تفسير قوله تعالى (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم …. ) سورة البقرة (75 ـ 82 )

تفسير قوله تعالى (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم …. ) سورة البقرة (75 ـ 82 )

مشاهدات: 598
تفسير قوله تعالى
{ أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }
البقرة75- 82
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

أما بعد :

فإن سورة البقرة من نظر إلى كثير من آياتها وجد أنها تتحدث عن اليهود ، بينما لو نظر في آيات كثيرة من سورة آل عمران التي تأتي بعدها ، لرأى أنها تتحدث عن النصارى ، ومعلوم أن اليهود والنصارى أُمرنا في كل ركعة من كل صلاة أن نسأل الله عز وجل أن يجنبنا صراطهما

{ اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ {6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ {7} }

فأمرنا أن نسأل الله عز وجل صراطه المستقيم ، صراط من أنعم عليهم

{ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ } و { المَغضُوبِ عَلَيهِمْ } هم اليهود و( الضالون ) هم النصارى ، كما جاء بيان ذلك في حديث عدي رضي الله عنه عند الترمذي ، ولذلك يقول بعض السلف بسبب الابتعاد عن الحق مع العلم به وبسبب عدم العلم وهو الوقوع في الجهل ، قال ( من عصى الله من علماء هذه الأمة ففيه شبه باليهود ) لأن اليهود علماء فعصوا الله عز وجل على بصيرة .

( ومن عصى الله عز وجل من عبَّاد هذه الأمة ففيه شبه بالنصارى ) لأن النصارى عبدوا الله عز وجل على غير علم ، ولذلك يقول شيخ الإسلام رحمه الله ” إن فساد الأمم بسببين : اتباع الظن واتباع الهوى “

كما قال عز وجل{ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ }النجم23 ، ومن يتبع الظن هم من كانوا جهالا مثل النصارى ، ومن يتبع الهوى هم اليهود ، لأن عنده علما فعصى الله عز وجل على بصيرة .

وأول آيات قرأتها في هذه الليلة تحدثت عن اليهود ، وهؤلاء اليهود الخبثاء هم ثلاثة أصناف ، ليسوا صنفا واحدا وإنما هم ثلاثة أصناف مذكورون في أول الآيات التي قرأتها هذه الليلة ، قال عز وجل :

{ أَفَتَطْمَعُونَ } يخاطب من ؟ يخاطب المؤمنين ، لأن المؤمنين يطمعون ويتمنون أن يدخل كل إنسان في دين الله عز وجل لما في قلوبهم من الخير ، ولذلك لما اشترطت كفار قريش بعض الشروط مال بعض الصحابة إلى أن يستجاب لهم ، فماذا قال عز وجل { وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى } الجواب لكان هذا القرآن { بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا } ثم قال { أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ } يعني أفلم يتبين للذين آمنوا { أَن لَّوْ يَشَاءُ اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا }الرعد31 ، فأهل التقوى وأهل الإيمان يحبون الخير للغير ، بينما الكفار ماذا قال عز وجل عنهم ؟ { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاءً } النساء89، وكما قرأنا في هذه الليلة { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم }البقرة109

 

 

قال تعالى :

{ أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ }

يعني التوراة ، فدل على أن الكتب المنزلة السابقة هي من كلام الله عز وجل { ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } يعني لو أقدم الإنسان على المعصية جهلا لكان له شيء من العذر ، لكن كونه يُقدم على المعصية وهو عالم بها وعاقل لمخاطرها فهذا هو أشد الطغيان ، وهذا هو سبب بعد الإنسان عن التوبة ، يعني من يعلم أن هذه معصية ويستمر عليها فخليق به أن تغلق عليه أبواب التوبة ، { ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } يعلمون أنهم مفترون لأنهم حرفوا كلام الله عز وجل ، حرفوا صفة رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام التي ذُكرت في التوراة ، إذاً هذا الصنف الأول من اليهود وهو علماؤهم الذين حرفوا التوراة مما جاء فيها من الحق من بيان صفة النبي عليه الصلاة والسلام .

الصنف الثاني :

منافقون ، أفي اليهود منافقون ؟

نعم { وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } البقرة76 ، يقول هؤلاء العلماء منهم لمن هم منافقون من أهل الكتاب يقولون كيف تجتمعون بالمؤمنين وتخبرونهم بنعت محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة ، إذا فعلتم هذا كان هذا وسيلة لهم ليجادلوكم ويخاصموكم عند الله يوم القيامة { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } أنكم على خطر لما بينتم الحق في التوراة لأصحاب محمد عليه الصلاة والسلام ، فماذا قال عز وجل ؟ {أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ }البقرة77، حتى ولو لم يخبروا المؤمنين بهذا أيخفى على الله عز وجل العليم الخبير ؟ لا يمكن سيحاسبهم على ذلك .

الصنف الثالث :

وهو عوامهم ، أميون لا يفقهون شيئا ، قال تعالى :

{ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ } يعني مجرد تلاوة التوراة فقط من غير أن يعقلوا معناها .

أو كما قال بعض المفسرين : ” أماني يتمونوها ” كما قال بعضهم { لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }البقرة111 .

أو كما قال بعض المفسرين : ” { إِلَّا أَمَانِيَّ } إلا أكاذيب تلقوها من علمائهم فاستَمروا عليها .

{ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ }

ومن يعتمد على الظن أهو عالم أم جاهل ؟ جاهل { إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ }النجم23 .

ففي هذا دلالة مؤكِّدة على أن هؤلاء عوام ليس عندهم علم .

ثم عاد عز وجل بالكلام إلى من حرَّف كلام الله من العلماء من أجل أن تبقى دنياهم ، بعض الناس يضحي بدينه من أجل عرض من الدنيا ، وهؤلاء جهلوا عظمة الإسلام ، ووالله لو أسلم هؤلاء لرفع الإسلام منزلتهم وبقيت لهم مكانتهم كما كانت ، عبد الله بن سلام لما أسلم أصبحت له مكانة عظيمة ، تصوروا لو أن ملوك الفرس وملوك الروم أسلموا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ، ستبقى لهم مكانتهم ، سيبقى لهم خير الدنيا مع خير الآخرة ، لكن المُوفق من وفقه الله عز وجل .

{ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ } تحريفا { ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ } من أجل ؟ { لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا } وصف الدنيا بأنها ثمن قليل، ليست بشيء { فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ } ماذا يكسبون ؟ يكسبون المال ، يكسبون الذنوب والمعاصي ، فتوعدهم الله عز وجل بالويل ، ومع ذلك ماذا يقولون ؟

نحن لنا مكانة في الآخرة ، فإننا سنعذب مدة يسيرة ، لأنهم عبدوا العجل أربعين يوما { وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً } وهي أيام عبادتهم للعجل { قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } إنما هو الافتراء .

{ بَلَى}

و ( بلى ) في اللغة العربية مثل ( بل ) فهي تنفي ما مضى وتثبت ما يأتي ، ماذ الذي مضى ؟ ادعاؤهم بأنهم سيبقون في النار أربعين يوما فقط { بَلَى } ليس الأمر كما يقولون { مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } من تحيط به خطيئته هو الكافر لأنه لم يبق شيئا من الخطايا إلا فعلها فأحاطت به خطيئته ، والناس في ميزان الله عز وجل صنفان من حاد عن الطريق { فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } ومن سار على الطريق المستقيم :

{ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } .

وفقني الله وإياكم للعلم النافع والعلم الصالح ، والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .