترغيب وترهيب ، لا
الوعظ يكون في الأحكام الفقهيّة ، الأحكام الفقهيّة فيها وعظ
الله جلّ وعلا لمّا ذكر كفّارة الظِّهار قال : { ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ } ذلكم توعظون به
بل أجمع آية كما قال ابن مسعود رضي الله عنه ، أجمع آية في كتاب الله – يعني هذه آية عظيمة ، شملت التوحيد والحقوق لله والحقوق للبشر ونهت عن الشرك بالله عزّ وجلّ وعن المنكر وعن الفحش – أجمع آية كما قال ابن مسعود رضي الله عنه
{ { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ } ختام الآية { يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } فهذا هو الوعظ
كلّ الدِّين وعظ ، وأعظم هذا الوعظ التوحيد
ولذلك هود عليه السلام لمّا أتى إلى قومه عاد ودعاهم إلى التوحيد
ماذا قالوا ؟
حتّى في الأمم السابقة، الوعظ حتّى في الأمم السابقة يكون بالدين كلّه ، وأعظم هذا الدين هو التوحيد .
ماذا قالوا لِهود عليه السلام ؟ { سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الْوَاعِظِينَ }
ولهذه الأصول لأهمّيّتها في هذا الزمن ، لها تتمّة بإذن الله عزّ وجلّ حتّى يأخذ الناس علمًا مختصرًا وأصولًا مختصرة مبنيّة على الدليل الشرعيّ على فهم سلف هذه الأمّة ، لينجوَ المسلم بإذن الله من الفتن والزلل والخلل في مثل هذا الزمن وفي أيّ زمن آخر
الأصل العشرون
ـــــــــــــــــــــــــ
من رحمة الله جلّ وعلا أن جعل العمل الصالح سببًا لدخول الجنّة ، وليس العمل عِوَضًا عن الجنّة فسِلعة الله غالية
ولذلك قال عزّ وجلّ : { جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ، { ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } هذا سبب ، لكن لا يكون عِوضًا
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال كما في الصحيحين – وله ألفاظ متعدّدة – : ( لن يُدخِل أحدًا عملُه الجنّةَ ) قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ( ولا أنا إلّا أن يتغمّدنيَ اللهُ برحمة منه وفضل )
الأصل الحادي والعشرون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القرآن شفاء لكلّ مرض ، سواء كان مرضًا قلبيًّا أو مرضًا بدنيًّا
شفاء للأوهام للخواطر للوساوس للشبهات للشهوات ، شفاء لكلّ مرض عضويّ في البدن ولو كان داءً عُضالًا
قال عزّ وجلّ { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ } ( مِنْ ) هنا ليست للتبعيضيّة بل للجنس ، كلّ ما في القرآن ولو كانت آيةً تتعلّق بالأحكام الفقهيّة لو قُرئت على حسَب مقتضى الشرع نفع الله بها بإذن الله عزّ وجلّ
{ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } لكن قد لا يُشفى الإنسان ، الخلل في القارئ ، الخلل في الراقي ، وليس الخلل في آيات الله عزّ وجلّ لأنّ هذا القارئ لم يقرأ وقلبه حاضر ، أو لم يقرأ على الطريقة الشرعيّة النبويّة .
الأصل الثاني والعشرون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قَول ( لا إله إلّا الله ) مِن العبد أو من أيّ طائفة ، هذا لا يجعله بِمَنجى من عذاب الله إلّا إذا أتى بشروط وأركان لا إله إلّا الله ، وترك ما يُناقض هذه الكلمة من الشركيّات
ولذلك في نصوص قيّدت أنّ مَن قال لا إله إلّا الله دخل الجنّة قيّدته بالصدق ، قيّدته بالإخلاص، قيّدته بالابتغاء . ومن كان ابتغاؤه لله أتى بشروط وأركان لا إله إلّا الله وترك ما يخالف لا إله إلّا الله،
وكذلك الشأن في الصدق .
ولذلك النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال كما في الصحيحين :
( فإنّ الله حرّم على النار من قال لا إله إلّا الله ..) التتمّة ( يبتغي..) هذا يدعوه إلى العمل وإلى ترك ما يناقض التوحيد ،
فـ ( إنّ الله حرّم على النار من قال لا إله إلّا الله يبتغي بذلك وجه الله ) وأتت نصوص أخرى أن يقولها صادقًا خالصًا مستيقنًا بها قلبه
ولذلك غُلاة الرافضة من الإسماعيليّة والباطنيّة وغلاة الصوفيّة يقولون لا إله إلّا الله ومحمّد رسول الله ، ومع ذلك فهُم من أكفر الطوائف
لِمَ ؟
لأنّهم يأتون بالشركيّات ، يدعون غير الله ، يستغيثون بغير الله ، يدّعون العصمة ويدّعون معرفة الغيب بأوليائهم ، وإلّا فالمنافقون يقولون لا إله إلّا الله محمّد رسول الله . فتنبّه
الأصل الثالث والعشرون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أفضل ذكر ودعاء تدعو به هو التوحيد ، ولذلك عند النسائيّ في السنن الكبرى وصحّحه ابن حجر : قال موسى يا ربِّي علّمني دعاءً أذكرك وأدعوك به ، فقال : (( يا موسى قل لا إله إلّا الله ))
(( أذكُركَ وأدعوكَ به )) ذكر ودعاء ، (( قال يا موسى قل لا إله إلّا الله))
فلذلك ثبت عند الترمذيّ قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم :
( أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة ، وأفضل ما قلته أنا والنبيّون من قبلي : لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير )
: الأصل الرابع والعشرون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنّ دعاء غير الله عزّ وجلّ شرك { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا }
والدعاء نوعان : دعاء عبادة ، ودعاء مسألة
النوع الثاني من أنواع الدعاء : دعاء المسألة كأن تقول : يا ربّ ارزقني ، ارحمني ، اغفر لي . فلا يجوز أن يُقال لإنسان ، لمخلوق . يقول له اشفني أو ارفع عنّي الضرّ أو ما شابه ذلك .
الأصل الخامس والعشرون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله جلّ وعلا في العلوّ ، فوق السماوات .
ليست السماوات محيطة به ، وليست السماوات تحمله ، تعالى الله عن ذلك ، هي محتاجة { وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ } يمسك السماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه { إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا } فهو جلّ وعلا قد استوى استواءً يليق بجلاله وبعظمته على العرش ، والعرش سقف المخلوقات وقد استوى استواء يليق بجلاله وبعظمته ، ومع ذلك { لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ }
أمّا الآيات التي فيها { وهو معكم } نعم ، هو معنا بعلمه و بإحاطته ، بنحو ذلك . فهو مع الخلق جميعًا ، بإحاطته بقدرته بعلمه . وأيضًا هو مع عباده المحسنين المُتَّقِين بالتأييد وبالنصر وبالتوفيق . فتنبّه . لا تظنّ أنّ الله قد حلّ في كلّ مكان . أمّا قوله تعالى { أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ } مُطلق العلوّ أو تكون ( في ) بمعنى على السماء ، وليست السموات محيطة به ، ولا أنّها تحمله ، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا .
الأصل السادس والعشرون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ربوبيّة الله عزّ وجلّ للعباد على نوعين
ربوبيّة عامّة :
لجميع الخلق ، الله ربّ الجميع . كيف ؟ يعطيهم ، يرزقهم ، يعافيهم . للمؤمن وللكافر .
النوع الثاني :
ربوبيّة خاصّة ، تخصّ المؤمنين ، ربوبيّة خاصّة بالمؤمنين يُغذّي بها قلوب عباده المؤمنين بالهدى و بالخشية و بالتُّقى .و لذلك قال موسى {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } ودَعَوات عُبَّاد الله الصالحين تُصدَّر بكلمة ( رَبَّنَا ) فهي الربوبيّة الخاصّة ( خاصة بالمؤمنين )
الأصل السابع والعشرون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لُقيا العبد لله عزّ وجلّ على نوعين :
لجميع الخلق يوم القيامة ، للمؤمن وللكافر قال تعالى { يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ } نحن نكدح في هذه الدنيا ، في أمور الدنيا وفي أمور الآخرة . منهم مَن هو المهتدي ، ومنهم مَن هو الضالّ . ولكن بعد هذا الكدح ( فملاقيه ) و لذلك ذكر بعدها ( من يعط كتابه بيمينه ومن يعط كتابه بشماله )
لُقيا التكريم والإكرام والثواب . ولذلك قال تعالى : { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا }
:الأصل الثامن والعشرون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المسلم مهما فعل من الكبائر ولو عظُمت ، ولو كانت فظيعة ، فلا يُخلّد في النار ، ولا يكون كافرًا ، خلافًا للخوارج ، الذين يخرجون على ولاة المسلمين ، ويُكفّرون المسلمين ، ويستبيحون دماءهم بحجّة أنّهم كُفَّار ، هذا مذهب الخوارج . لكن معتقد أهل السنّة والجماعة أنّ العبد مهما عظُمت ذنوبه وكثرت بما أنّه موحِّد ، فهو تحت رحمة الله يوم القيامة ، إن شاء الله عزّ وجلّ رحمه تفضّلًا منه ، وإن شاء عذّبه بقدر ذنبه ، ثمّ المردّ إلى الجنّة . قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ }
: الأصل التاسع والعشرون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العبد مهما أعطاه الله جلّ وعلا من العلم والدِّين ، ومهما كان في بيئةٍ نقيَّةٍ من الشرك ، فالواجب عليه أن يتعلّم التوحيد وأن يحذر من الشرك ، ولذلك إبراهيم عليه السلام إمام في التوحيد { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً } يعني إمامًا يُقتدى به في الخير { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } مع ذلك من دعائه {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ } إذا كان هذا هو دعاء إبراهيم عليه السلام ، فما ظَنُّكُم بغيره ؟!
: الأصل الثلاثون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كلّ آيات القرآن دون استثناء توحيد ، ما من آية في كتاب الله إلّا وهي تدعو إلى التوحيد ، كلّ القرءان ، دون استثناء . كيف ؟
آيات القرءان إمّا أن تدعو صراحةً إلى التوحيد ، أو أنّها تدعو إلى الأعمال الصالحة التي تكمّل هذا التوحيد ، أو تبيّن ثواب وجزاء الموحّدين في الدنيا وفي الآخرة ، أو آيات صريحة تحذّر من الشرك ، أو آيات تحذّر من الفحشاء والمنكر والذنوب التي قد توقع العبد من حيث لا يشعر في الشرك بالله عزّ وجلّ ، أو آيات تبيّن عقوبة المشركين في الدنيا وفي الآخرة .
إِذًا كلّ آيات القرءان توحيد . أعطيكم مثال : قوله تعالى :
{ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } يعني المطلقة إذا لم تكن حاملًا تعتدّ ثلاث حِيَض ، إذا فعلت فعلت عَمَلًا صالحًا ، هذا العمل يكمِّل التوحيد لديها
الأصل الحادي والثلاثون :
الشرك نوعان : أكبر وأصغر
فيجب الحذر منهما
والشرك الخفيّ على الصحيح داخل ضمن الشرك الأصغر ، قال النبيّ صَلَّى الله عليه وآله وسلّم كما ثبت عند أحمد : (( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر . فسئل عنه . فقال : الرّياء ))
وقال صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّم كما ثبت عند أحمد عن الشرك الخفيّ مفسّرًا له بأنّه هو الرياء : (( ألا ترون ما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجّال ؟ [ من المسيح الدجّال ]
فقالوا : بلى يا رسول الله . قال : الشرك الخفيّ
قالوا : وما هو يا رسول الله ؟
قال : الرجل يقوم يصلّي ، فَيُزيّن صلاتَه لما يرى من نظر رجل ))
يعني من نظر رجل إليه
وهو شرك السرائر :
ثبت عند ابن خزيمة ، أنّ النبيّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّم قال : (( ألا أنبئكم بشرك السرائر ؟ قالوا : وما هو يا رسول الله ؟ قال : الرجل يقوم فيصلّي ، فيزيّن صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه . فذاك شرك السرائر ))
فتنبّه رعاك الله لما تنشره ، أو ينشره غيرك في وسائل التواصل ، فإنّه وللأسف البعض قد يقع في هذا الرِّياء الذي قد يُطلق عليه بالرّياء الإلكترونيّ
ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
الأصل الثاني والثلاثون :
ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
الرِّياء والسُّمعة شقيقان
اللَّهُمَّ إِلَّا أنّ الفرق بينهما :
أنّ الرياء هو : ما يتعلّق بحاسّة البصر
والسمعة : ما يتعلّق بحاسّة السمع
فمن يعمل العمل من أجل مدح الناس وثناء الناس ، فيأتي بعبادة تُرى هذا هو الرياء ( تُرى : مثل الصلاة وما شابه ذلك )
أو أتى بعبادة تُسمع لِيُمدح ويثنى عليه ، مثل الذكر من تسبيح و تهليل و نحو ذلك . فهذا هو السُّمعة
وأدخل بعض العلماء في السُّمعة :
مَن يعمل العمل الصالح ابتغاء وجه الله عزّ وجلّ ، لكنّه إذا أتى إلى الناس أخبر بما عمله ، مع أنّه عمله في أول أمره في خفاء ، لله ، لكنّه يخبر به الناس افتخارًا بعبادته :
قال النبيّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّم كما في الصحيحين (( مَن سمّع ، سمّع الله به ، و من يُرائي ، يُرائي الله به ))
الأصل الثالث والثلاثون :
ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
الرياء :
كما سبق : يعملُ العملَ الصالح لِثناء الناس عليه ، للمدح .
وهناك صنف آخر :
يعملُ العملَ الصالح من أجل تحصيل غرض من أغراض الدنيا ، كتحصيل وظيفة أو مال أو وجاهة أو ما شابه ذلك ، لا يريد ثناءً ، يريد غرضًا دُنيويًّا :
قال جلّ وعلا : { مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
وهذه وإن كانت عند جملة من العلماء في الشرك الأكبر إِلَّا أنّ العلماء يستدلّون بها على أحوال هؤلاء
والنبيّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّم قال ـــ كما عند البخاريّ ـــ : (( تَعِسَ عَبْدُ الدرهم وعبد الدينار ))
ومن أعظم ما يكون من العبادات الجليّة التي تُبتغى بها الدنيا و تحصيل أغراض الدنيا :
أن تُتّخذ الدعوة إلى الله عزّ وجلّ بأن يتصدّر شخص للدعوة إلى الله ، فيستغلّ هذه الدعوة في تحصيل مآربه ومشاربه من هذه الدنيا ، وقد يكون عَلَنًا في وسائل التواصل أو في القنوات الفضائيّة من تسويقات و دعايات شرائيّة وتجاريّة تُعرض ، ويُعرض معها من الأدلّة الشرعيّة لتسويق هذا المُنْتَج أو هذا المُنتج ، حتى لو لم يكن بها نصوص شرعيّة ، فكَوْن الإنسان وُصِفَ بأنّه داعية إلى الله واجتمع الناس حوله ، فلا يجوز له أن يَتَّخِذ هذه الدعوة .
وهي عبادة عظيمة : دعوة الرسل ، لا يجوز له أن يجعلها تحصيلًا لمآربه الدنيويّة
نسأل الله السلامة والعافية
الأصل الرابع والثلاثون :
ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
التحقير لمن كان من أهل الرياء أو من أهل السمعة أو من أراد بالطاعة أراد بها تحصيلًا لأغراضه الدنيويّة :
التحقير له من الله عزّ وجلّ ، وما يعمله من تلك العبادات باطلة .
هذا إذا كان رياءً يسيرًا في بعض العبادات ، فإن كان في كلّ عبادة فذلك هو الوصول إلى الشرك الأكبر ؛ لأنّه لم يجعل شيئًا لله .
قال النبيّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّم كما في صحيح مسلم ، قال الله :
(( أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عَمَلًا أشرك فيه معيَ غيري تركته وشركه ))
وثبت عند أحمد قال :
(( فأنا بريء – أي من هذا العمل – وهو للذي أشرك ))
وَأَمَّا في الآخرة :
فقد ثبت عند أحمد . قال صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّم :
(( إنّ الله تبارك وتعالى يوم القيامة ، يوم تُجازى العباد بأعمالهم ، يقول الله عزّ وجلّ : اذهبوا إلى مَن كُنتُم تُراؤون عندهم بأعمالكم ، هل تجدون عندهم جزاءً ؟ ))
الأصل الخامس والثلاثون :
ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
كيف الخلاص من الرياء والسمعة ؟
الخلاص :
أن تتعلّم التوحيد ، ومن هذا التوحيد : [ تعظيم الله ]
فهؤلاء ما عظّموا الله ، ولا عرفوا لله قدره . فهو الغنيّ الوَهَّاب الرزّاق المعطي .
ولذلك :
قال الفُضيل بن عياض رحمه الله : ( من عرف الناس استراح ) من عرف أنّ الناس لا يملكون له نفعًا ولا يدفعون عنه ضُرًّا استراح ، علّق قلبه بالله عزّ وجلّ
وأيضًا من العلاج :
أن يلجأ إلى الله وأن يدعوَ بهذا الدعاء الذي قال عنه النبيّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّم كما عند أبي يَعلى قال : (( ألا أدلّكم على قول إذا قاله أحدكم أذهب الله عنه صِغاره وكِباره ؟ قالوا : بلى يارسول الله . قال : اللَّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ أن أُشركَ بكَ وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم ))
الأصل السادس والثلاثون :
ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
الدعوة إلى الله يجب أن تكون بحكمة وبرفق :
حتّى يُقبَل القول ، حتّى يُقبل دين الله .
ولذلك :
النبيّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّم كما في الصحيحين لمّا أرسل عليًّا رضي الله عنه يوم خَيْبَر ، قال : (( انفذ على رِسلك ))
يعني الرِّفق (( انفذ على رِسلك ))
قال عزّ وجلّ : { ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ..}
ومن الدعوة إلى الله عزّ وجلّ بحكمة :
ألّا تُمَكِّن لأحد ممّن عنده بدعة أو ما شابه ذلك ، لا تمكّنه من الجلوس ولا أن تُصاحبه فضلًا عن أن تثنيَ عليه أو أن تُدافعَ عنه ، فإنّ المتلاعبَ بدين الله عزّ وجلّ إذا كان في الدعوة أفسد الدعوة إلى الله عزّ وجلّ
وهذا أمرٌ مُشاهد ؛ لأنّ دين الله صفاء نور ليس به غِشّ
الأصل السابع والثلاثون :
ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
قوله عزّ وجلّ :
{ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }
الدعوة إلى الله بالحكمة :
هذا لمن كان جاهلًا . جاهلٌ يريد أن يتعلّم تدعوه بالحكمة
والموعظة الحسنة :
هذا شخص عنده علم، لكنّه علم ليس بصحيح ، ويريد أن يعبد الله ، نيّته طَيِّبَة ، لكنّه لم يتوصّل إلى العلم الصحيح . فهذا يُعلَّم العلم الصحيح ؛ ليعبد الله ، لكن بالموعظة الحسنة
المُجادَلة { وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } :
هذه دعوة مَن ؟ دعوة من عرف الحقّ وعاند
هذا يُجادَل بالتي هي أحسن . وقد أشار إلى ذلك ، إلى ما ذُكِر ابن القيّم رحمه الله
الأصل الثامن والثلاثون :
ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
الدعوة إلى الله عزّ وجلّ ليست مربوطةً بمكان ولا بزمان :
وأعظم ما يُدعى إلى الله عزّ وجلّ بالتوحيد .
فليست مربوطةً بتحديد خروج أيّام للدعوة إلى الله ، كما يفعله بعض الناس ، سواء سمّوا أنفسهم جماعات أو لم يسمّوها .
والجماعات الدينيّة مذمومة في دين الله عزّ وجلّ كما سأبيّنه إن شاء الله تعالى في الأصول القادمة ، الأصل الآتي أو الذي يليه .
فتحديد أيّام في الخروج للدعوة إلى الله أو طرق غير شرعيّة ، كأن تُسبق بأذكارٍ معيّنة ، أو إذا أُرسل شخصٌ من هؤلاء لدعوة شخص اجتمعوا على أن يدعوا لهذا الشخص وأن يفتح الله على قلبه ، أو غير ذلك من هذه الطرق . فهي طُرق بدعيّة
الطريقة الصحيحة :
قال عزّ وجلّ :
{ قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ } يعني على علم { أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ }
النبيّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّم أرسل الدعاة إلى الله كما أرسل معاذ بن جبل رضي الله عنه كما في الصحيحين .
النبيّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّم في حَضَرِه وفِي أسفاره وفِي حجّه وفِي كلّ مكان يُرسل الدعاة إلى الله بأن يبيّنوا لهم التوحيد .
فدين الله فيه صفاء فيه نقاء فيه ظهور وضوح ، لا جماعات سريّة ولا حزبيّات ولا ما شابه ذلك
الأصل التاسع والثلاثون :
ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
الجماعات الدينيّة أو الأحزاب الدينيّة كلّها باطلة وليست من شرع الله عزّ وجلّ .
الله جلّ وعلا ماذا قال :
{ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ }
يعني أنت بريء منهم وهم برآء منك . لمَ ؟
لأنّها ليست بطريقة النبيّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّم ، فلا تبجّل جماعة ولا حزب لأي غرض ، لا من أجل تكوين جماعة لنشر الدِّين ولا من أجل تكوين جماعة للوصول إلى سياسة أو ما شابه ذلك
دين الله واضح ، طريقة النبيّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّم واضحة
باختصار :
قال النبيّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّم عن هذه الجماعات وعن أمثالها :
(( ستفترق هذه الأمّة على ثلاث وسبعين فرقة ، كلّها في النار إِلَّا واحدة . قيل : مَن هي يارسول الله . قال : على ما أنا عليه وأصحابي ))
[ في رواية في السُّنن ] قال : (( الجماعة ))
إذًا ، سبحان الله !!
(( على ما أنا عليه وأصحابي ))
في رواية : (( الجماعة ))
يعني :
جماعة واحدة ، يحرصون على الكتاب والسنّة ، ويحرصون على اجتماع الكلمة واتّحاد الصفّ ، على وِفْق ما جاء به شرع الله عزّ وجلّ . ليس اجتماعًا مع أشخاص أو مع جماعات ، وعندهم بدعيّات وعندهم مخالفات
فالحزبيّات والجماعات في دين الله مذمومة :
{ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }
كلّ حزب يقول الحقّ معي
والحقّ واضح
الأصل الأربعون :
ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
كثيرًا ما يسمع الناس :
( مذهب أهل السنّة والجماعة ) :
أُضيفوا إلى السنّة ، وأضيفوا إلى الجماعة
أُضيفوا إلى السنّة : باعتبار اتّباعهم للسُّنَّة
قال عن تلك الجماعات :
(( كلّها في النار إِلَّا واحدة . قيل : مَن هي يارسول الله ؟ قال : على ما أنا عليه وأصحابي .))
سُمُّوا بهذا الاسم أو أُضيفوا إلى السنّة لاتّباعهم للسُّنَّة ، كما جاء في الحديث الثابت في السُّنَن :
(( عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين ))
وأُضيفوا إلى الجماعة :
لأنّهم أهل الجماعة كما في هذا الحديث قال :
(( كلّها في النار إِلَّا واحدة ، قيل : مَن هي يارسول الله ؟ قال : الجماعة ))
اتّحاد الصفّ ، واجتماع الكلمة مع ولاة الأمر ، ولِنفع المسلمين ، واجتماع الكلمة واتّحاد الصفّ ، هذا هو طريقة أهل السنّة والجماعة . والمتتبّع لأحوالهم يجد ذلك .
ليس عندهم منازعات ، ولا مُخالفات مع أُوْلِي الأمر ، وليس معنى ذلك السكوت ، لا ، هم يتحدّثون ويبيّنون الحقّ من الباطل . الطاعة من المعصية ، لكن لا ينازعون ولاة الأمر ، ويجتمعون على كتاب الله وعلى سنّة رسوله صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّم ، وهم السَّلَف
مَن أتى بعد هؤلاء هم السَّلَف { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ ..}
ما الذي بعدها ؟
{ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ } ليس اتّباعًا بالكلام ، لا ، قيّد { وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ }
الأصل الحادي والأربعون :
ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ
المكروه والشرّ وَالضُّرّ خلَقَه الله كما أنّه خلق الخير :
{ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ }
لكنّ الشرّ لا يُنسبُ إلى الله تأدّبًا مع الله
ولذا :
قال عزّ وجلّ عن إبراهيم : { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ }
ولَم يقل : أمرَضَني ، تأدّبًا مع الله
لكن إن كان في سِياق التحدّي وبيان قدرة الله عزّ وجل ، فإنّ القرآن يأتي بنسبة الضرّ إلى الله ببيان أنّ الخَلق كلّهم تحت تصرّف الله عزّ وجلّ
قال تعالى :
{ قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً }
وفِي بيان ضعف ما يُدعى مِن دون الله :
{ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ }
فالشرّ لا يُنسب إليه تأدّبًا
ولذلك :
في صحيح مسلم في دعاء النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في دعاء الاستفتاح : (( والشرّ ليس إليك ))
لكن هو خالق الشرّ والضرّ ؟
نعم
لكن :
لِتعلمْ أنّه عزّ وجلّ يخلق هذا الضرّ لا مِن أجل الضرّ ولا لِذات الضرّ والشرّ ، لا
يخلق الله عزّ وجلّ هذا الضرّ وهذا الشرّ لخيرٍ باعتباراتٍ أخرى
ما يصيب الأفراد من مرض أو من فقر أو من كساد تجارة أو ما شابه ذلك فهو لا يلائم الإنسان ، وما أصاب المجتمعات ، وما يصيبها ممّا لا يلائمها مِن ضيقٍ في الرزق بعد سعة ، ومن صحّةٍ بالمجتمعات تأتي أوبئة وما شابه ذلك ، هذا لا يلائمها
لكنّه عزّ وجلّ ما خلقها لِذات الضرّ ، لا ، وإنّما باعتبار خيرات أخرى من أجل أن يعتبر هذا المصاب بالضرّ بالفقر ، أو ليَعتبر غيرُه
قال تعالى :
{ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ }
الفساد من نقصٍ في الأموال ، من ضيقٍ في الأرزاق ، من أوبئة ، من قحط ، من جدب ، قُل ما تشاء
{ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا }
لِمَ ؟
{ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }
ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ
الأصل الثاني والأربعون :
ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ
المخلوقات المذمومة وغير المرغوب فيها لدى الإنسان مِن عقارب وحيّات وذباب ونحو ذلك ، هذه ، الله جلّ وعلا ما خلقها إِلَّا لِحكمة
{ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّه }
ختام الآية :
{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا }
فيكون بها فوائد لا يعلم بها الإنسان
ألم يُخبِر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في الأحاديث الصحيحة أنّ في أحد جناحَي الذباب داء وفي الآخر دواء .
أثبت الطبّ الآن هذا الأمر
وقد تكون للعبرة ، وجودها عبرة لنا ، عبرة في الدنيا . كيف ؟
ربّما هذا الذباب – وهذا كمثال مِن هذه الحشرات أوالمخلوقات التي لا يرغب فيها الإنسان – هذا الذباب ربّما يزعج ويُقلق مَن هو متكبّر متسلّط له مِن القوّة ما له من القوّة ، سبحان الله اعتبار ، حشرة صغيرة كيف أذلّت هذا المتكبّر
هذا المخلوق المذموم قد يكون عظيمًا من حيث الجسم .
للاعتبار : قد يقضي الله عزّ وجلّ على هذا المخلوق العظيم بحشرة صغيرة
للاعتبار : أنّ ما نرى مِن هذه الحشرات وهذه المخلوقات التي لا تلائمنا ، يَعتبِر الإنسان من أنّ هناك ما هو أعظم وأفظع لو دخل النار
فسبحان الله العليم الخلّاق
ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ
الأصل الثالث والأربعون :
ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال كما ثبت عنه عند أحمد : (( مَن علّق تميمة فقد أشرك ))
التمائم :
هي خُرَز أو أحجار قُل ما تشاء ، ممّا يُستخرج من البرّ أو من البحر أو من أيّ مكان ، تُتّخَذ من أجل أن تحمي الإنسان وأن تدفعَ عنه الضرّ، أو أنّه يعتقد أنّها تجلب له النفع
فإن اعتقد أنّها تجلب له النفع أو تدفع عنه الضرّ بذاتها وهي مؤثّرة بذاتها ، فهذا مشرك بالله شركًا أكبر لأنّه جعل مع الله خالقًا آخر
وإن اعتقد أنّ الخالق هو الله ، ولكن هو يقول هي سبب ، فهو مشرك شركًا أصغر لأنّ الشرع لم يجعل هذه التمائم ، لم يجعلها سببًا لم يجعلها سببًا شرعيًّا ولا حسّيًّا في دفع الضرّ أو في جلب النفع
ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ
الأصل الرابع والأربعون :
ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ
التمائم الّتي من القرآن ومن الأذكار ليست من أحجار ولا من خُرز ولا ممّا يشابه ذلك ، هذه أيضًا لا تجوز لعموم النصّ :
(( مَن علّق تميمةً فقد أشرك )) كما عند أحمد
النصّ عامّ ولأنّه قد تُتّخذ ذريعة إلى أن يَتدرّج منها الإنسان إلى التمائم الشركيّة الواضحة من الخُرز والأحجار ونحو ذلك
ولأنّه ثبت عند ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن إبراهيم قال :
” كانوا – يعني تلامذة ابن مسعود رضي الله عنه – يكرهون التمائم كلّها من القرآن ومن غير القرآن “
وما جاء عن عبدالله بن عمرو :
(( أنّه كان يعلِّق على أطفاله دعاء الفزع ليحفظهم به فهذا غير ثابت عنه رضي الله عنه ))
إذًا :
مَن علّق آية الكرسيّ في بيته – مع أنّ الآيات القرآنيّة ما أُنزلَت لتُعلَّق – لكن إنسان علّقها أو وضعها أو وضع المصحف ، لو أنّ الإنسان وضَعَ المصحف في بيته لا من أجل أن يقرأ فيه وإنّما وضعه في بيته ، أو وضع المصحف في سيّارته
إن كان من أجل القراءة فحسن وخيرٌ عظيم،
لكن لو أنّه وضع المصحف في بيته أو في سيّارته، لا لغرض القراءة وإنّما من أجل أن يحميَ البيت أو أن يحميَ السيّارة من الحوادث ، فهذا من التمائم غير المشروعة.
ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ
الأصل الخامس والأربعون :
ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ
النبيّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّم ــ كما ثبت عنه عند أحمد ــ قال : (( إنّ الرُّقى والتمائم والتِّوَلة شرك ))
التِّولة : شيء يُصنع ، من أيّ شيء يُصنَع ، لا ننظر إلى ماهيّة الشيء ، لكنّه يُصنَع من أجل أن يُحبِّبَ المرأةَ إلى زوجها ، والزوج إلى زوجته . هذه هي التِّوَلة . هذا من الشرك
فإن كان يعتقد أنّ هذه التِّولة تؤثِّر بذاتها ، فهذا شرك بالله ، يكون شركًا أكبر ؛ لأنّه اعتقد أنّ مع الله خالقًا آخر ، وإن كان يعتقد من أنّ الله هو الذي يدفع الضرّ ويجلب الخير لكن جعل التِّولة سببًا ، فهذا شرك أصغر ؛ لأنّ الشرع لم يجعلها سببًا في جلب نفع أو في دفع ضرّ
ولذلك :
دِبلة الخطوبة :
إنِ اعتقد الخاطب أو العاقد هذا الأمر ، فيكون نفس حكم التِّولة ، أو اعتقدت المرأة
ولذلك :
ربّما أنّ بعضهم يقول ليس هناك اعتقاد ، لكنّه لو أنّ المرأة خلعت هذه الدِّبلة أو أنّه خلعها وجدوا في أنفسهم من أنّ الفراق قد يحصل هذه تولة ، هذه تِولَة
فالذي يأتي بالنفع والذي يدفع الضرّ هو الله
بل هذه الدِّبلة لا تجوز لأنّ بها تشبّهًا بالنصارى ، لأنّ النصارى حال الخِطبة يأتون بهذه الدِّبلة ( دبلة الخطوبة ) ويضعون الدِّبلة على الإبهام ، ويقولون باسم الأب ، ثمّ يضعون الدِّبلة على السبّابة ، فيقولون باسم الابن ، ويضعونها بعد ذلك على الوسطى فيقولون باسم روح القُدُس ، ثمّ ينتهي بهم الأمر إلى أن يضعوا الدِّبلة في البِنصر . فَلَو لم يكن هناك اعتقاد ، فلا يجوز ؛ لأنّ به تشبّهًا بالنصارى
النبيّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّم كما ثبت عند أحمد وأبي دَاوُدَ
قال : (( ومَن تشبّه بقوم فهو منهم ))
ولا يُحصر الأمر بِدِبلة ، لو أُتِي إلى المرأة بِعِقد أو بقطعة ذهب أو بقطعة فِضَّة أو أيّ شيء ، وكان هذا الاعتقاد موجودًا . فهذه تِوَلة.
ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ
الأصل السادس والأربعون :
ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ
الرُّقية : إذا أردتَ أن ترقيَ غيرك ، أو إذا أردتَ أن تعرف ما هي الرقية المشروعة ، فلا بدّ لها من شروط
أوّلًا : أن تكونَ خاليةً من الشرك
ثانيًا : أن تكون باللغة العربيّة
ثالثًا : أن تكون مفهومة وواضحة
رابعًا : أن تعتقدَ بأنّها سبب ، والذي يأتي بالشفاء وبالخير هو الله ، والذي يرفع المرض هو الله . فتعتقد بأنّها سبب فقط . ولذا لو أنّها لو لم تكن مفهومة أو أنّ معظمها يكون مفهومًا ، لكنّ البعض غير واضح ، فليست برقية شرعيّة
ولذا :
لو قُرِئ على شخص فَتَمْتَمَ فيجب أن تحذر .
يجب أن تكون الرُّقية واضحة . بعض الناس ربّما أنّه يستعمل الرقية التي هي مكتوبة بالزعفران فيرى فيها آية الكرسي أو قُل هو الله أحد ، لكنّ بعضها ليس بواضح ، فلا يجوز أن تُشرب . يجب في الرقية أن تكون واضحةً وضوحًا عينيًّا يقينيًّا لا لَبْس فيه
ولذلك :
بعضهم ، بعض الرُّقاة قد يُدلِّس ، لِأنّ البعض يقول : واللهِ ، هو يقرأ بالرقية الشرعيّة ، لكن ربّما أنّ عنده من الكلمات التي يخفيها ما ليس بواضح . فيجب أن تكون واضحة
وأيضًا :
ألّا يكون بها شرك ، أو ما فيه وسيلة إلى الشرك ، قد يقرأ الإنسان قراءةً واضحة بيّنة ، وإذا بهذا الإنسان من باب التغرير بالآخرين يقول سائلًا هذا المريض عن اسمه أو عن اسم أبيه أو ما شابه ذلك
أو يقول : لتأتِني بشيء من شَعر أو من أظفار،
أو أنّه يقول : أنا عندي جنّ مسلمون يساعدونك في كشف السحر أو ماشابه ذلك
فانتبه :
يجب أن تكون الرقية خاليةً من الشرك ، وأن تكون باللغة العربيّة ، وأن تكون واضحةً وضوحًا يقينيًّا لا لَبْس فيه ، وأن تعتقد بأنّ الله هو الشافي ، وإنّما هي سبب
ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ
الأصل السابع والأربعون :
ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ
الناس يتوهّمون أنّ الرُّقية لا تنفع إِلَّا مِن راقي ، وهذا خطأ واضح وجليّ، اقرأ على نفسك ، اقرأ على قريبك ، كما كان النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يرقي نفسه ويرقي أصحابه . وهل هناك أحدٌ أحرصُ منك على نفسك أو أحرص منك على قريبك .
الجواب : لا
فأنت إذا قرأت ولو كان بك ما بك من الذُّنوب ، فأنت مسلم . اقرأ ، لأنّك إذا قرأت ، حضر القلب ، كان التأثير واضحًا بخلاف غيرك ، فقد يكون مشغول البال أو مشغولًا بغيرك ممّن هو مريض مثلك
ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ
الأصل الثامن والأربعون :
ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ
الدُّور التي تُعمل للرقية أو الإنسان يَتَّخِذ الرقية مهنة ، ليس هذا في شرع الله ، وليس هذا من سنّة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ولا من سنّة الخلفاء ، ولا من طريقة السَّلَف ، أن تُتّخذ مهنة للتكسّب .
فلا يُخدع الناس ، هذه طريقة ليس بها دليل
وإنَّما الحاصل في عصر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّ الإنسان ينفع أخاه المسلم . أتَت بعض الأحاديث في أخذ شيء مِن المال على الرقية ، نعم . لكن هناك أدلّة أيضًا تعارض . ولكن إن دلّت هذه الأدلّة على أخذ مال من الرُّقية ، فإنّما هي بضوابط معيّنة ، لا يتّسع هذا المقام لِذكرها ، أمّا أن تُتّخذ مهنة ( فلان الراقي ) عُرِف بأنّه راقي
وتُتّخذ مهنة ، يعني كوظيفة . فهذا ليس عليه دليل . وإنَّما الأمر . أُبسّط لكم . في صحيح مسلم ، الأمر يسير جدًّا . المقصود من الرُّقية أن تنفع أخاك ، لا أن تنتفع به ، ولا أن تتكسّب من ورائه . قال جابر بن عبدالله رضي الله عنه كما في صحيح مسلم ، قال : لَدَغَت منّا رجلًا عقرب ، عقرب لدغت رجلًا ، ونحن عند النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال رجل من القوم : أَرْقِه يارسول الله . الأمر يسير ( أرقِه ) فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : مَن استطاع أن ينفع ( أن ينفع ) من استطاع أن ينفع أخاه . فَليَفعل .
ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ
الأصل التاسع والأربعون :
ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ
التّلاعب بالرُّقية كَثُر ، ضع جِهازًا في ماء كما يقولون واقرأ ، وضع رجليك في ماء ، أو ما شابه ذلك ، أو يقولون لِتَقرأ في ماءٍ وترشّ به على مجالس البيت وعلى أماكن البيت . وممّا استحدثوه . استحدثوا أشياء تخالف شرع الله عزّ وجلّ .
الرُّقية سَلِسَة واضحة . ولذلك بعضهم قد يقول : هذه رقية مركّزة ، قراءة مركّزة ، سبحان الله ! ماذا صَنَعت ؟ أوّلًا هذا تزكية لك ولنفسك ، مِن أنّك رجلٌ صالح
لا يُستغفل الناس
القراءة النافعة : أنتَ أَيُّهَا القارئ تقرأ وقلبك حاضر ، وتعتقد بأنّ الشِّفاء من الله ، وهي سبب . المَرقي : يستحضر كذلك هنا تنفع الرُّقية ، لو بآية واحدة ، لو بآية واحدة إذا كانت بهذه الشروط ، نفع الله بها وشُفِيَ المريض
وهناك قَصص للسّلف رحمهم الله ، لا يتّسع هذا المقام لذكرها ، بسورة واحدة قصيرة ، أو بآية واحدة يُشفَون بإذن الله عزّ وجلّ . ولذلك يخرج مَن يخرج وهو مريض مسكين ، به من الآلام ، بل قد يُدخلون عليه ما يُدخلون من الأوهام . يَخرج وقد أُخِذت منه آلاف الرِّيالات . وهذا لا يجوز في شرع الله .
ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ
الأصل الخمسون :
ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ
النبيّ صَلَّى الله عليه وَآله وسَلَّم قال كما في صحيح مسلم إنّه لَيُغان على قلبي ، وَإِنِّي لأستغفر الله في اليوم مئة مرّة ، يُغان : يصيبه همّ ، من أجل ما يَعرِض له من الاهتمام بمصالح أُمّته الدينيّة والدُّنيويّة فليس كـلّ من أُصيب بِهَمٍّ أو ضاقت به الدُّنيا ، يكون مريضًا يحتاج إلى رُقية
فبعض هؤلاء الرُّقاة :
يذهب بعض النَّاس إليهم وهو صحيح مُعافى ، ليس به شيء ، عارض من عوارض الدّنيا ، هموم تكالبت عليه ، فضاق صدره . لو لجأ إلى الاستغفار وإلى دعاء الله ، وإلى قراءة القرآن ، رُفِعَت بإذن الله عزّ وجلّ . فيذهب إلى هؤلاء الرُّقاة ، فيُدخِلون عليه الوهم .
وهي بنسبة كبيرة يا إخوان . بنسبة كبيرة أَدخَلوا على الناس الوهم
وهذا هو الذي يقولونه : هذا عين ، هذا سحر ، مسّ من الجنّ ، بك عين قويّة ، بك سحر عظيم . وإذا بالرّجل أو بتلك المرأة ، إذا بهم يخرجون ، وقد عشّشت الأفكار والأوهام في مخيّلاتهم ، فإذا بالبيت بأسره من أب وأم وإخوان وما شابه ذلك ، يكون البيت كلّه مملوءًا بهذه الأوهام والأمراض . وليس به شيء ، وليس به شيء
إن أُصِبتَ بشيء اقرأ على نفسك ، اقرأ على قريبك ، توكّل على الله والتَجِئ إلى الله عزّ وجلّ
الأصل الحادي والخمسون :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحذر من البدع التي تقع في الحجّ أو في العمرة
ومنها :
بعضُهم إذا أراد أن يودّع الكعبة بعد الطواف ، رجع من الخلف ؛ لِيستقبلَ الكعبة حتّى لا يستدبرها تعظيمًا لها في ظنّه ، بل ربّما أَصْحبَ ذلك بالبكاء بل ربّما ظنّ بعضٌ من الناس أنّ هذا الفعل حميد .
