تفسير سورة البقرة الدرس ( 42 ) [ يابني إسرائيل اذكروا نعمتي ….] الآيتان ( 47 48 )الجزء الثالث

تفسير سورة البقرة الدرس ( 42 ) [ يابني إسرائيل اذكروا نعمتي ….] الآيتان ( 47 48 )الجزء الثالث

مشاهدات: 520

تفسير سورة البقرة ـ الدرس ( 42 )

تفسير قوله تعالى :

(( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ{47} وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ{48}}

البقرة 47  ، 48

الجزء الثالث

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فمازلنا في تفسير قوله تعالى :

 ((يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ{47} وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ{48} ))

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فمن فوائد هاتين الآيتين :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن بعض السلف قال : ” من لم يتق الله اتقى غيره “

فابن آدم لا ينفك عن التقوى إن لم يتق الله بفعل أوامره وباجتناب نواهيه وإلا اتقى غيره

كيف يتقي غيره ؟

لأنه يطمع فيما في يد غيره فيرجو نفعه ويخشى ضره

هذا إن لم يتق الله فإن هو اتقى الله وطمع في خير الله وخشي من عقاب الله فإنه لا يلفت إلى تقوى غيره

ولذا :

إذا تزلف الإنسان إلى مخلوق فإنه يكون هذا التزلف على حساب تقواه لله عز وجل ربما يداهن هذا المخلوق على حساب شرع الله من أجل أن ينال تقى هذا المخلوق

ما هو تقاه ؟

إما النفع الذي يحصل له وإما الضر الذي يخشى أن يوقعه فيه

ولذلك:

قال عليه الصلاة والسلام :

” من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس ، ومن أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس “

لكن لو قال قائل :

 في هذه الآية أمر بالتقوى لغير الله أمر العبد أن يتقي هذا اليوم أيكون في هذا تناقض  ؟

قلنا :

 إن التقوى لله : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ))

فالجوب عن هذا :

إن اتقاء ذلك اليوم هو اتقاء لله عز وجل لأن من خاف ذلك اليوم خاف من الله كما قال تعالى : (( واتقوا النار ))

أمرنا بأن نتقي النار لأن اتقاء النار من تقوى الله عز وجل

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنه نكر هذا اليوم

لم يقل : واتقوا هذا اليوم لا

لم يأت بـ ” ال ”  وإنما نكر اليوم : ” واتقوا يوما “

ومن فوائد التنكير : تعظيم هذا المنكر

يعني : لا تسأل عما يكون في هذا اليوم هو شيء عظيم

وسماه الله بيوم :

لأنه لا ليلة له

هو يوم عقيم ولذلك على أحد وجهي التفسير عند بعض المفسرين قال تعالى : {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ } الحج55

( يوم عقيم  ): وصف اليوم بأنه يوم عقيم على أحد وجهي التفسير هذا اليوم هو يوم القيامة

وقيل هو يوم بدر

والأقرب أنه يوم بدر

لكن على من يقول بأنه يوم عقيم لأنه لا ليلة له

وكيف تكون فيه ليلة والنبي عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري قال : (( إن الشمس والقمر )) الليل يكون بالشمس والقمر فيتميز الليل والنهار بالشمس و بالقمر

قال عليه الصلاة والسلام : ” إن الشمس والقمر يكوران في النار “

يعني : يلفان ويوضعان في النار يوم القيامة

لم ؟

تبكيتا وتحقيرا لمن عبدهما دون الله عز وجل

ولذا :

قال تعالى :

{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } الأنبياء98

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنه عز وجل نفى النفع في ذلك اليوم بين المخلوقين مهما كان هؤلاء المخلوقون من الرفعة والعلو

(( لا تجزي ))

يعني :  لا تنفع ولا تغني (( نفس عن نفس شيئا ))

تأملوا معي (( لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً ))

لا : نافية وهنا نفسان ذكرتا في الآية (لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ ) هذه هي الأولى (  عَن نَّفْسٍ شَيْئاً ) هذه هي الثانية

النكرة لم يقل النفس قال : نفس

نفس  : نكرة

 النكرة في سياق النفي تعم ففهم من ذلك :

أنه لا تغني نفس ولو كانت عظيمة في الشرف كالأنبياء عن نفس ولو كانت عظيمة القدر عند هذا الشريف كأن يكون أباه أو أخاه أو أحدا من أنسابه شيء إلا بإذنه عز وجل

فانظروا :

لا تغني نفس مهما كانت هذه النفس

فنفى النفع عن المجزي والمجزى والمجزى به

 ( لا تجزي نفس ) :

هي النفس المجزية

( عن نفس ) : المجزى

( شيئا ) : المجزى به

شيئا نكرة في سياق النفي فتعم

يعني : لو أراد أن ينفعه بأقل ما يكون من النفع في ذلك اليوم لا يمكن

لم ؟

لأن الملك كله لله

((مالك يوم الدين ))

((لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ )) غافر16

ولذلك :

من عظيم قدره جل وعلا أنه لا يشفع أحد إلا بإذنه

( لا تجزي نفس ) ولو كانت شريفة في المقام ( عن نفس ) ولو كانت عظيمة القدر عند ذلك المجزي (شيئا )ولو قل إلا بأمره عز وجل .

أيمكن للإنسان أن ينفع أنسابه يوم القيامة ؟

{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ } المؤمنون101

((يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ{34} وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ{35} وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ{36} لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ ))

انظروا كيف سياق الآيات :

( لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً ) (لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ{37})

((يُبَصَّرُونَهُمْ ))” انظر هذا أبوك أخوك

(( يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ {11} وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ {12} وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ {13} وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ {14} ))

لكن يمكن أن ينفع الإنسان أنسابه يوم القيامة ؟

إذا كان مؤمنا وذلك إذا دخلوا الجنة وذلك إذا كانت منزلة الآباء أعلى من منزلة الآباء فإن منزلة الأبناء تفضلا منه عز وجل ولو كانت دون منزلة آبائهم في الجنة يرفعون بسبب الإيمان الذي اجتمعوا فيه :

((وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ )) كلهم إيمان في محيط الإيمان لكن في الجنة الآباء صاروا أعلى ((أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم )) يعني : ما أنقصناهم ((وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ))

لم نحط من قدر الآباء فننزلهم إلى مرتبة الأبناء بل رفع الله منزلة الأبناء إلى منزلة الآباء تفضلا منه عز وجل

أيمكن أن ينفع الأبناء آباءهم ؟

أيمكن فلو كان الابن أعلى والأب أقل فيرفع الأب ؟

نعم

الدليل : دعاء الملائكة :

{رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }غافر8

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنه عز وجل لما نفى أن تنفع النفس غيرها مباشرة أيضا نفى الوسائل التي بها يتوصل إلى النفع

لما تريد أن تنفع غيرك ما هي الوسائل ؟

إما الشفاعة المسماة عندنا بالوساطة وإما بالمال وإما بالنصرة

ولذا قال تعالى :

((وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ ـ يعني مال ــ  وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ{48} ))

لأن الإنسان يتحصل على المنافع ويدفع المضار بهذه الأشياء الثلاثة :

إما بماله

وإما بجاه غيره

وإما بقرب غيره

فنفى الله أن تكون لنفس نفع من قبل غيرها لا من أنفسهم ولا من تلك الوسائل والأسباب التي بها يتحصلون على هذا النفع

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنه ذكر عز وجل وسائل لتحصيل النفع ووسائل لدفع المضار

الشفاعة لتحصيل نفع

تفادي بمالك لدفع ضر

تنتصر بغيرك لدفع ضر

ولذا :

قال تعالى في قضية دفع الضر في شأن قارون :

{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ }القصص81

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنه قال : ((ولا يقبل منها شفاعة ))

الشفاعة يوم القيامة

معنى الشفاعة : هي إيصال الخير للغير

وهي إما أن تكون في الدنيا وإما أن تكون في الآخرة :

 هناك شفاعة مثبتة وشفاعة منفية

فالشفاعة المنفية عن الكفار فلا يشفع لهم (( فما تنفعهم شفاعة الشافعين ))  لأنهم كفار إلا في حالة واحدة خص بها النبي عليه الصلاة والسلام

كما في جاء في الصحيحين :

أن العباس قال : يا رسول الله إن عمك أبا طالب كان يحوطك ويذب عنك ألا نفعته بشيء ؟

فقال عليه الصلاة والسلام : “هو في ضحضاح من نار “

الضحضاح : هو عبارة عن ماء يصل إلى الكعبين قال :

 ” في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار “

هذه شفاعة خاصة للنبي عليه الصلاة والسلام يشفع لهذا الكافر فقط .

أما أبوه وأمه كما جاء في صحيح مسلم فقد نص عليه الصلاة والسلام بأنهما من أهل النار

وهذه الشفاعة :

شفاعة منفية

هناك شفاعة مثبتة لمن ؟

للمؤمنين

لكن بشرطين :

إذن الله للشافع أن يشفع

ورضاه عن المشفوع له

والله لا يرضى عن الكفار

لكن لو كان هناك فسَّاق أو عصاة يشفع لهم لكن بعد أن يستأذن عز وجل

سبحان الله !

هذا من كماله عز وجل

ولذلك في سورة الزمر :

((قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً ))

يعني : الشفاعة كلها ملك لله عز وجل

هنا : يظهر عظيم ملك الله في هذه الشفاعة

كيف ؟

لا يمكن لأحد أن يتقدم للشفاعة إلا بإذنه عز وجل حتى النبي عليه الصلاة والسلام ، ولذا إذ أتى يخر ساجدا عند العرش فيحمد الله بمحامد يفتحها الله عليه ثم يقال : ” يا محمد ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع “

لم ؟

ليبين جل وعلا أن ملكه ليس كملك ملوك الدنيا

يمكن أن يأتي الوزير أو القريب عند أي ملك ويشفع دون أن يستأذن

أيمكن ؟

يمكن

لم ؟

لأن هذا الملك في هذه الدنيا يحتاج إلى هؤلاء الوزراء والأعوان فهو يريد منهم الخير حتى يخبروه عن مملكته وأن يدفعوا عنه الضر حتى لا يعتدوا عليه فيشفعون دون إذنه

ولذلك الشفاعة ترتكز على أمرين لماذا تشفع عند فلان ؟

من أجل أن تحصل له خيرا

أو كان في بلية وسجن فتدفع عنه هذه البلية إما لنفع خير أو دفع شر

لذلك :

الملك من ملوك الدنيا يشفع عنده من غير إذنه

لم ؟

لأنه يريد هذا الشافع يريد منه إما النفع لكي يخبره بحال مملكته أو يريد منه ليدفع عنه الضر حتى لا يعتدى عليه

أما هو جل وعلا فهو مالك النفع ومالك الضر

فمن فوائد هاتين الآيتين :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هناك الشفاعة العظمى وهي

في بعض الأحاديث المقام المحمود :

((عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً )) الإسراء79

هي الشفاعة العظمى ولاشك أن الشفاعة العظمى من المقامات المحمودة للنبي عليه الصلاة والسلام لكن لا تحصر بالشفاعة فالمقام المحمود يتعدد ويتنوع

لكن من ضمنه الشفاعة والحديث طويل

لما يضيق بالناس الكرب وتدنى الشمس من العباد مقدار ميل يهرعون إلى الرسل من أجل أن يشفعوا لهم عند الله لفصل القضاء فيأتي كل رسول ولا أريد أن أذكر الحديث بطوله لأنه معروف

فيأتي النبي عليه الصلاة والسلام فيسجد لله ويحمده بمحامد فيقال: ((  يا محمد سل تعط واشفع تشفع وقل تسمع ))

ــ وهناك شفاعة من وجب عليه الدخول  في النار يشفع له حتى لا يدخلها

ــ وهناك شفاعة من دخلوا في النار أن يخرجوا منها

ـــ وهناك شفاعة لمن استوت حسناتهم وسيئاتهم كما جاء في حديث ابن عباس عند الطبراني يشفع لأهل الأعراف للدخول في الجنة

ـــ هناك شفاعة لأهل الجنة لما يعبروا الصراط يوقفوا عند قنطرة بين الجنة والنار فيحبسون عند باب الجنة ولا تفتح لهم أبوابها حتى يشفع النبي عليه الصلاة والسلام

ـــ وهناك شفاعة في الجنة لرفع منزلة من في الجنة

ـــ ولتعلموا :

ــــ أن النبي عليه الصلاة والسلام له الشفاعة العظمى خاصة به

ــــ وله الشفاعة يشفع للمؤمنين للدخول إلى الجنة

ولذلك :

عند مسلم يقول الخازن : ((  من ؟ ))

 فيقول : محمد

قال : أمرت ألا أفتح لأحد قبلك

ـــ وهناك شفاعة ثالثة خاصة للنبي عليه الصلاة والسلام وهو أن يشفع لعمه أبي طالب إذ كان في الدرك السفل من النار فيوضع في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فشفاعة الرسل وشفاعة الملائكة وشفاعة المؤمنين للعصاة ثابتة

ولذلك :

عند مسلم :

يقولون : يا ربنا

يقول أهل الجنة : يا ربنا إخواننا كانوا معنا يصلون معنا ويصومون معنا

فيقول الله عز وجل :  أخرجوا من تعرفون

فيأتون إليهم وقد حرمت صور هؤلاء من مواضع السجود على النار ، منهم من أخذته النار إلى كعبيه ، منهم إلى ساقيه

فيخرجونهم فيقولون : يا ربنا ما تركنا أحدا أمرتنا بإخراجه إلا أخرجناه

فيقول الله : أخرجوا من كان في قلبه مثقال دينار من إيمان

فيخرجونهم

فيقولون : يا ربنا ما تركنا أحدا أمرتنا بإخراجه إلا أخرجناه

فيقول الله : أخرجوا من كان في قلبه نصف مثقال من دينار من إيمان

فيقولون : يا ربنا ما تركنا أحدا أمرتنا بإخراجه إلا أخرجناه

فيقول الله : أخرجوا من كان في قلبه ذرة وزن نملة من إيمان

فيخرجونهم

فيقولون : يا ربنا ما تركنا أحدا أمرتنا بإخراجه إلا أخرجناه

فيقول الله عز وجل شفعت الملائكة والنبيون والمؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين

وفي رواية البخاري : ((  ولم يبق إلا شفاعتي ))

وهنا إثبات الشفاعة من الله ولكن ليس على المعنى الذي هو عالق بالذهن لأن الرواية الأخرى تفسره وهو أن :

الشفاعة هنا هو إخراجه عز وجل لأشخاص كانوا في النار فيخرج الله عز وجل قوما لم يعملوا خيرا قط صاروا حمما فحما فيوضعون في نهر من أنهار الجنة فينبتون كما تنبت الحبة في السيل

يعرفهم أهل الجنة بأنهم عتقاء الله من النار وأنهم الجهنميون

يقول ابن حجر كما في الفتح : سألوا الله أن يعفيهم عن هذا الاسم أن يخلصهم من هذا الاسم فأعفاهم الله منه حتى لا ينتسبوا إلى نار جهنم

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنه قال : ((وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ  ))

الشفاعة مذكر ولا مؤنث ؟

مؤنث

قال : ((وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ ))

لم يقل : ولا تقبل

( وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ )

أنت في هذا بين أمرين إذا كان هناك فاصل بين الفعل والمؤنث الذي هو المعمول فأنت مخير بين التذكير والتأنيث

ووجد فاصل هنا وهو : ( منها )

وإما وهو الأقرب : أن الشفاعة هنا بمعنى الشفيع

يعني : ولا يقبل منها شفيع مثل ماذا ؟

مثل الموعظة والوعظ

فإذا نظرت إلى اللفظ مؤنث لك أن تؤنث الفعل

وإذا رأيت إلى معنى اللفظ وهو التذكير ذكرت الفعل

موعظة :

مؤنث لكنها تحمل الوعظ

والوعظ ما هو ؟

مذكر

وهذا له شواهده في القرآن : ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ )) الفعل هنا مؤنث لأنه روعي فيه اللفظ

قوله تعالى : ((فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ ))

جاءه موعظة من ربه

المراد هنا : الوعظ

جاءه الوعظ

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنه كما نفى عز وجل الشفاعة إلا بشرطيها

ما شرطا الشفاعة ؟

ـــــ إذن الله للشافع أن يشفع

ـــــ ورضاه عن المشفوع له ولا يرضى إلا عن أهل التوحيد

ولذلك :

قال : (( ولا يرضى لعباده الكفر ))

