تفسير سورة البقرة ــ الدرس العاشر
{ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ {9} }
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــ
فمازال الحديث عن صفات ذلك الصنف الثالث الذي هم أهل النفاق :
قال عز وجل :
{ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ }
من فوائد هذه الآية :
أن الخداع في اللغة العربية بمعنى الإخفاء :
ولذلك المستودع الذي نخفي فيه الأغراض في بيوتنا يسمى في اللغة بمخدع البيت
لم ؟
لأنهم يخفون فيه أغراضهم
وهذا الوصف يصدق على أهل النفاق
كيف ؟
أخفوا الكفر وأظهروا الإيمان
ولذا :
تُسمِّي العرب اليربوع الذي نسميه نحن بالجربوع يسمونه بالنافقاء
يقولون : إن اليربوع منافق
ما وجه نفاقه ؟
قالوا : لأنه يحفر جحرا له فيكون هذا الجحر مفتوحا وله منفذ آخر يحفره لكنه لا يفتحه ، وإنما إذا وصل إلى حافة الجحر ظنَّ الرائي أنه ليس له إلا جحر واحد
فإذا أريد هذا اليربوع بسوء فإنه يرفع برأسه إلى ذلك الجحر فيخرج سالما
وهذا يدل على ماذا ؟
يدل على خبث المنافقين
فإنه ما هناك طائفة تخفي الشر وتضمره إلا وفسادها على الأمة أعظم وأعظم ممن هو صريح في شره
ولذلك :
الرافضة هم يظهرون على حسب ما لديهم من التقية :
يتقون أهل السنة فهم يظهرون الفعل الحسن وأنهم لا يضمرون شيئا
لكن متى ما سنحت لهم فرصة للإطاحة بأهل السنة فإنهم لا يتوانون أبدا
لو نظرنا إلى معتقد الرافضة نجد أن من أصولهم هذا الأمر وهو التقية
بل يعدون من تركها يعدونه خارجا عن دينهم
فهي عندهم من المهام العظام كما أن الصلاة عندنا من المهام العظام
ولو نظر الإنسان إلى التاريخ وجد أن أهل السنة في عهد الدولة العباسية ما سقطت إلا عن طريق الروافض عن طريق ابن العلقمي
ما سقطت العراق في حكم : صدام حسين إلا عن طريق الروافض
إذًا : شرهم عظيم
إذًا :
خلاصة القول : أن من يضمر الشر خطره عظيم على المسلم
ومن معاني النفاق في اللغة :
الفساد
النفاق يسمى بفساد
وهذا الوصف يصدق هنا ؟
كيف يكون النفاق فسادا ؟
يفسد إيمانهم الذي أظهروه
هم أظهروا الإيمان في الظاهر فيكون هذا النفاق مفسدا لهم ومفسدا لإيمانهم
ومن فوائد هذه الآية :
لو قال قائل :
لمَ لمْ يقتل النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء المنافقين الذين كانوا في عصره ؟
قد يستدل بذلك على أنه لو وجد أهل النفاق الصراح فيما بعد زمنه صلى الله عليه وسلم كزمننا هذا
قد يتذرع بهذا إلى أنه لا يقتل
والصواب : أنه يقتل
من أظهر نفاقه وأفشى نفاقه فإنه يقتل
ولذلك يسميهم الإمام مالك رحمه الله يسمي المنافقين الذين أتوا بعد عصر النبي صلى الله عليه وسلم يقول : هم الزنادقة
الزنديق :
لا شك أنه وصف عام من ضمن من يدخله : أهل النفاق
فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل المنافقين :
قال بعض العلماء :
لأن القاضي لا يحكم بعلمه
النبي صلى الله عليه وسلم علم بهم
ومعلوم :
أنه في الشرع على أصح القولين : أن القاضي لا يحكم بعلمه
تصور :
لو كنتُ قاضيا وأتاني اثنان لأحكم بينهما وأعرف أن الحق مع فلان باعتبار ما رأيت فإنه لا يجوز لي أن أحكم بالحق له
ولذلك :
النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( فإنما أقضي على نحو ما أسمع ))
إذًا :
لماذا لم يقتلهم ؟
لأن القاضي لا يحكم بعلمه
هذا قول لبعض العلماء
ولكن :
الأصوب والأظهر :
أنه صلى الله عليه وسلم لم يقتلهم درءا للمفسدة العظمى :
عمر رضي الله عنه لما أراد أن يقتل بعض المنافقين ، فقال صلى الله عليه وسلم :
((لا ، حتى لا يقال : إن محمدا يقتل أصحابه ))
لأن البعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم و لا يعلم بأهل النفاق لما يرى النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل هؤلاء الذين هم أصحابه من حيث الظاهر فإنهم يحجمون عن ماذا ؟
عن الدخول في الدين
ومن ثم :
فإن هذا الفعل منه صلى الله عليه وسلم استنبط منه العلماء قاعدة وهي :
[ ارتكاب أخف المفسدتين دفعا لأعظمهما ]
أو قاعدة بتعبير آخر :
[ يختار أهون الشرين ]
وهذه مهمة جدا في هذا العصر
بعض الناس يقول : أنتم أيها العلماء ويا طلاب العلم تأتون إلى الشيء وتعظمونه وتحرمونه ثم بعد سنين إذا بهذا الأمر يكون سهلا ميسرا ويصبح حلالا
أول فيما مضى من القدم كانوا يفظعون ويعظمون من يكون عنده المسجل
يقولون : أصبح الأمر سهلا
أتى التلفاز ثم صار سهلا
ثم هكذا دواليك دواليك وإذا أنتم تعظمون الأمر ثم سرعان ما يكون هذا الأمر حلالا لديكم
والآن يدندنون به ولاسيما مع ما يعرض عن مسلسل عمر بن الخطاب
يقولون : برهة من الزمن ثم يصبح الأمر سهلا
ومن نظر إلى هذا المسلسل – لأني رأيت اليوم مقطعا لقناة لأهل الرافضة ، وهذا المسلسل : قلت مرارا : هذا المسلسل يخدم في الحقيقة الرافضة
من يعرضه يقول “نحن نريد أن نبين عظمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
سبحان الله
الآن تعرض فقرات من المسلسل قناة رافضية
لا أحب أن أسميها شيعية لأن التشيع هو التحبب ونحن نحب آل البيت ، لكنهم رافضة رفضوا خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما
هذاهو الوصف الصحيح لهم
فيقولون : إذًا هم عرضوا هذا المقطع إذًا عمر بن الخطاب – يقولون بهذه اللهجة – يحب الزنى
فأين المصلحة من عرضه ؟
وللأسف انطلت تلك الشبهة أو الهوى على بعض الناس فأفتى بجواز عرضه
على كل حال :
يختار أهون الشرَّين
لماذا تتغير الأحكام ؟
يقولون : أنتم لستم على منهج واضح
كلا والله
نحن على منهج واضح
ولكن يأتي الشر فحتى تدرأ ذلك الشر ترتكب شرا أقل منه درأ للمفسدة
يعني :
ربما أنت تعمل بعض الأشياء وأنت غير مقتنع بها من أجل ألا يقع الناس فيما هو أشر
فالعلماء ينطلقون ويتحركون من حيث تحرك الشرع وانطلقت القواعد
ولذلك :
في بقاء هؤلاء المنافقين شر لكن في قتلهم شر أكبر
ولذلك :
النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى إلى مكة
ورأى الكعبة أن قريشا قد غيرت فيها قال لعائشة رضي الله عنها : (( لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لنقضت الكعبة وجعلت لها بابين ))
ومع ذلك لم يقدم صلى الله عليه وسلم مع أنه رأى الخطأ في بناية الكعبة
ومما يتبع ذلك :
لو قال قائل :
هل كان النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم يعلم بالمنافقين كلهم ؟
أخبر حذيفة بأسمائهم حتى جاء عمر رضي الله عنه وقال : أنشدتك يا حذيفة أسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
فقال حذيفة : لا ولا ازكي بعدك أحدا
من هم هؤلاء ؟
هؤلاء هم المجموعة من المنافقين الذين أرادوا أن ينفروا ناقة النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك في الليل حتى تسقط به فأخبره الله جل وعلا عن حالهم فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة بأسمائهم
إذًا :
هو صلى الله عليه وسلم لم يعلم بجميعهم على وجه الانفراد
الدليل :
{ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ }
وهذه الآية التي في سورة التوبة تدل على ماذا ؟
تدل على أن النفاق استشرى إلى درجة أنه كان في المدينة وأيضا صار إلى الأعراب الذين هم حول المدينة
ومن فوائد هذه الآية :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أن المخادع إذا خادع شخصا هو بين أمرين :
إما أن يوقع به خداعه
وإما أن يسلم
لكن هنا :
رجع خداعهم عليهم
المخادع :
حينما يخادع شخصا آخر إما أن يصل إليه خداعه وإما أن يسلم
لكن كون الخداع الذي خدع به يعود إليه كما هنا هذا غريب
لم ؟
لأنهم يخادعون من هو عالم ببواطن الأمور
ولذلك ماذا قال عز وجل في سورة النساء ؟
{ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ }
وهذا إن دل يدل على أن الإنسان إذا بعد عن شرع الله أصبح من الحمقى
لأنهم لما ابتعدوا عن دين الله غفلوا عن أنهم يخادعون الله
إلى درجة ماذا ؟
إلى درجة أنهم إذا كانوا بين يديه حلفوا كذبا لأنهم اعتادوا على الكذب
{ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ }
وهذا كما أسلفت يجعل العبد حريصا على دين الله عز وجل وعلى التمسك به
ولذلك :
خطاب الله جل وعلا في القرآن لمن ؟
لأولي الألباب
يا أولي الألباب :
{ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ }الفجر5
لأن العقل الصحيح يحجر ويمنع صاحبه من أن يقع فيما يضره أو فيما لا يفيده
ومن الفوائد :
طمأنة المؤمنين أنه مهما علا الشر وكثر فإن الله عز وجل معهم
{ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ }
إذًا :
فيه دفاع من الله للمؤمنين
ولو رأيتم ما رأيتم من الشر فاعلموا أنه سرعان ما يزول
والله لن يبقى إلا الحق
{ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا }
هنا وصف للقرآن :
لأن الماء حياة للأرض
القرآن حياة للقلوب
والأودية هي القلوب
هذا السيل الذي هو نافع للأرض
كذلك هذا القرآن الذي هو الحق لو علاه الزبد فإن هذا الزبد سرعان ما يزول :
ولذلك في آخر الآية :
{ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً }
ولكن أين أهل الإيمان؟
وأين أهل الخير من الله عز وجل والالتجاء إليه ؟
ومن فوائد هذه الآية :
أن أسوأ ما يفعله الإنسان أن يسيء إلى نفسه
ولذلك قال :
{ وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ }
وقال عز وجل : ((خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ ))
يعني : يوم القيامة يخسرون أنفسهم ويخسرون أهليهم
لم ؟
لأنهم عرضوها لوعيد الله
ولذلك :
من أراد لنفسه الخير والسعادة فعليه بشرع الله
من أراد العزة فعليه بشرع الله
{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا }
ومن فوائد هذه الآية :
أن العاصي إذا عصى الله أيكون عقله حاضرا حينها ؟
لا يكون حاضرا حينها
ولذلك قال عز وجل : { وَمَا يَشْعُرُونَ }
{ وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ }
يعني : يتلذذ الإنسان بالمعصية لكنه لا يعلم أن فيها حسرة
ولذلك ابن القيم رحمه الله يعني : يعظم هذا الأمر ، وكلامه من يتأمل كلامه رحمه الله يجد أنه ذكر تلك الحسرات التي تنتاب الإنسان حينما يعصي الله عز وجل
ومن فوائد هذه الآية :
أن العصيان – وأعظم العصيان هو النفاق – أن العصيان جهل
لأن معنى { وَمَا يَشْعُرُونَ }
يعني : وما يعلمون ولا يتفطنون
تسمعون دائما عبارة : يا ليت شعري
ما معناها ؟
يعني :ليتني أعلم ويا ليتني أتفطن
بناء على ما ذكر هنا وما ذكر من كلام العرب
{ وَمَا يَشْعُرُونَ }
ومن فوائد هذه الآية :
وقد سبق وأن ذكرتها :
أن حذف المعمول يدل على العموم
{ وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ }
ما يشعرون بماذا ؟
ما يشعرون أن خداعهم يرجع إليهم
ما يشعرون أنهم يخادعون الله
ما يشعرون ما يترتب على خداعهم من العذاب المعد لهم
إذًا :
كما أسلفت لكم إذا كانت الآية عامة اجعلها عامة ولا تقيدها بشيء
أسأل الله بمنه وكرمه أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح وأن يثبتنا على دينه الحق