وهذا كما نَصّ أهل العلم : من البدع .
لِمَ ؟
لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وصحابتَه رضي الله عنهم ما كانوا يفعلون ذلك ، إنّما كانوا يطوفون طواف الوداع ثمّ ينصرفون على هيئتهم المعتادة .
وقد قال صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في الصحيحين :
من حديث عائشة رضي الله عنها :
(( مَن أحدثَ في أمرِنا هذا ما ليسَ منه فهوَ ردّ ))
أي مردود على صاحبه .
الأصل الثاني والخمسون :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله جلّ وعلا ذَكَرَ عن بعض الكتب السابقة ــ ذكرَ في القرآن ــ بأنّها هُدى ، ورحمة ، ونور .
فلو أتى شخص فقال : القرآن ذَكَرَ عن التوراة وعن الإنجيل هذه الأوصاف ، لِمَ لا تعملون بها لو أتينا لكم بتوراة أو بإنجيل غير محرّفة ؟!
فالجواب عن هذا :
أنّ تلك الكتب السابقة هي نور وهُدى لأولئك الذين كانوا في أزمان أولئك الأنبياء ، أمّا في هذا الزمن فالقرآن نَسَخَ كلّ الكتب السابقة
ومِن ثَمّ :
فيجب على الجميع من اليهود ، والنصارى ، ومِن غيرهم أن يتّبعوا هذا القرآن
قال الله عزّ وجلّ :
{ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ }
الأصل الثالث والخمسون :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا القرآن عظيم كريم عزيز حكيم مُبين هُدى رحمة بُشرى
قال عزّ وجلّ :
{ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ }
{ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ }
{ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ }
{ هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ }
إلى غير ذلك مِن هذه الأوصاف العظيمة
ومِن ثَمّ :
فإنّ بعضًا مِن الناس قد يسيء إلى هذا القرآن مِن حيث لا يَشعر :
وذلك كما يَصنع بعضُهم من رسم لوحة ، أو ينقُش على الجدار أو على أيّ مكان ، ينقش عليها بعضَ السُّوَر أو بعضَ الآيات بحيث لا تُفهَم ، أو بحيث تكون كَصُورة تُشابه صورةَ مخلوق أو ما شابه ذلك ، وهذا من الخطر العظيم
وكذلك الشأن فيمن يرسُم رسومات عن أسماء الله عزّ وجلّ التي هي حُسنى { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا }
فيُتنبّه لمثل هذا الأمر .
الأصل الرابع والخمسون :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله جلّ وعلا وَصَف مَن كان في الأُمم السابقة ـــــ في القرآن ـــ وَصَفَهم بأنّهم مسلمون
فلو أتى شخص مِن تلك الديانات وقال : نحن مسلمون ، فيقال له : وُصِف مَن وُصِف فيما مضى بالإسلام ، ذلكم هو الإسلام العامّ .
وهذا الإسلام العامّ نَسَخَهُ الإسلامُ الخاصّ .
ما هو الإسلام الخاصّ ؟
هو الذي أتى به محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ،
ولذلك قال تعالى :
{ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ }
الإسلام هنا هو إسلامٌ خاصٌّ ، و هو الذي أتى به النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم
بل صرّح كما عند مسلم فقال :
(( والذي نفسُ محمّدٍ بِيَدِه ، لا يَسمعُ بي أحدٌ مِن هذه الأُمّة يهوديّ أو نصرانيّ ثمّ لَمْ يؤمِن بالذي أُرسِلتُ به إلّا كان مِن أهل النار )) .
الأصل الخامس والخمسون :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله جلّ وعلا ذَكَرَ في كتابه بأنّ الشرك به ـــ بحيث تُصرَف العبادة لِغَيره ــــ الشرك وَصَفَه بأنّه جَهْل .
ولذا :
قال موسى عليه السلام لمّا قالوا :
{اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}
– الشرك ظُلم :
{ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }
– الشرك سَفَه ، قال تعالى :
{ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ }
– الشرك افتراء عظيم :
{ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا }
– الشرك ضلال مبين :
{ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا }
– الشرك هلاك لصاحبه في دنياه وفي أُخراه :
قال تعالى :
{ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ }
هذا هو حالُه كَحال مَن سقطَ مِن عُلُوّ ، فالطيرُ إمّا أن تَخطَفَه قبل أن يقعَ في الأرض ، وإمّا أن يَهوِيَ في مكانٍ بعيد
وذلك هو هالكٌ لا محالة لأنّه بَعُدَ عن الحقّ الذي هو التوحيد
بل لو أتى بما يأتي به مِن أعمالٍ ، يومَ القيامة تكون هالكة :
{ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا }
الأصل السادس والخمسون :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله جلّ وعلا ذَكَرَ في كتابه أدلّة وبراهين كثيرة .
على ماذا ؟
على بُطلان تلك الآلهة ، وعلى بطلان تلك العبادة التي يصرفها بعضُ الناس لغير الله عزّ وجلّ .
أدلّة وبراهين لو تمعّن فيها العاقل لَمَا كان سفيهًا ، ولَمَا صَرَفَ شيئًا مِن هذه العبادة لغير الله .
مِن تلك البراهين :
– الذي يُعبَد مِن دون الله هل يَخلُق شيئًا ؟!
الجواب : لا
– هل يدفع عن نفسه الضُّرّ ؟ الجواب : لا
– هل يدفع عن عابِدِيه الذين عبدوه الضُّرّ ؟ لا .
– هل يملِكون مثقال ذرّة في مُلك الله ؟ لا .
– هل هُم شركاءُ الله في خَلق السموات والأرض وفي مُلكه ؟ لا .
– هل أعانوا الله على خلق السموات والأرض ؟ لا.
– هل يملِكون الشفاعة ؟ لا ، إلّا مَن أَذِن الله عزّ وجلّ له .
والأدلّة كثيرة :
قال عزّ وجلّ :
– { أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ (192) }
– { لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ } يعني من شراكة
{ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ }
ما أحد أعانه
{ وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ }
– بل إنّ تلك المعبودات التي تُعبَد من دون الله عزّ وجلّ لو اجتمعتْ كلُّها على أن تخلُق ذبابًا ما استطاعت ، بل لو أنّ ذلكم الذباب أخذ منها شيئًا ما استطاعت أن تستخلِص ذلك الشيء منه .
وهذا إن دلّ يدلّ على ضَعف تلك الآلهة .
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ }
ضَعُف الطالب : الذي هو المعبود
ضَعُف الطالب : المعبود الذي أُخِذ منه .
والمطلوب : الذباب .
{ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } ما عظّموا الله عزّ وجلّ حقّ تعظيمه .
– بل إنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم مع علوّ مكانته ومنزلته لا يملِكُ شيئًا ، لا يملِك شيئًا
وفي هذا ردّ على الصوفيّة الذين يستغيثون به ، وكذلك الشأن في الرافضة ، وكذلك الاستغاثة بالأولياء لهؤلاء الطوائف ولغيرهم . لايملِكُ شيئًا
ولذلك :
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في الصحيح لمّا شُجَّ في غزوة أُحد ماذا قال ؟ ( كيف يُفلِح قومٌ شَجُّوا نبيّهم ) فأنزل الله عزّ وجلّ -مع أنّه أُوذِي- قال جلّ وعلا :
{ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ }
هو صلّى الله عليه وآله وسلّم أُمِر حتّى يَعرف مَن يستغيثُ به ومَن يدعوه ومَن يلتجئ إليه عند الشدائد ويأتي إلى قبره ويسألُه :
{ قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا }
بل لا يملِكُ لنفسه شيئًا
{ قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ }
وفي الآية الأخرى قَدّمَ الضُّرّ
{ قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ }
– بل حتّى الملائكة تفزع وتخاف من عظمة الله عزّ وجلّ ، فكيف تُصرَف العبادةُ لهُم أو لِمن دونَهم ؟!
{ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }
عند البخاريّ تفسيرٌ لهذه الآية :
( إذا قضى الله الأمرَ في السماء ، ضَرَبَت الملائكة بأجنحتها خُضعانًا لقوله )
الأصل السابع والخمسون :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في صحيح البخاريّ :
عن عِمران بن حِطّان أنّ عائشة رضي الله عنها حدّثتهُ :
( لَم يكن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يتركُ شيئًا في بيته فيه تصاليب إلّا نَقَضَه ) تصاليب إلّا نَقَضَه .
في رواية : ( تصاوير ) .
قال ابن حجر رحمه الله في الفتح : ” ورواية الجماعة أثبَتَ تصاليب ـــــ جمع صليب ـــ “
كان صلّى الله عليه وآله وسلّم يزيل هذا الصليب إذا وُجِد في بيته مِن جرّاء أن يكون في ثوب أو فيما شابه ذلك ، كان ينقُضُه ويزيله صلّى الله عليه وآله وسلّم لأنّه رمزٌ لِما عُبِد مِن دون الله عزّ وجلّ .
ومِن ثَمّ :
فإنّ على المسلمين أن يَحذَروا في مِثل هذا الزمن من شراء ملابس فيها تصاليب ، أو أدوات مدرسيّة أو مفارش أو أواني أو ما شابه ذلك.
(( فالنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كان ينقُضُها وكان يزيلها ))
وهذا إن دلّ يدلّ على تحريم شراء هذه الأشياء التي فيها صليب .
وكذلك :
يجب على التجّار أن يَحذَروا وأن يخافوا عقاب الله عزّ وجلّ .
– وهنا قبل الانتهاء :
فيه فائدة عَرَضيّة حديثيّة :
عِمران بن حِطّان مِن قوله أنّ عائشة حدّثَتهُ ، دلّ على أنّه سمع منها رضي الله عنها ، خلافًا لِما قاله ابن عبدالبرّ
بل وَرَدَت أحاديث غير هذا الحديث مِن أنّه قال : سمِعتُ عائشة
وقال : قالت لي عائشة .
فعلى كلّ حال :
هذه أصول نحتاج إليها في مثل هذا الزمن .
يحتاج إليها المتحدّث قبل المستمع
نحتاج إليها جميعًا ، فنحن في عصر وزمن الفتن
فنسأل الله عزّ وجلّ أن يعصمنا وإيّاكم من الزلل
الأصل الثامن والخمسون :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الذبح عبادةٌ يُتقرّب بها إلى الله عزّ وجلّ ، مَن صرَفَها لغير الله فقد أشرك بالله شركًا أكبر يُخرجُه عن ملّة الإسلام
فمن ذبح للنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أو لأيّ نبيّ أو لأيّ مَلَك أو لأيّ مخلوق فإنّه وقع في الشرك الأكبر.
قال تعالى :
{ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ }
أي : وانحر لِربّك
وقال عزّ وجلّ آمِرًا نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم : { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي } يعني ذبحي { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ }
فلا يُعبَث بهذه العبادة العظيمة .
الأصل التاسع والخمسون :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله جلّ وعلا مَدَحَ المُوَفِّين بالنذور :
{ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ }
وقال تعالى :
{ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ }
فتعليقُه على عِلمِ الله عزّ وجلّ -العلم الذي يُترتّب عليه الجزاء- مع ختام الآية :
{ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ }
يدلّ على أنّ النذرَ عبادة ، مَن صرَفَها لغير الله عزّ وجلّ فقد أشرك بالله شركًا أكبر
فلا يجوز أن يقول العبد نذرٌ علَيَّ لِلنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أو نذرٌ علَيَّ لِجبريل أو لِأبي أو لِأُمّي أو لأيّ مخلوق
الأصل الستون :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهداية والتوفيق من الله ؛ ولذلك النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ما هَدَى عمَّه ، ونوح ما هَدَى ابنه ولا زوجته ، وإبراهيم ما هَدَى أباه
قال تعالى :
{ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ }
فهداية التوفيق بأن يفعل العبدُ الخيرَ ، هذه ليست بأيدي المخلوقين ، لكن هداية البيان والتوضيح للشرع ووعظ الناس ، فهذه تكون مِن المخلوق .
قال تعالى للنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم :
{ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي }
هداية ماذا ؟
هداية بيان وتوضيح ، بيان الشرع للناس
{ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }
أمّا هداية القلوب ، هداية التوفيق والإلهام ، فهذه إنّما هي مِن الله عزّ وجلّ .
الأصل الحادي والستون :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الغلوّ في الصالحين سبيلٌ إلى الشرك بالله عزّ وجلّ
ولذلك :
حذّر منه النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما عند أحمدَ وغيره :
( إيّاكم والغلوّ ، فإنّ مَن كان قَبلَكم أهلَكَهم الغلوّ )
كيف ؟
الناس من حين ما خلَقَهم الله عزّ وجلّ مِن لَدُن آدم إلى نوح عَشَرة قرون ، كانوا على التوحيد .
فَوَقَع الشرك في قوم نوح ، لِمَ ؟
لأنّ هناك رجالًا صالحين ( وَدّ وسُواع ويغوث ويعوق ونسر ) أسماء رجال صالحين ، ماتوا .
فَقَومُهم قالوا نجعل صُوَرًا لهم في مجالسنا لِكَي نراهم ، فَنذكُر الله عزّ وجلّ ، بعد أن أوحى الشيطان إليهم ذلك ، فَفَعلوا .
فَلَمَّا مات هؤلاء الذين وضَعوا الصُّوَر أتى الجيل الذي بعدهم ونُسِيَ العلم ، فأوحى إليهم الشيطان ، أنّ هؤلاء لهم مكانة . فَعُبِدوا مِن دون الله عزّ وجلّ .
ولذلك :
حذّر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم مِن الغلوّ في الصالحين .
عبدٌ مثلك ؛ لا يملك لنفسه لا ضرًّا ولا نفعًا .
الأصل الثاني والستون :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المدائح النبويّة والقصائد التي يُمدَح فيها النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، أو الكلمات .
هو صلّى الله عليه وآله وسلّم له مكانة في قلوبنا ، كما أَمَرَنا بذلك الله جلّ وعلا ، وأَمَرَنا بذلك هو صلّى الله عليه وآله وسلّم .
ولذلك :
ماذا كان يقول كما عند البخاريّ (( لا تُطروني – لا تبالغوا في مَدْحِي – كما أطرت النصارى ))
كما : ليست للتشبيه ؛ لأنّ النصارى وقعت في الشرك ، مَقصُوده للتعليل . يعني لا تبالِغوا في مَدْحِي لِئَلّا يُفضِيَ بكم هذا المدح إلى ما وقعَت فيه النصارى –
( لا تُطروني كما أطرت النصارى ابنَ مريم ، إنّما أنا عبد ، فقولوا عَبْدُ الله ورسوله )
ولذلك :
الرافضة والصوفيّة ، لمّا غالَوا في النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وغالَوا في الصالحين وفي الأولياء ، أوقعَهم ذلك في الشرك بالله عزّ وجلّ ، فجعلوا يستغيثون بهم ويدعونهم ، ويتقرّبون إليهم مِن دون الله عزّ وجلّ .
الأصل الثالث والستون :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المساجِد محلّ العبادة ، فلا يجوز أن يوضَع فيها قبر .
ولذلك إذا وُضِعَ فيها قبر ، فيجب أن يُنبَشَ ، ويوضع في المقابر ( مقابر المسلمين )
فإن بُنِيَ على القبر مسجد ، وَجَبَ هدمُ هذا المسجد ؛ لأنّه كمسجد الضِّرار ، ما بُنِيَ على تقوى من الله عزّ وجلّ ، ولا على رِضْوَان مِنَ الله عزّ وجلّ.
ولذلك :
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال كما في الصحيحين
( لعنةُ الله على اليهود والنصارى اتَّخَذُوا قبورَ أنبيائهم مساجد )
لَو قيل قبر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في المسجد النبويّ ( وهذه شُبهة ) أجبتُ عنها في موضع آخر بتفصيل . لو قيل بذلك ، فليس بصحيح .
هو صلّى الله عليه وآله وسلّم الذي بنى المسجد ، فكيف يبني المسجد على قبره ، إنّما دُفِن صلّى الله عليه وآله وسلّم في حُجرة عائشة .
فَلَمَّا جاءت الدولة الأمويّة ووسّعَت المسجد النبويّ ، وسّعته مِن جِهة حجرة عائشة. ولم يتّفق السّلف في ذلك ، بل خالف بعضهم .
لكن قوّة السُّلطة ، أقرّت هذه التَّوسِعة ، ومِن ثَمَّ دخلت الحجرةُ في المسجد النبويّ ، والحُجرة دُفِن فيها النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم .
وَلَمْ يُدفَن صلّى الله عليه وآله وسلّم في المسجد .
الأصل الرابع والستون :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال كما في الصحيحين :
( لعنة الله على اليهود والنصارى اتَّخَذُوا قبورَ أنبيائهم مساجد )
(( يُحذِّر ما صنعوا ، يُحذّر ما صنعوا ولولا ذلك لَأُبرِزَ قبرُه ))
لأُخرِج ، لَمْ يُدفن . لولا ذلك لَمْ يُدفن في حجرة عائشة . كان دُفِن مع غيره ، ولولا ذلك لَأُبرزَ قبرُه صلّى الله عليه وآله وسلّم . ولكنّه خشِيَ أن يُتَّخَذَ مسجدًا .
والبناء على القبور مساجد ، نوعان :
البناء الأول : إمّا أن يَبني عليه مسجدًا حسّيًّا . هذا نوع
البناء الثاني : أنّ المقابر أو القبور يُتعبَّد فيها لله.
انظر ( يُتعبَّد فيها لله )
لَمْ يُتعبّد فيها لأهل القبور . لا .
يُتعبّد فيها لله . فهذا من اتّخاذ القبور مساجد
لِمَ ؟
لأنّه وسيلةٌ في المستقبل إلى أن يَصرِفَ هذه العبادة لهذا القبر ، أو لهذه القبور
ولذلك :
قال شيخ الإسلام رحمه الله ، قال :
” إخراج الصدقة مع الميّت بِدعة ، فإذَن لا صَدقةَ ولا عبادةَ يجوزُ فِعلُها في المقابر إلّا ما جاء الشرع باستثنائه بأن يُصلّى على الميّت ولم يكن قد صَلّى عليه من قبل ، وإلّا فلا يجوز “
ولذلك :
قَصدُ بعضِ الناس بِالصَّدَقة من أطعمةٍ وأشربةٍ ونحوِ ذلك في المقابر من باب بناء المساجد على القبور بناءً معنويًّا ، بناءً معنويًّا .
الأصل الخامس والستون :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في السُّنن قال :
( لَعَنَ الله زائرات القبور ) جملة ( زائرات القبور ) تدلّ عليها أدلّة أخرى وشواهد أخرى .
فزيارة المرأة للمقبرة بأيّ حجّة من الحُجج يَصدُق عليها هذا الوعيد الشديد . لَعَنَ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم زائرات القبور
الأصل السادس والستون :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في السُّنَن لَعَنَ زائراتِ القبور والمُتّخِذين عليها المساجد والسُّرُج .
كلمة [ السُّرُج ] تَشهد لها الأدلّة الأخرى التي حذّرَت مِن الغلوّ في أهل القبور
ومِن ثَمَّ :
فإنّه لا يجوز أن تُنوَّر المقابر ، لا تنويرًا دائمًا ( أي مستمرًّا ) ولا تنويرًا مؤقّتًا
وإنّما يجوز أن يُنوّرَ لِحاجةِ دفنِ الميّتِ فقط . بعد ذلك يُطفَأ السراج أو هذا النور ، الذي يكون بِيَدِ هؤلاء المُشَيِّعين .
والدليل :
ما جاء عند ابن ماجه كما ثبت عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه أدخلَ رجلًا في قبره ليلًا وأسرج عليه مِن أجْل أن يتمكّن صلّى الله عليه وآله وسلّم وأصحابُه مِن دفنه ، بعد ذلك يُطفَأ هذا السراج .
الأصل السابع والستّون :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال كما في الصحيحين :
(( لا تُشَدُّ الرِّحالُ إِلَّا إلى ثلاثة مساجد ، المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى ))
فَمَن شَدّ الرَّحل بمعنى أنّه سافرَ إلى بقعةٍ يرى أنّ لها فضلًا فإنّه قد ارتكبَ إثمًا عظيمًا ، حتّى لو شدّ الرَّحْل إلى زيارة قبر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فإنّ هذا لا يجوز إذا شدّ الرحل إلى مكانٍ من أجل التعبُّد أو أنّ له فضلًا
حتّى لا يظنّ ظانٌّ أنّ الإنسان إذا سافر إلى مكان للنزهة أو لزيارة قريب ، حتّى لا يظنّ أنّه داخل ضِمن هذا النهي
الأصل الثامن والستّون :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مَن خصّص بقعة ( أيّ بقعة ) حتّى كما قال شيخ الإسلام رحمه الله : لو خصّص حانوتًا ( يعني محلًّا في السوق ) يأتي إليه ويُخصِّصُ به عبادات ويرى أنّ لِهذا المكان فضلًا فإنّ هذا مِن وسائل الشرك ، لأنّه شابَهَ المساجد
ولذا :
ثَبَتَ عند ابن أبي شَيبة :
(( أنّ عليّ بن الحسين رأى رجُلًا يأتي إلى فُرجة عند قبر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يدعو عندها ( يعني يدعو الله ) يدعو عندها ، فقال له : ألا أحدّثُك بِحديثٍ سمِعتُه من أبي عن جدّي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ؟
قال صلّى الله عليه وآله وسلّم :
(( لا تتّخذوا قبري عِيدًا ، وصلُّوا عليّ فإنّ تسليمكم يبلُغُني حيثُ كُنتم ))
الأصل التاسع والستّون :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحذير المسلم من سفك دماء المسلمين
فالنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم حذّرَ أشدَّ التحذير ، حتّى في آخر حياته في حَجّة الوداع في خُطَبِه الثلاث كرّرَ :
(( إنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام ))
بل قال كما في الصحيحين صلّى الله عليه وآله وسلّم :
(( لا تَرجِعوا بعدي كفّارًا يضرِبُ بعضُكم رقابَ بعض ))
الأصل السبعون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم :
(( دعا ربَّه ــ كما في صحيح مسلم ــ ألّا يُسلِّط على أُمّته عدوًّا مِن سِوَى أنفسِهم فَيَستبيحَ بَيضَتَهُم ، فقال الله عزّ وجلّ : ” يا محمّد إنّي إذا قَضَيتُ قضاءً فإنّه لا يُرَدّ وَإنِّي لن أُسلِّط على أُمّتك عدوًّا مِن سِوى أنفسِهم فيستبيح بَيضَتَهم – يعني جماعتَهُم – حتّى ولو اجتمع عليهم مَن بأقطارها حتّى يكونَ بعضُهم يُهلِكُ بعضًا ويسبي بعضًا ))كما في صحيح مسلم
في رواية أحمد : (( ويقتُل بعضُهم بعضًا ))
فلن يُسلَّط على الأُمَّة ، لن يُسلَّطَ عليها العدوّ إِلَّا إذا شبَّ النزاع والقتال بينهم ، فإذا وقع بينهم ، هنا يَتسلّط عليهم الأعداء
الأصل الحادي والسبعون :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثَبَتَ عنه عند أحمد ، قال :
(( ولا تقوم الساعة حتّى يَلحقَ قبائلُ مِن أُمَّتي بالمشركين ))
قبائل مِن هذه الأُمَّة تَلحق بالمشركين ، إمّا لُحوقًا حِسِّيًّا بأن يَذهبوا إلى ديارهم وإمَّا أن يكون لُحوقًا معنويًّا يتشبّهون بهم ، وقد يَصدُقُ على الأمرَين .
أمّا التشبُّهُ بهم وهو اللُّحوق المعنويّ فقد حذّرَ منه النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم إذ قال – محذِّرًا وليس مُقِرًّا – :
(( لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَن كان قَبْلَكم ، حَذْوَ القُذَّةِ بِالقُذَّة ، حتّى لَو دَخَلوا جُحرَ ضَبٍّ .. ))
نَصَّ على الضَّبِّ لأنّ جُحرَه مُتعرِّج ، ومع التعرُّج إذا بِالأُمّة ( أي ببعض الأُمَّة وليس الأُمّة كلُّها ) إذا ببعضها يَتبَعُ هؤلاء
(( .. حتّى لَو دَخَلوا جُحرَ ضَبٍّ لَدَخَلتُموه )) قالوا يارسول الله : اليهودُ والنصارى ؟ قال : (( فَمَن ؟ )) .
يعني مَن غير هؤلاء الذين هم اليهود والنصارى
الأصل الثاني والسبعون :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثَبَتَ عنه عند أحمد وغَيره قال :
(( ولا تقوم الساعة حتّى تعبدَ قبائلُ مِن أُمَّتي الأوثان ))
يعني الأصنام . ولْيُعلَم أنّ هذا لا يكون لِجميع الأُمَّة
قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في الصحيحين :
(( لا تَزالُ طائفةٌ مِن أُمَّتي قائمةً بِأمرِ الله ، لا يَضُرُّهم مَن خَذَلَهم ولا مَن خالَفَهم حتّى يأتِيَ أمْرُ الله ))
الأصل الثالث والسبعون :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في الأصل السابق ، بَيّنَ فَضْل تلك الأُمَّة القائمة بِأمرِ الله
وهي الأُمَّة المنصورة كما جاء بذلك الحديث الآخَر :
(( لا تزال طائفةٌ مِن أُمَّتي على الحقّ منصورة ))
فإذا قيل مَن هي هذه الطائفة المنصورة ؟ حتّى لا يَتَشَبَّثَ بها أو يَنتسِب إليها مَن ليس منها .
فالطائفةُ المنصورةُ هي أهلُ السُّنَّة والجماعة .
لَو قيل لماذا خصّصتُم ذلك ؟
قُلْنَا الدليل في السُّنَن :
قال صلّى الله عليه وآله وسلّم لمّا ذَكَرَ افتراق الأُمَّة على ثلاثٍ وسبعين فِرقة ، قال : (( إلَّا فِرقة )).
قال : (( كُلُّها في النار )) .
(( سَتَفتَرِق أُمَّتي على ثلاثٍ وسبعين فِرقة ، كُلُّها في النار إلّا واحدة ))
قيلَ مَن يا رسول الله ؟
قال (( على ما أنا عليه وأصحابي ))
هذا هو الدليل على السُّنَّة .
وفِي رواية :
قيلَ مَن يا رسول الله ؟ قال (( الجماعة )).
فأهْلُ السُّنَّة وأهل الجماعة يَصدُقُ عليهم هذا الحديث منه صلّى الله عليه وآله وسلّم
فإذا ادَّعى مَن ادَّعى أنّه مِن الطائفة المنصورة ، فيُنظَر هل هو مُتَّبِعٌ للنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وللصحابة رضي الله عنهم ، وهل هو مُتّبِعٌ للآثار على ما فهِمَه سَلَفُ هذه الأُمّة ؟ وهل هو حريصٌ على جماعة المسلمين أم لا ؟
الأصل الرابع والسبعون :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا ييأس المسلم مِن حال أهل الإسلام في مِثل هذا الزمن ، فإنّ البِشارات أتت مِن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم
قال صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في صحيح مسلم :
(( لا تَذهَبُ الليالي والأيّام حتّى تُعبَدَ اللاتُ والعُزَّى )) قالت عائشة : يا رسول الله لمّا سمِعتُ قولَ اللَّهِ عزّ وجلّ { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ } ظَنَنتُ أنّ ذلك سيكونُ تامًّا ، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم :
(( سيكون مِنهُ ما شاء الله ))
وثَبَتَ عند ابن حِبّان أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال :
(( ولا يَترُكُ اللهُ بيتَ مَدَرٍ -أي مِن الطين- ولا وَبَرٍ – أي مِن الخِيام – (( لا يَترُكُ اللهُ بَيتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلّا أَدخَلَ اللهُ فيه هذا الدِّين بِعِزِّ عزيزٍ أَو بِذُلِّ ذليلٍ ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ به الإسلامَ ، وذُلًّا يَذُلُّ به اللهُ عزّ وجلّ الكُفرَ ))
الأصل الخامس والسبعون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ اقتضَت سُنَّةُ الله أنّ مَن أعرَضَ عن الخير اشتغَلَ بالشَّرّ ]
فهؤلاء اليهود لمّا أعرَضوا عن كتاب الله كما قال عزّوجلّ :
{ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }
أعرَضوا عن الخير فوَقَعوا في السِّحر .
بَعدَها :
{ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ }
أي ما تتلوه مِن السِّحر
ولِهذا نظائر ، فَمِن مُستَقِلٍّ وَمِن مُستَكثِرٍ
ـــ مَن أعرَضَ عن العِلْم الشرعيّ في الدعوة إلى الله عزّ وجلّ اشتَغَلَ في الدعوة بِالقَصَص الحياتيّة وبِالنُّكَت ، وَلَرُبَّما بِما يَخرِقُ مروءة الإنسان
ــ مَن أعرَضَ عن سماع القرآن وعن تلاوته اشتغَلَ بسماع الأغاني والأناشيد
وعلى هذا فَقِسْ .
الأصل السادس والسبعون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السِّحر خطير خطيرٌ جدًّا ، ولذا فإنّ فاعِلَه كفَّرَه العلماءُ حتّى إنّ بعضهم لَمْ يُفَرِّق بين الساحر الذي يستعين بِالشياطين وبين الساحر الذي يَعقِدُ العُقَد ويَنفُثُ فيها ، قال تعالى :
{ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ }
الأصل السابع والسبعون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السِّحر هلاك ، هلاكٌ لصاحبه وهلاكٌ لِغَيره ، بل هو الهلاك في الدنيا وفِي الآخرة
ولذا :
النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال كما في الصحيحَين :
(( اجتَنِبوا السَّبعَ المُوبِقات – يعني المُهلِكات – الشِّرك بالله والسحر.. )) ثَنَّى بالسِّحر لِعظيم أمْرِه بعد الشرك بالله قال تعالى :
{ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ }
أي مِن نَصيب .
الأصل الثامن والسبعون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لِخطورة السِّحر حَكَمَ الصحابة رضي الله عنهم -عليه بِالقتل كما صَحَّ عن عمر وجُندب وحفصة ؛ لأنّه مِن أعظم المفسدين هو أعظم مِن المحاربين فقَتْلُهُ أفتى بذلك وأمَرَ بذلك الصحابة رضي الله عنهم لأنّ بقاء الساحر فسادٌ في الأرض .
الأصل التاسع والسبعون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السِّحرُ سِحرُ عَطْف ، وهو أن يَعطِفَ الزوجةَ على زوجها أو العكس حتّى تُصبح أو يُصبح يُقاد كما تُقاد البهيمة ،
ومِنه سِحرُ الصَّرْف وهو الذي يَصرِف الزوجة عن زوجها أو العكس حتّى يرى أحدُهما الآخر في مَنظرٍ قبيحٍ لا يرتاح له ، قال تعالى :
{ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ }
الأصل الثمانون :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السِّحر لا يَضُرّ أبدًا إلّا بإذن الله ، لَو اجتمع السحرة كلُّهم لن يَضُرُّوا أحدًا إلَّا بِأمْر الله ، قال تعالى : { وَمَا هُم } أي الشياطين والسَّحَرة
{ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ }
لكن على المسلم :
أن يتّخذ الوسائل الشرعيّة حتّى يُحمى بإذن الله عزّ وجلّ من شرّ هؤلاء ويكونُ ذلك بكثرة الأذكار؛ ولذا يُصيب السِّحر أكثر مَن يُصيب : يُصيب النساء والأطفال والجُهّال ، كما قال ابن القيّم رحمه الله : لِأنّ هؤلاء يَلهَون عن ذِكر الله عزّ وجلّ .
▪ ولو قيل :
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم – كما عند مسلم – كان يَذكُرُ الله على كُلّ أحيانه ، ومع ذلك أُصيب بالسحر
والجواب عن هذا :
إصابتُه صلّى الله عليه وآله وسلّم بالسحر لِحِكَم يريدها الله ، منها :
– لِيُعلَم أنّه بَشَر ، لا كما يَصنَعُه مَن يَصنَعُه لِأَنْ جَعَلَ له من صفات الإلٰه فهو بَشَر يصيبه ما يصيب البَشَر؛
– و أُصيبَ بالسحر لِرِفعة درجاته،
كما سَقَطَ صلّى الله عليه وآله وسلّم من فَرَسه فتأثّر كما كان -كما في الصحيحين- يُوعَك كما يُوعَك الرَّجُلان منكم
– ومن الحِكَم في إصابته صلّى الله عليه وآله وسلّم بِالسِّحر ؛ لِيُعَلِّمَ أُمَّته كيف التخلُّص مِن السِّحر بالفِعل كما بَيَّن لهُم ذلك عن طريق القَول ؛ ولذا لمّا أُصيب نَزَلَت المعوِّذتان فقَرأ على هذا السِّحر ، قَرأ المعوّذتين على هذا السِّحر فانفكّت هذه العُقد
– ولذا قال بِاعتبار أنّ ما أصابه لا يُنقِص مِن مقام النُّبوَّة – أصابه نوع من المرض – ولذا قال : ( أمّا الله فقد شفاني )
الأصل الواحد والثمانون :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التَّطَيُّر والتشاؤم نَوع من أنواع السِّحر
التَّطَيُّر :
كما يفعلُه أهل الجاهليّة يَزجُرون الطَّير فإن ذهب يَمنةً تفاءلوا ، وإن ذهبَ يَسرةً تشاءموا فلَمْ يُقدِموا لا على سَفَر ولا على تجارة .
والتشاؤم :
كما يحصل مِن بعض الناس يتشاءم بِطَيرٍ كَالبُومة أوغَيرها ، أو يتشاءم بِبَعض الناس كالأَعوَر كما هو دارِج عند بعضٍ مِن الناس .
هذا مِن السِّحر ، نوعٌ من أنواع السِّحر
النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثَبَتَ عند أحمد قال :
( إنّ العِيافَة .. )
يعني زَجر الطَّير
( إنّ العِيافَة والطَّرْقَ والتَّطَيُّر مِن الجِبْت )
يعني مِن السِّحر
كيف ؟
السِّحر خَفِيّ ، سببُه خَفِيّ مَبناهُ على التدليس . فَكَونُ هذا الطير يذهب يَمْنَة أو يَسْرَة ، كَوْنُكَ ترى أعوَر أو ترى مثلًا بومة أو طيرًا فتتشاءم ، أين مَوقع التشاؤم ؟ سبب خَفِيّ لا يؤثّر
فدلّ هذا على أنّه نَوعٌ مِن أنواع السِّحر
الأصل الثاني والثمانون :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخَطُّ في الرِّمال لِبيان مستقبَل الإنسان أو لِلبحث عن أَمْرٍ ماضي ، هذا نوع مِن أنواع السِّحر
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثَبَتَ عنه عند أحمد – في الحديث السابق –
( إنّ العِيافَة والطَّرْقَ والطِّيَرَة مِن الجِبْت )
يعني من السِّحر
الطَّرْق :
هو الخَطّ في الأرض لِكَي يستعلِم عن مستقبَله أو عن شيءٍ ماضي
ومِثلُهُ :
[ خُطوط الكَفّ ] كما يُقال [ قِراءة الكَفّ ]
ما عِلاقة هذه الخطوط بِمستقبَلِك ؟! في حياتك الزوجيّة أو الوظيفيّة أو ما شابه ذلك ؟
أسباب خَفيّة مَبْناها على التدليس
ومِثلُها :
أنّ بعض أنواع القهوة قد يبقى في الفُنجان ، قد تبقى بعض الخطوط فيَستَدِلّون بها على مستقبلٍ سيأتي أو على أمْرٍ قد مضى
ما علاقتُها ؟
حتّى إنّه لَيُدَلَّس على الناس في بعض البلدان خارج المملكة ، يقولون مِن باب التجميل : اقرأ قراءة الفَأْل .
وهي نفسُها [ قراءة الفُنجان أو الكَفّ ]
يقولون قراءة الفَأْل مِن باب التحسين لها .
فدلّ هذا على ماذا ؟ فدلّ هذا على أنّ السِّحر شَرُّه عظيم .
والمؤمن لله عزّ وجلّ حقيقةَ الإيمان لا يَلتفتُ إلى هذه الأشياء ، لكِن لو أنّ الإنسان خَطّ خطًّا في الأرض كَسُترَة -عند بعض العلماء- أو لِأمرٍ يحتاجُه لا لِهذه الأمور فلا حَرَج
المقصود مِن ذلك ما ذَكَرناه آنِفًا
الأصل الثالث والثمانون :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحَذَر مِن النَّميمة التي بها يَحْصُل الإفساد بَين الناس ، وقد عُدَّت مِن أنواع السِّحر
قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم – كما في صحيح مسلم :
( أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ مَا الْعَضْهُ ، النَّمِيمَةُ الْقَالَةُ بَيْنَ النَّاسِ )
وفِي الصحيحَين :
( لا يَدْخُلُ الجنّةَ قَتّات )
وعند مسلم :
( لا يَدخُلُ الجنّة نَمّام )
لِمَ هي نوعٌ مِن أنواع السِّحر ؟
وَلَو لَمْ يَصِل إلى
الحُكم [ حُكم الساحر ] لكنّها مِن كبائر الذنوب
لكن هي في حقيقتها في صورتها تُشابِه السّحر ، لأنّ السِّحر كما أنّ فيه نوعًا -كما سبق- يُسَمَّى بِالصَّرْف ، صَرْف الزّوج عن زوجته ، كذلك النميمة تَصرِف بَين المتحابَّين
الأصل الرابع والثمانون :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
احذر يا مسلم مِن أيّ شخصٍ فصيح اللسانِ بليغ العبارةِ :
– يتكلّم في الدِّين ويأتي بِغَيْر النُّصوص الشَّرعيّة
– أو يُحَرِّف النّصوص الشرعيّة بِعقله
– أو يأتي بالنّصوص على وجهها لكنّه لَمْ يَفهَمْها على فَهْم السَّلَف
فهؤلاء يَصرِفون الناس عن دِين الله ، وهذا نَوع مِن أنواع السِّحر .
قال صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في الصحيحَين :
( إنّ مِن البيانِ لَسِحْرًا )
فالفصاحة والبلاغة لا تُحمَد لِذاتِها ، إنَّما تُحمَد بِاعتِباراتِها ؛ فإن كانت الفصاحة والبلاغة لِبَيان شَرْع الله على ما فَهِمَهُ سَلَفُ هذه الأُمّة فَهِي خَيْر.
وَإِنْ لَمْ تَكُن وهذا موجود ومنتشر في القنوات الفضائيّة وفِي مقاطع اليوتيوب أُناسٌ أَدخَلوا عقولَهم وحرَّفوا النّصوص الشرعيّة بتأويلاتٍ فاسدةٍ وبعقولٍ ماجِنة ، هؤلاء صَرَفوا الناس عن دِين الله عزّ وجلّ وأدخَلوا عليهم الشُّبَه والشُّكوك
ولذا :
قال صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثَبَتَ عنه عند أحمد :
(( أَخوَفُ ما أَخَاف على أُمَّتي مُنافِق عليمُ اللسان ))
فاحذروا
الأصل الخامس والثمانون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التحذير مِن الإتيان إلى السَّحَرة والكهَنة حتّى ولو كان ذلك مُهاتَفة عبر وسائل الاتّصال أو عبر وسائل التواصل
فإن أتى أو هاتَفَ السّاحر أو الكاهن فسأله مجرّد سؤالٍ فقد قال صلّى الله عليه وآله وسلّم (( مَن أتى عرّافًا .. ))
والعرّاف :
يَشمَل كُلّ مَن يَدّعي معرفة الأشياء في الماضي أو في المستقبل بِطُرُقٍ عنده ، هذا شامل
(( مَن أتى عرّافًا فسألَهُ عَن شيءٍ لَم تُقْبَل له صلاةٌ أربعين يومًا ))
يَلزَمُه أن يُصَلّي لكِنّ الثواب ، لا ثواب له
فإن صَدَّقَه فقد كَفَر كُفرًا يُخرِجُه عن مِلّة الإسلام
قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثَبَتَ عنه عند أبي داود والترمذيّ وابن ماجه : (( مَن أتى كاهِنًا .. ))
والكاهِن :
يَصدُقُ عليه – كما قال ابن حجر – إمّا يستعين بِالشياطين أو تكون الكِهانة بِالتجرُبة مِن عُقَدٍ وما شابه ذلك أو تكون بالتخمين والظنّ
(( مَن أتى كاهنًا فصَدَّقَه بما يقول فقد كَفَرَ بِما أُنزل على محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم ))
والذي أُنزِل عليه : القرآن ، وفي القرآن :
{ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ }
فإنْ صَدّقَه صَدّقَهُ بِأنّه يَعرِفُ عِلمَ الغَيب ، ومَن صَدَّقَ أحدًا بِأنّه يَعرِفُ عِلمَ الغَيب فقد كَفَر .
لو قيل النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أتى إلى ابن صَيّاد وسألَهُ لِيَختَبِر حالَه فهو دجّال مِن الدَّجاجِلَة ، وخبَّأَ له النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في قلبه آية الدُّخان { فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ }
فقال ابن صيّاد : الدُّخّ
فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم (( اخْسَأْ فَلَن تَعْدُوَ قَدْرَك)) قَدْرُك أنّك كاهِن لاتَهْتَدي إلى كُلّ معلومات وإنّما هو اهتدى إلى كلمة
( الدُّخّ ) ولَم يُكمِل كلِمة ( الدُّخان ) ولَم يأتِ بِما في أوّل الآية ولا في آخرها
وهذا هو حال هؤلاء ، تأتي إليهم الجنّ فتُلقِي في أُذُنِه الكَلِمةَ يَسمَعُها ممّا استَرَقَه مِن السماء ، فيَكذِب معها الساحر مِئةَ كَذبة .
هذا في حقّ مَن ؟
في حقّ مَن لَدَيه عِلمٌ راسخٌ وثابتٌ ولَدَيهِ دِينٌ قويّ ، يأتي إلى هؤلاء لِيَختبرَهم لِيتبيَّن حالُهُم حتّى يَفتَضِحوا ، وليس لِكُلّ أحد .
الأصل السادس والثمانون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثَبَتَ عنه عند الطبَرانيّ قال :
(( ليس مِنّا – وعيد شديد ، ليس على طريقتنا- مَن سَحَرَ أو سُحِرَ له ، أو تَكَهَّنَ أو تُكُهِّنَ له ))
– مَن سَحَرَ : مَن يَفعَلُ السِّحر ، تَكَهَّنَ : مَن يَفعلُ الكِهانة .
– مَن سُحِرَ له : أن يأتي أحدٌ إلى الساحر فيقول اسحَر فلانًا أو اسحَر فلانة .
تُكُهِّنَ له : أن يأتي إلى الكاهن ويقول تكَهَّن لي كذا وكذا ، فَيَصدُقُ عليه هذا الوعيد الشديد.
الأصل السابع والثمانون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإخبار عن وقت الكسوف للشمس والخسوف للقمر ( بِدايةً وانتهاءً ) ليس مِن عِلم الكِهانة ، وإنّما هو خاضعٌ لِعِلمِ الحِساب ( حِساب الفَلَك )
ولذلك :
شيخ الإسلام رحمه الله، قَبْل أكثر مِن سبعمِئة سَنَة بيَّنَ مِن أنّ للكسوف وللخسوف أسبابًا بحيث جَرَيان الشمس والقمر -لا يَتّسع هذا المقام لِذِكرِها ، وذَكَرتُها في موطنٍ آخر- فيقول : هو يَخضع لِمُجَرّد عمليّة حسابيّة .
قال تعالى : { الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ }
ولذا إذا أُخبِرَ الناس فَلْيَعلَموا أنّ هذا ليس مِن الكِهانة ، ومِن الأفضل ألّا يُخبَرَ الناس ، أن يُترَك الناس على ما هُم عليه .
لكِن ليس مِن عِلم الكِهانة في شيءٍ ، وإنّما على المسلم أن يَستَحضِر ما جاء في الصحيحَين ، قال صلّى الله عليه وآله وسلّم :
(( إنّهُما آيَتان مِن آيات الله ، يُخَوِّفُ اللهُ بِهِما عبادَهُ ))
الأصل الثامن والثمانون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإخبار عن المَصادِر الجوّيّة والأحوال الجوّيّة هذا ليس مِن الكِهانة ، وإنّما هي تَوَقُّعات
تَوَقُّعات بِحصول شيءٍ مِمّا يكون في الجوّ مبنيّ على مصادرَ لِتَحَرُّكات الرِّيح وما شابه ذلك ، ولذلك في العِلم البِدائيّ ربّما أنّنا نرى الشمس قد تَلَبَّدَت بِالغُيوم ، نقول : ربّما يَنزِل مطر ، ربّما يَهطِل مطر
ولكِن على هؤلاء ممّن يُخبِر أن يقول : سيكون كذا وكذا ، بُرودة أو سيكون هناك أمطار – بإذن الله .
ولا يَقُل أحد ممّن يُخْبِر في المصادر ( هذه المصادر ) لا يَقُل تَكَهَّنَت المصادر
لفظة ( تَكَهَّنَت المصادر ) يَجِب أن تُترَك
وإنّما يُخبَر ، وإذا أَخبَر عن الأحوال الجوّيّة يُعَلِّقُها بِمَشيئة الله عزّ وجلّ.
الأصل التاسع والثمانون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثَبَتَ عند أحمدَ وأبي داود مِن حديث جابر :
( سُئِلَ عَن النُّشْرَة – وهي فكّ السِّحر بِسِحرٍ مِثلِه – فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : (( هي مِن عَمَل الشيطان ))
وأَقبِحْ مِن عَمَل يُنسَبُ إلى الشيطان .
إذًا :
ما الحلّ فيمَن أُصيب ؟
عندنا – ولله الحمد – الأوراد الشرعيّة ( قراءة القرآن ، الأذكار ، الأدعِية )
لَو قِيل :
لَو أنّ الشخص أوشَك على الهلاك وسَيَموت إن لَم يُفَكّ السِّحر إلّا بِسِحرٍ مِثلِه
فالجواب عن هذا :
أنّ مِثلَ هذا لا يجوز ، لِأنّ مَرَدّ الإنسان إلى الموت عاجلًا أم آجلًا
ثُمّ إنّ هذا القَول لَو قِيلَ به ( فَكُّ السِّحر بِسحرٍ مِثلِه ) لَو قِيلَ به ، فأين قَولُ الله عزّ وجلّ { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ }
كُلُّه شفاء ، والشفاء لِكُلّ مرض .
أين نحن مِن قَول النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثَبَتَ عند ابن ماجه – وهو نَصٌّ عامّ –
(( ما أَنزلَ اللهُ داءً –أي مرضًا– إلّا أَنزلَ له دواء –أي علاج – ))
لِو قِيل بِهذا ، فإنّه يَترتّب على ذلك أن يُتَعلَّم السِّحر لأنّ به هذه المصلحة . ولا يُقال بِهذا
لِو قِيل بِهذا لَتُرِك بعضُ السَّحَرة مِن أَجْل لديهم ومِنهم مصلحة ، فكيف يكون ذلك والصحابة رضي الله عنهم أَمَروا بِقَتلِ كُلّ ساحرٍ وساحرة
وكَونُ الإنسان يموت على التوحيد، كَونُه يموت على التوحيدِ خَير مِن أن يموت على ما يُخالف التوحيد
في الحديث السابق عند أبي داود والترمذيّ وابن ماجه :
(( مَن أتى كاهنًا فصَدَّقَه بما يقول فقد كَفَرَ بِما أُنزل على محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم ))
الأصل التسعون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأوراد الشرعيّة حِصنٌ حصينٌ لِلإنسان ، كما هي شفاء بإذن الله عزّ وجلّ
كذلك مَن شاء أن يَتَوَقّى السِّحرَ فَلْيَأكُلْ مِن تَمَرات المدينة في أوّل يومه على الرِّيق يَتَصبَّح بِسبع تَمَرات ، إن كانت عَجوة فأفضل ، إن لَم يَكُن فبأيّ تَمرٍ مِن تمر المدينة ، شريطة أن تكون سبع تَمَرات
قال صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في الصحيحَين :
(( مَن تَصَبَّحَ بِسَبعِ تَمَراتٍ عجوة ، لَمْ يَضُرَّه ذلك اليوم سُمٌّ ولا سِحر ))
في رواية مسلم :
(( مَن تَصَبَّحَ بِسَبعِ تَمَراتٍ مِمّا بَين لابَتَيها –أي المدينة ، ما بين اللابتين : أي الحَرَّتين– لَم يَضُرَّهُ في ذلك اليوم سُمٌّ ولا سِحْر ))
الأصل الحادي والتسعون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مَن وَجَد سِحرًا به عُقَد ، فقد يَعثُر بعض الناس على شَعَرات بها عُقَد وبها أشياء وبها طلاسم ، فعَلَيه أن يقرأ المُعوِّذتَين عليهم وأن يُفَكِّك هذه العُقَد
فالنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لمّا سُحِرَ ، وذَكَرنا أنّ السِّحر وَقَعَ عليه -في الأصول السابقة- لِحِكَمٍ أرادها الله ، فإنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم عُقِدَ له سِحرٌ في شَعره ، فقرأ المُعوِّذتَين فانحَلَّت كُلُّ عُقدة .
وإن شاء أن يُحرِقَه بعد أن قرأ المُعوِّذتَين فَلَهُ ذلك ، ولذلك قالت عائشة : يا رسول الله أَفَلا أَحرَقتَهُ . أَقَرَّها لكِنّه لَم يَفعلْ ذلك ، قال :
(( أمّا الله فقد شفاني ، فأخشى أن أُثِيرَ على الناس شرًّا ))
يريد ألّا يَطَّلِع الناس على هذه الشُّعور ، وإنّما استَخرَجِها صلّى الله عليه وآله وسلّم مِن البئر ثُمّ بعد ذلك قرأ عليها المُعوِّذتَين .
الأصل الثاني والتسعون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مَن به مرض يُكرِّر العلاج يُكرِّر الرُّقية ، ويَرقَى على نفسه أو يَرقاه أحدُ أقربائه .
يقرأ على نفسه ويُكرِّر ، يَستمِرّ .
ومَن نُصِح بِعلاج مِن الأطبّاء ( مِن الأطبّاء ) فيَستمرّ عليه ولا يَستعجِل ، فإنّه قد يكون هذا العلاج علاجًا له لكِنّ الله عزّ وجلّ أراد أن يَختبر صبرَه ، هل يستمرّ على العلاج الشرعيّ أو الحِسِّيّ الذي أباحه الله أم أنّه لا يستمرّ فيذهب إلى السَّحَرة والكَهَنة ، قد يكون ذلك امتحانًا
والدليل على أنّ الإنسان يُكرِّر العلاج حسبما يَصِفُه له الطبيب أو يكرِّر الرُّقية :
في الصحيحَين :
( أتى رجل إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال : يا رسولَ الله إنّ في بَطن أخي وَجَعًا ، قال : (( اسقِهِ عَسَلًا )) فَسَقاهُ فَزادَهُ استِطلاقًا ، فقال : (( اسقِهِ عَسَلًا )) ، فَسَقاه ، حتّى أتى في الثالثة قال : يا رسولَ الله سَقَيتُه ، قال صلّى الله عليه وآله وسلّم في الثالثة ، قال : (( صَدَقَ اللهُ وكَذَبَ بَطنُ أخيك ، اسقِهِ عَسَلًا )) ، فسَقاهُ فَبَرَأَ ) .
الأصل الثالث والتسعون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التَّشاؤم نَوعٌ مِن أنواع السِّحر ، قال النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثَبَتَ عند أحمد (( إنَّ العِيافَةَ والطَّرْقَ والطِّيَرَةَ مِنَ الجِبْت ))
وإنّما أُطلِق على التشاؤم طِيَرَة بِاعتِبار ما كانوا يصنعونه في الجاهليَّة ، يُرسِلون الطَّير فإن ذَهَبَ يَمنَةً أقدَموا على حاجتهم وإن ذهبَ يَسرَةً فإنّهم يُحجِمون عن ذلك .
والتشاؤم سِحْرٌ بِاعتبار أنّ السِّحر خَفيٌّ سَبَبُه كما هو التشاؤم ، ولذلك قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ في الصحيحَين (( لا طِيَرَة )) أي لا تأثير لِهذه الطِّيَرة وإنّما هو شيء وَقَعَ في نَفْس العَبد يَمنَعُه مِن التوكّل على الله عزّ وجلّ
الأصل الرابع والتسعون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التشاؤم إمّا أن يكون بِشَيْءٍ مَرئيّ : كأن يَرى الإنسان طيرًا فيتشاءم به ، أو يرى إنسانًا أو يرى حيوانًا أو أيَّ شَيْءٍ مَرئيّ
ويكون التشاؤم بِشَيْءٍ مسموعٍ : كأن يسمع كلمةَ ( يا خاسر ، يا فاشل ) فيؤَثِّر ذلك عليه فيتشاءم
أو يتشاءم بِمكان : كأن يتشاءم مِن أنّه إذا مَرّ بذلك المكان حَصَلَت له مصيبة أو كارثة
أو يتشاءم بِزمان : كأن يَمُرّ عليه يوم مُعيَّن أو شهر معيّن أو سنة معيّنة فيتشاءم فيَظنّ أنّه بهذا الزمن تَقَعُ له مصيبة أو تَحصُل له كارثة
وكما مرّ قَولُه صلّى الله عليه وآله وسلّم في الصحيحَين (( لا طِيَرَة )) فلا وجود لِأثرٍ لهذا التشاؤم .
الأصل الخامس والتسعون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التشاؤم طريقةُ أعداءِ الرُّسُل
قال قَوْم صالح عليه السلام له :
{ قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ }
وقال أعداء موسى :
{ فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }
وَمِن ثَمَّ فإنّه إذا كان التشاؤم سَبِيلًا وطريقًا لِأعداء الرُّسُل فيجب على المسلم أن يَحذَر وأن يُحَذِّر منه
الأصل السادس والتسعون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التشاؤم حُكمُه شِرك بالله عزّ وجلّ
قال صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثَبَتَ عند أحمدَ وغَيرِه (( الطِّيَرَة شِرك ، الطِّيَرَة شِرك )) كرَّرَها لِعظيم الأَمْر
فهو إن كان هذا التشاؤم جعلَه العبدُ سببًا في الإقدام على شيء ( يعني في فِعلِ شيء ) أو الإحجام عن شيء ( يعني في تَرك شيء ) جَعَلَه سببًا فقد أشرك بالله شِركًا أصغر
لِمَ ؟
لأنّ الشرع لَم يَجعلْ التشاؤم سببًا في الإقدام أو في الإحجام ، وَمِن ثَمَّ وَقَعَ في الشرك الأصغر
وإنِ اعتقدَ أنّ التشاؤم يؤَثِّر بِذاته فقد اعتقدَ أنّ مع الله خالقًا آخر ، وَمِن ثَمَّ يَقَعُ في الشِّرك الأكبر .
الأصل السابع والتسعون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زوال التشاؤم بالتَّوَكُّل على الله عزّ وجلّ وعدم الالتفات بِالقلب أو بِالسَّمع إلى التشاؤم
ثَبَتَ في المُسنَد والترمذيّ مِن قَوْل ابن مسعودٍ رضي الله عنه على الصحيح وليس مِن قَوْله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، قال ابنُ مسعود رضي الله عنه : (( وما مِنَّا – أي ما مِنَّا مِن أحد – إلَّا ويَقَع في قلبه التشاؤم – لكن ما العلاج ؟
قال : (( ولكن يُذهِبُه الله عزّ وجلّ بِالتّوكُّل ))
الأصل الثامن والتسعون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال كما ثَبَتَ عند أحمد (( مَن رَدَّتهُ الطِّيَرَةُ عن حاجته فقد أشرك ))
والشِّرك كما سلف إن كان جعلَه سببًا فهو مشرِك بالله شِركًا أصغر ، وإن اعتقدَ أنّ التشاؤم أثَّرَ بِذاته فهو مشرك بالله شركًا أكبر
معنى هذا الحديث :
(( مَن رَدَّتهُ الطِّيَرَةُ عن حاجته فقد أشرك ))
بمعنى أنّ الإنسان لو كان ذاهِبًا لِحاجة ، فَلَمَّا سَمِعَ قَولًا ( هذا القَول : يا فاشل أو يا خاسر ) فرَجَعَ فقد وَقَعَ في الشرك
وإنّما الذي عليه أن يَستمرّ وأن يتوكّل على الله عزّ وجلّ وألّا يَلتفِت بِقلبه أو بِسَمعه أو بِأيّ جارِحةٍ مِن جوارحه ، لا يَلتفِتُ إلى التشاؤم
قال تعالى : { فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ }
الأصل التاسع والتسعون :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كَفَّارَة التشاؤم ، قيل يا رسول الله – كما ثَبَتَ عند أحمد – وما كَفَّارَة ذلك ؟ قال صلّى الله عليه وآله وسلّم (( يقول العبد : اللهمّ لا خَيرَ إلَّا خَيرُك ، ولا طَيرَ إلَّا طَيرُك ، ولا إِلَهَ غَيرُك ))
نعم . (( اللهمّ لا خَيرَ إلَّا خَيرُك )) لأنّ الخير بِيَدِ الله وليس بِيَد هذا الطائر أو بِهذا المخلوق أو بهذا الحيوان أو بهذا المكان أو بهذا الزمان
(( ولا طَيرَ إلَّا طَيرُك )) طَير ، هذا الطَّير حينما يَذْهَب يَمنَةً أو يَسرَةً ، أو ذلكم القَول الذي صَدَرَ مِن فلان أو مِن فلان ( لا طير إلَّا طيرك )
هذه الطير لا تَذهب بِإرادتها وإنّما بِمشيئة الله عزّ وجلّ .
فكيف يُعَلِّق العبدُ قلبه بِطَيرٍ ذهبَ يَمنَةً أو يَسرَةً ، أو يُعلِّق قلبه بِكلامٍ أو بِمَرئيّ أو بِمسموعٍ يَرُدُّه عن ذلك
ولذلك :
” ابنُ عبّاسٍ رضي الله عنهما لمّا كان جالسًا ، أَتَى طَيرٌ فصاحَ ، فقال رَجُلٌ حَولَه : خَير خَير ، فقال ابن عبّاس رضي الله عنهما : لا خَير ولا شرّ ، عِند هذا الطائر “
طائرٌ صاح ، ما علاقة كلمة خير بكلمة طير ؟
ولذلك :
بعض الناس – وهي بِلُغَتِنا – يقولون إذا صار بَيْنَه وبين شخصٍ كلام أو ما شابه ذلك قال : ( خير يا طير ) ما علاقة الطَّير بالخَير هنا ؟ خطأ
( خير يا طير ) خطأ ، مِن ثَمَّ يجب على المسلم أن يتنبَّه لِهَذَا الأمر . ما علاقة كلمة خَير بكلمة طَير ؟ ( خير يا طير )
(( ولا إِلَهَ غَيرُك )) : أي لا معبودَ بِحَقٍّ إلَّا أنت
فمن وَقَعَ في الطِّيَرَة وفِي التشاؤم لَمْ يُحَقِّق العبوديّة التي في هذا الحديث
كفّارتُه :
(( اللهمّ لا خَيرَ إلَّا خَيرُك ، ولا طَيرَ إلَّا طَيرُك ، ولا إِلَهَ غَيرُك ))
الأصل المائة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ضِدُّ التشاؤم : التّفاؤل . التفاؤل
في الصحيحَين :
(( قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : ” لا طِيَرَة ويُعجِبُني الفَأل ” قيل ما الفأل يا رسولَ الله ؟ قال : ” الكلِمة الطيِّبة ” ))
الكلمة الطيّبة
ولذلك :
لو أنّ الإنسان مثلًا أراد أن يَذهبَ لِحاجة ، فسَمِع شخصًا يقول ( يا راشد ، يا ناجح ، يا رابح ) هذه الكَلِمة تُعطي العبد تفاؤلًا مِن أنّ حاجته ستُقضَى .
لا بهذا التفاؤل ، لا . وإنّما بِأَمْر الله عزّ وجلّ فيُدخِل السُّرور على قلبه .
وهذا لا يُحصَر بالكلام فقط مِن حيثُ التفاؤل ، لا
حتّى مِن حيثُ الفِعل ، حتّى مِن حيثُ الفِعل
بِمعنى :
لو أنّ الإنسان مثلًا وهو سائر في الطريق رأى مثلًا – كَمِثال – لوحة سيّارة مثلًا ( ر ب ح ) ( رَبِحَ ) يتفاءل بها دون أن يَعتمد عليها
ولذلك :
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في صُلح الحُدَيبِية لمّا جَرَى ما جَرَى مِن مناقشات وحِوارات بينه وبين قريش ، وأتى مَن أتى مِن رُسُل قريش إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ولَم يتمّ صُلح ، ولَم يتمّ صُلح
أتَى سُهَيل بن عمرو ، لمّا رَآه النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم -لأنّ اسمُه سُهَيل تفاءل به ، قال : (( قد سَهُلَ عليكم أَمرُكُم )) وبالفِعل تمّ الصُّلح
ولذا :
(( ثَبَتَ عند الترمذيّ مِن حديث أنسٍ رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يُحِبُّ إذا أراد أن يَقضيَ حاجةً أن يَسْمَعَ يا راشد – أي مِن الرُّشد- و يا نجيح – يعني يا ناجح – ))
فإذَن اترُك عنك التشاؤم واحرِص على التفاؤل وتوكَّل على الله العزيز الحكيم
اللهمّ صلِّ على محمّد وعلى آلِ محمّد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم إنّك حَمِيدٌ مجيد
الأصل الأوّل بعدَ المئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال كما في الصحيحَين ، قال :
(( وَلا هامَة ))
والهامَة : هو طير البومة
كانوا يعتقدون أنّ هذا الطير – وليس الحُكم خاصًّا بهذا الطير ، بل لو تَجدَّد مِثلُ هذا الاعتقاد فيأخذُ الحُكم – كانوا يعتقدون إذا وقع هذا الطير على بيت فلان أو صاحَ دَلّ على قُربِ موت صاحبه أو موت أحدٍ في البيت .
فالنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنكر ذلك ، نَعَم
طير صاحَ أو وقع على جدران البيت ، فأيّ تأثيرٍ له ؟! إنّما ذلك يدلّ على عدم التوكّل على الله عزّ وجلّ .
الأصل الثاني بعدَ المئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال كما عند مسلم : (( وَلا غُول ))
الغُول : كانت العرب تعتقد بأنّه في الصحراء جِنس من الشياطين يَتَلَوّن للناس حتّى يُضِلّهم في أسفارهم في الصحراء
فنفَى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وجود هذا الغول كما قالت طائفة مِن أهل العِلم .
والذي يَظهر مِن أنّ هذا الغول موجود، كما جاء في حديث أبي أيّوب رضي الله عنه : ( كانت الغول – كما في السُّنَن – تأتي فتأخذ مِن تَمْرٍ له ) وإن كان فيه مَقال إلّا أنّ الألبانيّ صحّحَه رحمه الله
فدلّ هذا على ماذا ؟
على أنّ هذه الغول إمّا هي غير موجودة في الواقع أو أنّها جِنس من الشياطين لَكِنْ لا يمكن أن يكون لها تأثير في إضلال الناس ، إنّما الأمْرُ بقضاء الله وبِقَدَرِه عزّ وجلّ .
والعوامّ عندنا قديمًا يُسمّونه بِالهُول أو بِالهُولة ، ولا أدري هل بقِيَت هذه التسميةُ أم اندثرَت .
فلا يستطيع أحد أن يؤثّرَ إلّا بِأمْرِه عزّ وجلّ ، لا الشياطين ولا غير الشياطين.
الأصل الثالث بعدَ المئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال كما في الصحيحَين :
(( وَلا صَفَر ))
كانوا يتشاءمون بِشهر صفر مِن أنّه شَهْرٌ تأتي فيه النَّكَبات والبلايا والأحزان
فَنفى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يكون لِهذا الزمن تأثير . شهرٌ كَسائر الشهور
ولذلك :
بعض الناس إذا انتهَى مِن عملٍ أو ربّما إذا نَطَق عن صفر قال :
( صَفَر الخَيْر ) ، أو ( انتُهِي منه في صفر الخير ) هذا أيضًا ضلال ، معالجة بدعة بِبدعة
صَفَر لا خير ولا شرّ ، هو زمن كَسائر الأزمان
ولذا :
كانوا قديمًا يتشاءمون بِشهر شوّال مِن أنّ المصائب والبلايا تكون فيه ، فَردَّتْ عليهم عائشة رضي الله عنها كما عند مسلم ، قالت :
( تزوّجَني -يعني عَقَدَ عَلَيّ- رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في شوّال ، وبَنَى بي – يعني دخل بي – في شوّال ، فأيّ نساء النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أحظى عنده منّي ) تقول مَن لها مرتبة وحَظوَة ومكانة مِن نساء النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أعظَم منّي.
فدلّ هذا على أنّ شوّال لا يأتي بِخير ولا يأتي بِشَرّ ، إنّما هو زمن كَسائر الأزمان ، وكذلك الشأن في شهر صَفَر .
الأصل الرابع بعدَ المئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال كما في الصحيحَين :
(( وَلا عَدْوى ))
لا يعني أنّ المرض المُعدي لا ينتقل ، ليس هذا هو المقصود .
فالنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما عند البخاريّ قال :
(( فِرَّ مِن المَجذوم فِرارَك مِن الأَسَد ))
المَجذوم هو مَن به مرض مُعدي
فَفِعلُ الأسباب حتّى لا تَنتقِل العَدوى عن طريق الأمراض أمْرٌ نَدَبَ إليه الشرع ، بل إنّ رَجُلًا – كما عند مسلم – لمّا أتَى إلى المدينة لِيُبايِعَه وكان مجذومًا ، قال : (( قد بايعناك فَلا تَدخُل المدينة ))
وأمّا ما وَرَدَ مِن حديث مِن أنّه -كما في السُّنَن- مِن أنّه أخَذ يَدَه بِيَد رَجُلٍ مَجذوم وقال :
(( كُلْ مِن القَصْعَة ثِقةً بِالله وتَوَكُّلًا عليه ))
فهو حديث ضعيف
إِذَن انتبه ، الإنسان يَتَوَقَّى الأمراض المُعدية .
لكِن قال هُنا : (( لَا عَدوَى )) أي هي لا تَنتقِل بِنفْسِها وبِذاتِها ، إنّما الذي يَنقُل المرض هو الله ، لا هذا المرض .
وهذا شيء مُشاهَد ، بعض الأمراض المُعدِية تأتي إلى أهل البيت ومع ذلك لا يُصاب أحدٌ منهم .
الأصل الخامس بعدَ المئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال كما عند أحمدَ وغَيرِه كما ثَبَتَ عنه :
(( مَنِ اقتَبَسَ شُعبَةً مِنَ النُّجوم فَقَد اقتَبَسَ شُعبَةً مِنَ السِّحر ، زادَ ما زاد ))
وهذا ما يُسَمَّى بِعِلم التنجيم الذي هو عِلم التأثير .
مَن اعتَقَد أنّ هذه النجوم تُؤَثِّرُ بِذاتِها في الحوادث الأرضيّة فهو مشرك بِالله شِركًا أكبر ، لأنّه اعتَقَد أنّ مع الله خالِقًا .
هذه نجوم ليس لها مِن الأمْرِ شيء
ومَن اعتَقَد أنّ هذا النَّجم أو ذاك النّجم سيكون بِسَبَبِه وسَيَقَع بِسَبَبِه حادث في الأرض أو أمْر في الأرض فقد كَفَر بِالله عزّ وجلّ كُفرًا أكبر
لِمَ ؟
لِأنّه ادَّعَى عِلمَ الغَيب ، قال عزّ وجلّ :
{ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ }
وإن وَقَعَ الحَدَث في الأرض ( وَقَعَ ) – ليس كالنَّوع الأوّل ، لَم يقع وإنّما قال سيقع شيء في الأرض بِسَبب ذلك النّجم –
الثالث هنا : وقع في الأرض ، فقال وقوع هذا الشيء في الأرض بسبب ذلك النجم ، فهذا شِركٌ أصغر .
فلا تأثيرَ لِهذه النُّجوم ، ولذلك لَو أنّ إنسانًا – وهذا يُقال عند بعضٍ مِن الناس – بعضٌ مِن الناس إذا لَم يُوَفَّق فلان قالوا ( سوءُ الطّالِع له )
سوء الطالع : الطالع يعني النَّجم ، مِن أنّ نجمَهُ ليس بِحَسَن
وهذا يَصدُقُ على ما ذُكِرَ ، فَلْيُتَنَبَّه لِمِثل هذا الأمر
أمّا مَن تعلّم النجوم :
مِن أجل معرفة جهة القِبلة فهذا واجب ، ومَن تعلّم النجوم مِن أجل معرفة الجهات فهذا جائز ، مَن تعلّم النجوم مِن أجل معرفة دخول الفصول
( فصل الشتاء، فصل الربيع ) أو معرفة الأوقات فهذا جائزٌ على الصحيح كما قال الإمام أحمد ولا وَجهَ لِكراهيّته
ولذا :
مَن صَدّق هؤلاء فقد قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثَبَتَ عند أحمد ، قال : (( ثلاثةٌ لا يَدخلون الجنّة .. ))
ذَكَرَ منهم :
(( .. ومُصَدِّقٌ بالسِّحر )) يعني بالتنجيم ، لأنّه إذا صدَّقَ هذا الذي قال هذا القَول وهو عِلم التأثير الذي سبق ، هُنا صدّقَهُ بأنّه يعرف عِلْم الغيب ، فيَدخُل في حُكمِه .
الأصل السادس بعدَ المئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في الصحيحَين لمّا نزل مطر وصلَّى بهم الفجر ، نزل المطر مِن الليل
قال :
(( قال الله عزّ وجلّ : أصبَحَ مِن عبادي مؤمنٌ بي وكافر ، فَأَمَّا مَن قال مُطِرنا بِفَضْلِ الله ورحمتِه فذلك مؤمنٌ بي وكافرٌ بِالكواكب ، وَأَمَّا مَن قال مُطِرنا بِنَوْءِ كَذا – يعني بِنَجمِ كذا – فذاك كافرٌ بي مؤمنٌ بِالكواكب ))
إِذَن النُّجُوم سواءً النجم الوسميّ أو كان غَيرَهُ ، مَن اعتقدَ أنّ النجم الوسميّ مثلًا هو الذي يأتي بالمطر فقد أشرك بِاللّه شِركًا أكبر لأنّه زعمَ أنّ هناك خالقًا مع الله
ومَن زَعَمَ أنّ الوسميّ هو السبب في نزول المطر فهذا مشرك بالله شركًا أصغر لأنّه جعلَه سببًا لَم يجعلْهُ الشّرع ، فَلَيس بِسَبَب
حتّى لو قال إنّ الوسمي سبب في نزول المطر بإذن الله ، لو قَيَّدَها بِإِذْن الله فهذا غلط لأنّ الله عزّ وجلّ لَم يجعَلْهُ سببًا
وِلذا :
تَمُرّ بنا بعض السنوات ويأتي الوسميّ ، ويأتي الوسميّ ومع ذلك لم ينزل مطر ، هل هو سبب ؟
أمّا لو قيل ( الوسميّ وقتٌ وزمنٌ بإذن الله لنزول المطر ) فلا بأس لأنّها نِسبةُ وَقت ، أمّا نِسبةُ تأثير وإيجاد أو نِسبة سبب ، فَلا
وليس الأمر محصورًا بِالوسميّ ، لا ، حتّى النجوم الأخرى مِثل ما يتعلّق بالنّجوم المِربِعانيّة وشباط ( الذي هو الشبط ) هذه لا تأتي بِالبَرْد وليست سببًا في مجيء البَرْد
وقت لِلبَرْد نَعَم ، زَمَن ؟ نعم بإذن الله
وقد يَمُرّ وقت بِنَا ، ومَرَّ بِنَا في بعض السنوات – وأذكُرُ ذلك – مِن أنّ حَرًّا أتانا في المِربِعانيّة
ولذا :
ما يقولُه عوامّ الناس عندنا ، وقد يُتناقَل بلَ رأيتُ ذلك في بعض المواقع ويأتون به على أنّه ليس بِشَيْءٍ سيِّئ ، بل ربّما يَذكُرُه بعض كبار السنّ لِلأولاد هكذا ، لا يدرون ما خطورة هذا القَول ، وهو مَثَل شَعبيّ : المِربِعانيّة
تُخاطِب وَلَدَها شباط أو الشبط – بِلُغةٍ عامّيّةٍ – تقول :
المِربِعانيّة يا ولدي مَرِّيت ولا ضرِّيت ، وما قَدَرت إلّا على اللي شُبوبه
( يعني النار ) لِيف وأَكله دنِيف ( يعني ليسَ بِدَسَم ) فَعليك يا وليدي باللّي شبوبه سَمر ( يعني الحَطَب سَمر ) وأكْله دِسَم [ أو نوعًا مِن هذا ]
عُمومًا : أنا قلتها بِاللهجة العامّيّة مِن باب التَّبيين . سواءٌ هذه اللفظة أو كان غيرَها ، فيمَا يتعلّق بهذا النَّجم أو بِغَيره .
سبحان الله !!
هذه نجوم لا تأثيرَ لها ، فكيف توصي المِربِعانيّة الشِّبْط بِكذا أو بِكذا !! فهذا كلامٌ خطيرٌ يؤثّر على عقيدة الإنسان .
بعض الناس ما يدري . لَكِنْ يُتَنبَّه لِمثلِ هذا الأمر .
الأصل السابع بعدَ المئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في صحيح مسلم مِن حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما قال :
( مُطِرْنا على عهد النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : قالَ بعضُهم : صَدَقَ نَوءُ كذا ) صَدَقَ نَوءُ كذا : أي نَجْم كذا
فأنزل الله عزّ وجلّ :{ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ }
انْتَبِهْ : بعضُ الناس يقول : نَجْمٌ صادِق ، أو الطالِع الحَسَن لِفلان ، أو حَسَنُ الطالِع . حَتَّىٰ لو قال : حَسَن الطالِع بإذن الله .
فالله عزّ وجلّ لَمْ يجعلْهُ سَبَبًا ، حَتَّىٰ لا يقع الإنسان في الشِّرك . فَهِيَ نجوم
ولذلك حَتَّىٰ – وهو يُتناقل – الناس لا يقصدون هذا . أَعْلَمُ أنّهم لا يقصدون هذا . لكنّها تَسمِية تمرّ على الناس .
مثل ما يُقال : سَعْد الذَّابِح . نَجم ، كيف يَكُونُ ذابِحًا ؟!!
أو سَعْد السُّعود .
هذه الناس يتناقلونها . ونعرف ذلك ، وهي في التقاويم .
لكن :
تُجتَنَب مِثْلُ هذه الألفاظ ، تُجتَنَب مِثْل هذه الألفاظ .
ولذلك :
لمّا قال بعضهم : ( صَدَقَ نَوْءُ كَذا ) أي نَجم كذا . أنزل الله عزّ وجلّ قولَه { فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ }
ولذلك بعض الألفاظ ، والأوصاف التي يُوصَف بِها هذه النُّجوم .
يُـتَـنَـبَّـه لِخطورتها .
والإنسانُ يُعَوِّدُ لِسانه على الألفاظ الشرعيّة التي ليس بها خَلَل ، ويُجَنِّب لِسانه الألفاظ – ولو لَمْ يَكُن يقصد – الألفاظ الشِّركيّة أو الألفاظ المُخالِفة للشَّرع
الأصل الثامن بعدَ المئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أركان العبادة ثلاثة ، عبادةُ الله لها أركانٌ ثلاثة :
( محبّة الله ، الخوف مِن الله ، رجاءُ الله )
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
” أعظَمُها مَحبّةُ الله ، فمحبّة الله – كما قال – تُلقي بِالعَبْد في الطريق إلى الله ، وكلّما قَوِيَت محبّةُ العَبْدِ لله كلّما كان سَيرُه في الطريق المستقيم أقوى ، وكلّما قلَّت قلَّ سَيرُه على هذا الصراط المستقيم ، وتَضعُف هذه المحبّة – كما قال – تَضعُف بِكَثرة الذنوب “
قال :
” ولا تزول محبّة العبدِ لله عزّ وجلّ وَلَوْ كثُرَت ذُنوبُه إلَّا إذا كانت ذُنوبُه صادِرةً عن نِفاق، وإلّا فَأَصلُ مَحبّة العَبْد لله باقية في قلب المؤمن “
الدليل :
في صحيح البخاريّ :
(( أُتِيَ بِرَجُلٍ شَرِب الخمرَ ، فَقِيل : اللهمّ العَنْهُ ما أكثر ما يؤتَى به ، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : ” لا تلعَنْه ، هو يُحبُّ الله ورسولَه ” ))
لَكِن كما سَلَف ، مَحبّةُ الله تضعُف في قَلبِ العَبْد بِسبب ماذا ؟ بِسبب كَثرةِ الذُّنوب .
الأصل التاسع بعدَ المئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قد يُقال قُلْتُم إنّ أركان العبادة ثلاثة ( محبّةُ الله ، خَوْف الله ، رجاء الله ) كيف نَزيد مِن مَحبّةِ الله ؟
نَزيدُ محبّةَ الله :
– بالنَّظَر إلى ما أنعَمَ اللهُ عزّ وجلّ به علينا مِن النِّعَم العظيمة
– بِالنَّظَر إلى ما خَلَقَهُ عزّ وجلّ مِن المخلوقات
– بِكَثرة ذِكْرِه عزّ وجلّ
– بِاتِّباع سُنَّة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، قال تعالى : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }
ومَعْلُومٌ أنّ مَن أكْثَرَ مِن ذِكْر شَيْءٍ فَقَدْ أحَبَّه ، فإذا أكثَرْتَ مِن ذِكْر الله أحْبَبْتَ الله ، وإذا تَأمَّلتَ ما أنْعَمَ به عزّ وجلّ عليكَ مِن النِّعَم وتَفَكَّرتَ في مَخْلوقاتِ الله زادت مَحبّةُ الله في قلبِك
▪ أمّا رَجاءُ الله :
فيَزداد بالتدبُّر والتأمُّل فِيما ذَكَرَه الله ، فيما ذَكَرَه النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم مِن النَّعيم والثَّواب الذي أعَدَّه لِأهل الخَير
▪ أمّا الخَوْفُ مِن الله :
فيَزداد بِكَثرة التأمُّل والتدبُّر في النُّصوص التي ذَكَرَها الله عزّ وجلّ وذَكَرَها النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بِمَا أعَدَّهُ لِأهل مَعْصِيَتِه مِن العُقوبَة والخِزْيِ والذُّلّ والنَّار .
الأصل العاشر بعدَ المئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مِن أنواع المحبّة :
مَحبّةُ العِبادَة ، مَحبّةُ التَّعْظِيم ، مَحبّةُ التذلُّل
هذه المحبّة يُسمّيها بعضُ العُلَماء بِالمحبّة الخاصّة ، هذه لا يَجوزُ أن تُصْرَفَ إلَّا لِله ، مَن أحَبَّ أحَدًا مَعَ الله في هذه المحبّة فَقَدْ أشركَ بِاللّه شِرْكًا أكبر
فَــمَـــنْ أَحَبَّ الله وأحبَّ غَيرَهُ وصَرَفَ شيئًا مِن العِبادة لِذلك المحبوب سِوَى الله وأشْرَكَه مَعَ الله وَلَو بِعبادةٍ واحدةٍ فَيَكُونُ مُشرِكًا بِاللّه شِرْكًا أكْبَر ، حتّى لَوْ كان نَبِيًّا مُرْسَلًا أو مَلَكًا مُقَرَّبًا
ولِذا :
قال تعالى عن مَحبّة المشركِين :
{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)}
الأصل الحادي عشر بعدَ المئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مِن أنواع المَحَبّة :
محبّةُ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم :
* نُحِبُّه لأنّ الله أرسلَه
* ونُحِبُّه في الله وَلِلَّه
* ونُحِبُّه لِما له مِن الصِّفات العظيمة ، لَكِن تلك الصِّفات لا تجعل العبدَ يرفع النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى مَنْزِلَة الله ، هو رسول صلّى الله عليه وآله وسلّم
ومَحبّته صلّى الله عليه وآله وسلّم ليسَ ادِّعاءً بِالأقوال ، فما ظَنُّكُم مَن أحَبَّه وَقَدْ أشرَكَه مع الله كَحالِ الصّوفيّة . أيُّ مَحَبَّةٍ هذه ؟
مَحَبَّة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بِاتِّباعِ وتَحكيمِ شَرْعِه صلّى الله عليه وآله وسلّم
ولا يَكمُلُ لكَ إيمانٌ -يكون إيمانُك ناقِصًا- حتّى تُحِبّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أكْثَرَ مِن حُبِّك لِوَلَدِك ووالدِك والناسِ أجمعين
في الصحيحَين :
(( قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : لا يُؤْمِنُ أحدُكم حتَّى أكونَ أَحَبَّ إليه مِن وَلَدِه ، ووالِدِه ، والناسِ أجمعين ))
بَلْ لَوْ أحْبَبْتَ نَفْسَك أكْثَرَ مِن حُبِّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فإنّ إيمانَك لَمْ يَكمُل . بِكَ إيمانٌ نَعَمْ ، لِكنّه إيمانٌ ناقِصٌ .
في صحيح البخاريّ :
(( قال عُمر : يا رَسُولَ اللهِ واللهِ إِنَّكَ لَأَحَبُّ إليَّ مِن كُلِّ شَيْءٍ إلَّا مِن نَفْسِي ، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : ” … حتّى أكونَ أحَبَّ إليكَ مِن نَفسِك يا عُمَر ” ، فقال : أنتَ يا رسولَ الله الآن أحَبُّ إليّ مِن نفسي ، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : ” الآنَ يا عُمَر ” ))
يعني : كَمُلَ إيمانُك يا عُمَر
الأصل الثاني عشر بعدَ المئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مِن أنواع المَحبّة :
أن تُحِبَّ ما يُحبُّه الله مِن أَهْلِ الإيمان وما أَحَبَّه عزّ وجلّ ، ولِذَلِك قال صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في الصحيحَين :
(( ثَلاثٌ مَن كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوةَ الإيمان .. ))
وفِي رواية البخاريّ :
(( لا يَجِدُ أحَدٌ طَعْمَ الإيمان .. ))
(( ثَلاثٌ مَن كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوةَ الإيمان : أن يكونَ اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مِمَّا سِواهُما ، وأن يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّه إلَّا لِله -لأنّ هذه مِن مُكَمِّلات مَحبّة الله ، الحبُّ في الله مِن مُكَمِّلات مَحبَّة العَبْدِ لِله – ، وأن يَكرَه أن يَعُودَ في الكُفْر كما يَكرَه أن يُقْذَفَ في النَّار ))
الأصل الثالث عشر بعدَ المئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مِن أنواع المَحبّةِ :
مَحبّةُ الاحْتِرام والتَّقْدِير :
كَمَحبّة الابن ( الولد ) لِوالدِه ، أو الطالبِ لِشَيْخِه ، وهُناكَ مَحبَّةُ الشَّفَقَة والرَّحْمَة كَمَحَبّةِ الوالد لِوَلَدِه . هذه مَشْروعَة .
لَكِن تكونُ مُحَرَّمةً فيما لَو قَدَّم مَحَبّةَ والدِه أو مَحبَّة وَلَدِه على شَرْعِ الله ، ولِذا ماذا قال عزّ وجلّ :
{ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ ..}
العشيرة يعني الأقرباء :
{ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا .. } يعني اكتَسَبتُمُوها
{ وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا } : يعني تَخشَون مِن ألّا تُسَوَّق وألّا تُباع
{ وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا .. } وَعيدٌ شديدٌ { حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ }
وخَتَمَ الآية : { وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } مِمَّا يَدُلّ على تَحْرِيم تَقْدِيم مَحبّة الشَّفَقَة ومَحبَّة التَّقْدِير وما شَابَهَ ذلك ، مِمَّا يَدُلّ على تَحْرِيم تَقْدِيم هَذِهِ المحبّة على شَرْعِ الله
الأصل الرابع عشر بعدَ المئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مِن أنواع المَحبّةِ :
المَحَبّةُ الطَّبيعيّة :
( تُحِبُّ النَّوم ، تُحِبُّ الأكل ، تُحِبُّ الشُّرب )
هذه طبيعيّة لأنّ حُبَّك هو حُبٌّ لِأشياءٍ مُباحةٍ ، حُكمُها الإباحة
لَكِن قد تَكونُ مُسْتَحَبَّةً وتُؤجَر عليها إذا أرَدتَ بِتلك النَّومَة أو أرَدتَ بِتِلك الأَكْلَة أو الشَّرْبَة أن تَتَقَوّى بِها على طاعةِ الله فَتُحسَبُ لك حَسَنات
في الصحيحَين :
قال مُعاذ رضي الله عنه ( إنّي لَأحتَسِبُ قَوْمَتي ونَوْمَتي )
وفِي رواية : ( إنّي لَأرجو في نَومَتي ما أرْجُو في قَوْمَتي )
يعني : يقول إنّي أنامُ الليلَ مِن أجْلِ أن أتَقَوّى بِهذه النَّومَة على قِيامِ الليل
فَيَقول إنّي لَأرجو في نَوْمَتي ما أرجو في قَوْمَتي . ( يَعْنِي مِن الثَّواب )
لِمَ ؟
لِأنَّني ما نِمْتُ إلَّا مِن أجْلِ أن أسْتَيْقِظَ لِقيام الليل ولِقراءة القرآن .
فَيَكُونُ هُنا ، يَكُونُ له الأجْر في هذه النَّومَة إذا احتَسَبَها ، وفِي تِلْك الأَكْلَة ، وفِي تِلْك الشَّرْبَة ، وما شَابَهَ ذَلِكَ مِن سائرِ المُباحات إذا احتَسَبَها العَبْدُ لِيَتَقَوّى بِها على طاعَةِ الله عزّ وجلّ
الأصل الخامس عشر بعدَ المئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العَبد يكون بَيْنَ رَجاءِ الله وبَيْنَ خَوْف الله ، لا يُغَلِّب أحدَهما على الآخَر
إن غَلَّبَ جانب الخَوْف بِأن يَتَذَكَّرَ وَعيد الله مُغَلِّبًا ذلك على وَعْد الله وثَوابِه
( وهو الرَّجاء ) ، هُنا إن غَلَّب جانب الخَوْف وَقَعَ في القُنوط مِن رَحمةِ الله
وإن غَلَّب جانب الرَّجاء ( الثواب ) فإنّه يَأْمَن مِن مَكْر الله فَيَستَهين بِالذُّنوب
فالعَبد يكون بَين هذا الخوف وَبَيْن هذا الرجاء
الأصل السادس عشر بعدَ المئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله جلّ وعلا قال :
{ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }
يعني :
يُخَوِّفُكم بِأَوليائِه ، وهذا ما بَين مُستَقِلّ ومُستَكثِر
فالشيطان يُرسِلُ أولياءَه مِن الجِنّ ، بل رُبّما يُرسِلُ أولياءه مِن شياطين الإنس فيُخَوِّفون ابنَ آدم مِن فِعل الطاعة ، كأنْ يريد مَثَلًا أن يَأْمُر بِمعروف أو ينهى عن منكر فَيَأتي التخويف
بل حتّى في أَدَقّ الصُّوَر ، بعضُ الناس ربّما يريد أن يَطلُب العِلمَ الشرعيّ فَيَأتي بعضُ شياطين الإنس فيقول : إنّ العِلم صَعْب أو هذا الدرس الذي ستَحضُرُه صَعْب
هذا أخَذَ نَصِيبًا مِن هذه الآية
الأصل السابع عشر بعدَ المئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله جلّ وعلا قال :
{ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }
دَلَّ هذا على أنّ الْخَوْف مِن الله مِن الإيمان ، بل مِن أصولِ الإيمان ِ الخوفُ مِن الله
قال ابن القيِّم رحمه الله :
” مَن خاف اللّهَ خافَهُ كُلُّ شيء ، ومَن لَم يَخَفِ اللّهَ أخافَهُ الله مِن كُلِّ شيء “
الأصل الثامن عشر بعدَ المئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مِن أنواع الخوف :
( خوفُ السِّرّ ) :
الذي هو الْكُفْر بِاللّه الذي يُخرِجُ عن مِلَّة الإسلام
كَأَن يخافَ المخلوقُ أحدًا غَيْرَ الله كَخَوفِه مِن الله ، كَحالِ بعضِ مَن يَتَوَجَّه ويَدعو الأولياءَ وأهلِ القبور ، إذا حذَّرتَهُ وَقُلْتَ لَهُ هؤلاء مخلوقون لايَملِكون نفعًا ولا يَدفَعون ضَرًّا ، قالوا : اسْكُت . يُخشَى عليكَ مِن الوَلِيّ أن يُصيبَك بِكَذا أو أن يَضُرَّك بِكَذا
هذا كُفرٌ بِاللّه – نسأل الله السلامة والعافية – كُفرٌ يُخرِجُه عَن مِلَّة الإسلام
قال تعالى :
{ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }
الأصل التاسع عشر بعدَ المئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مِن أنواع الْخَوْف :
( الخَوف الطبيعيّ ) :
كَأَن يَخافَ الإنسان مِن سَبُعٍ يَفترِسُه أو مِن سَيْلٍ يُهلِكُه
بل قد يكون واجبًا لِإنقاذِ نَفْسِه مِن التَّهْلُكَة
قال تعالى :
{ وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }
قال تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا }
الأصل العشرون بعدَ المئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مِن أنواع الخوف :
( خَوْف التَّوَهُّم ) :
بعضُ الناس يَزداد عنده الخوف فيكون مُتَوَهِّمًا
كَأَن يَتَوَهَّم مِن أنّ الأنوار أُطفِئَت بِسبب الجِنّ ، أو إذا سَمِع صَوتًا قَالَ هؤلاء جِنّ ، أو إذا مَشَى في مكانٍ مُظلِم خاف أن يكون وراءه أحد . هذا مذموم
وكذلك يَصدُق على بعضٍ مِن الناس خَوْف التَّوَهُّم مِن المَوْت .
الخوف مِن الموت إذا كان يَدْعُو العَبد إلى طاعة الله واجتِناب معصية الله فهذا محمود ،
لَكِن بعض الناس يَخَاف مِن الموت تَوَهُّمًا خِيفَةً مِن أن يُفارِق هذه الدنيا أو خِيفةً على أولاده أو على أُسرَتِه ، وهذا خَوفٌ مذموم
بل على الإنسان أن يَتوكَّل على الله ، قال تعالى :
{ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }
{ وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ }
الأصل الحادي والعشرون بعدَ المئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله جلّ وعلا قال :
{ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ }
مَن يَخشَى اللّهَ ويَخافُ الله هُم العُلَماء ، ليس المقصود مِن ذلك مَن لديه معلوماتٌ وَلَو كانت غزيرةً بِالعِلم الشرعيّ ، ليسَ هذا فَحَسْب
لا شكَّ أنّه إذا كان لديه عِلمٌ شرعيّ ويَحسُنُ إذا كان عِلمًا غزيرًا مُحَقَّقًا وأطاع الله ، هنا يَصدُقُ عليه هذا الوَصفُ في الآية .
لَكِن لَو كان عِندَه عِلمٌ غزيرٌ بِالعِلم الشرعيّ لكِنَه يعصِي الله ، فَهُوَ الجاهِل .
فالذي أَقَلّ عِلْم مِنْهُ مِمَّن أطاعَ الله ، هُو العالِم . هذا هو المقصود في الآية
{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } :
لِأنّهم مَن يُطيعُ الله ويَخشى ويَترُك معصية الله عَلِمَ عظَمَةَ الله فَلَم يَعصِهِ
ولِذا ماذا قال تعالى ؟
{ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا }
وَقَعُوا في السُّوءِ بِجَهالة عَن عَمْدٍ ، لِأنّهم في تلك الحال لَم يَعلَمُوا ولَم يَستَحضِروا عظَمَة الله ، فكانوا جُهّالًا مِن هذه الحَيثِيّة فَوَقَعوا في الذَّنب
الأصل الثاني والعشرون بعدَ المئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقول شيخ الإسلام رحمه الله :
” خِفِ الله َ في الناس ولا تَخَف الناس في الله ، وارجُ الله في الناس ولا ترجو الناس في اللّه “
ما معنى هذا الكلام ؟
معناه :
إذا أَعطَيتَ الخَلق شيئًا فلا تنتظِرْ منهم رجاءً ولا خيرًا ، إنَّما تُعطي ابتغاء الأجر مِن الله
وإذا كَفَفتَ شَرَّك عن الناس فَكُفَّ شَرَّك عن الناس خَوفًا مِن الله لا خَوفًا منهم
ولِذا يقول رحمهُ الله :
” مِن ضَعفِ اليقين – يقين العبد يَضعُف لأنّ اليقين درجة عالية في الدين – يقول :
” يَضعُف يقين العبد إذا خاف مِن المخلوق ورَجَا ما بِيَد المخلوقات ، يَضعُف يَقِينُه “
دليلُ هذا :
ما ثَبَتَ في وصيّة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لِابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما (( واعلَمْ أنّ الأُمّة .. )) يعني الخَلْق ، كُلّ الخَلْق
(( واعلَمْ أنّ الأُمّة لَو اجتمَعَت على أن يَنفَعوك ، لَم يَنفَعوك بِشَيْءٍ إلّا قد كَتَبَه الله لك ، وَلَو اجتمَعَت الأُمّة على أن يَضُرُّوك لَمْ يَضُرّوك بِشَيْءٍ إلَّا قد كَتَبَه الله عليك ، رُفِعَت الأقلام وجَفَّت الصُّحُف )) كُلُّ شيءٍ قد كُتِب في اللَّوح المحفوظ
الأصل الثالث والعشرون بعدَ المئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثَبَتَ عنه عند ابنِ حِبّان قال :
(( مَن التَمَسَ رِضا الله بِسَخَطِ الناس ، رَضِيَ اللهُ عنه وأَرضَى الناسَ عنه ، ومَن التَمَسَ رِضا الناس بِسَخَطِ الله ، سَخِطَ الله عليه وأسخَطَ عليه الناس ))
تأمَّلْ :
(( مَن التَمَسَ ))
يَدُلّ على أنّ العبد المؤمن حريصٌ على أن يَلتَمِس -بِاجتهادٍ منه- ما يُرضِي الله
مَن قَدَّمَ رِضا الله على رِضا المخلوقين ، وقَدَّمَ شَرْع الله على ما يَرضاه الناس ويُحِبّونه فإنّ الله عزّ وجلّ يَرضى عنه
والناسُ في صورة الأَمْر سَيَسخَطون عليه ، لَكِن مَلِك القلوب ، مُصَرِّف القلوب ، مُدَبِّر الأمور بِقُدرةٍ منه عزّ وجلّ يَصرِف قلوبَهم مِن السُّخط عليه إلى الرِّضا عنه :
{ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }
ولو سَخِطوا عليه في أوّل الأمر
(( مَن التَمَسَ رِضا الله بِسَخَطِ الناس ، رَضِيَ اللهُ عنه وأَرضَى الناسَ عنه ))
الصِّنفُ الثاني :
أعوذ بِاللّه مِن الخُذلان :
(( ومَن التَمَسَ رِضا الناس بِسَخَطِ الله ، سَخِطَ الله عليه وأسخَطَ عليه الناس ))
يَلتَمِس رِضا الناس وَلَو على حِسَاب شَرْع الله وعلى ما يُحِبُّه الله . العاقبة : يَسخَطُ الله عليه .
الناس في أوّل الأمر ، ماذا ؟ يَرضَون عنه
لَكِن مُصَرِّف القلوب مُدَبِّر الأمور – وَلَو طال الزَّمَن – فإنّهم يَسخَطون عليه
تأمَّل :
(( ومَن التَمَسَ )) يعني يَبْحَث بِدِقّة
(( ومَن التَمَسَ رِضا الناس بِسَخَطِ الله ، سَخِطَ الله عليه وأسخَطَ عليه الناس ))
فما ظنُّكم ، ما ظنُّكم ؟ ما ظَنُّكُم بِمَن التَمَسَ وبَحَث عَن رِضا الناس على حساب دِين الله عن طريق دِين الله [ كَمَن يأتي بِالفتاوَى التي تُخالِف شَرْع الله ] .
الصُّورة السابقة هو يُرضِي الناس بِناءً على ماذا ؟ بِناءً على تَقديمِه لِرِضاهم على رِضا الله .
هذا أفظع وأشنع ، يَجعل دِينَ الله سَبِيلًا له لِإرضاء الناس بِسَخَط الله
فما ظَنُّكُم بِمَن يَلتَمِس رِضا الناس ويَبحث عمّا يُرضي المخلوق ، يَبْحَث عمّا يُرضي المخلوق مِن أَجْل أن يُرضِيَهُ بِسَخَط الله
والطريقة ؟ فَتاواه الدِّينيّة التي يَجب وَمِن الواجب عليه أن يُراعِيَ اللّهَ فيها ، يَجْعَل تلك الفَتاوى بِلَوْيِ أعناق النُّصوص أو بِتَحريف النُّصوص أو بِمُعارضة النُّصوص ، يَجعلُها سَبِيلًا لإرضاء المخلوق على رِضا الله .
أعوذ بِاللّه مِن الخُذلان
الأصلُ الرَّابِعُ والعِشرون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الـتَّــوَكُّــلُ :
هو تفويضُ الأُمورِ كلِّها لِلّهِ وحدَهُ ، وحدَهُ
قال تعالى :
{ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }
ومع هذا التفويض يَلزَم أن يأتِيَ بِالأسباب التي لا تُخالِفُ الشَّرع ، فَمَعَ تفويض الأُمورِ كلِّها للهِ وحده يَفعلُ العَبد الأسبابَ
فَلَيْسَ المتوكِّل مَن فَتَحَ البابَ لِلسارق ، وَلَيْسَ المُتوكِّل مَن وَضَعَ يَدَهُ في فَمِ الثُّعبان .
الأصلُ الخامس والعِشرون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الـتَّــوَكُّــلُ نِصفُ الدِّين :
{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }
قال شُعَيبٌ عليه السلام كما ذَكَرَ عزّ وجلّ :
عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } }
نَعَمْ ، الـتَّــوَكُّــلُ نِصْفُ الدِّين .
فَلا قُدرةَ لك على فِعْلِ الطاعةِ والعِبادة إلّا بِعوْنٍ مِن الله ، استِعانَةٍ بالله وتوكّلٍ على الله عزّ وجلّ
الأصلُ السادس والعِشرون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مِن أسمائه عزّ وجلّ الـوَكِـيــل
الـوَكِـيــل الذي يَتَولّى أُمورَ عِبادِه ، فَيَأتي إليهم بما يَنفعُهم ، ويَدفعُ عنهم ما يَضُرُّهم
هُوَ المُتَولِّي لِأُمورِ عِبَادِه فيما يَطلُبونَه :
{ حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ }
وهوَ الذي يَدفعُ الضُّرَّ عن عِبادِه:
قال تعالى لمّا ذَكَرَ عزّ وجلّ حالَ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم مع كُفّارِ قُرَيْش في غزوةِ أُحُد
{ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }
الأصلُ السابع والعِشرون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الـتَّــوَكُّــلُ يَحتاجُ إِلَيْهِ أَعْظَمُ الناسِ عِــبــادةً لله ، فَالكُلُّ مُحتاجٌ إلى الله
قال عزّ وجلّ عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }
فَهذا هُوَ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أعظمُ الناسِ عِــبــادةً لله وأعظمُ الخَلْق مُحْتاجٌ إلى أن يُفَوِّضَ أُمورَهُ كُلَّها لله عزّ وجلّ
الأصلُ الثامن والعِشرون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الـمُـتَـوَكِّـلُ على الله هُوَ مِن أتْباعِ مُحَمَّدِ بن عبدالله صلّى الله عليه وآله وسلّم
قال تعالى :
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }
أي هُوَ حَسبُك كافِيكَ يا مُحَمَّد وكافي المؤمنين
فَــمَـــنْ تَـوَكَّل على الله فَهُوَ مِن أتْباعِ رَسُولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم
الأصلُ التاسع والعِشرون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مَن تَوَكَّلَ على غَيْرِ الله فَهُوَ المَخْذول
لَوْ تَوَكَّلَ العَبْدُ على أعْظَمِ عَـظيمٍ في هذه الدُّنيا فَهُوَ المَخْذول ؛ لأنّ المالِكَ المَلِك مالِكَ الأَملاك هُوَ الله
ولِذا قال عزّ وجلّ هُنا :
{ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ }
أي كافيه
إِذَنْ مَن يَتَوكّل على غيرِ الله يَتَخلّى الله عنه . ومَن تَخَلَّى الله عزّ وجلّ عنه فَهُوَ المَخْذول
ولِذا ثبتَ قولُه صلّى الله عليه وآله وسلّم :
( مَن تَعَلَّقَ شيئًا وُكِلَ إِلَيْهِ )
مَن تَعَلَّقَ قَلْبُه بِشَيْءٍ سِوى الله خَذَلَه الله وجَعَلَ أَمرَهُ إلى ذَلِكَ المَخلوق
أَسألُ اللهَ عزّ وجلّ أن يجعلَني وإيّاكم مِن المُتَوَكِّلين على الله حَـقَّ الـتَّـوَكُّـل
الأصلُ الثلاثون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مِن ثَمَراتِ الـتَّــوَكُّــلِ على الله عزّ وجلّ :
مِن الثَّمرات أنّ اللهَ عزّ وجلّ يُنْقِذُ عَبْدَهُ مِن الهَلاكِ المُـحَـقَّـقِ
إِبْرَاهِيمُ عليه السلام كما جَاءَ عند البُخَارِيّ مِن حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما لمّا أَلْقَوْهُ في الـنّــارِ ماذا قال ؟ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ
فَإلْقاؤه في النار هلاكٌ مُحَقَّق ، لَكِنْ لمّا قال هذه الكلمة وهي كلمة الـتَّـوَكُّـل أنقَذَه الله عزّ وجلّ :
{ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ }
الأصلُ الواحد والثلاثون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنّ الـتَّــوَكُّــلَ كُلَّمَا ازْدادَ مِنهُ العَبْدُ ازْدادَ إيمانُهُ :
{ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ }
ماذا بَــعْــدَها
{ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }
حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ
الأصلُ الثاني والثلاثون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الـمُـتَــوَكِّــلُ عَلَيْهِ ألّا يَنْظُرَ وألّا يَسْمَعَ إلى حالِ وكلامِ المُرْجِفين المُثَبِّطين . مادامَ أنّه تَـوَكَّـلَ على الله فَلا يُثْنيه ما يقولُه المُرْجِفون بَلْ يَزداد ثِقَةً إيمانًا وتَـوَكُّـلًا على الله
لمّا قالَ أبو سُفيان لِذلكَ الرجُل بَعْدَ غزوةِ أُحُد : اذْهبْ إلى مُحَمَّد وقُلْ لهُ إنّي جَمَعْتُ الْجُمُوعَ . مِن أجْلِ أن يُخَوِّفَهُ .
وأُصيبَ ما أُصيبَ النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وأُصيبَ ما أُصيبَ الصحابةُ رَضِيَ الله عنهم مِن القَرْحِ والشَّدائد بعدَ ما وقَعَ في غزوةِ أُحُد .
فأَتَى ذَلِكُمُ الرَّجُلُ يُخَوِّفُ النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ويُهَوِّلُ ويُعَظِّمُ مِن أمْرِ أبي سُفيان
{ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ }
انْظُرْ ،
قال أيضًا هذا المُرْسَل مِن قِبَل أبي سُفيان :
{ فَاخْشَوْهُمْ }
ما الذي جَرَى ؟
{ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }
الأصلُ الثالث والثلاثون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مَن تَــوَكَّــلَ على الله فَلْيَطْمَئنَّ قَلْبُه وَلْيَثِقْ بالله . فإنّ مَن تَــوَكَّــلَ على الله لِدَفْعِ ضَرَرٍ نَــزَلَ بهِ أَوْ يَتَوَقَّع أن ينزِلَ بهِ
وَمَـــنْ تَــوَكَّــلَ على الله مِن أجْلِ أمرٍ نافعٍ سَيَحْصُلُ لهُ ويُريدُ أن يَتَحَقَّق ، مَن تَـوَكَّلَ على الله في جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ فَلْيَثِق بِاللهِ ولا يَسْتَعجِل
قال تعالى :
{ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ }
أي كافِيهِ .
لَكِنَّ الله عزّ وجلّ جَعَلَ لِــــكُـــلِّ ما قَدَّرَهُ جعلَ لهُ وَقْتًا . فَلا تَستعجِل
ولِذا ماذا قال بعدها ؟
{ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ }
{ بَالِغُ أَمْرِهِ }
ما قَدَّرَهُ سيكون
ما الذي بعدها ؟
{ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا }
لِــــكُـــلِّ أَمْـــرٍ قَدَّرَهُ الله جَعَلَ اللهُ عزّ وجلّ لهُ وَقْتًا مُحَدَّدًا
الأصلُ الرابع والثلاثون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصَّبرُ يَجِبُ عليكَ فيما يتعلّق بأنواعه – ثلاثة :
عليكَ أن تصبِرَ على أداء طاعة الله
وعليكَ أن تصبِرَ في الكفّ عن معصية الله
وعليكَ أن تصبِرَ على ما أصابكَ ممّا لا يُلائمكَ مِن أقدار الله عزّ وجلّ المُؤلِمة
الأصلُ الخامس والثلاثون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عليكَ واجِبان فيما يَتعلّقُ بِالمَقدور قَبْلَ أن يَقَع وبَعْدَ أن يَقَع .
المقدور قَبْلَ أن يَقَع :
عليكَ أن تَتَوَكَّلَ على الله وأن تفعلَ الأسباب وألّا تَنظُرَ إلى ما سيكونُ في المُستقبَل .
بعضُ الناس يَخشى في المستقبل مِن أن تَقَعَ به مُصيبة ، أو تَحِلّ به نَكبة أو يَخسَر في تِجَارَة وما شابَهَ ذلك مِن أنواع المصائب ؛ فيُشغِلُ قلبَه وبَدَنَه
فَدَعِ المُستقبَل لِرَبِّك .
قال تعالى : { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا }
أمّا بعدَ وقوع المَقدور :
الذي قَدَّرَهُ الله عزّ وجلّ عليك ، فَأَتاكَ ما لا يُلائمُكَ ممّا قَدَّرَهُ الله عزّ وجلّ عليكَ ممّا لا يُلائمكَ :
عليكَ أن تصبِرَ وأن تَحتَسِب .
الأصلُ السادس والثلاثون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العَبْدُ إذا أصابته مُصِيبَة فَهُوَ بَيْنَ أُمور :
إمَّا أن يَتَسَخّط على قَدَرِ الله :
فَيَفُوتُه الأجر ويَحِلّ عليه العقاب مِن الله عزّ وجلّ 《 وهذا حَرَام 》
وإمَّا أن يَصبِر :
والصَّبرُ واجبٌ ، وذلك بِأن يَكُفَّ نَفْسَهُ وقَلْبَهُ وجَوارِحهُ عن التَّسَخُّط . هو يَجِد أَلَم المُصيبة في قَلْبِه ، لكنّه يُمسِكُ نفسَه حَتَّىٰ لا يَتَسَخَّطَ ، وحتّى لا يُغضِبَ الله . 《 فهذا الصبرُ في حَقِّه واجبٌ 》 فَهُوَ يقول في نفسِه مُتَمنِّيًا أنّ المصيبة لَمْ تَقَع به ، لكنّه يَمسِكُ نَفْسَهُ ابتغاءَ الأجر مِن الله ، وخَوْفًا مِن الله .
وإمَّا أن يَرضى :
بعضُ الناس لا تَكونُ عنده حرارةُ أَلَم إذا وَقَعت به المُصيبة ، راضٍ . هذا ليس كُلُّ أَحَد يَقدِرُ عليه《 هذا مُستَحَبّ 》
وإمَّا أن يَشكُرَ الله :
وهذا أيضًا《 أعلىٰ قَدْرًا 》. ليسَ كُلُّ أَحَدٍ يستطيع أن يَشكُرَ اللهَ عند المُصيبة .
لَكِنْ كيفَ يَشكُرُ اللهَ عند المُصيبة ؟ مع أنّها مُصِيبَة .
يَشكُرُ الله ، مِن أنّ اللهَ عزّ وجلّ لَمْ يَحرِمهُ أجرَها ، ويَشكرُ اللهَ عزّ وجلّ أنّ هذه المصيبةَ لَمْ تَكُنْ أعظم ، لَمْ تَكُنْ أعظم .
وليـسَ معنى ذلك أنّ قلبَه مُتَبَلِّدُ الإحساس . لا
الأصلُ السابع والثلاثون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النِّياحَةُ عند حُدوث المُصيبة مِن الكبائر .
لَكِنْ بعض الناس يَظُنّ أنّ النِّياحةَ لا تَكونُ إلّا في مُصِيبَة المَوت . لا
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في صحيحِ مُـسْلِـمٍ قال :
( اثنتانِ في الناس هُـمـا بِهم كُفر : الطَّعنُ في النَّسَب والنِّياحةُ على المَيِّت ) ،
في حديث آخَر عند مسلم :
( أربَعٌ في أُمَّتي مِن أمْرِ الجاهِليَّة لا يَتْرُكُونَهُنّ . ذَكَرَ مِنْهَا النِّياحة وَلَمْ يُقَيِّدها بِالمَوت )
فَــمَـــنْ أصابته مُصِيبَةٌ فيما يَتعلّق بمَوْتٍ فَناحَ ، أو ذهبَتْ تِجارتُه فَناحَ ، أو ذَهَبتْ وَظيفتُه فَناحَ ، أو ضاعَ جاهُه فَناحَ فإنّ الحُكْمَ هُوَ هُوَ . على أيّ نَوْعٍ مِن أنواع المُصيبة
الأصلُ الثامن والثلاثون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قالَ كما في الصَّحيحَين ( ليسَ مِـنّــا مَنْ ضَرَبَ الخُدودَ وشَقَّ الجُيوبَ ودَعا بِدَعوى الجاهِليَّة )
على حُدوث المُصيبة قد يَشُقُّ الجَيْبَ أو يَضْرِب الخَدّ . وهذا الحُكْمُ عامٌّ للرجال وللنِّساء .
لا يَقْتَصِر هذا على شَقِّ الجَيْب ولا على ضَرْب الخَدّ .
مَن كَسَّرَ آنِيَةً ، مَنْ ضَرَبَ رأْسَه في الجِدار ، وما شابَهَ ذلك فَكُلُّ هذا مِن التَّسَخُّط على أقدارِ الله عزّ وجلّ .
الأصلُ التاسع والثلاثون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التَّسَخُّطُ عند نُزول المُصيبة مِن كَبائرِ الذّنوب ، لَكِنْ قد يَصِل إلى الكُفر بِاللهِ ، وذلك فيما لَوْ أصابت الإنسان مُـصـيــبـةٌ فَتَرَكَ دِينَ الله ، فهذا كُـــــفْـــــــرٌ . نسأل الله السلامة والعافية .
قال تعالى :
{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ }
الأصلُ الأربعون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المُصيبةُ إذا نَزَلَت قد تَنزِلُ بِالصالحين ، وقد لا يَكُونُ ذَلِكَ بِسَببِ ذُنوب ، قد يَكُونُ مِن أجْلِ رِفْعَةِ دَرَجات . فأنتَ حالَ المُصيبة إن صَبَرتَ إمّا أن تُكفَّرَ سَيِّئاتُك وإمّا أن تُرفَعَ دَرَجاتُك .
ولذا النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في الصَّحيحَين – مع عَظيمِ مَنْزِلَتِه – قال ( إنِّي أُوعَكُ كَما يُوعَكُ الرَّجُلان )
يعني إذا أصابَتني الحُمَّى تُضَعَّفُ عَلَيَّ مَرَّتَيْن ؛ لِرِفْعَةِ دَرَجاتِه صلّى الله عليه وآله وسلّم .
الأصلُ الواحد والأربعون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرِّضا بِالمُصيبةِ والصَّبْر عندها تُعطي العَبْدَ هُدوءًا واسْتِقرارًا نَفْسِيًّا . وهذا يَدُلّ على إيمانه بِقضاء اللهِ وبِقَدَرِه .
قال تعالى :
{ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ }
قال عَلْقَمة : هو الرَّجُل تُصِيبُه المُصيبةُ فَيَعْلَمُ أنَّها مِن عندِ الله فَيَرضا .
ولذا في قراءةٍ غَيرِ سَبْعِيَّة : ( ومن يؤمن بالله يهدأ قلبه )
والمُوَفَّقُ مَن وَفَّقَهُ اللهُ عزّ وجلّ .
الأصلُ الثاني والأربعون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أَعْظَمُ المِصائبِ مُصيبةُ الدِّين .
مُصِيبَةُ الدُّنيا لا شكَّ أنّها مُصِيبَةٌ وشاقّةٌ على النّـفوس ، لَكِنْ أعظم المَصائب أن تُصابَ في دِينِك .
ولِذا كان مِن دُعائه صلّى الله عليه وآله وسلّم كما عند التِّرمِذيّ كما ثَبَتَ عَـنْـهُ ( ولا تَجعَلْ مُصيبَتَنا في دِينِنا ) .
الأصلُ الثالث والأربعون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الابتِلاء لا يَكُونُ فقط في حُصولِ مُصِيبَة ، بَلْ قَدْ يَكُونُ بَلْ يَكُونُ عِنْدَ حُصولِ نِعْمةٍ .
فإنّ بعضًا مِن النَّاسِ قد تُصِيبُه المُصيبةُ ممّا لا تُلائمُهُ ولا تُناسِبُهُ ، فهذهِ مُصِيبَةٌ في زَوالِ مَحبوبٍ له أو حُصولِ مَكروهٍ .
لَكِنَّ النوعَ الثاني ويَظُنُّه بعضُ النّاسِ أنّه أَخَفُّ ، بَلْ إنّ بعضَهم يَظُنُّ أنّه ليسَ ابتِلاءً ، وذلكَ حينما تَحْصُلُ لِلعَبْدِ نعمةٌ أو نِعَم ، فإذا بهِ لا يَشكُرُ اللهَ . فإذا لَمْ يَشكُرِ اللهَ فإنّه حِينَها خَسِر .
يقولُ عبدُالرحمٰن بن عَوْف رضي الله عنه كما ثبتَ عنه عند التِّرمِذيّ
( ابْتُلِينا بِالضَّرَّاء فَصَبَرنا ، وابْتُلِينا بالسَّرَّاء فَلَمْ نَصْبِر )
ولِذا بعضُهم قد تَأتِيه النِّعمةُ فَيَطغى ويَتكبَّر على حقّ الله وعلى حقّ الخَلْق . فهذه مِن أعظم المَصائب .
الأصلُ الرابع والأربعون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا أصابتكَ مُصِيبَةٌ فَقُلْ كما جاء في الشَّرع :
( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، اللَّهُمَّ اؤجُرْنِي في مُصيبتي وأَخْلِفْ لي خيرًا مِنها ، قَدَّرَ اللهُ وما شاءَ فَعَل )
ما معنى هذا الكلام ؟
( إنَّا لله ) : أي نَحْنُ مُلْكٌ لله ، يفعلُ بِنَا ما يَشاء .
ثمّ ماذا لو نَزلَت المُصيبة ؟ المَرَدّ إلى الله .
ولِذا بعدها : ( وإنّا إِلَيْهِ راجعون )
الثَّمَرات : المُوَفَّقُ مَن وَفَّقَهُ الله ، المُوَفَّقُ مَن وَفَّقَهُ الله .
{ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ }
{ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ } يُثني الله عزّ وجلّ عليهم في المَلَأ الأَعْلَى
{ وَرَحْمَةٌ } رَحْمَة مُطْلَقة .
{ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } هِداية عامّة .
فَـمـا ظَنُّكَ بِمَن أَثنى اللهُ عَلَيْهِ في المَلَأ الأَعْلَى ؟! وما ظَنُّكَ بِمَن رَحِمَه ؟! وما ظَنُّكَ بِمَن هَداه الله ؟!
كمْ مِن الخَيْرَات !
لَكِنّ المُوَفَّقَ مَن وَفَّقَهُ الله
( اللَّهُمَّ اؤجُرْني في مُصِيبَتي وأَخْلِفْ لي خَيرًا مِنها )
يَعني لا تَحرِمني أَجر هذه المُصيبة .
( وأَخْلِفْ لي خَيْرًا مِنها ) أعطِني خَيرًا منها .
فإنّ العَبْدَ متى ما قالَ هذه فإنّ الله عزّ وجلّ سَيُثِيبُهُ على مُصِيبَتِه وسَيخلفُهُ اللهُ خَيرًا منها .
ودَلِيلُه : أُمُّ سَلَمَة لمّا ماتَ زوجُها فأرشدَها النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى أن تَقُولَ هذا القَوْلَ . فأَخلَفَها الله عزّ وجلّ بِمَن هو أعظم مِن أبي سَلَمَة رضي الله عنه ، بِرَسُولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إذ تزوّجَها .
( قَدَّرَ اللهُ وما شاءَ فَعَل )
( قَدَّرَ اللهُ ) هذا قَدَرُ الله وليـسَ لكَ خُروجٌ وطاقَةٌ وقُدْرةٌ عن قَدَرِ الله .
ولِذا قال بَعْدَها ( وما شاءَ فَعَل ) استِسلام كـامِل لله عزّ وجلّ .
اللَّهُمَّ إنَّا نَعوذُ بِـكَ مِن جَهْدِ الْبَلاء ودَرَكِ الشَّقاء وسُوءِ القَضاء وشَماتةِ الأعداء . اللَّهُمَّ إنَّا نَعوذُ بكِ مِن زَوال نِعمَتِك وتَحَوُّلِ عافيَتِك وفُجاءةِ نِقمَتِك وجميعِ سَخَطِك
الأصلُ الخامس والأَرْبَعُونَ بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العملُ الصَّالِحُ لا يَكُونُ مَقبولًا عند الله إلّا بِشَرطَين :
الشرط الأول :
الإخلاصُ لله .
قال تعالى :
{ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ }
الشرطُ الثاني :
أن يكون على طريقةِ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وإلّا وَقَعَ العَبْدُ في البِـــــدَع
في الصَّحيحَين قال صلّى الله عليه وآله وسلّم :
(( مَن أحدَثَ في أَمْرِنا هذا ما ليسَ مِنه فَهُوَ ردّ ))
الأصلُ السادس والأَرْبَعُونَ بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مَن جَعَلَ دِينَهُ وَسيلةً لِتَحصيلِ غَرَضٍ مِن أغراضِ الدُّنيا لِجَلبِ ثَناءٍ أو تحصيلِ وَظيفةٍ أو جاهٍ أو ما شابَهَ ذلك ، فإنّ ما أَتَىٰ بهِ مِن عَمَلٍ جَعلَهُ وسيلةً لِهذه الدُّنيا يَكُونُ باطِلًا
قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في صحيح مسلم :
(( قال الله : أنا أغنى الشُّرَكاء عن الشِّرك ، مَن عَمِلَ عَمَلًا أشركَ فيه مَعِيَ غَيري تَرَكْتُه وشِركَه ))
وعند أحمد يقول الله عزّ وجلّ لِلمُرَائِين :
(( اذهبوا إلى مَن كُنتُم تُراؤون عندهم في الدُّنيا فهل تَجِدون عندهم جزاءً ))
الأصلُ السابع والأَرْبَعُونَ بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مَن جَعَلَ دِينَهُ وسيلةً لِتحصيلِ غَرَضٍ مِن أغراضِ الدُّنيا فإنّه لَمْ يَسْتحضِر لِقاءَ الله الذي هو لِقاءُ التكريم الخاصّ بأهلِ الإخلاص
قال تعالى :
{ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ }
ماذا ؟
{ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا }
الخِتام :
{ وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا }
الأصلُ الثامن والأَرْبَعُونَ بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مَن جَعَلَ الدِّينَ وَسيلَةً لِتَحصيلِ أغراضِه الدُّنيَويَّة فإنّه لَمْ يـَعـرِف حَقارةَ الدُّنيا التي قال عنها النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في الحديث الحَسَن عند التِّرمِذيّ :
(( الدُّنيا مَلْعُونَةٌ ، مَلعونٌ ما فِيها إلّا ذِكْـرَ اللهِ وما والاهُ ، وعالِمًا أو مُتَعَلِّمًا ))
الأصلُ التاسع والأَرْبَعُونَ بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مَن قَدَّمَ دُنياه على دِينِه على مَحابِّ الله فَهُوَ عَبْدٌ لها
قال صلّى الله عليه وآله وسلّم كما عند البُخاريّ :
(( تَعِسَ عَبْدُ الدِّرهَم تَعِسَ عَبْدُ الدِّينار ))
فإن قَدَّمَ الدُّنيا مُطْلَقًا ، إن قَدَّمَ الدُّنيا مُطْلَقًا على كلّ ما يُحِبُّه الله فقد أَشركَ مع الله في شِرْكِ المَحَبَّة بِحَيْث يُقَدِّم كلَّ مَحْبوباتِه على مَحبوباتِ الله عزّ وجلّ (( تَعِسَ عَبْدُ الدِّرهَم )) جَعَلهُ عَبْدًا (( تَعِسَ عَبْدُ الدِّرهَم تَعِسَ عَبْدُ الدِّينار ))
الأصلُ الخمسون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مَن قَدَّمَ هذه الدُّنيا على الدِّين فقد دَعا عليه النَّبِيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بِأن تَختَلِطَ عَلَيْهِ أُمورُه وأن تَتَعَسَّرَ وتَتَنَكَّسَ عَلَيْهِ الأُمور ، حَتَّىٰ لَوْ رُئِيَت المَلايين والدُّنيا عِنْدَهُ فإنـَّه في تَعاسَةٍ وانْتِكاسةٍ .
قال صلّى الله عليه وآله وسلّم :
(( تَعِسَ وانْتَكَسَ ، وإذا شِيكَ فلا انْتَقَش ))
كما عند البُخاريّ .
يعني لَوْ أصابَته شوكةٌ دَعا عَلَيْهِ أن يكونَ عاجِزًا . بِحَيْث لوْ أصابَته شوكةٌ لا يستطيعُ أن يُخرِجَها مِن بَدَنِه
الأصلُ الواحد والخمسون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عَلامَةُ مَن تَوَغَّلتِ الدُّنيا في قَلْبِه كما قال صلّى الله عليه وآله وسلّم عِنْدَ البُخارِيّ :
(( إن أُعْطِيَ – يعني مِن الدُّنيا – إن أُعْطِيَ رَضِيَ ، وإن لَمْ يُعْطَ سَخِط ))
وهذا به شَبَهٌ بِالمُنافِقين :
{ وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ }
الأصلُ الثاني والخمسون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنّ عَلامَةَ مَن يُقَدِّمُ الدِّينَ على الدُّنيا ، عَلامَةُ حالِه أنّه أَهمُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ هُوَ الدِّين . لَوْ وُضِعَ في أيّ مَكَانٍ أَوْ أيّ عَمَلٍ لا يَهُمُّه . مادامَ أنَّ الدِّينَ عِنْدَهُ ظَهَر فإنّهُ لا يُبالي .
ولِـذلِـكَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما عِنْدَ البُخَارِيّ لمّا ذَكَرَ ذَلِكُمُ الرَّجُل الذي يُجاهِدُ في سبيلِ الله لإعلاءِ كَلِمَة الله عزّ وجلّ . ماذا قال :
(( إن كانَ في الحِراسَةِ كانَ في الحِراسَة ، وإن كانَ في السَّاقَةِ كانَ في السَّاقَةِ ))
يعني لا يَهُمُّهُ : إن كانَ في الحِراسَةِ بِأن يَحرُس ، يَكُونُ حارِسًا لا يَهُمُّهُ . إن كانَ في السَّاقَةِ يعني في مُؤَخِّرةِ الجَيش ليسَ مِن المُتَقَدِّمِين لا يَهُمُّه . لِمَ ؟
لِأَنَّ مَقْصَدَهُ ماذا ؟
أن يَعْلُوَ دِينُ الله عزّ وجلّ
فَـمـا ظَنُّكُم بِمَن يَبيع دِينَه مِن أجْلِ تَحصيلِ غَرَضٍ مِن أغراضِ الدُّنيا ؟! مِن أجْلِ مَنصِبٍ ، مِن أجْلِ وظيفَةٍ ، مِن أجْلِ مالٍ ، مِن أجْلِ تِجَارَةٍ ، مِن أجْلِ شُهرَةٍ . وما شابَهَ ذلك مِن هذه الرَّذائل التي لا تَليقُ بِالمُسلِم .
الأصلُ الثالث والخمسون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عَلامَةُ مَن قَدَّمَ الدِّينَ على الدُّنيا عَلامَتُه – لأنّـه لَمْ يُضَحِّ بِدِينِه مِن أجْلِ دُنْيَاه – تَجِدُ أنّه غَيْرُ مَعروف ، ولا يُؤْبَهُ لهُ .
ولذلك النَّبِيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال عن ذَلِكُم الذي أخلَصَ للهِ عزّ وجلّ كما عِنْدَ البُخَارِيّ قال :
(( إنِ اسْتَأْذَنَ لمْ يُؤْذَن له )) إن استَأْذَنَ على صَاحِب وَجَاهَةٍ أو على صَاحِب مَنصِب أو ما شابَهَ ذلك أو علىٰ غَنِيٍّ لَمْ يُؤْذَن له لأنّه ليسَ بِمَعروف
(( إنِ استأذَنَ لَمْ يُؤْذَن له ، وإن شَفَعَ لَمْ يُشَفَّع )) يعني لَوْ تَوسَّطَ لِأَحَد لِكَي يَقْبَلَ شفاعته ووساطَتَه فإنّه لا تُـقْـبَــل .
وهذا لا يَدُلّ على حَقارَتِه بل هُوَ مَرفوعٌ عِنْدَ الله . إن قَدَّمَ دِينَ الله على مَحابِّ نَفْسِه وعلى أغراضِه الـدُّنْـيَـوِيّـة ، وصانَ دِينَه وصانَ دِينَه
وخُصوصًا في هذا الـزَّمَـن الذي أَخْبَرَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما عند مُـســلِـم قال عن الـفِـتَـن (( يَبيعُ دِينَه بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنيا ))
فَعَدَمُ مَعرِفةِ الناس لهُ لا تُنقِصُ قَدْرَهُ عِنْدَ الله .
ولِذا في صحيح مُـســلـم قال صلّى الله عليه وآله وسلّم:
(( رُبَّ أَشْعَث مَدفوعٍ بِالأبواب لَوْ أقسَمَ على الله لَأَبَرَّهُ ))
( أَشْعَث ) يعني ما عِنْدَهُ دُهْن يدهنُ بهِ رأْسَه
( مَدفوعٍ بِالأبواب ) يعني لَوْ أرادَ أن يَدْخُلَ على صاحبِ وَجاهَةٍ أو تِجَارَةٍ ما يَقبلونَ أن يَدخُل عليهم
( لَوْ أقسَمَ على الله لَأَبَرَّهُ )
لو قال : يا الله أقسَمتُ عليكَ يا الله أن تُحَقِّقَ لي كذا ، لَأَبَرَّ اللهُ قَسَمَه ولَأَجابَ دَعْوَتَهُ ؛ لِحُسْنِ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ عزّ وجلّ
اللَّهُمَّ لا تَجعلِ الدُّنيا أكبَرَ هَمِّنا ولا مَبلَغَ عِلمنا . اللَّهُمَّ لا تَجعلْ مُصيبَتَنا في دِينِنا . اللَّهُمَّ اكْفِنا بِحَلالِك عن حَرامِك وأغْنِنا بِفَضلِكَ عَمَّن سِواكَ . رَبَّنَا آتِنا في الدُّنيا حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عذابَ النّـار .
الأصلُ الرابع والخمسون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مَن يُعارِضُ دِينَ الله وأحاديثَ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بِالفَتاوَى المُخالِفة فإنّه يُخشى عليه – كما قال الإمام أحمد – يُخشى عليه مِن الزَّيغ والضلال الذي يُوقِعُه في الشِّرك بِالله
قال الإمام أحمد رحمه الله : ( عَجِبْتُ لِقَوْمٍ عَرَفوا الإسنادَ وصِحَّتَه ( يعني الحديث وصحّته ) يَذهبون إلى رأي سُفيان ( سُفيان هو سُفيان الثَّوريّ إمام مِن الأئمّة ) ومع ذلك يقول : لَوْ قَدَّموا رأيَه على الحديث الصحيح هذا مَحَلُّ إنكار
( عَجِبْتُ لِقَوْمٍ عرفوا الإسنادَ وصِحّته يذهبون إلى رأي سُفيان ) وقد قال الله تعالى : { … فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
قال الإمام أحمد : أتدري ما الفتنة ؟ الفتنة هي الشِّرك . لَعَلَّهُ يَرُدُّ بعضَ ما قاله صلّى الله عليه وآله وسلّم فَيَقَع في شيء مِن الزّيغ فَيَهلَك .
الأصلُ الخامس والخمسون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مَن قَدَّمَ الفَتاوى التي تَجعلُ الحقَّ باطلًا والباطلَ حقًّا ،والتي تُحرِّمُ ما أَحَلَّ الله أو تُبيح ما حَرَّمَ الله
مَن قَدَّمَ هذه الفتاوىٰ وقدَّم أصحابَها ، فإنّه جَعَلَ أصحابَها أنْدادًا مِن دون الله
عَدِيّ بن حاتمٍ -كما ثبتَ عند التِّرمِذيّ- سَمِعَ النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يَقرأ { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ … } الأحبار (عُلماء اليهود) ، والرُّهبان ( عُلماء النصارى )
{ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }
قال عديّ يا رسولَ الله : إنَّا لَمْ نَعبُدْهُم – يعني لَمْ نركَعْ لهم وَلَمْ نسجُدْ لهم ولمْ نُصَلِّ لَهُمْ –
فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : (( أَلَيْسَ إذا حَرَّمُوا ما أَحَلَّ الله حَرَّمتُموه ، وإذا أَحَلُّوا ما حَرَّمَ الله أَحْلَلْتُموه ))
فَقال عديّ رضي الله عنه : بَلَىٰ
فَقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : “فَتِلْكَ عِبادَتُهم
الأصلُ السادس والخمسون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التَّحليل والتَّحريم حقٌّ لله ، لا يجوزُ لِأَحَدٍ أن يَعتَدِيَ عليه بِالآراءِ الفاسِدة وبِالفتاوى المُنحَرِفة أَوْ حَتَّىٰ ما يَكُونُ مِن بعضِ العَوامّ في المَجالِس يقولون : هذا حَرَام وَهُمْ لا يَعلمون الحُكْم
قال عزّ وجلّ { وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ } ما العاقِبة ؟
{ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ } { مَتَاعٌ قَلِيلٌ } يَتمتّعون في هذه الدُّنيا إمّا بِمال أو بِوَجاهة أو يُوصَف بِأَوصاف مِن أنّه عالِمٌ أَوْ كذا أو كذا أو أنّه مُواكِبٌ لِلعَصر ولِمُستَجِدّات العصر
{ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
الأصلُ السابع والخمسون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القَولُ على الله مِن غَيرِ عِلم بِتِلك الفتاوىٰ والآراءِ الفاسِدة جَعَلَها اللهُ عزّ وجلّ قَرينَةً للشِّركِ بِاللهِ ، ممّا يَدُلّ على أنّها بَريد الشِّركِ بِاللهِ
قال تعالىٰ { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ } ما الذي بَــعْــدَها ؟
{ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا } التَّتِمَّة { وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ }
الفُتيا في الدِّين مِن غِيرِ عِلم قَولٌ على الله بِلا عِلم
وهذا يُؤَيِّد ما ذَكَرهُ . مَن ؟ الإمام أحمد رحمه الله لمّا قال : أَتَدْرِي ما الفِتْنَة ؟ هي الشِّرك لَعَلَّهُ أن يَرُدَّ بعضَ قَولِ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فَيَقَع في شَيْءٍ مِن الزَّيغ فَيَهلَك .
الأصلُ الثامن والخمسون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لِيَسأل الْمُسْلِمُ رَبَّهُ البَصيرةَ في دِينِه ؛ فإنّ الأُمورَ قد تَخْتَلِطُ عَلَيْهِ بِمَا يُفْسِدُ عَلَيْهِ دِينَه ويُفسِد دِينَ غَيرِه
فهؤلاء المُنافقون ماذا قال الله عزّ وجلّ عنهم { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ }
انْظُرْ إلى انْتِكاس الفِطَر والبَصائر . جَعَلُوا الإفسادَ – مع أنّهم وَقَعوا فيه – جَعَلوهُ صلاحًا. بل جَعَلوا أنفُسَهم بِأَنَّهُمْ مُصلِحون
الأصلُ التاسع والخمسون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله جلّ وعلا قال { وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ }
الإفساد في الأرض نوعان :
إفسادٌ حِسِّيّ : بقَتل الناس وبِتَدمِير مُمتلَكاتِهم وبِالاعتِداء عليهم . هذا إفساد حِسِّيّ
إفسادٌ مَعنَوِيّ : أعظَم ، وهوَ الإفساد في الأرض ، بعدَ أن أصلحَها الله عزّ وجلّ بِإرسال الرُّسُل وبِإنزال الْكُتُب ، بعدَ أن أصلَحَها بِهذا الدِّين . يُفسَدُ في الأرض بِالشِّرك وبِالبِدع ، بِالذُّنوب ، بِمُجاهَرَةِ الله بِالمعاصي والذُّنوب
هذا إفسادٌ أَعْظَم . إفسادٌ مَعنَوِيّ
وَلْيَعلَم الناس أنّه متى ما وقَعَ الفسادُ المعنوِيّ بِما يُـخــالِــفُ دِينَ الله إذا وقعَ في الأرض ، فَسَدَت الأرض فسادًا حِسِيًّا ؛ لأنّه لا يُمْكِنُ أن يُصْلِحَ أحوالَ الناس إلّا هذا الدِّين
ولِذا لا يَقُل أَحَد ضاقت علَينا الأرزاق والأحوال وما شابَهَ ذلك . كُـــلٌّ يُفَتِّشُ عن نَـفْـسِـهِ بِمَ أفسدَ في الأرض بِما يُـخــالِــفُ دِينَ الله
قال تعالى { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا } هذا هُوَ الإصلاح { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }
الأصلُ الستون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يُمْكِنُ أن تكونَ أحوالُ الناس على خَيْرِ ما يُريدون إلّا بِهذا الدِّين ، بِأن يُجعَلَ هذا الدِّين هُوَ المُقَدَّم على كُلّ الآراء والأهواء
قال تعالىٰ { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }
استِفهام لِلنَّفي يَتَضمّن التَّحَدِّي . أي لا أحد أحسَن حُكْمًا مِن الله ، وفيهِ تَحدِّي أن يُؤتى بِحُكْمٍ أحسَن مِن حُكم الله عزّ وجلّ { .. وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }
أصحاب يَقين هُمْ أصحاب العِلم الثابت التامّ المُستَلزِم لِلعَمَل الصَّالِح
عِــــلْـــــمٌ وعَــمَـــلٌ صــالِـــحٌ يَصِل الإنسان بذلك إلى اليقين . ولا يَحصُل إلّا بِالصَّبْر والمُصابرة
الأصلُ الحادي والستون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أَخْذُ الرَّشاوىٰ معلومٌ أنّه حَرام ومِن كَبَائِر الذُّنوب وأفظعُ أنواعِه أن تُؤخَذ الرَّشاوىٰ لِتَعطيلِ أحكام الدِّين
قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثبتَ عند أحمد ( لعنَ اللهُ الرَّاشي والمُرتَشي )
فَمَن أَخَذَ رِشوَة مِن أجل أن يَتغاضىٰ عن دِينه أو عن حُكمٍ شرعيّ أو ما شابَهَ ذلك فإنّ بهِ شَبَهًا بِاليهود
قال عزّ وجلّ لمّا ذَكَرَ أنّه قَطَّعَ اليهود ومَزَّقَهم في الأرض شَذَرَ مَذَر قال { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ } لَمْ يَقُل ( خَلَفٌ )
لأنّ ( خَلَفٌ ) كلمة مَدْح ، ( خَلْفٌ ) بِتَسكين اللام ذَمّ
فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ } وَرِثوا التوراة
{ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا الْأَدْنَىٰ } عَرَض ، الدُّنيا عَرَض ، ثمّ يَزول يَنتهي
{ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا الْأَدْنَىٰ } لِدُنُوِّ هذه الدُّنيا ، ودُنُوِّ مَنزِلَتِها ، ويَستَعجلون الشيء القريب ، ولا يَنتظرون الشيء الذي قد أَعَدَّه الله عزّ وجلّ لِلمُتَّقين في الآخرة ، وما يَكُونُ لَهُم أيضًا مِن المُتَّقِين ما يَكُونُ لَهُم في الدُّنيا
{ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا الْأَدْنَىٰ } يعني الرَّشاوىٰ { وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ } إصرار على أَخْذ الرَّشاوىٰ
{ وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ ۚ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ } ما هو الذي في هذا الكِتاب ؟
وهذا ذمٌّ لِليهود وفيه تَـــنْـــبِـــيـــهٌ لِهذه الأُمّة أن يَقَعوا في مِثْل ما وَقَعوا فيه
{ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ } ما الذي في مِيثاق الْكِتَاب ؟
{ أَن لَّا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ } مِن أجْلِ هذه الرَّشاوىٰ
{ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ } تَعلَّموا ما فيه . الحُجَّة قامت عليهم
{ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ .. } هذا الصِّنف يريد ما عِنْدَ الله عزّ وجلّ
{ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ }
اللَّهُمَّ اكْفِنا بِحَلالِك عن حَرامِك ، وبِفَضلِك عمّن سِواك
الأصلُ الثاني والستون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يجوزُ أن يُحلَفَ إلَّا بِالله عزّ وجلّ أو بِاسمٍ مِن أسمائِه أو بِصِفَةٍ مِن صِفاتِه
فيجوز : وَالرّحمنِ لَأَفعَلَنّ ، وَالعزيزِ لَأَفعَلَنّ أو لَأَذهَبَنّ
وكذلك القَسَم بِصِفات الله عزّ وجلّ جائز ، مِثالُ ذلك : وَعِزَّةِ الله ، وَقُدرَةِ الله أنَّني سأذهبُ إلى ذلك المكان
فالقَسَمُ لا يَكُونُ إلَّا بِالله أو بِاسمٍ مِن أسمائِه أو بِصِفَةٍ مِن صِفاتِه
الأصلُ الثالث والستون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله جلّ وعَلا أقسَمَ في كِتابِه بِمخلوقات
كالشمس { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } ، والليل { وَالّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ } … إلى غَيرِ ذلك مِمّا أقسَمَ به عزّ وجلّ في كتابِه
فالله عزّ وجلّ له أن يُقسِمَ بِمَا شاءَ مِن مَخلوقاتِه
أمّا المَخلوق فلا يجوز له أن يُقسِمَ إلَّا بِالله أو بِاسمٍ مِن أسمائِه أو بِصِفَةٍ مِن صِفاتِه
وَاللهُ عزّ وجلّ يُقسِمُ بِبَعض مخلوقاته لِلدَّلالة على عَظَمَتِها ، والذي خَلَقَها هو أعظَمُ منها
الأصلُ الرابع والستون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثَبَتَ عند الترمذيّ قَولُه صلّى الله عليه وآله وسلّم ” مَن حَلَفَ بِغَيرِ الله فَقَدْ كَفَرَ أو أشرَكَ “
فَمَن حَلَف بِغَير الله حتّى لَوْ كان بِالنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أو بِأيِّ مَلَكٍ مِن الملائكة ، فقَولُ بعضِ الناس ( وَالنّبيّ لَأَفعَلَنَّ كذا ) وقَول بعض الناس ( وَحَياتي ) أو ( وَحَياتك ) أو ( وَحَياة عَينَيك ) أو ماشابَه ذلك فإنّ هذا شِركٌ بِالله عزّ وجلّ ، هو شِركٌ أصغر
هو شِركٌ أصغر
لِمَ ؟ لِأنّ الحَلِفَ تعظيمٌ ، والتعظيم لا يكون إلَّا لِلّه عزّ وجلّ وَمِن ثَمَّ فَهُوَ شِركٌ أصغر
لَكِن لو حَلَف بِالنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أو حَلَف بِحَياته أو بِحَياة فُلان مُعتَقِدًا أنّ هذا المَحلوفَ به مِن هؤلاء المَخلوقين لَه مِن التَّعظيم كَالتَّعظيمِ لِلّهِ هو شِركٌ أكبَر
فدَلّ هذا على خطورة الحَلِف بِغَيرِ الله عزّ وجلّ
الأصلُ الخامس والستون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثَبَتَ عند الطبرانيّ قَولُ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه : لَأَن أَحلِفَ بِاللّهِ كاذِبًا أَحَبُّ إلَيَّ مِن أن أَحلِفَ بِغَيرِه صادِقًا
الحَلِفُ بِاللّه على وَجْهِ الكَذِب هذا إثمُه عظيم وذَنبُه كبير ، لَكِن أَعْظَم منه أن يُحلَفَ بِغَير الله وَلَو كان الإنسانُ صادقًا
سبحان الله !
لِمَ ؟ لِأنّ سيِّئةَ الكَذِب أهوَن مِن سيِّئة الشِّرك ، ولِأنّ حَسَنَة التَّوحيد أَعْظَم مِن حَسَنَة الصِّدق
فدَلّ هذا على ماذا ؟
على أنّ الحَلِفَ بِالله كاذبًا هو شَرٌّ عند ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه ، لَكِن أَشَرّ مِنه أن يُحلَفَ بِغَير الله وَلَو كان الإنسان صادقًا
الأصلُ السادس والستون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال كما في الصّحيحَين ، قال : ” مَن قَالَ في حَلِفِهِ وَاللاتِ وَالعُزَّى ، فَلْيَقُل لا إِلَهَ إلَّا الله “
دَلَّ هذا على أنّ ذلك الحَلِف شِركٌ بِالله عزّ وجلّ ، فَأَمَرَهُ صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يقول ” لا إِلَهَ إلَّا الله ” لِأنّها كَلِمَةُ التَّوحيد
الأصلُ السابع والستون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحَلِف بِالله عزّ وجلّ على وَجْه الكَذِب إِنْ كان يَقصُدُ مِنها -مَن حَلَف- مِن أجْلِ أن يَقتَطِع حقَّ مسلمٍ كما ثَبَتَت بذلك الأحاديث ، فإنّها يَمينٌ غَموس.
لِمَ ؟ لِأنّها تَغمِسُ صاحِبَها في الإثم ثُمّ تَغمِسُه في نار جهنّم
لَكِن لَو حَلَفَ بِالله على وَجْه الكَذِب هكذا مِن غَيرِ أن يأخُذَ حقَّ مسلمٍ ، فهنا اختَلَفَ العُلَماء
هل هي يمين غَموس أَو أنّها غَيرُ ذلك
فدَلّ هذا على أنّ اختِلاف العُلَماء في مِثلِ هذه المسألة يَدُلّ على خطورة الحَلِف بِالله على وَجْه الكَذِب
ولذا ثَبَتَ عند ابن ماجه قَولُه صلّى الله عليه وآله وسلّم ” مَنْ حَلَفَ فَلْيَصْدُقْ “
مَن حَلَفَ في أيّ شيء ، حَلَفَ بِالله واجِبٌ عليه أن يَصدُقَ في يَمِينه
الأصلُ الثامن والستون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا حَلَفَ لك شخصٌ بِالله مُؤَكِّدًا لِشَيءٍ أو نافيًا لِشَيءٍ فَيَجِب عليك أن تَرْضَى بِيَمينه ، يَجِب عليك أن تَرْضَى بِيَمينه
قال صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثَبَتَ عند ابن ماجه ” وَمَن حُلِفَ له بِالله فَلْيَرضَ “
واجبٌ أن تَرْضَى ، حُلِفَ لك بِالله يَجِبُ أن تَرْضَى ، لا تعظيمًا لِهَذَا الحالِف لا
وإنّما تعظيمٌ لِلّهِ لـمَّا حَلَفَ به هذا الشخص
لَكِن هل يَلزَم على وَجْه الإطلاق أن أرضى بِيَمين أيِّ شخص ؟
الجواب عن هذا : مِن أنّه إذا تَيَقَّن الإنسان مِن أنّ هذا الذي حَلَف مِن أَهْلِ الكَذِب ، أو غَلَبَ على ظَنِّه أنّه مِن أهل الكَذِب فلا يُلزَم بِالرِّضَى بِاليَمين
الدليل :
في صحيح مسلم : قتيلٌ في عَهْد النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم- وَوُجِد هذا القتيلُ عند مكانٍ لِليهود ، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم ” تُبرِئُكُم يهود بِخَمسينَ يَمينًا ” ، قالوا : لا يا رسولَ الله . فَأَقَرَّهم صلّى الله عليه وآله وسلّم
لِمَ ؟ لِأنّ اليهود لَيسوا بِأَهْلِ صِدقٍ ، وَمِن ثَمَّ لَمْ يَقبَل بعضُ الصحابة بِأَيمانِهم
الأصلُ التاسع والستون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كما ثَبَتَ عند ابن ماجه فيما مضى ” وَمَن حُلِفَ لهُ بِالله فَلْيَرضَ “
ثمّ قال صلّى الله عليه وآله وسلّم ” وَمَن لَمْ يَرضَ ، فَلَيسَ مِنَ الله “
وَعِيدٌ شديدٌ لِمَن لَم يَرضَ بِيَمين الحالِف ، إلَّا إذا كان ذلك الحالِفُ تُيُقِّنَ أنّه كاذب أو أنّه غُلِبَ على الظَّنِّ مِن أنّه كاذب ، وإلّا فَلَهُ وَعيدٌ شديدٌ – الذي لا يَرضَى بِاليَمين –
” وَمَن لَمْ يَرضَ فَلَيسَ مِن الله ” معناها : مِن أنّ الله عزّ وجلّ تَبَرَّأَ مِنْهُ ، فهو وعيدٌ شديدٌ
وليس معناها كما تَذهَب الخَوارج مِن أنّه خَرَجَ مِن الدِّين ، لِأنّهم يُكَفِّرون صاحبَ الكبيرة
هذا وعيدٌ شديدٌ وتهديدٌ له ، لَكِنّه ما زال في دائرة الإسلام لكنّه آثِمٌ بِهذا الصَّنيع .
الأصلُ السبعون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سَبُّ الدَّهر مُحَرَّم ، وسَبُّهُ ليس معنى ذَلِكَ أن يُشتَمَ وأن يُلعَنَ بَلْ إنَّ تَنَقُّصَهُ وعَيبَهُ يُعَدُّ سَبًّا لهُ
والدَّهْرُ يَشمَل الأيّام والسنوات والدقائق والثواني والساعات والأزمان
فَسَبُّه مُحَرَّم حتّى لَو لَم يَكُن على سَبيل اللَّعن ، بِدَليل أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال كما في الصحيحَين قال : ” لا تقولوا خَيبَةَ الدَّهْر فإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْر “
بِمجرّد أن يقولَ الإنسانُ خابَ الدَّهرُ أو خابَ هذا اليوم أو خابَ هذا الزَّمَن فإنّه يُعَدُّ سَبًّا له .
الأصلُ الحادي والسبعون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الصحيحَين قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم : ” قال الله : يُؤذيني ابنُ آدم يَسُبُّ الدَّهرَ وأنا الدَّهر “
سبُّ الدَّهر مِن حيثُ الحُكم له ثلاثُ حالات ، وذلك لِأنّ الإنسانَ رُبَّما يَعرِضُ له في يَومِه أو في سَنَته أو في زَمَنه ما لا يُناسِبُه مِن مصائب مِن هُموم مِن فَقْر مِن فاقَة ، مِمَّا لا يُلائِمُه
فَهُنا يَحصُلُ سَبُّ وعَيْبُ الزَّمَن كما هو حالُ بعضِ الناس ، رُبّما يَلعنُ ويَسُبُّ اليومَ الذي عَرَفَ فِيهِ ذَلِكَ الرَّجُل أَوْ ما شابَهَ ذَلِكَ
: فَمِن حيثُ الحُكم لهُ ثلاثُ حالاتٍ
أوّلًا : إذا اعتقدَ أنّ هذا الــزَّمَــن هو الذي خَلَقَ هذا البلاء والشرّ ، فهذا مُشركٌ باللهِ شِركًا أكبر . لماذا ؟
لأنّه اعتقدَ أنّ مع الله خالِقًا آخر يُدَبِّرُ هذا الْكَوْن . فَيَكُونُ شِركًا أكبر بهذا الاعتِبار ؛ لأنّ الدَّهْرَ خَلْقٌ مُسَخَّرٌ خَلَقَهُ اللهُ عزّ وجلّ
الحالةُ الثانية : ألّا يَعتقدَ أنّ الدَّهْرَ هُوَ الذي خَلَقَ هذا البلاءَ أو هذا الـشَّــرَّ ، وَلَكِنْ يَسُبُّ الدَّهْرَ والزَّمَن لأنّ البلاءَ وقعَ فِيهِ . فهذا مُحَرَّم . لِمَ ؟
لأنّ الدَّهْرَ خَلْقٌ مُدَبَّر مُسَخَّر ، إنّما هُوَ مَحَلّ وزَمَن ، والذي أوْقَعَ فيه ما لا يُلائِم الإنسان هُوَ ربُّ هذا الدَّهر . فَإذَن لَوْ سَبَّهُ على أنّه فقط مُجَرّد أنّ البلاءَ وقعَ فيه فَيَكُونُ مُحَرَّمًا .
الحالةُ الثالثة : لا يَقصُدُ بِذلكَ سَبًّا ولا اعْتِقادًا أنّه يَتَصَرَّف الدَّهْر في الكَون لا ، هو يَقصُدُ بذلكَ الإخبار . يُخبِر فقط ، يُخبِر أنّ هذا اليومَ يومٌ ليسَ بِحَسَن
لا يَقصُدُ مِن ذَلِكَ أنّ هذا الزّمن هو الذي خَلَقَ هذا الشيء ولا يَقصُدُ أنّ الزّمنَ مَحَلٌّ لهُ . فقط مُجرّد إخبار . فهذا لا بأسَ بهِ
ولِـذلِـكَ لوط عليه السلام لمّا أتَتْهُ الملائكة في صورة آدَمِيِّين وظنَّ أنّهم ضيوف ، وهوَ يَعلَمُ أنّ قَومَه يأتونَ الرِّجالَ شَهوةً مِن دونِ النِّساء ماذا قالَ ؟
قالَ { هَٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ } مُجرّد إخبار
وأيضًا جاء في صحيح مُسلم لمّا افتَقَدَ الصحابةُ رضي الله عنهم رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ذاتَ ليلةٍ فَبَحَثوا عنه فَلَمْ يَجِدوه فقالوا ( بِتْنا بِشَرِّ لَيْلَةٍ ) وَصَفوا الليلة ، قالوا هنا : ( بِتْنا بِشَرِّ ليلة باتَ بِها قَوم ) )
مُجَرَّد إخبار ، لا حَــرَجَ في ذلك
الأصلُ الثاني والسبعون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قَولُه صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في الصّحيحَيْن ” قالَ اللهُ : يؤذيني ابْنُ آدَم ، يَسُبُّ الدَّهْرَ ، وأنا الدّهر “
ليسَ معنى ذلك أنّ الله هُوَ الدّهر . لا ، فالدَّهرُ ليسَ اسمًا للهِ عزّ وجلّ ؛ لأنّ أسماءَ الله حُسنى يُشتَقُّ مِنها صِفات
الرَّحمٰن : يُشتَقُّ مِنه صِفة الرَّحمة ، التَّوَّاب : التَّوْبَة . وهكذا
لكنّ الدَّهْرَ اسمٌ جامِد ليسَ اسمًا لله . وإنّما قَوْلُه ( وأنا الدَّهْر ) يُبَيِّنُه ما بعدَه ( أُقَلِّبُ اللَّيلَ والنَّهارَ )
أُقَلِّبُ اللَّيلَ والنَّهارَ : يعني هُوَ المُتَصَرِّف فيه ، وليس معنى ذلك أنّ الدَّهْرَ هو الله أو أنّه اسمٌ مِن أسماء الله
بِدَليل ما جَاءَ في الصَّحيحَين ” قال الله : بِيَدِي اللَّيلُ والنَّهارُ”
وعندَ أحمد كما ثبتَ ” قال : اللَّيالي والأيّام لي “
فَدلّ هذا على أنّه هو الذي يُقَلِّبُ الدَّهْرَ وليـسَ هُوَ الدّهر عزّ وجلّ
الأصلُ الثالث والسبعون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قالَ كما في الصَّحيحَين :
” إنَّ أخْنَعَ … ” يعني أَوْضَع وأَحْقَر
” إنَّ أخْنَعَ اسمٍ عِنْدَ الله رَجُلٌ تَسَمَّىٰ بِمَلِك الأمْلاك ، لا مَالِكَ إلّا الله “
هذه الأوصاف التي لا تَكونُ إلّا لِلّهِ عزّ وجلّ كَـ ( مـالِـك المُلْك ) هذه لا يجوزُ أن يُتَسَمَّىٰ بِها
ولِـذلِـكَ مِثل ما قال سُفيان : مِثل شاهان شاه
يعني هذه اللفظة تُطْلَق على بعض الناس لأنّ معناها مَلِك المُلُوك ، وما يُشابِهُها مِثل ( مَلِك القُلُوب ) وما شابَهَ ذلك
مَلِك القُلوب : هو الله ، الذي يَملِك القلوب والذي يَتَصرَّف فيها هو الله جلّ وعلا
الأصلُ الرابع والسبعون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أفْضَلُ الأسماء وأحَبُّ الأسماء عِنْدَ الله هو الِاسم الذي بهِ يَكُونُ التَّواضُع لِلّه والعُبوديّة لِلّه
ولِذا في سُنَنِ أبي دَاوُدَ والتِّرمذِيّ كما ثَبَتَ : قال صلّى الله عليه وآله وسلّم ” أَحَبُّ الأسماءِ إلى الله عبدُالله وعبدُالرحمٰن “
وعندَ البُخَارِيّ أمَرَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بعضَ الصحابة أن يُسَمِّيَ ابْنَهُ عبدَالرحمن
لماذا عبدُالله وعبدُالرحمن ؟
لأنّ بِها تواضُعًا ، لأنّ بِها افتِقارًا إلى الله عزّ وجلّ ، وتَعَبُّدًا لِلّه عزّ وجلّ
الأصلُ الخامس والسبعون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النَّبِيُّ صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ غَيَّرَ بعضَ أسماء الصحابة رضي الله عنهم ، لَكِنْ لا يُعلَمُ فيما نَعلَم أنّه ثَبَتَ عن النَّبِيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم إذا غَيَّرَ اسمًا أنّه يَذبحُ ذَبيحة ويَجمع الناس مِن بابِ أنّه غَيَّرَ اسمَ فُلان
فَلِلْأَبِ إذا أرادَ أن يُغَيِّرَ اسمَ ابنِهِ فَلْيُغَيِّرْهُ ، ولا يُلزَم أن يَذبحَ ذبيحةً وأن يَجمعَ الناسَ على ذلك
فَكَم غيَّرَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أسماء لِبَعْض الصحابة وَلَمْ يَذبحْ ذبيحةً لِجَمعِ الناسِ على ذَلِكَ
الأصلُ السادس والسبعون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مِن الـسُّـنَّـة أن يُكْنَى الإنسانُ بِأَكْبَرِ أبنائه ، بعضُ الناس ربّما يقولُ لِشَخصٍ يا أبا فُلان ولا يَذكُرُ ابنَه الأوّل ( الأكبر ) يَذكُرُ ابنَه الأوسط أو الأصغر
السُّنَّة : السُّنَّة أن يُكْنَىٰ الرَّجُل بِأكبر أبنائه ، وَكَذَلِكَ الشأن بِالنسبة إلى المرأة أُمُّ فُلان ، قد تُكْنىٰ بِأَوسَط أو بِأَصغر أبنائها ويُترَك الابن الأكبر
ولِـذلِـكَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثَبَتَ عِنْدَ النَّسائيّ وأبي دَاوُدَ لمّا غَيَّرَ اسمَ الحَكَم . قال صلّى الله عليه وآله وسلّم ” إنّ اللهَ هُوَ الحَكَمُ وإليهِ الحُكْمُ “
لمّا أرادَ أن يُغَيِّر اسمَه قال : ” ما أسماءُ أبنائك ؟ ” فَقالَ هذا الرَّجُل : شُرَيْح وعبدُالله ومُسلم . فَقالَ صلّى الله عليه وآله وسلّم : ” مَن أكبَرُهُم ؟ ” قال : شُرَيْح . قال : ” أنتَ أبو شُرَيْح ” كنّاه بِأَكبَرِ أبنائِه
هذا مِن باب الأَفضَلِيَّة والسُّنِّيَّة
الأصلُ السابع والسبعون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الله عزّ وجلّ يقول { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ* ۚ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) } التَّوبَة
ذَكَرَ المُفَسِّرون عن نُزول هذه الآية مِن مجموع ما ذَكروا أنّ بعضَ المنافقين كان مع النبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في غزوة تبوك فقال : ( ما رَأيْنا .. ) يقصد بذلك النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم والصحابةَ رضي الله عنهم
قال : ( ما رَأيْنا مِثلَ قُرّائنا هؤلاء أرغبَ بُطونًا -يعني : أكْثَرَ أكلًا- ولا أَكذَبَ أَلسُنًا ، ولا أَجْبَنَ عند اللقاء )
فَسَمِعَه عَوْفُ بن مالِك ، فقال : ( كَذَبتَ ، واللهِ لَأُخبِرَنَّ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم )
فذهبَ عَوْفٌ فإذا بِهذه الآية نَزَلَت قَبْلَ مَجِيءِ عَوفٍ رضي الله عنه
فجاءَ ذلكم الرَّجُل المُنافِق لِيَعتَذِرَ
فكانَ صلّى الله عليه وآله وسلّم لا يزيدُ على قَوْلِه { أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ }
ولا يَلتَفِتُ إِلَيْهِ عليه الصلاة والسلام
هذا الأصل يتضمّنُ عِدَّةَ فوائد
مِن الفوائد:
الاستهزاءُ بالله أو بِرُسُلهِ عليهِم الصلاة والسلام أو بِشَرعِه أو بِآياتِه عزّ وجلّ ( الآيات الشَّرعِيَّة وهي القرآن أو الآيات الكَونِيَّة كَالشَّمس والقمر ) كَأَن يَسْتَهزِئَ بِهِما
هذا كُـــــفْـــــــرٌ بِالله عزّ وجلّ وَلَوْ كان على سبيل المِزاح
لأنّ هذا الرَّجُل أَتَى فقال : ( يا رسولَ الله ، إنّما كنّا نتحدَّثُ بهذا الحديث نُقَطِّعُ بهِ عنّا عَناءَ الطريق ) . فقرأ عليه صلّى الله عليه وآله وسلّم { أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ }
ومن الفوائد:
أنّ بعضًا مِن الناس قد يأتي بِالنُّكَت ويُؤَلِّفُها ويَخْتَلِقُها ، وبَعضُهم يَنقُلُها مِن باب الضَّحِك والمِزاح . ولا يدري أو أنّه يدري مِن أنّ في مَضامِينِها فيه استهزاء بِالدِّين أو بِالشَّرْع
فَالإسلامُ لا يَنهَى المسلم عن أن يُدخِلَ السُّرورَ على نفسِه
فكان النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في أحاديثَ كثيرةٍ كانَ يُمازِح أصحابَه ولَكِنْ لا يَقولُ إلّا حقًّا ، ومِن غَيرِ كَثْرَة ؛ لأنّه ثَبَتَ عند التِّرمِذيّ قَولُه صلّى الله عليه وآله وسلّم (( لا تُكثِر الضَّحِك ؛ فإنّ كَثْرَةَ الضَّحِك تُمِيتُ القلبَ ))
ومن الفوائد:
أنّ مَن استَهزَأَ بِالله وبِشَرْعِه وبِدِينِه في عَقْلِه خَلَل
سبحانَ الله !!
لَمْ يَبْقَ لِهذا المُستَهزِئ إلّا أن يَسْتَهزِئَ بِالله العظيم الجبّار وبِشَرْعِه أو بِآياته !!
فدلّ هذا على أنّه لا يُـقـدِم على هذا إلّا مَن هو سَفِيهُ الرَّأْي ضَعيفُ العَقل
ومن الفوائد:
أنّ هذا الرَّجُلَ تَكَلَّمَ وَحْــدَهُ – الذي هو المُنافق – فَعَمَّمَهُم الله عزّ وجلّ بِالحُكْم مَعَ أنّ القائِلَ وَاحِد
لِمَ ؟ لأنهم سكتوا
فإذا كُنتَ في مَجلِس يُسخَرُ فِيهِ بآياتِ الله . أو كُنْتَ مُتابعًا لِأَحَد في صَفَحات وسائل التواصل مِن تويتر وغَيرِه مِمَّن يَستهزِئُ بِدِين الله و بِشَرعِ الله ، فلا يجوزُ لكَ أن تُتابِعَه أو تَبقَى مُتابِعًا له ، بل يَجِبُ أن تَحذَرَ وأن تُحذِّرَ منه
جَمَعَهُم ، مَع أنّ القائل وَاحِد
قال تعالى { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)} سورة النِّسَاء
ومن الفوائد:
أنّ عوْفَ بنَ مالِك رضي الله عنه لمّا قال ( كذَبتَ ، لَأُخبِرَنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لمْ يَكُن نَمّامًا معَ أنّه نَقَلَ الحديثَ
لأَنّ نَقْلَ الحديث يَكُونُ على نَوعَين :
– إذا نُقِلَ الحديث مِن باب الإفساد فتكونُ نَميمة
– إمّا إذا نُقِلَ الحديث كَحالِ عَوفٍ رضي الله عنه مع هؤلاء المنافقين مِن أَجْلِ الإصلاح فإنّ هذا لا يُعَدُّ مِن النَّميمة
ومن الفوائد:
أنّ ما قالَه هذا المُنافق مِن هذه الصِّفات الذميمة لا تَصدُق على النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ولا على صحابتِه رضي الله عنهم وإنّما تَصدُقُ على المُنافقين ؛ فهم جُبَناء ، كَذَبَة ، يأكُلونَ الكثيرَ مِن الطعام
– أمّا كَثرةُ أَكلِهِم مِن الطعام فَكَما قال صلّى الله عليه وآله وسلّم في الصَّحيحَين (( وَإِنَّ الكافِرَ لَيَأكُلُ في سَبْعةِ أمْعاء ))
وَأَمَّا كَونُهُم كَذَبَة ، قال تعالى { … وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)} المنافقون
– وَأَمَّا كونُهُم جُبَناء ، فَفِي آياتٍ كثيرة ، مِنها ما جَرَى في غَزوةِ الأحزاب
قال تعالى { يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ } يعني المنافقين
{ يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا .. }
يعني هؤلاء ، يَوَدّ هؤلاء المنافقون أنّهم في الصحراء ؛ حتّى لا يَلتَقوا بِالأحزاب الذين هُم كُفّارُ قريش
{ { يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ ۖ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا }
: ومِن الفوائد
مِن الأعذار مالا يَنبَغي قَبُولُه
الأصل أنّ الإنسان يَقبَل العُذر ، لَكِنْ بعضُ الأعذار لا تُـقْـبَــل ، ولا ينبغي قَبولُها
فَهذا الرَّجُل لَمّا قال في النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وصحابَتِه الكِرام ما قالَ . النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لا يلتَفِتُ عليه ولا يزيدُ على قوله { أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ }
: ومِن الفوائد
أنّ عائشةَ رضي الله عنها بَرَّأَها الله عزّ وجلّ كما ذَكَرَ في سورة النُّور ، بَرَّأَها وبَيَّنَ أنّها طاهرةٌ مِن الزِّنى . فَــمَـــنْ قَذَفَها بَعْدَ ذلك فَهُوَ كَافِرٌ بِالله عزّ وجلّ . لِمَ ؟
لأنّه كَذَّبَ الله الذي ذَكَرَ عزّ وجلّ بَراءَتَها
وكذلك على القَوْل الصحيح لَوْ أنّ شخصًا قذَفَ إحدى زوجات النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كَأُمِّ سَلَمَة وما شابَهَ هؤلاء رضي الله عنهنّ . فإنّه يَكفُر
لِمَ ؟
لأنّ اللهَ عزّ وجلّ ما دافعَ عن عائشة إلّا لِكَوْنِها زوجةً لِلنّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم
فَبَقِيّةُ زوجاتِه لَهُنّ مِن الحُكْم ما كان لِعائشةَ رضي الله عنها
: ومِن الفوائد
سَبُّ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم
ذَكَرَ شيخُ الإسلام -رحمه الله- كما في الصَّارِم المَسلُول ، وذَكَرَ الإمامُ المُجَدِّد محمّد بن عبدالوهّاب مِن مجموعِ ما ذَكَرَه أَهْلُ العِلم مِن أنّ سَبَّ الصحابة رضي الله عنهم يَكُونُ كُفْرًا في هذه الحالات :
– أوّلًا : مَن استَباحَ سَبَّهُم ( بِمَعْنَىٰ أنّه يقول : إنّ سَبَّهُم حلال ) فإنّه يَكفُر ؛ لِأنّه استحلَّ أمرًا مُحرَّمًا
– الحالةُ الثانية : مِن أنّه يَعتَقِد ويَزعُم مِن أنّ الصحابةَ رضي الله عنهم قد ارتَدُّوا عن دِينِ الله إلّا قليلًا ، فإنّه يَكفُر
– الحالةُ الثالثة : مَن زَعَمَ أنّ عامّة الصحابة رضي الله عنهم قد فَسَقوا ، فإنّه يَكفُر
– الحالةُ الرابعة : مَن سَبَّ مَن تَواتَرَ الثناءُ عليه كالشَّيْخَين أبي بكر وعُمَر رضي الله عنهما ، فإنّه يَكفُر
– وحتّى في بعض الحالات التي قال فيها بعضُ العُلماء مِن أنّه لا يَكفُر . ماذا قال الإمام أحمد ؟
قال : أيُّ سَبٍّ وَلَوْ قَلَّ في أَحَدٍ مِن الصحابة رضي الله عنهم -وَلَوْ قلَّ- حُكْمُه أن يُعَزَّر
أنْ يُعَزِّرَه وَليُّ أَمْرِ المسلمين بِأَنْ يَحبِسَه ، فلا يَـخْـرُج مِن السِّجن حَتَّىٰ يتوبَ ويُظهِرَ تَوبَتَه
لماذا كُلّ هذا ؟ لِمَ ؟
لِأنّ الصحابةَ رضي الله عنهم إذا قُدِحَ فيهِم ، ما الذي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ؟
يَتَرَتَّبُ عليه مَحاذير عظيمة خطيرة :
– أوّلًا : فيه قَدْحٌ للهِ عزّ وجلّ
قَدْحٌ لله ؛ لأنّه على هذا السَّبّ فهو عزّ وجلّ -وَتَعَالَىٰ الله عن ذلك- على قَوْلِ هذا القائل مِن أنّ اللهَ لَمْ يَختَرْ لِنَبِيِّه صلّى الله عليه وآله وسلّم الصُّحبة الطَّيِّبة
– ثانيًا : فيه سَبٌّ وقَدْحٌ في النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم
على قَولِ هذا القائل مِن أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم لَمْ يُحسِن اختيار الصُّحبَة ، إذ صَحِبَ هؤلاء -على زَعْمِ هذا القائل
ثالِثًا : قَدْحٌ في القرآن ؛ لأنّ القرآن أثنى عليهم في آياتٍ كثيرة
وأيضًا مَن الذي نَقَلَ إلينا القرآن مِن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ونَقَلَه عن الصحابة همُ التابِعون إلى أن وَصَلَنا ؟ هُــمُ الصحابة رضي الله عنهم
فَفِي هذا مَحاذير عظيمة
فدلّ هذا على خُــطـــورة ماذا ؟
على خُــطـــورة الاستِهزاء بِالله وبِالرُّسُل عليهم السلام وبِالكُتُب المُنَزَّلة وبِآيات الله وبِصحابة رَسُولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم
هذا أصلٌ عظيم بهِ هذه الفوائد ونَقتَصِرُ عليها
الأصلُ الثامن والسبعون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مَن أعطاهُ الله عزّ وجلّ النِّعَم فَلَم يَشكُر اللّهَ عزّ وجلّ عليها ، فهو قادرٌ عزّ وجلّ على أن يَسلُبَ تلكَ النِّعَم مِنْهُ في لَمْحَةِ بَصَر وَلَو بَلَغَ مِن المُلك والقُوّة والثراء ما بَلَغ
في الصَّحِيحَين قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ” إنّ ثلاثةً في بَنِي إسرائيل أبْرَص وأقْرَع وأَعمَى أرادَ اللهُ أن يَبْتَلِيَهُم فَبَعَثَ إليهم مَلَكًا، فَأَتَى – يعني أتى المَلَك – فَأَتَى إلى الأبرص فقال : أيُّ شَيْءٍ أحبُّ إليك ؟ قالَ : جِلدٌ حَسَن ولَونٌ حَسَن ، ويَذهَبُ عَـنِّي هذا الذي قَذِرَني النَّاسُ بهِ . فَمَسَحَه ، فَذَهَبَ عنه قَذَرُه ، وأُعْطِيَ جِلدًا حَسَنًا ولَونًا حَسَنًا . فَقالَ لهُ : أَيُّ المالِ أَحَبُّ إليك ؟ قالَ : الإبِل . فَأُعْطِيَ ناقةً عُشَراء – يعني أُعْطِيَ ناقةً حامِلًا – فَقالَ : باركَ اللهُ لكَ فيها
ثُمَّ أتى إلى الأقْرع ، فَقالَ لهُ : أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إليك ؟ فقال : شَعْرٌ حَسَن ، ويَذهبُ عَنِّي هذا الذي قَذِرَني الناس . فَمَسَحَه ؛ فَذَهَبَ عَـنْـهُ وأُعطِيَ شَعْرًا حَسَنًا . ثُمَّ قال : أيُّ المالِ أَحَبُّ إليكَ ؟ قال : البَقَر . فأُعطِيَ بقرةً حامِلًا فقال : باركَ اللهُ لكَ فيها
ثُمَّ أتى إلى الأعمى فُقال : أيُّ شَيْءٍ أحبُّ إليك ؟ فقال : يَرُدُّ الله عليَّ بَصَرِي ، فأُبْصِرُ به الناس ، فَمَسَحَه ؛ فَذَهَبَ عَـنْـهُ . فَقالَ : أيُّ المالِ أَحَبُّ إليك ؟ قالَ : الغَنَم . فأُعطِيَ شاةً والِدًا
فكانَ لِهَذَا وادٍ مِن الإبل ، ولِهذا وادٍ مِن البَقَر ، ولِهذا وادٍ مِن الغَنَم
ثُمَّ أَتَى – يَعني المَلَك – ثُمَّ أَتَى على صُورَتِه وهَيئَته إلى الأبرص فقال : رَجُلٌ مِسكين انقَطَعَت بِيَ الحِبال في سَفَري ، فلا بَلاغَ لِيَ اليوم إلّا بِاللهِ ثُمَّ بِـكَ ، أسألُكَ بِالذي أعطاكَ اللونَ الحَسَن والجِلدَ الحَسَن والمال بَعيرًا أتَبَلَّغُ بهِ في سَفَرِي . فَقالَ لهُ الأبرص : الحُقوقُ كثيرة . فَقالَ المَلَك : كَأنِّي أَعْرِفُك ، أَلَمْ تَكُنْ أبْرَص فَشَفاكَ الله ، وكُنتَ فقيرًا فأغْناكَ الله ؟! فقال : إنّما ورِثتُ هذا المال كابِرًا عن كابِر (يعني : عن شَريف مِن شَريف ، أو عن أب إلى جَدّ إلى جَدّ) فَقالَ لهُ : إن كُنتَ كاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللهُ إلى ما كُنتَ
ثُمَّ أَتَى إلى الأقْرع فَقالَ لهُ مِثْلَ ما قال لِلأبرص ، فَردَّ عَلَيْهِ الأقرَع مِثْل ما رَدَّ عليه الأبرص
ثُمَّ أَتَى إلى الأعمى فَقال : رَجُلٌ مِسكين وابنُ سَبيل انقَطَعَت بِيَ الحِبال في سفَري ، فلا بَلاغَ لِيَ اليوم إلّا بالله ثُمَّ بِكَ . أسأَلُكَ بالذي ردَّ عليكَ بَصَرَك شاةً أَتَبَلَّغُ بِها في سَفَرِي . فَقالَ الأعمى : قد كُنتُ أعمى فَرَدَّ اللهُ إليَّ بَصَري ،وكنتُ فقيرًا فَأغْنانِي الله ، فَخُذْ ما شِئتَ ودَعْ ما شِئت ، فَوَالله لا أَجْهَدُكَ شيئًا أَخَذتَهُ لِلّه فَقالَ لهُ : أَمسِكْ مالَك ، فإنّما ابتُلِيتُم ، فَقَدْ رَضِيَ اللهُ عنكَ ، وسَخِطَ على صاحِبَيْك “
هذا الحديثُ لهُ فوائدُ كثيرة جدًّا ، لَكنّني أقْتَصِرُ على الفوائد المُتعلِّقة بِالتَّوْحِيدِ ، وتلكَ الفوائد هي بِمَثابةِ الأصول :
▪مِن الفوائد
أنّ الأبرصَ والأقرَعَ ، سَأَلَا ماذا ؟
الجِلد الحَسَن واللَّون الحَسَن ، وذاكَ سألَ الـشَّعرَ الحَسَن
لَكِنَّ الأعمى بهِ قَناعَة قال : يَرُدُّ اللهُ إلَيَّ بَصَري ، فَأُبْصِرُ به الناس . لَمْ يَقُل أُريدُ بَصَرًا ثاقِبًا
وهذا يدلّ على ماذا ؟
يدلّ على ما قالهُ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما عِنْدَ مُسلم ” إنَّ اللهَ لا يَنظُرُ إلى صُوَرِكم ، وَلَكِنْ يَنظُرُ إلى قُلوبِكم وأَعمالِكم”
▪وَمِنَ الفوائد
أنّ المَلَك فَـعَـلَ الـسَّــبـَب ، مَسَحَ على الأبرص والأقرع والأعمى فَشَفاهُم اللهُ عزّ وجلّ بِسَببِ هذه المَسْحَة
فدلّ هذا على ماذا ؟
على فِعْلِ الأسْباب
▪وَمِنَ الفوائد
أنّ الأبرص بهِ نَوعٌ مِن أنْواعِ الكِبْر بِخِلاف الأعمى فَبِهِ التواضع ، لِأنّه مِن حيثُ الأصل إِنْ لَمْ يَعْصِمِ اللهُ عزّ وجلّ صَاحِبَ الإبِل وإلّا وَقَعَ في الكِبر والخُيَلاء
هذا الأبرص طَلَبَ ماذا ؟ طلبَ الإبل
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما عِنْدَ مُسلم قال “الكِبر والخُيَلاء في أهلِ الإبِل”
وقال “والسَّكِينةُ (التَّواضُع) في أهلِ الغَنَم”
▪وَمِنَ الفوائد
أنَّ هذا المَلَك سَأَل اللهَ عزّ وجلّ مُتَوَسِّلًا بأفعالِه ، فأفعالُ الله يُـؤخَـذُ منها صِفات لِلّه عزّ وجلّ . ولِذا ماذا قال له ” أسألُكَ بالذي أعطاكَ اللونَ الحَسَن والجِلدَ الحَسَن “
مَن الذي أعطاهُ ؟ هو الله
فِعْلٌ مِن الله ، صِفَةٌ مِن صِفات الله
ودلّ هذا على أنّ التَّوسُّلَ لايجوزُ إلّا في ثلاثِ حالات . ما عَدَاها فَهُوَ تَوَسُّلٌ مَذمومٌ بَعْضُهُ يُوقِعُ صاحِبَه في الشِّرك
التَّوَسُّلُ الجائز ثلاثةُ أنواع :
– مِن التَّوَسُّل الجائز : أن تَتَوَسَّلَ إلى الله بِأسمائه وبِصِفاته
كَأَن تقول : يا الله ، يا رحمن ارحمني ، يا غَنيّ أغْنِني
أو بِصِفَةٍ مِن صِفاته : بِرَحمَتِكَ أَسأَلُكَ كذا وكذا
–النوع الثاني مِن أنواع التوسُّل الجائز
أن تَتَوَسَّلَ إلى الله بِدُعاء الصَّالِحِين ، لا بِذَواتِهِم . كأنْ تأتِيَ إلى شخصٍ صَالِح وتقولُ له : ادْعُ لي
لَكِن انْتَبِهْ ، إذا قُلتَ لهُ ادعُ لي ، فأنتَ تُريدُ ماذا ؟ أن تَنفَعَه وأن تَنفَعَ نفسَك . لِمَ ؟
لِأَنَّه إذا دَعا لكَ ، فَهُناك مَلَك ، إذا دَعا المسلمُ – كما جَاءَ في الحديث الصحيح – ” إذا دَعا الْمُسْلِمُ لِأَخيهِ في ظَهرِ الغَيب فيقولُ المَلَك : وَلَكَ بِالمِثل “
ولذلك في النوع الثاني تَوَسَّلَ الصحابةُ رَضِيَ الله عنهم بِدُعاء العبّاس بن عبدالمُطّلِب . فقامَ العَبّاس فسألَ اللهَ أن يَسقِيَهُم المطر في عَهدِ عُمَرَ رَضِيَ الله عنه
أمّا النَّوع الأوّل فَدَلِيلُه قوله تعالى { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا }
–النوع الثالث مِن أنواع التَّوَسُّل الجائز :
أن تَتَوَسَّلَ إلى الله بِعَمَلٍ صالحٍ قُمْتَ به أنتَ لَمْ يَقُمْ به غيرك
كَأَن تقول : ياربِّ ، إن كان هذا العَمَل ابْتِغَاء وَجهِك فَفَرِّج عنّي أو فَارزُقْني . فهذا جائز
ولذلك ، أولئك الثلاثة الذين انطَبَقَت عليهم الصخرة ، سَأَلوا اللهَ بِأَحَبِّ الأعمال إليهم حَتَّىٰ انفَرَجَت عنهم الصخرة ثُمَّ خَرَجُوا
فَالمَلَك ماذا قال ؟
” أَسأَلُكَ بالذي أعطاكَ اللَّونَ الحَسَن والجِلدَ الحَسَن والمال ، بعيرًا أَتَبَلُّغ به في سَفَري “
▪وَمِنَ الفوائد
أنّ المَخلوقَ إذا ذُكِرَ مع الله في أمْرٍ يستطيعُه المَخلوق لابُدَّ أن تأتِيَ بكلمة ( ثُمَّ)
ولذلك المَلَك ماذا قال ؟
)” فَلا بَلاغَ لِيَ اليومَ إلّا بِاللهِ ثُمَّ بِـكَ ” ( ثُمَّ بِك
) هذا إذا كان قادِرًا على هذا الشيء ، تأتي بكلمة ( ثُمَّ
أمّا لو قُلتَ ( إلّا بِاللهِ وبك ) فهذا شِركٌ أصغر
فإن أردتَ أنّه مِثْلُ الله تَمامًا : فَيَكُونُ شِركًا أَكبَر
▪وَمِنَ الفوائد
أنّه يجوزُ أن تُعَلِّق دُعاءَك على شَرط ، فهذا المَلَك ماذا قال ؟
قال ” إن كُنتَ ” – هُنا شَرطِيّة –
” إن كُنتَ كاذبًا ، فَصَيَّرَكَ اللهُ إلى ما كُنت ..”
ولذلك لو أنّ الإنسان مثلًا في دُعائه يقول : يا ربِّ إن كانَ هذا الشيء فيه خَيْرٌ لي فَيَسِّرهُ لي .
هذا جائز . بِشَرط أن يكون المقصود أنَّك تُفَوِّضُ أَمْرَك إلى الله في مِثْل هذا الشيء المطلوب
ولذلك شُرِعَتْ لنا الاستِخارة كما عند البخاريّ ( اللَّهُمَّ إن كُنتَ تعلم هذا الأمر خَيْرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري وآجله ، فَاقدُرْهُ لي ) مِن باب تفويض الأمر إلى الله ؛
لأنّكَ ما تدري هل المَصلَحَة في هذا الأمر الذي سألتَ اللهَ هذا الشيء أم أنَّك لا تدري هل المصلحة في غَيره . فالله أَعْلَمُ بذلك
لَكِنْ لَوْ أنّ الإنسان قَيَّدَ دُعاءَهُ بِشَرطٍ مُستَغنيًا عن الله . هذا حرام
ولذلك ماذا قال صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثَبَتَ عنه ” لا يَقُل أحَدُكُم : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي إن شِئتَ ، اللَّهُمَّ ارحمنِي إن شِئتَ . لِيَعزِم المسألة “
▪ومِن الفوائد
أنّ الإنسانَ لَوْ قالَ إذا سُئل : يا فُلان ، ماهذا المال الذي لديك ؟ كيف تَحَصَّلتَ عليه !
لَوْ قالَ : وَرِثْتُهُ مِن آبائي وأجدادي أو مِن كابِر إلى كابِر على سبيل الخَبَر . فلا إشكالَ في ذلك ، فلا حَــرَجَ ؛ لِأَنَّ الإرث جَعَلَهُ الشَّرع سَبَبًا لِلتَّمَلُّك . هذا مُجرّد خَبَر ، يُخبِرُهُ
لَكِنْ هُنا ، هذا الأبرص لمّا قال ( وَرِثتُه كابِرًا عن كابِر ) ماذا أراد ؟
أرادَ أن يَنسُبَ النِّعمةَ إلى غيرِ الله ، أرادَ أن يَنسُبَ النِّعمةَ إلى غير الله ، أن يَنسُبَها إلى أشرافِه وإلى آبائه وإلى أجدادِه .
كما قال قارون { قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي … } لكنّ الإنسان إذا أَخْبَرَ مُجرّد خَبَر ،
مِن أين هذا المال ؟
وَاللهِ ، ماتَ أبي . أو مات فُلان الذي أَرِثُهُ ، فَوَرِثْتُ هذا المال . فلا حَــرَجَ في ذَلِكَ على سبيلِ الإخبار
▪وَمِنَ الفوائد
أنّ هذا الأعمى شَكَرَ الله ، فَرَضِيَ الله عنه
شكرَ الله بِأركانِ الشُّكْرِ الثلاثة
الــشُّـــكــر لا يَتمّ إلّا بِثلاثةِ أركان :
– أن تَشكُرَ الله بِلِسانك : مُتَحَدِّثًا بالنِّعمة تواضُعًا لِلّه ، لا مِن أجْلِ التَّكَبُّرِ على الناس { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ }
– أن تَشكُرَ الله بِقَلبِك : فَتَعْتَقِد أنّ هذه النِّعمة مِن الله لا مِن حَوْلِك ولا مِن قُوَّتِك ولا مِن تِجارتِك ولا مِن ذكائك . لا كما قاله قارون { قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي }
ولذلك ماذا قال تعالى { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّه }
– أن تَشكُرَ الله عزّ وجلّ
هو الرُّكنُ الثَّالِثُ : أن تَشكُرَ الله بِجَوارِحك ، قال تعالى { … اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ }
هذا الأعمى أَتَى بِأركان الشُّكر الثلاثة
▫الشُّكرُ بِالقلب وبِاللسان وبِالجوارِح
ماذا قال ؟
قال ( قد كنتُ أعمى فَرَدَّ الله إلَيَّ بَصَري ، وكنتُ فقيرًا فَأغْنانِي الله )
▫تَحَدُّث بِنِعمةِ الله عزّ وجلّ . نَطَقَ بها على لِسانه
▫الشُّكرُ بِالجَوارح : ماذا قال له ؟ ( خُذْ ما شِئتَ وَدَعْ ما شِئتَ ) ( خُذْ ما شِئتَ وَدَعْ ما شِئتَ )
) الشُّكرُ بالقلبِ ، قال ( فَوَاللهِ ، لا أَجْهَدُكَ شيئًا أَخَذتَهُ لِلّهِ
دليلُ الإخلاص ودليلٌ على صِدقِ ما في قَلْبِهِ
هذه فوائد هي بِمثابة الأصول تحت هذا الحديث الذي يَندرِج تحتَ ماذا ؟
تحتَ هذا الأَصْل العظيم : ( إذا أعطاكَ الله عزّ وجلّ نِعمةً فَاشكُرِ اللهَ عزّ وجلّ عليها ، فإن لَم تَشكُرِ اللهَ ، فَاللهُ قادِرٌ على أن يُزيلها مِنْكَ في لَمحَةِ بَصَر وَلَوْ بَلَغْتَ مِنَ المُلْك والقُوّة والثراء والخَدَم والحَشَم ما بَلَغْتَ )
الأصلُ التاسع والسبعون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ضرورة تعلم أسماء الله وصفاته
قال الله تعالى { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
وهذه الآية تندرج تحتها عدة فوائد ، تلك الفوائد بمثابة الأصول في مثل هذا الأصل الذي هو توحيد الأسماء والصفات
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــ
الله جل وعلا أمرنا أن ندعوه بأسمائه وهذا يلزم منه أن نتعلم هذه الأسماء وإلا فكيف ندعو الله عز وجل بأسمائه ونحن لا نعلمها ؟! فدل هذا على ماذا ؟
على ضرورة تعلم أسماء الله عز وجل وصفاته
من الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــ
الله جل وعلا أمرنا بأن نتدبر القرآن وأعظم الآيات التي تتدبر هي الآيات المتعلقة بأسماء الله وصفاته
قال تعالى { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ }
ولذا :
لِم كانت سورة الفاتحة أعظم سورة ؟
لِم كانت آية الكرسي أعظم آية ؟
لِم كانت سورة الإخلاص { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } لم تعدل ثلث القرآن ؟
لم ؟
لأنها تضمنت التوحيد ومن ذلك توحيد الأسماء والصفات
ومن الفوائد :
ـــــــــــــــــــــ
أن التفقه في معاني أسماء الله عز وجل وصفاته تزيد العبد محبة لله وخوفا من الله ورجاء لما عند الله وتجعل العبد يحسن الظن بالله عز وجل
كيف ؟
إذا علمت بأن الله عز وجل هو التواب فإنه سيقبل توبتك
إذا علمت بأن الله عز وجل هو الغفور فإنه سيغفر ذنبك
إذا علمت بأن الله عز وجل هو الرزاق فإنه سيرزقك
إذا علمت بأن الله عز وجل هو الشافي فإنه سيشفي مرضك
إذا علمت بأن الله عز وجل هو الجبار ومن معاني الجبار جبر الرحمة فإنه سيجبر كسرك ويرفع ذلك
إذا علمت بأن الله هو الوكيل فإنه عز وجل يتولى أمورك ويتولى مصالحك
فدل هذا على ماذا ؟
وهذه مجرد أمثلة
فدل هذا على أن من تفقه في معاني أسماء الله عز وجل وصفاته زاده ذلك محبة لله وخوفا من الله ورجاء لما عند الله وحسن ظنه بالله عز وجل
ومن الفوائد :
ـــــــــــــــــــــ
الله جل وعلا يحب من العبد أن يثني عليه وذلك بذكر كثير من أسمائه عز وجل وبذكر كثير من صفاته ، ولذا :
فيما يتعلق بالأسماء : الله جل وعلا يفصلها ويذكرها وتأمل سورة الحشر في أواخرها { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ } انظر ما بعدها ؟
أسماء ذكرت تباعا { هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ } أيضا الآية التي بعدها { هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى }
ومن الفوائد :
أسماء الله عز وجل وصفاته لا تحصى ، فقول النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين ( إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة ) ( من أحصاها ) يعني من علمها وحفظها وعمل بمقتضاها دخل الجنة ولذلك في إحدى روايتي مسلم ( إن لله تسعة وتسعين اسما من حفظها دخل الجنة )
فهي ليست محصورة في تسعة وتسعين اسما بل هو جل وعلا ذكر في كتابه وذكر النبي عليه الصلاة والسلام في سنته هذه الأسماء من أجل أن نتعلمها وأن نحفظها وأن نبحث عنها وأن نتدبر في القرآن وفي السنة
ولذا : فهي لا تحصى
ولذلك : في المسند في حديث تفريج الهم ( أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك ) ماذا قال ؟ ( أو استأثرت به في علم الغيب عندك ) دل هذا على أن هناك أسماء له عز وجل استأثر جل وعلا بعلمها
ومما يؤكد هذا في حديث الشفاعة :
النبي عليه الصلاة والسلام يأتي فيقول ( فأحمد الله بمحامد يفتحها علي )
ومن الفوائد :
أسماء الله عز وجل وصفاته تثبت من غير أن تحرف في معانيها ومن غير أن تنكر ومن غير أن تكيف بمعنى لا يقال كيفيتها كذا وكذا
لها كيفية ؟ نعم
لكن هذه الصفات نحن نجهل كيفيتها لكن علينا أن نتعلم من حيث اللغة معنى الاستواء ومعنى الجبار ، وما شابه ذلك ، أما الكيفية فعلمها عند الله
ولذا قال الإمام مالك رحمه الله وسبقه في ذلك من سبقه من السلف ” الاستواء معلوم ” { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } الاستواء معلوم : من حيث اللغة وهو الارتفاع والعلو
” الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه ـ يعني عن الكيفية ـ بدعة “
ومن الفوائد :
ـــــــــــــــــــــ
الله جل وعلا إذا نفى عن نفسه اسما أو نفى عن نفسه صفة وكذلك النبي عليه الصلاة والسلام إذا نفى اسما أو صفة عن ربه عز وجل فواجب عليك مع نفيها أن تثبت كمال الضد
كيف ؟
{ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } نفى الظلم عز وجل عن نفسه لا تسكت وإنما تزيد فتقول : لكمال عدله
{ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } نفى عن نفسه الغفلة ، لم ؟ لكمال علمه
نفى عن نفسه النعاس والنوم { لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ }
لم ؟ لكمال حياته وقيوميته عز وجل
ومن الفوائد :
ـــــــــــــــــــــ
تحت هذه الآية الكريمة :
أن قوله تعالى { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } يعني بلغت الكمال في الحسن وكما أن أسماءه بلغت الكمال في الحسن فكذلك صفاته ، ولذا قال تعالى { وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى } يعني الصفات العلا { وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } فهو جل وعلا لا يشابهه أحد لا في أسمائه ولا في صفاته عز وجل ، وله ما يليق به جل وعلا ما يليق بجلاله وبعظمته
ومن الفوائد :
ـــــــــــــــــــــــــ
أن من أنكر أسماء الله أو شيئا منه وكذلك الصفات من أنكرها أو حرَّف معانيها أو كيَّفها أو أثبت لله عز وجل ما لم يثبته لنفسه وما لم يثبته له رسوله عليه الصلاة والسلام فإنه وقع في الإلحاد بحسب مراتب هذا الإلحاد
ولذلك قال { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا } يعني اتركوا على سبيل التهديد { وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
ومن الفوائد :
ـــــــــــــــــــ
أسماء الله وصفاته لا نهاية لها كما أنه لا نهاية له عز وجل فلا نهاية لأسمائه ولا نهاية لصفاته ، فهي لا تفنى { وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا }
ولذا : قال الله عز وجل { قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا }
وفي الآية الأخرى { وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ }
معنى هاتين الآيتين على وجه الإجمال :
أن البحر لو كان مدادا بمعنى أنه لو كان حبرا توضع فيه الأقلام لو كان البحر مدادا وأوتي ببحر آخر وببحر وببحر وببحر وببحر وكذلك كما في الآية الأخرى { سَبْعَةُ أَبْحُرٍ } ليس للتقيد وإنما لو أتي ببحار وببحار وببحار وأوتي على كل شجرة شجرة شجرة في الدنيا فجعلت تلك الأشجار أقلاما من أجل أن تكتب كلمات الله لنفدت مياه البحار ولتكسرت ولنفدت هذه الأقلام ولم تنفد كلمات ربي ، لم ؟
لأنها ليست مخلوقة فهي صفة من صفاته أما البحار وأما الأشجار فهي مخلوقات
ولذا قال عز وجل { وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى } { هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
هذه بعض الفوائد وإلا فتوحيد الأسماء والصفات الذي يغفل عنه كثير من الناس من تأمله وتدبره وأكثر من التعلم له زاده ذلك محبة في الله وخوفا من الله ورجاء لما عند الله وحسن ظنه بالله عز وجل
هذه فوائد تحت هذه الآية وهي بمثابة الأصول وهذه الأصول لها تتمة بإذن الله لأنها مهمة
الأصلُ الثمانون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يجوزُ لِلمُسـلم إذا دَعا اللهَ عزّ وجلّ أَوْ دَعا لِغَيرِه أن يقولَ في دُعائهِ ( إن شاءَ الله )
قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في الصَّحيحَين (( لا يقولنّ أحَدُكُم : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي إن شِئتَ ، اللَّهُمَّ ارحَمْني إن شِئتَ ، لِيَعزِم المَسْألَة ؛ فإنّهُ لا مُكْرِهَ لَهُ ))
وعند مُسلم (( .. وَلْيُعَظِّمِ الرَّغبةَ . فَإنَّهُ لا يَتَعاظَمُهُ شَيءٌ أعْطاهُ ))
وهذا الحديثُ تَنْدَرِجُ تحته عِدَّةُ فوائد هي بِمَثابَة الأُصول
▪مِن الفوائد :
أنّ قَوْلَ ( إن شاءَ الله ) في الدُّعاء مُحَرَّمٌ لِهذهِ الأسباب الثلاثة المَذكورة في هذا الحديث ، وَهِيَ :
أوّلًا : أنّ قولَه ( إن شاءَ الله ) يُشْعِرُ بأنَّ العَبْدَ يَظُنُّ أنّ هُناكَ مَن يَمنعُ اللهَ عزّ وجلّ مِن تَحقيقِ دَعوَتِهِ لأنّه قال في الرِّواية (( فإنّهُ لا مُكْرِهَ لَهُ ))
ثانيًا : قد يُشْعِرُ هذا اللفظ وهو قول ( إن شاءَ الله ) في الدُّعاء مِن أنَّ العَبْدَ مُسْتَغْنٍ عَنِ الله ، ولذلك جاءت رِواية (( وَلْيُعَظِّمِ الرَّغبةَ ))
ثَالِثًا : قد يُشْعِرُ بِأَنَّهُ يَعتَقِد أنّ اللهَ عزّ وجلّ لا يستطيعُ أن يُحَقِّقَ دَعْوَتَه ، ولِذلِكَ تدلّ عليه رِواية (( فَإنَّ اللهَ لا يَتَعاظَمُهُ شَيءٌ أعْطاهُ ))
▪ومِن الفوائد :
أنّ قَوْل ( إن شاءَ الله ) وهذا كثيرًا ما يَكُونُ على اللِّسان ولا سِيَّما مِن كِبارِ السِّنِّ ، أو حَتَّىٰ مِن أعْظَمِ النَّاسِ يقولونَ في الدُّعاءِ مِثَلًا [ الدُّعاء وخُصوصًا مِن الوالِدَين : اللهُ يَرزُقُك إن شاءَ الله ، اللهُ يُوَفِّقُكَ إن شاءَ الله ] يدعونَ لهُ بِتِلك الدَّعَوات ويَأتُونَ بِالمَشيئة . فَلْيُتَنَبَّه .
وإن كانوا لا يَقصُدون . لَكِنْ يُتَنَبَّه .
وهذا – حَتَّىٰ لا يَخْتَلِط الأمر- يَختَلِف عن الخَبَر :
مَثَلًا لوقُلتُ :
سَأُسَافِر . لا بدّ أن أقول ( إن شاءَ الله ) .
سأذْهبُ إلى ذَلِكَ المكان إن شاءَ الله . لأنّه خَبَر
ولذلك في الحديث عِنْدَ أبي دَاوُدَ (( كانَ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم إذا أفْطَرَ – يعني مِن صَوْمِه – قال : ذَهَبَ الظَّمَأ وابْتَلَّتِ العُروق وثَبَتَ الأجرُ إن شاءَ الله ))
هذا ليسَ دُعاءً . هذا خَبَر وإن كانَ يَتَضَمَّن الدُّعاء .
إِذَن ، خُلاصَةُ الْقَوْل :
– إذا كانَ الإنسانُ سَيُخْبِرُ عن شيء ، فَلْيَقُل 🙁 إن شاءَ الله )
{ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ..}
– لَكِنْ حِينَما تَدعو لِنَفْسِك أو تَدعو لِغَيْرِك فلا تَقُل ( إن شاء الله )
ولِذَلِكَ في الحديث (( فَلْيَعزِم المَسْألَة ))
▪ومِن الفوائد :
أنّ الدُّعاء في تَحرِيمهِ إذا ذُكِرَ ( إن شاءَ الله ) لا يُحصَر في الرَّحمَة والمَغفِرَة ، بَلْ في كُلِّ شيء .
ولذلكَ لَوْ قال الإنسان ( اللَّهُمَّ ارزُقني إن شِئتَ ) فلا يَجُوز .
ولذلكَ في إحدى رِوايَتَي البُخَارِيّ رحمه الله (( لا يَقُلْ أحَدُكُم اللَّهُمَّ ارحَمْني إن شِئتَ ، اغْفِرْ لي إن شئت ، ارزُقني إن شِئْتَ ، فإنّ اللهَ يَفْعَلُ ما يشاء فلا مُكرِهَ له ))
▪ومِن الفوائد :
أنّ هذا الأمرَ لا يَتَعَلَّقُ بالمَشيئة .
لَوْ قالَ الإنسانُ ( اللَّهُمَّ ارحمني إذا أردْتَ يا الله ) أو ( .. إذا أَذِنتَ يا الله ) فإنّ الحُكْمَ هُوَ هُوَ .
▪ومِن الفوائد :
أنّ على المسلمَ إذا دَعا اللهَ عزّ وجلّ أن يَعزِمَ في المسألة ، أن يَعزِمَ في المسألة .
ولذلك في رِواية البُخَارِيّ (( وَلْيَعْزِم مَسْأَلَتَه ؛ فإنّ اللهَ يَفْعَلُ ما يشاء ))
وَهُنا إذا عَزَمَ العَبْدُ في دُعائه وأَلَحَّ في دُعائهِ للهِ عزّ وجلّ تَتَحقّقُ عِنْدَهُ أركان العِبادة .
ما هِيَ أركانُ العِبادة ؟
مِثْلُ هذه المسائل وَلَوْ طَرَحْناها ، مَسائل تَتَعَلَّق بالعقيدة
بعضٌ مِن الناس ، إن لَمْ يَكُنْ الأكثر ما يعْرِف ما هِيَ أركان العِبادة .
أركانُ العِبادة :
مَحبّةُ الله ، خَوْفُ الله ، رَجاءُ الله .
أنتَ إذا دَعَوْتَ اللهَ بِإلْحاح وبِعَزْم تَتَحَقَّقُ فيكَ هذه الأركان .
لأنّكَ إذا سألتَ اللهَ أن يُحَقِّقَ لكَ أمرًا نافِعًا .
هذا يدلّ على ماذا ؟
– على أنَّكَ تَرجُو الله
إذا دَعَوْتَ اللهَ عزّ وجلّ أن يُزيلَ عنكَ شيئًا مَكروهًا .
– هذا يتعلّق بِجانِب الخَوْف مِن الله
إذا أَلْحَحْتَ في الدُّعاء .
– الذي يُدْعَى يُحَبُّ . هذا مَحبّةُ الله
ولذلك لَوْ سُئِلْتَ : لماذا قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثَبَتَ في السُّنَّن (( الدُّعاءُ هُوَ العِبادَة )) ؟
لأنّ أركان العِبادة ( مَحبّة وخَوْف ورَجاء ) تَتَحَقَّق في الدُّعاء .
▪ومِن الفوائد :
أنّ قولَه صلّى الله عليه وآله وسلّم (( وَلْيُعَظِّمِ الرَّغبةَ )) كلّما عَظُمَت رَغبَتُكَ في دُعاءِ الله في الِالتِجاء إلى الله ، في الِاستِعانة بِالله ، في الِاستِغاثة بِالله كُلَّما زادَت مَحَبَّتُكَ لِلّه وأَحَبَّكَ الله وارْتَفَعَت مَنزِلَتُكَ عند الله
ولذلك لمّا ذَكَرَ الله عزّ وجلّ عدَدًا مِن الأنبياء ماذا قال كما في سورة الأنبياء لمّا أثنى عليهم ؟
{ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا }
{ يَدْعُونَنَا رَغَبًا } يعني : يَطلُبون النّفع مِن الله { وَرَهَبًا } يعني : خَوْفًا مِن الله عزّ وجلّ ، ويسألون الله عزّ وجلّ أن يُجَنِّبَهم المكروه وَالضُّرّ
{ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ }
▪ومِن الفوائد :
أَكْثِرْ مِن دُعاءِ الله عزّ وجلّ (( وَلْيُعَظِّمِ الرَّغبةَ ولْيَعزِم المَسْألَة )) فَإنَّكَ لن تَخسرَ شيئًا بَلْ ستستفيد
جاء مِن مجموع الأحاديث الصحيحة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم :
أنّ مَن دَعا الله هُوَ بَيْنَ ثلاث حالات :
– إمّا أن تَتَحَقّق لهُ دَعوَتُه
– إن لَمْ تَتَحَقَّق فقد يَصرِفُ الله عزّ وجلّ عنه مِن السُّوء والبلاء نَظير ما دَعاه ، يُمكِن أن يكونَ هذا السوء والبلاء لا يستطيع الإنسان أن يتحمّله ، فَبِتِلك الدَّعَوات التي تُريدُ مِن الله أن تتحقّق قد يَصرِفُ اللهُ عزّ وجلّ عنك البلاء نَظير تِلْك الدَّعَوات
– أو – كما جاءت بِذلك الأحاديث – تُدَّخَر لكَ أجورٌ عِنْدَ الله عزّ وجلّ يومَ القيامة
▪ومِن الفوائد :
إذا سألتَ الله عزّ وجلّ فاسألِ اللهَ كُلّ أُمنِياتك . ولذلك في الرواية (( فَإنَّ اللهَ لا يَتَعاظَمُهُ شَيءٌ أعْطاهُ ))
لا يَعظُم على الله عزّ وجلّ شيء
ولذلك في الحديث في صحيح مسلم :
(( قال اللهُ عزّ وجلّ : يا عِبَادِي لَوْ أنّ أوَّلَكم وآخِرَكم وإنسَكم وجِنَّكم كانوا في صَعيدٍ واحدٍ ، فَسَأَلني كُلُّ واحدٍ مَسأَلَتَه ، ما نَقَصَ ذلك مِن مُلكي شيئًا إلّا كما يَنقُصُ المِخْيَط – يعني الإبرة – إذا أُدْخِل في البَحْر ))
إذا أُدْخِلَت الإبرةُ في البحر ثُمَّ رَفَعْتَها، كم تأخُذ ؟ لا تأخُذُ شيئًا
{ مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ .. }
{ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ }
ومِن ثَمَّ فإنّ ما يتعلّق بِجانب الدُّعاء يَحرِص الْمُسْلِمُ على أن يُقْبِلَ على الله عزّ وجلّ بِـقَـلْـبِـهِ حالَ الدُّعاء ، ولْيَعْزِم المسألة ولا يَستَعجِل ، ولْيَعلَم أنّه لن يَخسَرَ شيئًا ، بل سيستفيد مِن دُعائه وَلَوْ لَمْ تَتَحَقّق أُمْنِيّاتُه ، وَلَوْ لَمْ تَتَحَقّق أُمْنِيّاتُه .
هذه فوائد تحتَ هذا الحديث ، وهي بمثابة الأصول . وهذه الأصول لها تَتِمّة -لأنّها مُـــهِـــمَّـــةٌ- بإذن الله عزّ وجلّ
الأصلُ الواحد والثمانون بعدَ المِئة :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لايَجوزُ سَبُّ الرِّيح ، فَالنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثَبَتَ عند أحمدَ والتِّرمِذِيّ قال :
(( لا تَسُبُّوا الرِّيحَ ، فإذا رَأَيتُم ما تَكرَهون – وعند أحمد : فإذا رَأَيتُم مِنْهَا ما تَكرَهون- فقولوا : اللَّهُمَّ إنَّا نَسأَلُكَ مِن خَيرِ هَذِهِ الرِّيح وخَيرِ ما فيها وخَيرِ ما أُمِرَت به ، ونَعوذُ بِكَ مِن شَرِّ هَذِهِ الرِّيح وشَرِّ ما فيها وشَرِّ ما أُمِرَت به ))
هذا أصلٌ عظيمٌ يَندَرِجُ تَحْتَهُ عِدَّةُ فوائد :
▪مِن الفوائد : سَبُّ الرِّيح لا يُقصَرُ بِلَعْنِها ، بَل إنَّ لَعنَها وعَيبَها وتَنَقُّصَها يَدخُلُ في سَبِّها الذي عنه النَّبِيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم
▪وَمِن الفوائد : سَبُّ الرِّيح نَقصٌ في العَقل كما أنّه مُخالِفٌ لِلشَّرع . لِمَ ؟
لِأَنّ هذه الرِّيح خَلقٌ مُدَبَّر ، فَسَبُّها سَبٌّ لِمُدَبِّرِها الذي خَلَقَها وأَمَرَها ، وهو الله عزّ وجلّ
فَلْيُتَنَبَّه لِمِثْلِ هذا الأَمْر .
▪وَمِن الفوائد : الرِّيحُ تَختَلِف عن الرِّياح .
– الرِّياح تأتي بِالخَير فَهِي تُلَقِّح الأشجارَ وما شابَهَ ذلك . قال الله تعالى { وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) } سورة الحِجر
– وَأَمَّا الرِّيح فَهِي تأتي بِالخَير وتأتي بِالشَّرّ ، ولِذا ثَبَتَ قَولُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عند أحمدَ : (( الرِّيح من رَوحِ الله ، تأتي بِالرَّحمَة وتأتي بِالعذاب ))
ولِذلك ذَكَرَها الله عزّ وجلّ فَوَصَفَها في مَوطِنٍ بِأنّها عَاصِف ، ووَصَفَها في نَفْس المَوطِن بِأنّها رِيحٌ طَيِّبة
قال تعالى { حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا .. } ما الذي بَعدَها { .. جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ }
فَدَلَّ هذا على أنّ الرِّيح تأتي بِالخَير وتأتي بِالشَّرّ
▪وَمِن الفوائد :
الرِّيح إذا وَجَدَ الإنسانُ منها ما يَكرَهُ فَلْيَتَّخِذ الأسبابَ الشَّرعِيَّة والأسبابَ الحِسِّيَّة في دَفعِها
– أمَّا الأسبابُ الحِسِّيَّة : كَإغلاق الأبواب والنوافذ وما شابَهَ ذلك
– وأمَّا الأسباب الشَّرعِيَّة : ذلك بِأنّ الإنسانَ يَهرَع إلى مَــنْ ؟ إلى خالِقِها وإلى مُدَبِّرِها
ولِذلك ماذا قال صلّى الله عليه وآله وسلّم ؟
(( فإذا رَأَيتُم مِنْهَا ما تَكرَهون… )) ماذا نَفعل ؟ (( فقولوا : اللَّهُمَّ إنَّا نَسأَلُكَ مِن خَيرِ هَذِهِ الرِّيح وخَيرِ ما فيها وخَيرِ ما أُمِرَت به ، ونَعوذُ بِكَ مِن شَرِّ هَذِهِ الرِّيح وشَرِّ ما فيها وشَرِّ ما أُمِرَت به ))
▪وَمِن الفوائد : أنّ ما يَقَع مِن الرِّيح مِمّا نَكرَهُهُ عامٌّ ، لا يُحصَرُ فقط بِما يَتَعَلَّق منها مِمّا تَحمِلُهُ مِن غُبار فتُسَبِّبُ بإذن الله ما تُسَبِّبُه مِن الأوساخ أو الأمراض ، بَل هو شامل
قال (( فإذا رَأَيتُم مِنْهَا ما تَكرَهون ))
( ما ) : مَوصُولِيَّة تُفِيدُ العُموم
كَأَن تأتِيَ مَثَلًا رِيحٌ تُدَمِّرُ الأشجارَ والزُّروع أو تَقْلِب السُّفُن ، أو أنّها رِيحٌ بارِدة شديدةٌ يَتَأَذَّى الناسُ منها فإنّه حينَها يَقُول هذا الدُّعاء
▪وَمِن الفوائد : الرِّيح كما قال صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في الصَّحيحَين ، قال : (( نُصِرتُ بِالصَّبا ، وأُهلِكَتْ عادٌ بِالدَّبُور ))
( الصَّبا ) : هِي الرِّياح الشَّرقِيَّة
و ( الدَّبور ) : هي الرِّياح الغَربِيَّة التي أَهلَكَ اللهُ عزّ وجلّ عادًا بِهَا
▪وَمِن الفوائد : الرِّيح جُنْدٌ مِن جُنُودِ اللهِ عزّ وجلّ ، جُنْدٌ عَظيمٌ
قال الله عزّ وجلّ لَمَّا أَهلَكَ عادًا { وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) } سورة الذَّارِيات
جاء في سُنَن الترمِذِيّ بِإسنادٍ لا بأسَ به ، قال : { ما أُرسِلَ عَلَى عادٍ مِن الرِّيح إلَّا مِثل حَلْقَة الخاتَم }
وَمَعَ ذلك ، كما قال تعالى { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَىٰ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25) } سورة الأحقاف
▪وَمِن الفوائد : أن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لَمّا قال : ❗(( فقولوا : اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ مِن خَيرِ هَذِهِ الرِّيح وخَيرِ ما فيها وخَيرِ ما أُمِرَت به )) ، عند مسلم : (( وخَيْرِ ما أُرسِلَت بِه ))
إِذَن هِيَ مَأْمُورَةٌ بِأَمْرِ اللهِ عزّ وجلّ ( بِأَمْرِه الكَونِيّ )
◽لَأنّ أمْرَه عزّ وجلّ نَوعان :
– أَمْرٌ شَرعِيّ دِينِيّ :
أَمَرَنا بِالصَّلاة ، أَمَرَنا بِالتَّوحيد ، أَمَرَنا بِالزّكاة .. ( هذه أُمور شَرعِيّة ) .
– أَمْرٌ كَونِيّ :
{ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (82) } سورة يسٓ
فَاللهُ عزّ وجلّ هو الذي يأمُرُها بِأَمرِه الكَونِيّ ، بِأن تَصنَعَ ما تَصنَعُ بِأمْرِ اللهِ عزّ وجلّ
▪وَمِن الفوائد : الإنسانُ يَأْخُذ عِبرَة مِن هذه الرِّياح . رِياح تأتي مَرَّةً حارَّة ومَرَّةً بارِدة ومَرَّةً عاصِفَة ومَرَّةً طَيِّبة .
هذه عِبرَة ودَلائل على عَظَمَةِ اللهِ عزّ وجلّ وعلى تَفَرُّدِه وعلى وُجُوبِ إخلاصِ العِبادَةِ له عزّ وجلّ وَحدَه . لِمَن عِندَه عَقل
قال تعالى { وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) } سورة الجاثِيَة
▪وَمِن الفوائد : اللهُ عزّ وجلّ أَقسَمَ بِهذه الرِّياح { وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا } وهي التي تَذرُو الشَّيءَ مِن غُبارٍ ، تَذرُوهُ ذَروًا شديدًا
وما أَقسَمَ بِهَا إلَّا لِعَظَمَتِها
ولِذا لَو اجتَمَع الخَلقُ كُلُّهُم وما لَدَيْهِم مِن تَقنِياتٍ وآلاتٍ حديثةٍ …
لَو اجتَمَعُوا كُلُّهُم على أن يَمنَعوا هذه الرِّيح وأن يَصرِفوها عنهم ما استطاعوا وَلَو أَتَوا بِكُلّ ما أَتَوا مِن قُوّةٍ وعَدَدٍ وعَتادٍ وتَقنِياتٍ وآلاتٍ
سبحان الله الخَلّاق العظيم
الأصلُ الثاني والثمانون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
– هَلْ قَوْل كَلِمَة [ لَوْ ] تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ مُطْلَقًا أَمْ أنَّ لَها تَفْصيلًا ؟
– فَالجواب أنّ لَها تفصيلًا :
▪مَن قالَ كَلِمَة [ لَوْ ] على سبيلِ الاعْتِراضِ على شَرْعِ اللهِ . فهذا مُحَرَّمٌ .
ولذا قال المنافقون لمّا حَصَلَ مِن هَزِيمَةٍ في غَزْوَةِ أُحُد { .. لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا .. }
قالوا كَلِمَة [ لَوْ ] على سبيلِ الاعْتِراضِ على شَرْعِ الله وتَضَمَّنَت الاعتِراضَ على قَدَرِ الله .
▪إذا قِيلَتْ كَلِمَة [ لَوْ ] على سبيل الاعتِراض على قَدَرِ الله لِنُزول مُصِيبَةٍ بِالإنسان فَهذا مُحَرَّمٌ
في صحيحِ مُـسْـلِمٍ مِن حديثِ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال :
( احْرِصْ على ما يَنفَعُكَ واسْتَعِنْ بِاللهِ ولا تَعْجِزْ وَإِنْ أصابكَ شَيْءٌ فَلا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذا وَكذَا ، وَلَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللهُ وما شاءَ فَعَلَ فإنّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشيطان )
▪إذا قِيلَتْ كَلِمَة [ لَوْ ] على سَبيلِ تَمَنِّي الشَّرّ فإنّها تَكونُ مُحَرَّمَةً .
▫وإن كانَتْ كلمة [ لَوْ ] قِيلَتْ على سبيلِ تمنِّي الخَيْر فهي جائزة بَلْ مُسْتَحَبَّة
النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثبتَ عِنْدَ التِّرمِذيّ قال :
(( إنّما الدُّنيا لأربعةِ نَفَر : عَبْدٌ رَزَقَهُ اللهُ مالًا وعِلمًا ، فَهُوَ يَتَّقِي فيه رَبَّه ويَصِلُ فِيهِ رَحِمَه ، ويَعلَمُ أنَّ للهِ فِيهِ حَقَّهُ ، فَهذا بِأَفْضَلِ المَنازِل .
وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مالًا فَيَقول لَوْ أنَّ لِي مالًا [ هُنا تَمَنَّى ، تَمَنَّى خَيْرًا ] يقول : لَوْ أنّ لي مالًا لَعَمِلْتُ بهِ كَعَمَلِ فُلان . فَهُما في الأجْرِ سواء .
وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللهُ مالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلمًا ، فَهُوَ يَخْبِطُ في مالِه بِغَيْرِ عِلْم ولا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّه ولا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَه ، ولا يَعْلَمُ أنَّ للهِ فِيهِ حَقَّهُ ، فَهذا بِأَخْبَثِ المَنازِل
وَعَبْدٌ ..- وهذا مَوْضِع الشاهِد – [ إن قالَ كَلِمَة [ لَوْ ] مُتَمَنِّيًا الشَّرّ ] وَعَبْدٌ لَمْ يَرْزُقْهُ اللهُ مالًا ولا عِلْمًا ، فَهُوَ يقول : لَوْ أنَّ لي مالًا لَعَمِلْتُ بهِ كَعَمَلِ فُلان . فَهُوَ بِنِيَّتِهِ ، فَهُما في الإثمِ سَوَاء ))
▫وإذا قِيلَتْ هذه الكَلِمةُ على سَبيلِ الإخبار : كما لَوْ قُلتَ لِشَخصٍ مَثَلًا ( لَوْ أتَيْتَني لَذَهَبْتُ معكَ ، لَوْ أتَيْتَني لَأَعَنْتُكَ على قَضاءِ حَاجَتِك ، لَوْ أَتَيْتَنِي لَأَكْرَمْتُكَ )
هذا إخْبارٌ فقط . يُرِيدُ أن يُخْبِر . فَلا إشكالَ في ذلك . جائز .
ولذلكَ في الصَّحِيحَين على أحَدِ وَجْهَي الْقَوْلَيْن :
قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم : (( لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِن أَمْرِي ما اسْتَدْبَرْتُ ما سُقْتُ الهَدْيَ ))
فَهُنا يُخْبِر صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وقيلَ هِيَ للتَّمَنِّي . لَكِنَّ الإخْبارَ لا إشكالَ فِي ذلك .
▫وإذا قِيلَتْ كَلِمَة [ لَوْ ] على سَبيل النَّدَم ( إذا فَعَلَ مَعْصِيَة أو تَرَكَ طاعة ) فهذا جائز بَلْ مُستَحَبّ .
لَكِنْ في ماذا ؟
فيما يَتعلّق بِالنَّدَم المُتعلِّق بِتَرْكِ طاعَة أَوْ بِفِعْل مَعْصِيَة .
كَأَن يقول ( لَوْ أنَّني أدَّيْتُ الصَّلَوَات كفَّرَ اللهُ عَنِّي سَيِّئاتي وفَتَحَ اللهُ لي أبوابَ الرِّزق )
– هُنا قال كَلِمَة [ لَوْ ] على سَبيلِ النَّدَم لِفِعْلِ مَعْصِيَة أَوْ تَرْكِ طاعة . فهذا جائز بَلْ مُسْتَحَبّ .
ولذلك النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما ثبتَ عِنْدَ أَحْمَدَ قال : (( النَّدَمُ تَوْبَةٌ ))
▪لَكِنْ لَوْ أنّه نَدِمَ مِن أَجْلِ حُصولِ مُصِيبَة لهُ .
هُنا ، لا . لا يجوزُ ذلك .
خُلاصَة الْقَوْل :
🚫 إذا قِيلَتْ كلمةُ [ لَوْ ] على سَبيلِ :
الاعْتِراضِ على شَرْعِ الله أَوْ على سَبيلِ الاعْتِراضِ على قَدَرِ الله أَوْ على سَبيلِ التَّمَنِّي لِفِعْل الشَّرّ :
– فهذا مُحَرَّمٌ
لَكِنْ لَوْ قِيلَتْ على سَبيلِ :
تَمَنِّي الخَيْر ، أَوْ على سَبيل الإخْبار أَوْ على سَبيلِ النَّدَم ( لمّا فَعَلَ مَعْصِيَة أَوْ تَرَكَ طاعَة ) :
– فَلا إشكالَ في ذلك ، بَلْ في بَعْضِ هذه الأحوال كما مرّ ، بعضُها مُسْتَحَبّ .
فَهذا خُلاصَة القَوْل .
لأنّ بعضًا مِنَ الناس إذا قالَ كلمة [ لَوْ ] على سبيلِ الإخبار ( لَوْ أَتَيْتَنِي لَقُمْتُ معك أَوْ لَذَهَبْتُ معك ) يقول : لا تَقُلْ [ لَوْ ]
يَختَلِف حالُها مِن حالٍ إلى حالٍ
ومرَّ معنا هُنا حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه في صحيح مسلم . أشرَحُه على سبيل الإيجازِ لِأهمّيّته
قال صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في صحيحِ مسلم مِن حديث أبي هُريرة رضي الله عنه :
(( احْرِصْ على ما يَنْفَعُكَ واسْتَعِنْ بِاللهِ )) سبحان الله !
(( احْرِصْ على ما يَنْفَعُكَ )) افْعَلِ السَّبَب مَعَ التَّوَكُّلِ على الله . ولذلك ماذا قال بَعدَها ؟ (( واسْتَعِنْ بِاللهِ ))
ويَصِحُّ أن تُنْطَقَ [ حُكِيَ : (( احْرَصْ )) ]
لَكِنَّ الأشْهَر (( احْرِصْ ))
(( احْرِصْ على ما يَنْفَعُكَ واسْتَعِنْ بِاللهِ )) ما الذي بعدها ؟
(( ولا تَعْجِزْ )) ويصحّ نطقها (( ولا تَعْجَزْ ))
(( ولا تَعْجِزْ )) لأنّ بعضًا مِنَ الناس رُبّما يَفْعَلُ السَّبَب ويَتَوَكَّل على الله وإذا بهِ يمضي في أمرٍ خَيِّرٍ ، وإذا بهِ يَتَكاسَل ويَقِف .
وهذا لهُ أمْثِلَةٌ كثيرةٌ :
بعضُ الناس يستعينُ بِاللهِ عزّ وجلّ لِحِفْظِ القُرآنِ أو لِطَلَبِ العِلْمِ الشَّرْعِيّ – هذا كَمِثال والأمثِلةُ كثيرة – وإذا بهِ ماذا ؟
وإذا بهِ إذا بَدَأ تَعِبَ أو ما شابَهَ ذلك ، فإذا بهِ ينتَهي .
ولذلك ماذا قال ؟
(( احْرِصْ على ما يَنْفَعُكَ )) يَعني على النافع . ما هُوَ أنفَع وأعظَم نفعًا مِن باب أَعظَم (( واسْتَعِنْ بِاللهِ ولا تَعْجِزْ ))
وهذا حَتَّىٰ في الأمور الدُّنيويّة : بعض الناس رُبّما يَكُونُ لهُ أمرٌ في أمرٍ دُنيَوِيّ وهوَ نافع ويستعين بالله عزّ وجلّ وإذا بهِ يَتَكاسَل
هذا ، نَهَى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم عن ذلك
(( وَإِنْ أصابكَ شَيْءٌ ..)) يَعني ممّا لا يُلائمك ، فاتَ خَيْرٌ كُنتَ تَرجُوه ، أَوْ نَزَلَتْ بِكَ بَلِيَّةٌ لا تُرِيدُها
(( وَإِنْ أصابكَ شَيْءٌ فَلا تَقُلْ لَوْ أنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذا وَكذَا ))
نَعَمْ ، بعضُ الناس رُبّما يذهبُ مثلًا مع طريق ، وهوَ مُتَرَدِّد مع ذلك الطريق أو مع ذلك الطريق ، وإذا بهِ يقول : سأذْهبُ مع هذا الطريق ، فَيَحْصُل لهُ حادِث . فيقول : لَوْ أنّي ذهبتُ مع الطريق الآخر لَمْ يَحْصُلْ لي هذا .
هذا اعتِراض على قَدَرِ الله
(( وَإِنْ أصابكَ شَيْءٌ فَلا تَقُلْ لَوْ أنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذا وَكذَا ، وَلَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللهُ وما شاءَ فَعَلَ ))
الإيمان بِالقضاء والقَدَر . أنتَ في حُكمِ الله . في حُكمِهِ القَدَرِيّ .
فَوِّض أَمْرَكَ إلى الله . الإيمان بِالقضاء وبالقَدَر .
(( وَلَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللهُ وما شاءَ فَعَلَ )) ويَصِحّ أن تُخَفَّف : (( وَلَكِنْ قُلْ : قَدَرُ الله وما شاءَ فَعَلَ ))
(( فإنّ لَوْ .. )) [ لَوْ ] التي على سبيل الاعْتِراضِ على قَدَرِ اللهِ لمّا تَنزِلُ بِالْإِنْسَانِ مُصِيبَة .
بعض الناس رُبّما يدخل في تِجَارَة فيقول : يا لَيْتَنِي ، لَوْ أنّي لَمْ أَدخُلْ ، لَوْ أنّي لَمْ أَدخُلْ .
انتهى الأمر . قُلْ:(قَدَّرَ اللهُ وما شاءَ فَعَلَ )
(( فإنّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشيطان )) لأنّ الشيطان يُحِبُّ مِثْلَ هذا الأمر . يحبّ ماذا ؟
يُحِبُّ أن يُحزِنَ ابْنَ آدم . أن يَجْعَلَهُ في هَمٍّ مُستَمِرّ .
ولذلك ماذا قال تعالى { إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }
(( فإنّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشيطان )) فإذا بهِ يَتَحَسَّر وَيَندَم وَيَندَم وَيَندَم
الأصلُ الثالث والثمانون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مَراتِبُ الدِّينِ ثلاثة : ( الإسلام والإيمان والإحسان )
أعظمُها الإحسان ثُمَّ الإيمان ثُمَّ الإسلام
هذه المَراتِب واجبٌ على كلّ مُسلمٍ أن يَعرِفَها وأن يُطَبِّقَها وذلكَ لأنّ مَدارَ سعادةِ العَبْد عليها إن طَبَّقَها
أَتَحَدَّثُ عَنْ هَذِهِ المَراتِب بِشَيْءٍ مِنَ الِاخْتِصار
الإسلام والإيمان والإحسان :
جَاءَ ذِكْرُ هَذِهِ المَراتب في الحديثِ الصّحيحِ في حديثِ جِبْرِيل ، لـمَّا سَأَلَ جِبْرِيلُ النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم عَنْ هَذِهِ المَراتِب
◽[ الإسلامُ ]
أركانُهُ خَمْسَة كما جَاءَ في حديثِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عنهما في الصَّحيحَينِ ( بُنِيَ الإسلامُ على خَمْسٍ .. )
ما هِيَ أركانُه ؟
في الحديث :
(( .. شهادةِ أن لا إِلَـٰهَ إلّا الله وأنّ محمّدًا رَسُولُ الله ، وإقامِ الصلاة ،وإيتاءِ الزَّكاة ، وصَوْمِ رَمضان ، وحجِّ بَيْتِ اللهِ لِـمَنِ استطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ))
– ( شَهادَةُ أن لا إِلَـٰهَ إلّا الله ) بِمعنى : أن تُؤمِنَ بِأَنَّهُ لا أَحَد يَسْتَحِقّ العُبودِيّةَ إلّا هوَ سبحانَه وتعالىٰ .
{ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ.. } ثُمَّ كرَّرَ فقال { لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }
ما يُعبَدُ مِن دونِ الله باطِلٌ ، قال تعالى { ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }
– معنى ( شهادة أنّ مُحَمَّدًا – صلّى الله عليه وآله وسلّم – رَسُولُ اللهِ ) :
أنْ تُصَدِّقَهُ في كُلّ ما أَخْبَرَ بهِ مِنَ الأحاديث التي صَحَّت عنه ، اسْتَوْعَبَها عقلُك أو لَمْ يَسْتَوْعِبْها عَقلُك .
فَفِي الصَّحِيحَيْن مِن حديثِ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها (( مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنا هذا ما لَيسَ مِنهُ فَهُوَ رَدٌّ )) . يَعْنِي أنّه مردودٌ على صاحِبهِ
– إقام الصلاة : أن تَأْتِيَ بِأركانِها وبِواجِباتِها وبِشُروطِها
– إيتاء الزَّكاة : إذا وَجَبَتْ عليكَ الزَّكاة [ ولها تَفصيلٌ في كُتُبِ الفِقْه ]
– صَوْم رمضان [ كذلك ]
– حجّ بَيْتِ الله لِـمَنْ استطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا .
هذه ما هِيَ ؟
أركانُ الإسْـلامِ الخمسة
شَهادَةُ أن لا إِلَـٰهَ إلّا الله وأنّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله ، وإقامُ الصلاة وإيتاءُ الزّكاة وصَوْمُ رمضان وحَجُّ بَيْتِ اللهِ لِـمَنْ استطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا
هذا ماذا ؟
مَرتَبَة الإسلام
◽المرتبة التي أعلىٰ منها [ مَرتَبَة الإيمان ]
والإيمان ستّةُ أركان .
مَن أَنكَرَ رُكنًا ، أو أَنكَرَ جُزْءًا مِن رُكنٍ مِن هَذِهِ الأركان فَقَدْ كَفَرَ
ولذلك في صحيح مُسلم لمّا سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ الله عنهما أنّ هُناك مَن يُنكِرُ قَدَرَ الله عزّ وجلّ .
ماذا قال ؟
قال : ( والذي نفسُ ابنِ عُمَرَ بِيَدِه لَوْ أنْفَقَ أَحَدُهُم مِثْلَ جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَبًا ما قَبِلَهُ اللهُ منه حَتَّىٰ يُؤمِنَ بِالقَدَر )
ثُمَّ استَدَلَّ بِحَدِيثِ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم (( الإيمان -ثُمَّ ذَكَرَ الأركانَ السِّتَّة- أن تُؤمِنَ بِاللهِ ومَلائكتِه وكُتُبهِ ورُسُلِه واليَومِ الآخِرِ وتُؤمِنَ بِالقَدَر خَيرِهِ وشَرِّهِ ))
– معنى [ الإيمان بِاللهِ ] :
قال تعالى { .. لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } ، { وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ }
– [ الإيمان بالملائكة ] :
– [ والإيمان بِالكُتُب ] :
فَمِمَّا ذُكِرَ لنا :
التوراة التي أُنزِلَت على موسى ، الإنجيل الذي أُنزِلَ على عيسى ، الزَّبور الذي أُنزِلَ على دَاوُدَ ، صُحُف إبراهيم
– [ والإيمان بِالرُّسُل ] :
قال تعالى { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ .. }
ممّا ذَكَرَه عزّ وجلّ لنا :
كَـ( نوح وهود وصالح ولوط وإبراهيم ) وغير هؤلاء الأنبياء ممّا ذَكَرَهُم الله عزّ وجلّ وذَكَرَهُم النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في سُنَّتِه
– [ والإيمان بِاليوم الآخِرِ ] :
ولِذلك ثَبَتَ قَولُه صلّى الله عليه وآله وسلّم (( القَبْرُ أَوَّلُ مَنزِلٍ مِن مَنازِل الآخِرَةِ ))
– [ الإيمانُ بِالقَدَرِ خَيرِهِ وشَرِّهِ ] :
ولِذَلِك أَتَى في الحديث لَمَّا ذَكَرَ (( أَن تُؤمِنَ بِاللّهِ وملائكتِه وكُتُبِه ورُسُلِه واليوم الآخِر .. ))
كَرَّرَ الفِعلَ مَرّةً أخرى فيما يَتَعَلَّقُ بِالقَدَر (( .. وتُؤمِنَ بِالقَدَر خَيرِه وشَرِّه )) لِأنّ هناك مَن يُنكِرُ قَدَرَ الله ، أو أنّه يَجهَلُ قَدَرَ اللّه
وَمِن ثَمَّ فإنّ هذا أَصلٌ أَصِيلٌ
[ الإيمان بِالقضاء وبالقَدَرِ خَيرِه وشَرِّه ] :
ولِذَلِك في سُنَنِ أبي دَاوُدَ كما ثَبَتَ :
قال عُبادة بن الصامِت لِابنِهِ وهو يَعِظُه : يا بُنَيّ إِنّك لَن تَجِدَ طَعمَ الإيمانِ حتّى تَعْلَمَ أنَّ ما أصابَك لَم يَكُن لِيُخطِئَك ، وما أَخطَأَكَ لَم يَكُن لِيُصِيبَك .
( أنَّ ما أصابَك لَم يَكُن لِيُخطِئَك ): يَعْنِي لَم يَكُن لِيَذهَبَ إلى غَيرِك لِأنّ اللّهَ عزّ وجلّ قَدَّرَهُ عليك
( وما أَخطَأَكَ ) مِمّا تَطمَحُ إليه مِن تجارةٍ أو مِن رِبحٍ أو ماشابَهَ ذلك ( لَم يَكُن لِيُصِيبَك ) لِأنّه لَم يُقَدِّرْهُ اللهُ عزّ وجلّ لك
ثُمَّ قال عُبادَة رضي اللهُ عنه :
سَمِعْتُ النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول : (( أَوَّل ما خَلَقَ اللهُ القَلَمَ ، فقالَ اللهُ عزّ وجلّ لِلقَلَمِ : ” اكتُب ” ، قالَ القَلَمُ : يا رَبِّ وماذا أَكتُب ؟ ، قال ” اكتُب مَقاديرَ كُلِّ شَيْءٍ حتَّى تَقُومَ الساعة ” ))
يا بُنَيّ سَمِعتُ رسولَ اللّه صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول : (( مَن لَم يُؤمِنْ بِهذا فَلَيسَ مِنِّي )) وفِي رِواية ابنِ وَهْب : (( .. أَحْرَقَهُ اللهُ بِالنّار ))
الإيمان بِالقَضاءِ وبالقَدَر :
القَدَرُ لَهُ أَربَعُ مَراتِبَ يَجِبُ أن تَفهَمَها ، ويَجِبُ أن تُؤمِنَ بِهَا ، ويَجِبُ أن تَعمَلَ بِمُقتَضاها
[[ القَدَرُ لَهُ أَربَعُ مَراتِبَ ]] :
* المَرتَبَة الأُولى :
أن تُؤمِنَ بِأنّ الله عزّ وجلّ عالِمٌ بِكُلّ شيء ( ما كان وما يكون وما سيكون)
عالِمٌ بِكُلّ شيء ( الدقيق والصغير ، الظاهِر والباطِن )
ولِذا قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }
{ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ .. } ثُمَّ بَعْدَ هذا التفصيل قال مُبَيِّنًا على وَجه العُموم { وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ .. } أَيّ رَطْبٍ أو يابِسٍ { إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } وهو اللَّوح المحفوظ .
* المَرتَبَة الثَّانية مِن مَراتِب القَدَر :
أن تُؤمِنَ بِأنّ الله عزّ وجلّ كَتَبَ كُلَّ شَيْءٍ في اللَّوح المحفوظ .
ما قَدَّرَهُ اللهُ عزّ وجلّ في هذا الْكَوْن إلى قِيام الساعة قَد كُتِبَ وانتُهِيَ منه .
في سُنَنِ أبي دَاوُدَ كما ثَبَتَ قَولُه صلّى الله عليه وآله وسلّم : (( أَوَّل ما خَلَقَ اللهُ القَلَمَ ، فقالَ له : ” اكتُب ” ، قالَ : وماذا أَكتُب ؟ ، قال ” اكتُب مَقاديرَ كُلِّ شَيْءٍ حتَّى تَقُومَ الساعة ” ))حتّى تَقوُمَ الساعة .
في صحيح مُسلَّم ، قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : (( كَتَبَ اللهُ مَقاديرَ الخَلائِق قَبْلَ أن يَخلُقَ السماواتِ والأرضَ بِخَمسينَ أَلْفَ سَنَة ، وعَرشُهُ على الماء ))
ما يَقَعُ مِن أيّ شَيْءٍ يَقَعُ في هذا الْكَوْنِ – إلَّا وَقَدْ كُتِبَ – إلى قِيام الساعةِ
ماسَيَكُون إلى قِيام الساعة قَدْ كُتِبَ ، وما كُتِبَ لا يَتَغَيَّرُ ولا يَتَبَدَّلُ في اللَّوح المحفوظ
قال تعالى { يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ } أَصْلُ الْكِتَاب . اللَّوح المحفوظ لا يَتَغَيَّرُ ولا يَتَبَدَّلُ
ولِذا في الأحَادِيْث الصّحيحة :
مِنْهَا : (( لا يَرُدُّ القَدَرَ إلَّا الدُّعاء ))
ومِنها : (( صِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ في العُمُر ))
فَالّذي يَتَغَيَّرُ ، يَتَغَيَّرُ ما يَكُونُ عِنْدَ عِلمِ الملائكة وما في أَيدِيهِم مِن الصُّحُف
أَمَّا في هذا اللَّوح المحفوظ ، فَلا .
ولِذَلِك قَدْ يَكتُبُ اللهُ عزّ وجلّ لِلعَبدِ بِأَنّ بَلِيَّةً ومُصِيبَةً سَتُصِيبُهُ ، لَكِنّه عزّ وجلّ لِعِلمِهِ الشامِل عَلِمَ أنّ فُلانًا سَيَدعُو اللهَ عزّ وجلّ ، فَلا تَنزِلُ به تِلْكَ البَلِيّة
اللهُ عزّ وجلّ كَتَبَ أنّ عُمر هذا الإنسان مَثَلًا يَكُونُ عُمُرُهُ سَبعينَ سَنَةً ، وعَلِمَ عزّ وجلّ أنّه سَيَصِلُ رَحِمَهُ وَمِن ثَمّ فإنّ عُمُرَهُ يزيد حَسبَما قَدَّرَه الله ، مَثَلًا إلى ثمانين أو إلى مئة سَنَة .
الذي يَتَغَيَّر ويَتَبَدَّل ما يكون عند الملائكة ، أمّا ما في اللَّوح المحفوظ قَد كُتِبَ وانتُهِيَ مِنْه
ولِذَلِك على العَبد أن يَحرِصَ على عِبادة الله مِن دُعاءٍ ونَحوِ ذلك ، فإنّها – بإذن الله – تُنَجّي العَبدَ مِمَّا لا يُلائِمُه .
(( لا يَرُدُّ القَدَرَ إلَّا الدُّعاء )) لا يَرُدُّ القَدَرَ إِلَّا الدُّعاء
ولِذَلِك هذا الذي في اللَّوح المحفوظ لا يَتَغَيَّر .
يُؤخَذُ مِنْه ماذا ؟ يُؤخَذُ مِنْه ما كُتِبَ لِكُلِّ إنسان إذا نُفِخَت فيه الرُّوح
في الصّحيحَين ، المَلَكُ ماذا يَكتُب فيما يَتَعَلَّقُ بِالجَنين ؟ (( أَجَلُه وعَمَلُه ورِزقُه وشَقِيٌّ أو سعيد ))
▪يُؤخَذُ مِن اللَّوح المحفوظ : هذا تَقديرٌ عُمُرِيّ .
▪في لَيْلَة القَدْر : تَقدِيرٌ سَنَوِيّ ( يَعْنِي ما يَجري في تِلْك السَّنَة إلى السَّنَة الآتِيَة قَد كُتِبَ ) .
أُخِذَ مِن ماذا ؟ مِن اللَّوح المحفوظ
{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)} سورة الدخان
▪في كُلِّ يَوْمٍ : تَقدِيرٌ يَومِيّ .
قال تعالى { يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ }
فما قَدَّرَه اللهُ عزّ وجلّ فَقَد كُتِبَ
* المَرتَبَة الثَّالِثة مِن مَراتِب القَدَر :
مَشِيئَةُ الله . أن تُؤمِنَ بِأنّ ما شاء اللهُ كان ، وما لَم يَشَأْ لَم يَكُن .
ولا يستطيع أَحَدٌ أن يَفعَلَ شَيْئًا إلَّا بِمَشِيئةِ الله
قال تعالى { وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }
وَلَو كَانَت لنا مَشِيئَة إلَّا أنَّ مَشِيئَتَنا خاضِعَةٌ لِمَشِيئةِ الله .
مِثْلُ هذا.. ( هنا رَفَعَ الشَّيخُ جِهازًا )
وقال : مِثلُ هذا لا أستطيعُ أن أَرفَعَهُ ، إِلَّا بِمَشيئة الله عزّ وجلّ
لِي مَشيئَة ، رَفَعتُه لَكِن لا يُمْكِن أن أرفَعَهُ إلَّا بِمَشِيئةٍ مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ
ولذلك في صحيح مُسْلِم :
لَمَّا كان ذلك الرَّجُل يَأكُلُ بِشِماله ، قال صلّى الله عليه وآله وسلّم (( كُلْ بِيَمِينك )) ، قال : لا أستطيع – مِن الْكِبْر – ، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ : (( لا استَطَعتَ )) فما رَفَعَها إلى فِيهِ .
أرادَ أن يَرفَعَ ، ما استَطاع .
فَمَشِئَتُكَ خاضِعَةٌ لِمَشِيئةِ اللهِ عزّ وجلّ .
* المَرتَبَة الرابِعة مِن مَرَاتِب القَدَر :
الخَلْقُ والإِيجادُ . يَعْنِي لا يَقَعُ شَيْءٌ في هذا الْكَوْن إِلَّا بِتَقديرٍ مِنْه
{ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }
انتَبِه. ما يَقَعُ مِن شَيْءٍ في هذا الْكَوْن إلَّا بِخَلْقِهِ عزّ وجلّ وبِإيجادِه
ولذلك ، ما يَقَعُ مِن خَيراتٍ وَمِن نِعَمٍ ؛ مِن خَلْقِهِ عزّ وجلّ ، قَدَّرَهُ عزّ وجلّ
ما يَقَعُ مِمَّا لا يُلائِمُ الْبَشَر مِن الفَيَضاناتِ وَمِنَ الْمَوْتِ وَمِنَ الأَوبِئَةِ وما شابَهَ ذَلِكَ فَهِيَ بِتَقدِيرٍ مِن الله .
ما يَقَعُ شَيْءٍ في هذا الْكَوْنِ إلَّا بِأَمْرِ الله وبِتَقديرٍ مِن الله
لَكِنْ ، الله عزّ وجلّ لمّا يُعطي العِبادَ الْخَيْرَ والنَّفعَ يُعطِيهِم لِذاتِ النَّفع والخَير
وإذا قَدَّرَ عليهم الشَّرَّ فإنّ هذا الشَّرَّ ما خَلَقَهُ اللهُ لِذاتِ الشَّرّ . لا
سبحانه وتعالى . تعالى الله
ما خَلَقَهُ لِذاتِ الشَّرِّ ، لَكِن خَلَقَ الشَّرَّ لِحِكَمٍ ولِخَيرات بِاعتِباراتٍ أُخرى
أَنزَلَ بِك المَرَض . شَرٌّ بِالنِّسبَة إلَيْك
لَكِنْ لِتَعُودَ إلى الله
أنزَلَ اللهُ المرض بِـ( فُلان ) ذلكم الطاغِيَة ، يَعتَبِرُ غَيْرُه مِن الناس . هذا خَيْر
ما يَقَعُ مِن شيءٍ مِن هذا الشَّرِّ إلَّا بِماذا ؟
إلَّا بِتَقدِيرٍ مِن الله عزّ وجلّ . فَلَهُ خَيرات
خَلَقَ اللهَ عزّ وجلّ إبليس وهو شَرٌّ مَحضٌ لَكِنْ لِحِكَم :
لِكَي يَظهَر الأَمْرُ بِالمعروف والنهي عن المنكر ،
لِكَي يَظهَرَ دِينُ الله ،
لِكَي يَعلَمَ اللهُ عزّ وجلّ عِلْمًا يَتَرَتّبُ عليه الجزاءُ والحِسابُ وإلّا فهُوَ عالِمٌ بَكُلِّ شَيْءٍ قَبْلَ أن يَخلُقَ الشّيْءَ
مِمَّا يترتّب عليه جزاء ومُحاسَبة : مَن يُؤْمِنُ ، مَن يُعَرِضُ ، مَن يُقبِلُ على الله
ما يَقَعُ مِن ذُنوب ( مِن زِنا مِن لِواط مِن سَرِقَة أو ما شابَهَ ذلك ) هذا بِتَقديرٍ مِن الله
ما يَقَعُ شيءٌ إلَّا بِتَقديرٍ مِن الله ، لَكِنْ لِحِكَمٍ أرادَها عزّ وجلّ
وَقَعَ آدمُ في الذَّنْب بِتَقديرٍ مِن الله عزّ وجلّ ، لَكِنْ صارَ ذلك الذَّنبُ بَعْدَ تَوبَتِه صارَ خَيرًا له { ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ }
فَـانْـتَـبِـهْ :
لا يُمْكِنُ أن يَقَعَ شيءٌ في هذا الْكَوْن إلَّا بِتَقديرٍ مِن الله ، إن كان خَيرًا فَاللهُ عزّ وجلّ أرادَهُ لِذاتِ الْخَيْر ، وإن كان شَرًّا فَاللهُ عزّ وجلّ لا يَخلُقُ الشَّرَّ لِذَاتِ الشَّرِّ وإنّما يَخلُقُ الشَّرَّ لِحِكَمٍ وخَيراتٍ بِاعتِباراتٍ أُخرى
إِذَن هذه مَراتِب القَدَر ، ومجموعةٌ في قَوْل القائل ( عِلمٌ كِتابَةُ مَوْلانا مَشِيئَتُهُ وخَلْقُهُ وهُوَ إِيجادٌ وتَكوِينُ )
عِلمٌ وكِتابَةٌ ومَشِيئَةٌ وخَلْقٌ .
◽المَرتَبَة الثَّالِثَة مِن مَراتِب الدِّين :
قُلْنَا : مَراتِبُ الدِّين :
– الإسلام
– والإيمان
– المَرتَبَة الثَّالِثَة : [ الإحسان ]
أَعْظَمُ ما يكون هو الإحسان ، وهو رُكن واحد
ذَلِكُم الرُّكن مُكَوَّنٌ مِن مَرْتَبَتَين ، إحداهُما أَعلى مِن الأُخرى :
[ أَن تَعبُدَ اللهَ كَأَنّك تَراهُ ] يَعْنِي إذا عَبَدتَ اللهَ كأنّك تَرَى الله . مَنزِلَةٌ عظيمةٌ أن تَعبُدَ اللهَ كأنّك تَرَى الله
إن لمْ تَستَطِع فَاعبُدِ اللهَ [ لِأَنّ اللهَ عزّ وجلّ يَراك ]
سبحان الله !
إذا عَبَدَ الإنسانُ رَبَّهُ على أنّهُ يَرَى اللهَ أو على المَرتَبَة الثانية على أنّ اللهَ يراهُ ، كيف يَكُونُ عَمَلُه ؟
يَكُونُ عَمَلًا حَسَنًا خالِصًا ، يَكُونُ مُراقِبًا لِلّهِ عزّ وجلّ ، لا يُقدِمُ إلَّا على ما يُرضِي اللهَ عزّ وجلّ ، ويَترُكُ ما يُسخِطُ الله عزّ وجلّ .ذ
هذه مَراتِبُ الدِّين
افهَمْها وتَعَلَّمْها واحفَظْها ، وتَعَبَّدْ لِلّهِ عزّ وجلّ بِمَا فيها وبِما تَقتَضِيه
مراتِبُ الدِّين [ الإسلام ثُمَّ الإيمان ، والأعلَى : الإحسان ]
الأصلُ الرابع والثمانون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التَّحذير مِن كَثْرَة الحَلِف
وَلَيْس المقصود هُنَا اليَمين الغَمُوس الكاذِبة ، لِأنّ هذه مِن كَبَائِر الذُّنوب .
لَكِنّ المقصود الحَلِف وَلَو كان صادِقًا ، فَالتَّحذيرُ مِن كَثرَتِه .
قال الله عزّ وجلّ { وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ }
مَعنى هذه الآية :
احفَظُوا أَيمانَكُم وذلك بِألّا تَحلِفُوا إلَّا عِنْدَ الحاجَة ، ثُمَّ إذا حَلَفتُم احرِصُوا على أنْ تَبْقَوْا على يَمينِكم وألّا تُخالِفُوها إلَّا إذا كانت هناك حاجَةٌ تستدعي ذلك لِمَصلَحَةٍ
لِقَول النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في الصَّحيحَين : (( إِنِّي لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا ، إِلَّا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ ))
ثُمّ مِن أنواعِ حِفْظِ اليَمِين :
إذا خالَفتَ يَمينَك فَاحْرِص – وهذا الحِرصُ على سبيل الوُجوب لَكِن لا تتأخَّر- احرِص على أن تُخرِجَ كَفّارَةَ اليمين
وكفّارَةُ اليمين يُخطِئُ فيها كثيرٌ مِن الناس ، إذا خالَفَ يمينَه قال : سأصوم ثلاثةَ أيّام ، أو يقول لِصاحِبِه : صُم ثلاثةَ أيّام .
هذا خطأ .
أوّلًا : يَجِبُ أن تَختار واحِدًا مِن ثلاثة أُمور :
– ( عِتقُ رَقَبَة ) وهذه غَيْر مَوجودة ومُتاحة في مِثلِ هذا الزَّمَن ، ويَعسُرُ الحُصولُ عليها
– ( إطعامُ عَشرَة مساكين أو كِسوَتُهُم )
كِسوَتُهُم : بِمَعنَى أن تُعطِيَ كُلَّ مِسكينٍ ما يَستُرُ عَورَتَهُ في الصلاة ، وما يُجَمِّلُهُ في الصَّلاة ( وهو الثَّوب ) . كُلّ مِسكين .
أو تُطعِمَ كُلَّ مِسكينٍ إمّا وَجبَةَ غداءٍ أو وَجبَةَ عَشاءٍ .
فهذه هي الكفّارة .
– إذا كُنتَ فقيرًا لَم تَجِد مالًا لِلإطعامِ أو لِلكُسوَة
– أو كُنتَ ذَا مالٍ لَكِن لَم تَجِد عَشرَة مساكين
فَانتَقِل إلى :
– ( صِيامِ ثلاثةِ أيّامٍ مُتَتابِعات ) ( مُتتابِعات ) وهو رأيُ الجُمهور ، لِقِراءة ابنِ مَسْعُوْدٍ رضي الله عنه
أمّا أن يَبْدَأ مُباشَرة بِصِيام ثلاثة أيّام وهو قادِرٌ على إطعام أو كِسوَة عشرة مساكين فإنّ هذا لا يُعَدُّ تَكفيرًا لِيَمِينِه .
الأصلُ الخامس والثمانون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التّحذير ثُمَّ التّحذير مِن كَثْرَةِ الأَيمان في البَيعِ والشراء
فَقَدْ ثَبَتَ عند الطَّبَرانِيّ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ : (( ثلاثةٌ لا يُكَلِّمُهُم اللهُ ولا يَنظُرُ إلَيْهِم ولا يُزَكِّيهِم وَلَهُم عَذَابٌ أليمٌ .. )) ذَكَرَ مِنْهُم : (( .. رَجُلٌ جَعَلَ اللهَ بِضاعَتَهُ ، لا يَبِيعُ ولا يَشتَري إلَّا بِيَمِينِه ))
يَعْنِي : مِن كَثْرَة ما يَحلِفُ في البَيع والشراء ، ما يُدرَى هل هو يبيعُ بِضاعة أَمْ أنّه يبيعُ الْيَمِين .
وهذا مِن بابِ التَّقبيح والتَّحقير والتَّنفير لِمِثلِ هذا الفِعل .
الأصلُ السادس والثمانون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خُطُورة اليَمِين الكاذِبة في البَيعِ والشراء
فالنّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال كما في الصّحيحَين : (( الحَلِفُ .. ))
في رِواية أحمد: (( الْيَمِين الكاذِبة .. ))
(( الحَلِفُ مَنفَقَةٌ لِلسِّلعَة ، مَمْحَقَةٌ لِلْكَسب ))
تُنَفِّقُ سِلعَتَهُ : يَعْنِي أنّ سِلعَتَهُ تُشتَرَى مِن جَرّاءِ هذا الحَلِف الكاذب
بِأن يَحلِف مَثَلًا بِأنّ صِناعَتَها مَثَلًا مِن الحديد وهي مِن البلاستيك ، أو مَثَلًا يقول : واللهِ هذه مكتوب عليها مِن أنّها مُصَنَّعة مِن الدَّولة الفُلانيّة التي تُتقِنُ الصَّنعة وهي في حقيقتها لَيْسَت كذلك
فَأنواع الكذب في اليمين مُتَعَدِّد ومُتَنَوِّع .
(( الحَلِفُ مَنفَقَةٌ لِلسِّلعَة ))
لَكِن (( مَمْحَقَةٌ لِلْكَسْب ))
ذلكم المال الذي يَكسِبُه يكون مَمحُوقًا ، إمّا أن يَزولَ مالُه أو يَبقَى هذا المال لكنّه يَكُونُ عَدِيمَ البَرَكَة ، أو يَزول هذا وهذا مَعًا .
فَدَلَّ على خُطورة الحَلِف الكاذب في البَيع وفِي الشراء
الأصلُ السابع والثمانون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التّحذير من المُسارَعَة في الشَّهادة
لَيسَ المقصود شهادة الزُّور لِأنّ شهادة الزور مِن أكبَرِ الكبائر
لَكِن بعضُ الناس يقول : يا فُلان قَدِّم قَضِيّة وأنا أَشهَدُ مَعَك .
يَعْنِي يُقَدِّمُ شهادَتَه قَبْلَ أن يُسْأَل قَبْلَ أن يُقال يا فلان اشهَدْ مَعِي ، فيقول قَبْلَ أن يَسألَه : سأَشهَد معك
فَتَجِدُ أنّه يَشْهَدُ ولا يَهتَمّ بِهذه الشهادة ويُسارِعُ فيها .
والنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في الصَّحيحَين قال : (( خَيرُ أُمَّتِي قَرنِي ثُمَّ الذين يَلُونَهُم ثُمَّ الذين يَلُونَهُم .. )) ثُمَّ ماذا قالَ بَعْدَها ؟ (( .. ثُمَّ إنّ بَعدَكُم قَوْمًا يَشهَدون ولا يُستَشهَدون )) يَعْنِي أنّهم يُسارِعون في شهادَتِهِم قَبْلَ أنْ تُطلَبَ مِنهم .
وهذا ذَمٌّ لِمَن يَأْتِي بَعْدَ الْقُرُون المُفَضَّلَة .
ولِذا قال صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في الحديث الآخَر في الصّحيحَين : (( خَيرُ النّاس قَرنِي ثُمَّ الذين يَلُونَهُم ثُمَّ الذين يَلُونَهُم ، ثُمَّ يأتي قَومٌ تَسبِقُ شَهادَةُ أَحَدِهِم يَمِينَهُ ، ويَمينُهُ شَهادَتَه ))
يَعْنِي مِن كَثْرَة ما يَحلِفُ مِن كَثْرَة ما يَشهَدُ ما تَدري هل الشهادة قَبْلَ الْيَمِين أو أنّ اليمين قَبْلَ الشهادة ، أو أنّه يَجمَعُ مع شهادَتِه
لِأنّه أصبح معروفًا عند الناس مِن أنّه يَشهَد مِن أنّه لا يُصَدَّقُ إلَّا إذا حَلَفَ على شهادَتِه
انْـتَـبِـهْ ، لا تُسارِع في الشهادة إلَّا إذا طُلِبَت منك وهي شَهادَةُ حَقٍّ
قال تعالى { .. وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }
إذا كان يَعرِفُ أنّ الحقّ مع فلان وشَهِدَه
أو في حالةٍ أُخرى :
ويُحمَل عليها ما جاء في صحيح مسلم : (( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ ؟ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ الشَّهَادَةَ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلُوهَا ))
هذه مَحمُولة على ماذا ؟
تَصَوَّر لَو أنّ إنسانًا لَهُ حَقّ على فُلان ، قِيلَ لَه : يا فُلان لَكَ الحَقّ على فُلان لِتَأْتِ بِالشُّهود ، هو لا يَعلَمُ أنّ لَدَيه شُهودًا
لكِنّك تَعْلَمُ – مِن حَيثُ لا يَعْلَمُونَ – تَعلَمُ أنّ فُلانًا له الحَقّ ، هُنَا حتّى لا يَضِيع حَقّ ذلك المسلم عليك أن تَشهَدَ له ، ويُحمَلُ عليه هذا الحديث (( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ ؟ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ الشَّهَادَةَ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلُوهَا ))
الأصلُ الثامن والثمانون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لِخُطورة كَثْرَةِ الحَلِف وكَثرة الشهادة والعَهد ، كَقَولِ( عَهْدٌ عَلَيَّ لِلّهِ ) وماشابَهَ هذه الألفاظ :
لِخُطورَتِها كان السَّلَف رَحِمَهُم الله يَنهَونَ الصِّغار بَل ويَضرِبونَهُم إذا رَأَوا مِنْهُم كَثرَةَ يَمِين أو كَثْرَةَ شهادة حتّى لا يَعتادوا عليها
قال إبراهيم النَّخَعِيّ كما في صحيح البخاريّ ، قال : ( كانوا يَضرِبونَنا على العَهدِ والشَّهادَةِ وَنَحْنُ صِغار )
حتّى لا يَعتادوا على مِثلِ هذا الأَمْر .
وعند مسلم : قال إبراهيم النخعيّ رَحِمَهُ اللهُ : ( كانوا يَنهَونَنا وَنَحْنُ غِلمان عَن العَهد والشّهادات ) .
فَدَلَّ هذا على ماذا ؟ على أنّ السَّلَفَ رحمهم الله كانوا يُعَوِّدون الصِّغارَ على عَدَمِ كَثرَةِ اليمين وكَثرَةِ الشهادة ، حتّى إنّهم في بعضِ الأحوال يَنهَونَهُم فَإِذَا لَم يَنزَجِروا ضَرَبوهُم ، لَكِنّه يَكُونُ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ مِن أَجْل التَّأديب .
الأصلُ التاسع والثمانون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مُحَرِّكاتُ القُلُوبِ إلى اللهِ كما قال شيخُ الإسلامِ رَحِمَهُ اللهُ في مجموعِ الفتاوى
مُحَرِّكاتُ القلوبِ إلى الله ثلاثة : ( مَحَبَّةُ الله ، وخَوْفُ الله ، ورَجاءُ الله )
– مَحَبَّةُ الله : تُلْقِي العَبْدَ في طَريقِ اللهِ
– رَجاءُ اللهِ : يَقودُهُ في هذا الطّريقِ
– خَوْفُ اللهِ : يَمْنَعُهُ عنِ الخُروجِ عن طَريقِ اللهِ عزّ وجلّ
وَلَوْ قِيل هذهِ المُحَرِّكات قد تَضعُف . فَكَيفَ تُقَوَّى ؟
فَقال رَحِمَهُ اللهُ :
مَحَبَّةُ الله تَقْوَى في قَلْبِ العَبْدِ إذا أكْثَرَ مِن ذِكْرِ اللهِ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)} الأحْزاب
– وتَقْوَى محبّةُ الله في قَلْبِكَ أيُّها العَبْد : بِالنَّظَرِ وبِالِاطِّلاعِ على إنْعامِ اللهِ و إفْضالهِ وخَيْراتِه
ولِذا ماذا قَالَ هودٌ عَلَيْهِ السَّلام لِقَوْمِه { .. فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) } الأَعْراف
– خَوْفُكَ مِنَ اللهِ يَقْوَى : بِأن تَتَذَكَّرَ المَوْتَ ، وما بَعْدَ المَوْتَ ، وما أَعَدَّهُ اللهُ عزّ وجلّ لِمَن كَفَرَ بِهِ وَعَصاهُ
– رَجاءُ اللهِ يَقْوَى في قَلبِك : إذا تَذَكَّرْتَ رَحْمَةَ اللهِ وما أَعَدَّهُ اللهُ عزّ وجلّ لِأَوْلِيائهِ مِنَ الخَيْرِ في الدُّنيا وفِي الآخِرَة .
الأصلُ التسعون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا أَرَدْتَ أن يُحِبَّكَ اللهُ فَاتَّبِعْ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم . فإذا اتَّبَعْتَهُ دَلّ هذا على مَحَبَّتِكَ لِلّهِ حتّى يُحِبَّكَ اللهُ .
قال تعالى { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي } ما الثِّمار ؟
{ يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31) } آل عِمران
الأصلُ الواحد والتسعون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أعْظَمُ النِّعَم هي النِّعمَةُ التي هِيَ رِسالَةُ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بِالقُرآنِ وبِالسُّنَّةِ .
هذه أعظمُ نِعْمَة .
وَلِذا ماذا قال تعالى { .. وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) } ما الذي بعدها ؟
{ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) }
{ الْكِتَابَ } : القرآن
{ الْحِكْمَةَ } : السُّنَّة
لأنّهُ لا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أن يَهتَدِيَ أبدًا إِلَّا بِاتِّباعِ محمّدِ بن عبدالله صلّى الله عليه وآله وسلّم بِمَا أوْحَى اللهُ إليهِ ، حتّى أنّ اللهَ عزّ وجلّ أَمَرَ نَبِيَّهُ صلّى الله عليه وآله وسلّم أَن يَقولَ إنّ هِدايَتي عن طَريقِ وَحْيِ اللهِ لي :
{ قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ } سبأ(50)
فَبِهَدْيِ محمّدِ بنِ عبداللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم وبِمَعْرِفَةِ ما جَاءَ في الْكِتَاب وفِي السُّنَّة يُعْرَفُ الخَيْرُ مِنَ الشَّرِّ ، والإسلامُ مِنَ الْكُفْر ، والتَّوْحِيدُ مِنَ الشِّرك ، والسُّنَّةُ مِنَ البِدْعَةِ ، ويُعْرَفُ طَريقُ أَهْلِ الخَيرِ مِن طَريق أهلِ الضَّلال .
فَواجِبٌ وُجُوبًا ضَرورِيًّا أن يَتعلَّمَ العَبدُ ما جَاءَ في هذا القرآنِ وما جَاءَ في سُنَّةِ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم
الأصلُ الثاني والتسعون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا أَرَدْتَ أن تكونَ وَلِيًّا لِلّهِ ( مِن أوْلِياءِ الله ) فَعَنْ طَرِيقَيْنِ :
الإيمان بِالله وبِتَقْواهُ
{ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }(62) يُونُس
{ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } لا في الدُّنيا ولا في الآخِرَة ، لا حُزْنَ في الدُّنيا ولا في الآخِرَة
ما صِفاتُهم ؟ { الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ }(63) يُونُس
فَبِقَدْرِ إيمَانِكَ وتَقْواكَ تَكُونُ لَكَ وِلايَةُ اللهِ . تَضعُف بِحَسَبِ ضَعف الإيمان والتَّقوَى .
وتَقْوَى وِلايَةُ اللهِ لَكَ بِقَدْرِ تَقوِيَتِكَ لِلإيمانِ باللهِ وبَتَقوى الله عزّ وجلّ
ما الثَّمَرَة لِوِلايَةِ اللهِ ؟
{ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } (64) يُونُس
قال شَيخُ الإسلامِ رَحِمَهُ اللهُ كما في مجموعِ الفتاوى ، قَالَ :
وأعْظَم أولياء الله هُمُ العُلَماء الذين وَرِثُوا العِلْمَ عن رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم ونافَحُوا عن دِينهِ ، وَحَفِظوا سُنَّتَهُ
قال : بَلْ إنّ لَهُم دَرَجَة أعلىٰ
{ .. يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } (11) المجادلة
الأصلُ الثالث والتسعون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللهُ عزّ وجلّ أَمَرَنا في كُلّ رَكْعَةٍ أن نقولَ { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ }
مِن أجلِ ماذا ؟
حتّى لا نَنْحَرِفَ إلى طَريقِ ( اليهود ) الذين هُم المغضوب عليهم أو إلى طريق ( النَّصَارَى ) الذينَ هُم الضالّون .
ولذلك ماذا قَالَ بَعْدَهَا ؟
{ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } يَعني : غَير صراط المغضوب عليهم { وَلَا الضَّالِّينَ }
ولذلك قَالَ السَّلفُ رحمهم الله :
مَن انْحَرَفَ مِن عُلَماءِ هذه الأُمَّة فَفِيهِ شَبَهٌ بِاليهود ، ومَن انحَرَفَ مِن عُبَّادِ هذه الأُمَّة فَبِهِ شَبَهٌ مِن النَّصَارَى .
الأصلُ الرابع والتسعون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا تَرَكَتِ الأُمَّةُ [[ بَعْضَ .. ]] ، فما ظَنُّكم لوْ تَرَكَتِ الأَكثَرَ أو تَرَكَتِ الكُلّ
إذا تَرَكَتِ الأُمَّةُ بعضَ العَمَلِ بِهذا الدِّين أوْقَعَ اللهُ عزّ وجلّ بَينَهم الشِّقاقَ والخِلافَ والنِّزاعَ .
وتَأَمَّلْ واقِعَ المُسلمين !
ماذا قال تعالى ؟
{ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ }
فَمَا الذي جَرَى ؟
{ فَنَسُوا حَظًّا .. } يَعني نَصِيبًا { مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ } لَمّا تَرَكُوا بَعضَ العَمَل .
فما ظَنُّكُم لَو تَرَكُوا الأكثر أو تَرَكُوا الكُلّ ؟
وإذا حَصَلَ النِّزاعُ والشِّقاق بَينَ أفراد الأُمَّة . ما الذي يَجري ؟
يَجري البَغيُ . يَظلِمُ بَعضُهم بعضًا .
بل إنّ بعضَهم قد يَبغِي على شَرعِ الله فَيُحَرِّف في دِين الله .
قال تعالى { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ } ما السَّبب ؟ { بَغْيًا بَيْنَهُمْ .. }
{ بَغْيًا بَيْنَهُمْ .. }
فَدَلَّ هذا على أنّ الأُمَّةَ لا يُمْكِنُ أن تَجتَمِعَ إِلَّا على دِينِ اللهِ عزّ وجلّ . ولا يُمْكِنُ أن يَحصُلَ بَـيْـنَ المسلمين مَحَبّة وَوِفاق إِلَّا إذا اجتَمَعوا على دِينِ اللهِ عزّ وجلّ
لا حِزبِيّات ولا قَوْمِيّات ولا بِدْعِيّات ولا خُرافات وَماشابهَ هذهِ الأشياء .
الأصلُ الخامس والتسعون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يَقُولُ ابنُ القيّم – رحمه الله -كما في أحكامِ أهلِ الذِّمَّة
يقول : ( مَن هَنَّأَ أَحَدًا بِمَعْصِيَةٍ أو بِبِدْعَةٍ أو بِكُفْرٍ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِعُقُوبةِ اللهِ وسَخَطِهِ ومَقْتِهِ )
قَدْ يَقَعُ بَعْضُ النَّاسِ في مِثلِ هذا الأَمْرِ مِن المسلمين وهُوَ لا يَدْرِي ، أَوْ يَدْرِي لَكِنْ عن شَهْوَة أو شُبْهَة
مَن هَنَّأَ أَحَدًا بِمَعْصِيَةٍ أو بِبِدْعَةٍ أو بِكُفْرٍ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِعِقابِ اللهِ ومَقْتِهِ وسَخَطِهِ
مِثال :
بَعضُ الناس لمّا يأتي إلى الحَلّاق ، فَيَحلِق له لِحيَتَه [ حَلْقُها حَرَام ] أو يَقُصّ قَصّات مُخالِفة لِشَرعِ الله وهِيَ مُحَرَّمَة .
يَقُولُ له الحَلّاقُ : نَعيمًا .
أيُّ نِعْمَة ؟!
وهذا القَولُ الذي قالَهُ ابنُ الْقَيِّم – رَحِمَهُ اللهُ – تَدُلُّ عَلَيْهِ الأَدِلَّة ؛ لأنَّ الشَّرعَ نَهَى عن فِعلِ المُحَرَّم .
⚫ فَكَيْفَ تُهَنِّئُ شخصًا بِفِعْلِ مُحَرَّمٍ ؟!
فَيقولُ : ( نَعيمًا ) . أيُّ نِعْمَةٍ !!
⚫ أوِ التَّهْنِئَةُ بِبِدْعَةٍ
كما يَجرِي مِنَ التَّهنِئة بما انتَشَرَ بَينَ النَّاسِ . ولا سِيَّما في الأيّامِ الماضِيَةِ ( عن عِيدِ الأُمِّ ) أو عيد الحُبّ أو عيد الميلاد أو عيد الزَّواج أو ما شابَهَ ذلك مِن هذه الأعياد التي أساسُها ومَصدَرُها مِنَ الْكُفَّار !
وتِلكَ أعيادٌ مُخالِفَةٌ لِدِينِ الله
[ وَلَدَيَّ كَلامٌ مُطَوَّلٌ مِن أكْثَرِ مِن عشرةِ أَدِلّة تَدُلُّ على تحريمِ هذه الأعياد ] فَلا يُلَبَّس عَلَى الناس .
والآثارُ عن الصحابة رضي الله عنهم ( عن عُمَرَ رضي اللهُ عنه ومَن جَاءَ بعدَهُ ) .
والأَدِلَّةُ الشرعِيّةُ مِن كِتابِ الله وَمِن سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم تُحَرِّمُ ذلك .
ومع ذَلِكَ بَعضُهم يُهَنِّئُ بعضًا . فما ظَنُّكم لَوْ أَتَى بِهَدِيَّة .
لِأنَّ بعضًا مِن الـنَّـاسِ يقول : سأُعطي أُمِّي هَدِيَّةً في هذا الْيَوْم .
فلا يجوزُ مِثلُ هذا .
أو أنّ الأُمّ تَغضَب إذا لَمْ تأتِ لها بِهَدِيَّة .
وَلَوْ غَضِبَت ؛ رِضا الله مُقَدَّم علىٰ رِضَا المَخلوق .
بَل إنّ أَعظَمَ البِرِّ بِوالِدَيك أن تَمنَعَهُما مِن الوُقوعِ في المُحَرَّمِ بِالّتِي هِيَ أَحْسَن ( بالتَّبْيِينِ وبِالتَّوضِيح )
إذًا ( مَنْ هَنَّأَ بِمَعْصِيَةٍ .. ) فما ظَنُّكُم بِبِدْعَة ! فما ظَنُّكُم مَن هَنَّأَ بِعَمَلٍ كُفْرِيّ أو بِقَوْلٍ كُفْرِيّ
قَالَ رَحِمَهُ اللهُ : ( فَقَدْ تَعَرَّضَ لِسَخَطِ اللهِ ومَقْتِهِ وَغَضَبِه )
فَيَجبُ أن يُتَنَبَّهَ لِمِثْلِ هذه الأُمورِ
الأصلُ السادس والتسعون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يَجوزُ لِأَحَدٍ أن يُسافِرَ إلى قَبرِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم .
ولِذا ما وَرَدَ مِن أحاديث في فَضْل زِيارةِ قَبرهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم فهيَ أحاديثُ لا تَصِحّ مِن حيث المَتْن كما قال المُحَقِّقون وأيضًا مِن حيثُ الإسناد
فهيَ لا تَصِحّ سَنَدًا ولا مَتْنًا
ولِذا في بعضِ أحاديثِ فَضْلِ زِيارةِ قَبرِه صلّى الله عليه وآله وسلّم ممّا لا يَصِحّ :
( مَن زارَني بَعْدَ وَفاتي فَكَأَنَّما زارَني في حَياتي )
وهذا ولا شكّ أنّ في مَتْنِهِ خَلَلًا .
لِمَ ؟ لأنّ مَن جاء بَعْدَ الصحابةِ رَضِيَ الله عنهم لا يُمْكِنُ أن يَصِلَ إلى مَرتَبَتِهم في الفَضْلِ .
فَكَأَنَّ هذا الحديث يُقَرِّر لِمَن زارَهُ بَعْدَ وَفاته مِن أنّه في مَنزِلةِ الصحابة رَضِيَ اللهُ عنهم . وهذا لَيْسَ بِصَحيح
بل إنّ الأئمّةَ اتَّفَقُوا [ لَو أنّ شخصًا قال : نَذْرٌ عَلَيَّ أن أزورَ قَبْرَ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فإنّه لا يَفِي بِنَذْرهِ ] .
بل يُنهَى عن ذَلِكَ ؛ لِما في صحيح البخاريّ :
قال صلّى الله عليه وآله وسلّم (( مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللهَ فَلَا يَعْصِهِ ))
فإذا كان هذا ؛ فإنّه لا يَجوزُ السَّفَر لا إلى قَبرهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم ولا إلى قَبرِ غَيرهِ مِنَ الأنبياء أوِ الصالحين .
أمّا السفر لِزيارة المسجد النَّبَوِيّ فقد جاءتِ الأَدِلَّةُ بِجَوازِ ذلك ؛ قال صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في الصحيحين :
(( لا تُشَدُّ الرِّحالُ إِلَّا إلى ثلاثةِ مَساجِد : المَسجِد الحرام ومَسجِدِي هذا والمَسْجِد الأقصى ))
الأصلُ السابع والتسعون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زِيارةُ المقابِر على نَوعَين :
زِيارةٌ شَرعِيّة وزِيارةٌ غَيرُ شَرعِيّة
( الزِّيارة الشَّرعِيّة ) :
– أن يزورَ المُسلِمُ المقابِرَ مِن أَجْلِ السلامِ على المَوتى والدُّعاء لَهُم
– أو لِلصلاةِ على شَخصٍ لمْ يُصَلَّ عليه أو لَمْ يُدرِك هذا الإنسانُ الصلاةَ عَلَيْهِ إذ فاتَتْهُ الصلاةُ عليه ، فَقَدْ جاءتِ السُّنَّةُ بِذلك
أمّا ( الزِّيارةُ غَيرُ الشَّرعِيّة ) :
– فَهِيَ كَزِيارةِ أَهْلِ الشِّرك والبِدَعِ :
– يَزورونَهم مِن أَجْلِ أن يَسأَلوهُم الحاجات ،
– وأن يَجعلوهم وسائط عندَ الله كَأَنْ يقولوا : ادعوا اللهَ لنا أن يُحَقِّقَ كذا
– أو أنّهم يزورون المقابِر فَيَدعُونَ عندها أو عند قَبرٍ مُعَيَّن ظنًّا مِنهم ، ظنًّا مِنهم مِن أنّ الدّعاء هنا له مَزِيّة
الأصلُ الثامن والتسعون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال كما ثَبَتَ عندَ أبي دَاوُدَ (( وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإنَّ صَلاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ ))
فلا يُظَنُّ مِن أنّ الصلاةَ على النبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم عندَ قَبرِه – لا يُظَنّ – أنّ لها فَضْلًا .
بلِ الأدِلَّةُ مُتَظاهِرة على أنّ اللهَ عزّ وجلّ أمَرَنا أمَرَنا أن نُصَلِّيَ عَلَى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في أيِّ مكان .
ولذا كما في سُنَنِ سعيدِ بن مَنصور :
أَحَدُ أحفادِ عليّ بن أبي طالِب رضي الله عنه لمّا رأى رَجُلًا يُكَرِّرُ المَجِيءَ إلى قَبرِ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال – مُستَنِدًا بِحَديثهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم -قال (( لا تَتَّخِذوا قَبرِي عِيدًا وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإنَّ صَلاتَكُم تَبْلُغُني حَيثُ كُنتُم ))
ثُمّ قالَ لهُ : أيُّها الرَّجُل ، ما أنتَ ومَن بِالأندَلُسِ إِلَّا سَواءً ، مَن يُصَلِّي عَلَيْهِ في الأَندَلُس أو هُنَا سَواء
وَأَمَّا ما يُذكَر مِن حديث عند ابنِ أبي شَيْبَةَ في مُصَنَّفِهِ مِن أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم قال ( مَن صَلَّى عَلَيَّ عندَ قَبري سَمِعْتُهُ ، ومَن صَلَّى عَلَيَّ بعيدًا بُلِّغْتُه ) هذا حديثٌ لا يَصِحُّ عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم
الأصلُ التاسع والتسعون بعدَ المِئة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يَجوزُ لِأَحَدٍ أن يَقول :
أُقْسِمُ على اللهِ بِالنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ،
أو أسأَلُك بِحَقِّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ،
أو أسألُكَ بِذاتِ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم
وما يُورَدُ مِن أحاديث مِن جَوازِ ذلك ( أُقسِمُ بحقّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فهِي أحاديث لا تَصِحُّ .
ولِذا مَن يَفعَلُ ذلك مِمَّن لَمْ يُوَفَّق وخالَفَ التوحيد يقول : هؤلاء عَظَّمَهُم الله ، اللهُ عزّ وجلّ عظَّمَ النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم .
فيقولُ شيخُ الإسلام رحمهُ الله كما في مجموع الفَتاوى :
لَوْ قَرَّرْنا هذه القاعِدة ، فاللهُ عزّ وجلّ عَظَّمَ أشياءَ في القرآن ، وأَقسَمَ بِها كَالتِّين والزَّيتون .
فهل يقولُ أَحَدٌ بِالإقسامِ وسُؤالِ الله بِهذه الأشياء ؟
قال : ما يَقُولُ هذا إِلَّا مَن قَبُحَ قَولُهُ ، مَن قَبُحَ قَولُهُ
فَدَلّ هذا عَلَى أنّه لا يُقال : أُقسِمُ بِحَقّ النبيّ أو أسألُكَ بِحَقّ النبيّ ، أو أسألُكَ بِذاتِ النبيّ
فهذا لا يَجُوز .
ولذلك الصحابةُ رضي الله عنهم في حياته صلّى الله عليه وآله وسلّم كانوا يقولون لِلنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( ادعُ اللهَ لنا ) .
وَلَمْ يقولوا نسألُكَ بِحَقِّه أو بِذاتِه أو نُقسِمُ على الله بِهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم
حديثٌ وَرَدَ ( تَوَسَّلُوا بِجاهِي فإنّ جاهِي عندَ الله عظيمٌ ) هذا حديثٌ مكذوبٌ لا يَصِحّ عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم
فلا يَجُوزُ أن يقولَ أحَدٌ : أسألُكَ بِجاهِ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم
وهذا إذا كان في حَقِّه صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فَغَيرُهُ مِن سائر الأنبِياء أوِ الصالحين مِن بابِ أَولَى
لكنْ لَوْ قال قائل :
في صحيحِ البُخاريّ عُـمَـر رَضِيَ الله عنه إذا لَمْ يَنزِلِ المطر ماذا كانَ يقول ( اللّهُمّ إنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيكَ بِنَبِيِّنا فَتَسقِينا ، نَسألُكَ بِعَمِّ نَبِيِّنا فَاسْقِنا ) فَيَقُوم العَبَّاس فَيَسْتَسْقي فَيُسْقَوْن .
هذا لَيْسَ تَوَسُّلًا بِذاتِ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أو بِعَمِّهِ . لِمَ ؟
لأنّ الصحابة رَضِيَ الله عنهم في حياته صلّى الله عليه وآله وسلّم كانوا يَسألونَ النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يَدعُوَ اللهَ أن يُنزِل عليهم الغَيْث ، أمّا بَعْدَ وفاتِه فَلَم يَفعَلوا ، وإنّما قالوا : ( نتَوَسَّلُ بِعَمِّ نَبيِّنا ) يعني بِدُعائه
يعني بدعائه
وَلَوْ كانَ التَّوَسُّل بِذاتِ أو بِجاهِ أو بِحَقِّ العَبّاس لَكانَ النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قريبًا منهم فاسْتَسْقَوْا بِذاتِه
فَدَلّ هذا على ماذا ؟
على أنّ المقصودَ مِن هذا الحديثِ هُوَ الدُّعاء
كانوا يَسألون النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يَدعُوَ اللهَ لَهُم ( في حَياتِه )، ( أمّا بَعْدَ وفاتِه ) فما كانوا يأتونَ إلى قَبرِه لِيَسأَلوه وإنّما كانوا يقولونَ لِلعبّاس : قُمْ يا عبّاس فاسْتَسْقِ لَنا . فَيَقومُ العبّاس فَيَدعو اللهَ عزّ وجلّ ، فَيَسقِيهم الله عزّ وجلّ
وَأَمّا ما جَاءَ مِن حديثٍ عندَ أحمدَ والتِّرمِذِيّ وابنِ ماجَهْ :
أَتَى رجلٌ ضَريرُ البَصَر إلى رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم فقالَ لهُ صلّى الله عليه وآله وسلّم (( قُمْ فَتَوَضَّأْ فأحْسِن الوُضوءَ وصَلِّ رَكعَتَين ثُمَّ قُلْ : اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ بِنَبِيِّكَ نَبيِّ الرَّحمةِ .. ))
بعضُ المُبْتَدِعَة لا يأتي بالحديثِ كامِلًا
أوّلًا هذا الحديث بعضُ العُلَماء يُضَعِّفُه وجُملة يُصَحِّحونَه . لكنّ المُحقُّقينَ ماذا يقولون عن هذا الحديث ؟
انتبِه
نَصُّ الحديث : أَتَى هذا الرَّجُلُ ضَريرُ البَصَر مِن أَجْلِ أن يُرَدَّ إليه بَصَرُه . فماذا قَالَ ؟
قال : يا رسولَ اللهِ ادعُ اللهَ لي
إذًا ما سَأَلَ بِحَقِّ النبيّ ولا بِذاتِ النبيّ ولا أقْسَمَ على اللهِ بِالنبيّ
وإنّما طَلَبَ مِن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يَدعُوَ اللهَ لهُ ، ولذلك ماذا قال ؟ ادعُ اللهَ لي يا رسولَ الله
فماذا قال صلّى الله عليه وآله وسلّم ؟
قال – وهذا دليل آخر – قَالَ : (( إنْ شِئْتَ صَبَرتَ ، وإن شِئْتَ دَعَوْتُ اللهَ لَكَ )) .
دَلَّ على أنّه دُعاء .
فماذا قال الرجل ؟ قَالَ : ادعُ اللهَ لي .
كرَّرَ طلبُ الدُّعاء
وهذا هُوَ الأَمْرُ الثالِث
فَلَمَّا طَلَبَ الدُّعاءَ وكان صلّى الله عليه وآله وسلّم خَيَّرَهُ دَلَّ على ماذا ؟
على أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم دَعا لهُ ،
دَعا له ، ثُمّ أمَرَهُ صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يُحسِنَ الوضوءَ ، وأن يُصَلِّيَ فَيقول في ضِمنِ دُعائه ( اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ بِنَبِيِّكَ نَبيِّ الرَّحمةِ ) يعني : اللّهُمّ إنّي أسألُكَ بِدُعاءِ النبيّ لِدلالة الحديث في أوَّلِهِ وحتَّى في آخِرِه .
ماذا قال ؟ قال : (( وقُلْ : اللّهمّ شَفِّعْهُ فِيَّ وشَفِّعني فيهِ ))
الشفاعة هنا : الدُّعاء
يعني اقْبَلْ دُعاءَ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فِيَّ . وشَفِّعني فيه .
يعني اقْبَلْ دُعائي أن تَسْتَجِيبَ دَعْوَةَ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يَرُدَّ إِلَيَّ بَصَرِي
وَلَوْ كانَ المقصود التَّوَسُّل بِذاتِ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أو بِحَقِّهِ لَمَا أَتَى هذا الأعرابيّ
فدلّ هذا على أنّه لا حُجَّةَ لِهؤلاء فيما ذَهَبوا إليه
خُلاصَةُ الْقَوْل :
لا يُسْأَلُ اللهُ بِجاهِ النبيّ ولا بِحَقِّ النبيّ ولا بِذاتِ النبيّ . ولا يُقسَمُ على الله بِالنبيّ .
ولِذا لَمْ يَفعَلْهُ الصحابةُ رَضِيَ الله عنهم ولا التابِعون وإنّما حالُهم كما ذَكَرنا آنِفًا
الأصلُ المتمم المائتين :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حديثٌ وَرَدَ ( تَوَسَّلوا بِجاهِي فَإنَّ جاهِي عِندَ اللهِ عَظيم ) هذا حديثٌ مَكذوب ، لا يَصِحّ عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم
فلا يَجوزُ أن يَقولَ أَحَدٌ : أسألُكَ بِجاهِ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم . وما كانَ مِن غَيرهِ كالأنبياء والصالِحين مِن بابِ أَوْلَى .
ولا يُظَنّ – كما يَزعُمُه أولئكَ – مِن أنّنا لا نُعطِي النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قَدْرَهُ . كَلَّا.
لهُ جاهٌ عند الله . نعم .
اللهُ جلّ وعَلَا ماذا قال عن موسى { وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا } (69) الأحْزاب
وقال عن عيسى { وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ }
ونبيُّنا صلّى الله عليه وآله وسلّم أعظمُ الناس جاهًا عند الله لَكِنْ لَمْ يَرِد مِثْلُ هذا ..
لمْ يَرِد مِثْلُ هذا في سُنَّتِه ، ولا عن صَحابتِه ، ولا عن التابعين ، ولا مَن سارَ بِطَرِيقَتِهم بِإِحسان .
فَدَلّ هذا على أنّ مِثْلَ هذا غيرُ مَشروع
الأصلُ الواحد بعد المائتين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا زُرتَ مَسجِدَ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وأرَدتَ أن تَزورَ قَبرَه فَسَلِّم عَلَيْهِ وعلى صاحِبَيْهِ ثُمَّ انصَرِف
أمّا استِقبالُ الحُجرَة والقَبْر لِلدُّعاء : فَقَدْ اتَّفَقَ الأئمّةُ على عَدَمِ مَشروعِيّةِ ذلك
بل المَنقول عن السَّلَفِ مِن صحابةِ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كَابنِ عُمَرَ ومَن جاء بعده ماكانوا يَفعَلونَ ذلك
بل حتّى إنّ أبا حَنيفةَ يقول : ( حتّى حالَ السَّلام لا يَستَقبِل الحُجرة ) مع أنّ الأئمّة الثلاثة يقولون استِقبال الحُجرَة لِلسَّلام لا إشكال
أمّا جميع الأئمّة اتّفقوا على أنّه لا يَستَقبِل الحُجرة حالَ الدُّعاء ، حالَ الدُّعاء .
وَأَمّا ما وَرَدَ مِن أنّ الإمامَ مالِك بن أنَس – رَحِمَهُ الله – مِن أنّ المنصور سَأَلَه عن استِقبال الحُجرة فقال له مَالِك : هو وَسِيلَتُك وَوَسيلَةُ أبيكَ آدم .
فهو كَذِب على الإمامِ مَالِك
بل إنّ المَنقول مِن الثِّقات مِن أصحابه وأتباعِه مِن أنّه يُفَظِّعُ ويُعَظِّمُ ذلك ويقول : لا يجوزُ استِقبالُ الحُجرة حالَ الدّعاء .
فإنّه رَحِمَهُ الله كانَ يَقُولُ هذا مِن البِدَع لمْ يَفْعَلْهُ الصحابةُ رَضِيَ الله عنهم وَلَمْ يَفْعَلْهُ التابعون .
كيف وقد قال الإمام مَالِك رحمه الله : لن يُصْلِحَ آخرَ هذه الأُمَّة إِلَّا بما أَصلَحَ أَوَّلَها
فهذه أُصول مُهمّة
وهذه الخُطبة وما قَبْلَها مِن خُطَب تَحَدَّثتُ فيها عن هذه الأصول ، وهي أُصولٌ تَتَعَلَّقُ بِالعقيدة .
خَلِيقٌ وحَرِيٌّ بِالمُسلِم أن يسْمَعَها وأن يَقرَأَها
وهيِ مَوْجودَةٌ بِأَكمَلِها على اليوتيوب ، ومَوْجودٌ كُلُّ أصلٍ مُستَقِلّ وَحدَه في اليوتيوب .
وأيضًا موجودة مكتوبة لِمَن أرادَ القراءة على مَوْقِعي في الإنترنت
هذه أُصولٌ تجاوزت المِئَتَين . وهيَ أُصولٌ مُهِمَّة ويحتاجُها المسلمون في هذا الزَّمَن وفيما يأتي مِن أزمان ؛ لأنّها تَتعلَّق بِالعقيدة .
أسألُ اللهَ عزّ وجلّ لي ولَكُم العِلمَ النافِع والعملَ الصالِحَ وأن يُثَبِّتَنا على التوحيدِ والسُّنَّةِ حتّى نَلقاه .