صحيح أنه لا يرضى عن الفساق لكن في حال دون حال

وجاءت النصوص الشرعية ببيان أن هؤلاء الفساق يشفع لهم

كما ذكرنا ذلك قبل قليل

كما نفى عنهم عز وجل الشفاعة نفى عنهم العدل

ما هو العدل ؟

((وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ ))

الفداء الذي هو المال

ولذلك : قال تعالى : ((وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا ))

((لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ))

والعدل هنا :

هو الفداء كما قال تعالى في سورة الحديد :

((فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ))

فإذا فتحت العين في العَدل : صار معناها الفداء الذي هو المال

لكن لو كسرت عِدل

العِدل : هو المثيل

عديلك : أي مثيلك

ولذلك:

عبارة دارجة عندنا إذا تزوج شخص بأخت زوجتك

 قلت : هذا عديلي

يعني : ماثلني في أخذ أخت زوجتي

فربما بعض العبارات التي عندنا لها اتصال في اللغة العربية ونحن نظنها أنها لهجة عامية

ومن الفوائد :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أن الآية التي قبلها ؟

في حق من ؟

بنو إسرائيل

في حق بني إسرائيل

ألم يقل بني إسرائيل نحن أبناء الله وأحباؤه

(( لن تمسنا النار إلا أياما معدودات ))

فلماذا أتت هذه الآية ؟

للرد على هؤلاء وأشكالهم من أنه حتى الفداء والشفاعة لا تقبل

ومن الفوائد :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنه عز وجل نفى عنهم الشفاعة ونفى عنهم الفدية

الشفاعة بدون مال

العدل بالمال

الشفاعة فداء بلا مال

العدل  شفاعة بمال

مما يدل على ماذا ؟

ما يدل على أن هؤلاء لا ينتفعون لا بوسيلة دون مال ولا بوسيلة مال

انظروا :

لما ذكر الشفاعة ذكر العدل

الشفاعة بدون مال

هذا يفيدنا بفائدة وهي :

أنه لا يجوز في الشفاعة في الدنيا أن تأخذ على شفاعتك المسماة بالواسطة لا يجوز أن تأخذ عليها ولو قرشا واحدا

بعض الناس يقول : أنا أوظف أحدا أو أتوسط لأحد لكن  بمبلغ مال

يقول : أنا لا أعمل في تلك الدائرة ولن أرشي أحدا

لكن أعرف فلانا من الناس عنده وظائف وسيوظفك ولن أدفع له ريالا واحدا لكن لمعرفتي به سيسهل هذا الأمر

فلا يجوز

لا يجوز أن تعاوض على ذلك بمال

ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام كما عند أبي داود :

(( من شفع لأخيه شفاعة ثم أعطاه هدية فقبلها فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا ))

والناس واقعة في هذا في هذا الزمن وليست من الجعالة

لو كان الإنسان لديه لسان سلس وقوي الشخصية بإمكانه أن يدخل إلى الأمير أو إلى الملك أو إلى الوزير

وبجهده وبقدرته على إقناع الآخرين فيجوز أن تعطيه

لكن إذا كان لا يوفر لك هذا الشيء إلا لأنه يعرف فلانا ولو لم يعرفه لما استطاع فلا يجوز

ولذلك يقول شيخ الإسلام كما في الفتاوى يقول : ” لو أخرج الناس على الشفاعة التي هي الوساطة لو أخرج الناس عليها مالا إذاً : ما لذي يترتب على ذلك ؟

يترتب على ذلك :

أن من لديه مال يقدم ، وأن من لا مال لديه ولا يستطيع أن يدفع يؤخر ولو كان أحسن من الأول

فربما يكن لديه الصفات ولكن ليس عنده مال يقدمه

فيقول رحمه الله : كما يجب عليك أن تصلي لله وأن تصوم لله يجب عليك أن تقدم لإخوانك المسلمين جاهك دونما أخذ عوض

ثم قال عز وجل : (( ولا هم ينصرون ))

لما نفى جلب المنافع

المنافع تجلب عن طريق :

إما الشفاعة

وإما المال

لما نفى عنهم جلب المنافع نفى عنهم دفع المضار بالنصرة

 ( ولا هم ينصرون )

{مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ }الصافات25

{فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ }الطارق10

لا ينصر بعضهم بعضا لأنهم في قبضة الجبار لأن الملك لله

(( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ))