تفسير قوله تعالى : { وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى(9) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى …… } {طه} ( 9 ـ 16 )
أما بعد :
فقد قص الله عز و جل علينا قصة موسى عليه السلام { وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى } {طه:9}
و نتطرق في هذه الليلة إلى جزء يسير من هذه القصة
موسى عليه السلام – كما قص الله في هذه السورة و سور أخرى- تربى بيت فرعون، فلما كبر و حصل ما حصل و ضرب هذا القبطي ضربة حتى أرداه قتيلا خاف موسى عليه السلام أن يدركه فرعون فيقتله فذهب إلى مدين و قص الله عز و جل ما حصل بينه و بين ذلك الرجل الصالح إلى أن اتفقا أن يزوجه إحدى ابنيه على أن يكون أجيرا له يرعى الغنم ثماني سنين أو عشر سنين
قال عز و جل { وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى } الخطاب موجه إلى رسولنا صلى الله عليه و سلم من باب التقرير ، نعم قد أتاه ، ذكره لقصة موسى من دلائل صدقه صلوات ربي و سلامه عليه
و لذا قال تعالى { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ }
الغربي : أي غرب موسى في ذلك الوادي
{ وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا القُرُونَ } أي تلك القرون بينك و بين موسى قد اندرست و ذهبت ، و ذهبت معهم أخبارهم و علومهم لكن الذي أخبرك بها هو الله تعالى
{ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ } أي ما جرى بين موسى و بين هذا الرجل الذي جعله أجيرا { وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } {القصص:45}
{ وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } أي : أرسلناك يا محمد و أنزلنا عليك هذا الكتاب-
ثم قال تعالى {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إذ رأى نارًا}
متى رأى هذه النار ؟
رأى هذه النار لما قضى تلك المدة و هي عشر سنين مع ذلك الرجل الذي جعله أجيرا نظير أن يزوجه أحدى ابنتيه، و لما عاد من مدين إلى مصر رأى ذلك النور.
قال تعالى { فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ } أي الذي بينه و بين ذلك الرجل { رَأَى نَارًا } ، نارا باعتبار ما يظنه موسى عليه السلام، كما قاله معظم المفسرين ، و إلا هي ليست بنار و إنما هو نور، و قد أضل عليه السلام طريق مصر و كان الجو باردا
{ فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا }
كمال قال تعالى : { لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى } يعني تستدفئون أو أجد على النار هدى أي هاديا يهدينا إلى طريق مصر ، فلما آتاها نودي {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى} {طه:12} هذا الوادي مقدّس أي مبارك من أين أتته البركة ؟ أتته البركة من الله كما قال في الآية الأخرى {فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ} {النمل:8} و من قوله تعالى {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الوَادِ الأَيْمَنِ فِي البُقْعَةِ المُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ} {القصص:30} أي الشجرة التي نبتت في هذه البقعة المباركة {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى} {طه:12}
ما اسم هذا الوادي ؟
طوى كما بين ذلك سبحانه و تعالى في سورة النازعات فأوحى الله إلى موسى أن يذهب إلى فرعون حيث أرسله الله عز و جل في ذلك الوقت إلى فرعون و لذا قال {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ} اخْتَرْتُكَ أي : على غيرك { فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى }
ما الذي يوحى ؟
{إِنَّنِي أَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} {طه:14} انظروا عبادة الله هي التي أُرسل بها الأنبياء {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} {الأنبياء:25} لكن ما الذي أتى بعد العبادة ؟ الصلاة ، و الصلاة كما هو معلوم من العبادة لكن لماذا خصها الله تعالى بالذكر ؟ لأن الصلاة هي أعظم أركان الدين بعد التوحيد ، و دل هذا على أن الصلاة كانت موجودة في الأمم السابقة و مما أُمر بها موسى عليه و سلم فدل ذلك على أن لها مزية و فضلا {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} {طه:14}
ما معناها ؟
قال بعض العلماء ( إذا نسيت الصلاة فتذكرتها فصلها متى ما ذكرتها )
و قال بعض العلماء ( إذا أردت أن تذكر الله سبحانه و تعالى و تتقرب منه فعليك أن تصلي )
فصلاتك تذكر بالله عز و جل ثم قال تعالى { إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا } {طه:15} ألم يخفيها عز و جل ؟ بلى ، لكن لماذا قال أكاد أخفيها ؟ المشهور عند المفسرين أكاد أخفيها عن نفسي ، أي من المبالغة في كتمان الساعة كاد الله سبحانه و تعالى أن يخفيها عن نفسه ، و إلا فهو عالم بها عز وجل ، فهذا من باب المبالغة بأن الساعة لا يعلمها إلا الله سبحانه و تعالى ، { أَكَادُ أُخْفِيهَا }
ما الفائدة من إخفاء الساعة ؟
ليجتهد العباد في طاعة الله ، و لذا قال بعدها { لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى } ثم انتبه يا موسى و هو توجيه لنا أيضا أن نستفيد منها لأن قصص الأنبياء فيها عبر و لذا قال تعالى { فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى} {طه:16} دل على أن إتباع الأهواء من أعظم الأسباب التي تمنع تذكر اليوم الآخر{ فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى} لو حصل هذا فتردى و تهلك
نسأل الله تعالى أن ينفعنا بهذا القرآن العظيم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم