أما بعد : ..
فقد قرأنا في صلاة العشاء سورة (البروج)
وقد ذكر الله عز وجل فيها قصة أصحاب الأخدود، وهذه القصة أوردها الإمام مسلم في صحيحه من حديث صهيب رضي الله عنه
ومفادها :
أن ملكا وثنيا كان عنده ساحر، فلما كبر هذا الساحر قال للملك ابعث إلي غلاما كي أعلمه السحر ، فبعث إليه غلاما ، فقدر الله عز وجل وكان في طريق هذا الغلام راهب أي عابد ،فمر به وسمع شيئا من قوله فتأثر به ، فعرف فيما بعد الساحر والملك ما يفعله هذا الغلام من تأثره بهذا الراهب ، فأراد الملك أن يتخلص منه، ليقذفه من جبل فأهلك الله من معه،ونجّى الله الغلام، أراد أن يهلكه بالغرق فنجاه الله عز وجل وأهلك من كان معه في البحر
فقال هذا الغلام ( إذا أردت أن تقتلني فاجمع رعيتك فقل بسم الله رب هذا الغلام ) ففعل فقتله ،أراد هذا الغلام أن يبين للناس أن عبادة هذا الملك الوثني عبادة باطلة ،وأن الذي يعبد هو الله عز وجل
فلما نطق هذا الملك بسم الله عز وجل قتل هذا الغلام ، فماذا فعل هذا الملك بعدما أسلم الناس ؟
وكانوا ذلك الوقت نصارى على دين عيسى لم يحرفوا نصرانيته ، أمر بأن تحفر الحفر ، وتؤجج النار ، فمن لم يعد يقذف في النار ،فقُذف هؤلاء في النار
يقول ابن كثير لم ينج إلا رجل واحد ، خرج هذا الرجل وذهب إلى الشام إلى هرقل وكان هرقل نصرانيا على ملته يستنجد به على هذا الملك الذي كان باليمن ، فأرسل هرقل إلى ملك الحبشة النجاشي – ليس النجاشي الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإنما كل من يحكم الحبشة آنذاك يُسمى نجاشيا – فأرسل إليه أن ابعث جيشا إلى اليمن ليقاتل هذا الملك الذي فعل بأهل الحبشة ما فعل
فأرسل النجاشي رجلين أبرهة ورجلا آخر ، فذهبا بالجيش وقتلا هذا الملك ومن معه فأصبحت اليمن في ملك الحبشة التابعة لهرقل ، فلم يتوافق الاثنان ، فقالا لنتبارز ، فقام ذلك الصاحب لأبرهة فضرب أبرهة بالسيف على فمه وعلى أنفه ، فكاد أن يقتله
ولكن غلاما لأبرهة أتى لهذا الصاحب وطعنه من الخلف فقتله، فغضب النجاشي لمّا علم فقال لا تنام لي عين حتى أطأ تراب اليمن وأجز ناصية أبرهة
فخاف أبرهة فأرسل إليه جرابا من تراب اليمن وجزّ ناصيته ليعتذر منه وقال هذا تراب اليمن لكي تبر بيمينك لتمشي عليه ، وهذه ناصيتي بين يديك ، فسُر بفهمه وعقله فجعله ملكا على اليمن
أراد ابرهة أن يعطي هذا النجاشي مكانة وقدرا، فقال لأبنين لك كنيسة تتسامع بها الناس، فبنى كنيسة كبيرة عالية تُسمى بالقَلِيس لم ؟
لأن من كانت عليه قلنسوة مثل الطاقية أو القبع لو رفع بصره إلى السماء ليرى أعلى هذه الكنيسة لسقطت القلنسوة ، وأمر الناس أن يحجوا إليها ويتركوا الكعبة ، فغضبت العرب ،وأتى رجل من العرب في ليلة وهو متستر وتغوط فيها ، فغضب ابرهة ، من فعل هذا ؟ فقالوا فعله رجل من العرب ، فقال والله لأهدمن الكعبة
فسار بجيشه ومعه الفيلة ، فسمعت العرب به فكل طائفة من العرب لما مر بها قاتلوه ولكنه هزمهم { لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا }
لله في ذلك حكمة ، فلما نزل مكانا يُسمى بالمغمس وقيل إنه وادي محسّر، فقال ابعثوا لي وجيه العرب، أي رئيسهم،فقالوا عبد المطلب وكان أبرهة قد أخذ إبلا له، فلما آتاه أعجب بمنظره ، كان وسيما وجسيما فأعجب به ،فأخبره بما يريد فقال عبد المطلب ( رد عليّ إبلي وللبيت رب يحميه ) فكأن أبرهة تناقص هذا الرجل كيف يقول هذا الكلام
فأمر عبدالمطلب جميع العرب أن يذهبوا إلى الجبال ليتحصنوا بها ، فأراد أبرهة أن يقدم على البيت فما استطاعت الفيلة أن تتحرك،أراد بها مرة أخرى ، ضربوا الفيلة بالسياط ، فلم تتحرك
فماذا حصل ؟
أرسل الله عليهم طيرا أبابيل كما في سورة الفيل { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفِيلِ } تعجب مما صنع الله بأصحاب الفيل
{ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ } أرادوا كيدا فرد الله كيدهم { فِي تَضْلِيلٍ } أي في هلاك وخسارة ليبين لقريش أنهم ما انتصروا على النصارى والنصارى أفضل منهم ــ لأن قريشا كانوا يعبدون الأوثان ، وهؤلاء كان يعبدون الله لأنهم نصارى لكنهم طغوا وبغوا ، لكن الله عز وجل نصر العرب مع أنهم أهل أوثان على النصارى تمهيدا لمن ؟
لمحمد صلى الله عليه و سلم ، فذكرهم الله عز وجل بقصة أصحاب الفيل ، أنتم أيها العرب ما نصرتم بذواتكم وشرفكم وقدركم ، لا- شُرفتم وعظمتم وقدرتم بهذا النبي صلى الله عليه وسلم فإن فعلتم من الكيد مثل ما فعل أصحاب الفيل فانتظروا عذاب الله { أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ } الإجابة نعم
{ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ } جماعات ، انظروا إلى عظمة الله عز وجل ، هذه جند من جنود الله عز وجل { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ } لا هي طائرات ولا صواريخ ، بل طيرا أبابيل ترميهم بحجارة ، ليست قنابل ، حجارة !
{ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ } أي طين متحجر لكن هذه الحجارة تفعل من الأفاعيل ما لا تفعله القنابل والصواريخ لم ؟
لأن الله عز وجل أمرها ، والله لو رجعنا لدين الله لما هبنا أي دولة من الدول ، حتى أن بعضهم يقول ماذا نصنع ؟
كيف نواجه هذه الدول بما معها من الأسلحة والعتاد؟ لأننا ضعفنا
لا قوة لنا إلا بالله عز وجل ، ولذا قال الله عز وجل {وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ المُؤْمِنِينَ} {الأنفال:19}
ولو قلّت { كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ } {البقرة:249}
{ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ } :
مثل التبن مثلما تأكله البهائم إذا أكلت الشيء تفرق وتناثر ، تفرقوا وتناثروا بشيء يسير ، طير ومعها حجارة فأبادتهم كما قال ابن كثير إنه لم ينجو إلا أبرهة،أصابه العذاب ولكنه لم يهلك في حينه ، إنما هرب إلى اليمن فهلك هناك ليكون عبرة وعظة أمام قومه
{ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ } أي مثل التبن إذا أكلته البهائم ثم راثته فتششت وتفرق هذه قدرة الله عز وجل ، ولما وقع هذا العذاب إذا بمولود يخرج من بطن أمه على أرض مكة الطاهرة وهو النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، في ذلك العام عام الفيل ولد النبي صلى الله عليه وسلم ، حال نزول العذاب إذا بمحمد عليه الصلاة والسلام يخرج من بطن أمه ، كل هذا تمهيد لهذا النبي صلى الله عليه وسلم هذا و الله أعلم ،وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم