مما تٌلي في هذه الليلة قوله تعالى { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحَابًا } بين الله سبحانه و تعالى أنه يسوق السحاب يُزجي : يعني يسوق سحابا ،
ما الذي يسوق السحاب ؟
الريح بأمر الله كما قال تعالى { وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } {الأعراف:57} } وكما قال تعالى { حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ } يعني حملت هذا السحاب العظيم وهذا السحاب ثقيل بما فيه من الماء كما قال تعالى { وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا{ 1 } فَالحَامِلَاتِ وِقْرًا }.
فالحاملات هنا السحاب تسوق سحابا ثقيلا
من الذي يسوق هذه السحاب ؟
الرياح ومع أن هذه الرياح تسوق السحاب إلا أنها في نفس الوقت تلقح السحاب { وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ } وقال تعالى { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ } سحاب متفرق فيجمعه الله سبحانه وتعالى
{ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا } إذا ألفه وجمعه جعل بعضه على بعض { فَتَرَى الوَدْقَ } يعني المطر { يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ } من شقوقه
هذا المطر سماه الله سبحانه وتعالى ( رحمة ) كما قال إذا أنزل المطر على قوم { اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }
فمن رحمته المطر ، المطر نعمة ورحمة من الله تعالى
ثم ماذا قال تعالى ؟
{ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ }
ما معنى هذه الآية ؟
معنى هذه الآية إما أن تكون كما قال بعض العلماء ( أنه سبحانه وتعالى ينزل بَرَدا كثيرا كالجبال )
وإما أن يكون المعنى كما قال آخرون ( أن في السماء جبالا من بَرَد فهذا السحاب الذي ينزل علينا ينزل من تلك الجبال من البرد في السماء فيصيب به من يشاء و يصرفه عمن يشاء ، حكمة منه سبحانه وتعالى
{ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ } يعني لمعان البرق يكاد يذهب بالأبصار ، و في هذا عبرة و عظة ، وهذا السحاب كما تسوقه الرياح فإن هناك ملكا يأمر هذا السحاب يتوجه إلى تلك البلدة التي أمر الله أن ينزل بها المطر
من هو هذا الملك ؟
اسمه ( رَعْد ) ملك من الملائكة كما قال النبي عليه الصلاة السلام في السنن ( الرَعْد ملك من الملائكة يسوق السحاب ، وهذا صوته حينما يسوق السحاب ) يعني حينما نسمع الصوت فإن هذا الصوت صوت لهذا الملك الذي يأمر السحاب أن يذهب لتلك البلدة ثم يهطل فيها المطر
ثم هناك آية وعبرة أخرى في هذا الكون قال تعالى { يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ } {النور:44} الليل والنهار يتقلبان يقصر النهار ويطول الليل ، ويكون النهار كذلك و يتغير الوقت ، وقت النهار ووقت الليل ، يمضي هذا ويأتي هذا ، كما قال تعالى بعد هذه الآية { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الأَبْصَارِ } عبرة وعظة ، نهار يأتي وليل يمضي وهكذا
كما قال تعالى { إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ } يعني يغطي الليل النهار{ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا } يعني كلا منهم يقول للآخر اذهب لكي أحل محلك { وَالقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ } بانتظام فكل منهم يخلف الآخر ، وفي ذلك عبره وعظة قال تعالى { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ } لأصحاب العقول فهي دعوة من الله سبحانه و تعالى أن نعتبر ونتعظ
قال تعالى { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا } يخلف كلُ منهما الآخر ، لم ؟ { لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ } بربكم ألم نجتمع الليلة الماضية في نفس الوقت ؟ ! اجتمعنا ، وقبلها بثلاث ليالي ، بأربع ليالي ، يمكن قبل سنة أو أربع سنين أو سبع سنين أو تسع سنين ،صلينا هنا، إلى أن يقف الكون أو تتوقف حياتك ، و نحن نعرف أناسا صلوا معنا هنا في هذا المكان من عشر سنين ووافتهم المنية ، فهي عبرة و عظة ، يأتي ليل و نهار يذهب دواليك دواليك
وهكذا فلابد أن تذهب الأعمار
لذلك يقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله ( الليل و النهار يعملان فيك فأعمل فيهما )
ويقول الحسن البصري رحمه الله ( كل يوم يمضي إنما هو بمثابة الصندوق لن يُفتح إلا يوم القيامة ، اليوم ضيفك والضيف مرتحل وغدا يحمدك أو يذمك )
ونحن الآن في منتصف الشهر، وكنا قبل وقت يسير نستقبل الشهر في أوله ويهنئ بعضنا بعضا ، وها نحن في منتصف الشهر وما هي إلا لحيظات إلا والشهر ينتهي ، وما هي إلا لُحيظات إن قدر الله لنا بقاء في هذه الدنيا فنجتمع مرة أخرى ونصلى رمضان وهكذا … ولكن لابد أن تتوقف عجلة المسير في هذه الدنيا لكن العاقل من يعتبر بمضي الليل والنهار ويعمل فيهما ما يرضي الله سبحانه و تعالى
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على أنفسنا ولا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى صحبه وسلم