تفسير سورة البقرة الدرس ( 116 ) [ قل إن كانت لكم الدار الآخرة … ] الآيات ( 94 95 96 ) الجزء الثاني

تفسير سورة البقرة الدرس ( 116 ) [ قل إن كانت لكم الدار الآخرة … ] الآيات ( 94 95 96 ) الجزء الثاني

مشاهدات: 456

تفسير سورة البقرة ـ الدرس { 116 }

ــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى : { قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {94} وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ {95} وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ {96}}

سورة البقرة / الآيات { 94 ـ 96 } ـ الجزء الثاني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عندنا تفسير قول الله عز وجل :

{ قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {94} وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ {95} وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ {96}}

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

أن الله  قال {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ} هنا قال { إِنْ كَانَتْ لَكُمُ } قدم الجار والمجرور من باب الرد على هؤلاء الذين زعموا أن خصوصية دخول الجنة إنما لهم دون غيرهم ، وهؤلاء اليهود ما قالوا هذا القول إلا لكبر ولاسيما أنهم يصدرون ويصدرون هذا القول للعرب لأنهم لا يرون للعرب قدرا ولا قيمة كما هو الشأن كما في هذا العصر فهم يقولون نحن في الآخرة لنا الدار خالصة ، لما نأتي إلى الدنيا ماذا يقولون : يقولون : ليس علينا إثم إذا أخذنا أموال العرب

ولذلك قال تعالى : { وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ }

يقولون ما علينا حرج ولا سبيل حينما نأخذ أموال هؤلاء الأميين وهم العرب  { وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } كذبوا على الله لما قالوا هذا القول ، ولذلك كذبهم الله لما كذبوا فقالوا إن الدار الآخرة وهي الجنة خالصة لنا من دون الناس

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

أنه قال هنا { فَتَمَنَّوُا } الفاء هنا لابد من الإتيان بها مع الفعل لأنه فعل طلب وهو جواب الشرط { قُلْ إِنْ } إن شرطية { كَانَتْ } فعل الشرط

جواب الشرط { فَتَمَنَّوُا }

الجملة الشرطية في اللغة العربية المعول على ما فيها جواب الشرط

أعطيكم توضيحا :

{ قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ }

هل اكتمل المعنى ؟ لم يكتمل ، يكتمل بالجواب { فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ }

لو قلت لابنك : إن تجتهد وسكت  ، إن تجتهد يا محمد ، تم ؟

ما تم  ، إن تجتهد يابني تنجح

{ قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ} الجواب { فَتَمَنَّوُا }

وجواب الشرط هنا لابد فيه من الفاء لأنه لا يصلح أن  يكون جواب الشرط فعلا إلا بفاء رابطة بين الجواب وبين الشرط

ولذلك قال الناظم :

في وجوب ذكر الفاء في جواب الشرط :

اسمية طلبية وبجامد وبما   وبلن وبقد وبالتنفيس

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

أنه قال جل وعلا هنا { فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ }

ما هو الموت ؟ ما معنى الموت هنا ؟ أهو الذي تذهب معه الحياة ؟

 لتعلم :

أن العلماء قالوا إن الموت يرد في كتاب الله على معانٍ ، ليس كل كلمة موت في القرآن يقصد منها الموت المعروف لدينا

له معاني ، الأصل هو المفهوم الذي هو عالق في أذهاننا ، لكن القرآن ذكر الموت وله معاني :

من معاني الموت في القرآن :

ــ القحط والجدب { فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ } مقحطة مجدبة

من معاني الموت في القرآن :

ــ الضلال :

{ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا }

الموت يأتي في القرآن بمعنى الكفر:

{ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ } الميت الذي هو الكافر أخرج الله من صلب أبي جهل عكرمة ، أخرج الله من صلب أبي لهب درة ، أخرج الله من صلب عقبة بن أبي معيط أم كلثوم ، أخرج الله من صلب أمية صفوان

على كل  حال { يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ }

الرابع : يطلق الموت على الجماد : لما ذكر جل وعلا الأصنام  { أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ }

الخامس : يذكر الموت ويراد منه المعنى الذي هو ذهاب النفس

فسره ابن الجوزي فسر ابن الجوزي الموت فقال هو حادث تزول معه الحياة

 

قال :{ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ }

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

عظمة الموت ، ولذلك طلب من هؤلاء أن يتمنوه لكن لعظمته وما يحمله ما أقدموا عليه ، هذا يدل على عظمة الموت ، ولذلك تحدى الله جل وعلا الكفار تحداهم بالموت : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ  } الجواب : لا ، ولذلك نزه جل وعلا نفسه من أن يكون معه شريك {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشرِكُونَ }

إذًا الموت عظمة عظمته أن الله تحدى الكفار أن تكون لهم آلهة تميت وتحيي وتحدى الله اليهود كما في هذه الآية

والموت من عظمته أنه لا يعرف لا صغيرا ولا كبيرا  ، وهذا مذكور في القرآن { نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } يعني منهم من يموت في بطن أمه يموت بعد أن يولد يموت بعد أربع سنين ، وهو شاب قبل البلوغ بعد البلوغ وهو في الكهولة في الشيخوخة

{ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ {60}}

وهذا الموت :

ينبغي للمسلم أن يكثر من ذكره لأن من ذكره قطع عنه آمال وأماني الدنيا ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما عند الترمذي (( أكثروا من ذكر هادم اللذات )) وفي رواية (( هاذم )) بالذال

وقال النبي عليه الصلاة والسلام (( لما سئل من أكيس الناس من أعقل الناس قال أكثرهم للموت ذكرا ))

فهل نحن عقلاء في هذا الزمن ؟

متى يذكر الموت ؟ لا يذكر

وإذا ذكر في مجلس ما رغب في ذلك المجلس قالوا تنغص علينا سعادتنا

ما يدري أن من يقول هذا القول سيقال له عند الموت : { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ {19}} ما كانت منه تهرب ما تريد أن تسمعه

ولذلك لما أكثر الصحابة من  ذكر الموت واشتغلوا بذكره تغيرت أحوالهم وسلوكهم

بينما نحن لما أتتنا زخارف الدنيا نسينا الموت وإذا بالواحد منا لا يقوم بأداء  الواجبات على أكمل ما يكون

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

أن الله جل وعلا قال : {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}

{ إِنْ } شرطية

{ كُنْتُمْ } فعل الشرط

أين جواب الشرط  ؟ دل عليه ما قبله { فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ }

وللعلماء في هذا قولان : إما أن يكون الجواب قد تقدم ، وإما أن يكون الجواب محذوف دل عليه ما قبله

الأصوب عندي أنه هو المحذوف وليس هو المتقدم

{ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }  فتمنوا الموت

لو كان الجواب الشرط هو  { فَتَمَنَّوُا } فأين جواب {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ }

فإذًا { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }  فالأظهر والأصوب أن الجواب محذوف دل عليه ما قبله

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

أنه قال جل وعلا { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا }

لو قال قائل : ربما أنهم تمنوه بقلوبهم ؟ ولكن أتمنوه في قلوبهم ؟

لا

والدليل في الآية { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا } أبدا لا بقلب ولا بلسان ولا بغيره

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــ

أن كلمة ” لن ” أداة نصب للفعل المضارع وأداة استقبال تحول الفعل المضارع من الحاضر إلى المستقبل وأداة نفي

هذه مفيدة  :

يذهب زيد إلى المسجد ، الذهاب هنا في الحاضر

لما يقال : لن يذهب زيد   ، في لمستقبل

أتت ” لن ” فأثرت ، فأثرت في الفعل المضارع فنقلته من الحاضر إلى المستقبل ونفت

يذهب زيد ثبوت الذهاب في الوقت الحاضر

لما أتت كلمة ” لن ” : نقلت الفعل المضارع من الحاضر إلى المستقبل ونفت ونصبت الفعل يذهب لن يذهب

إذًا هي اداة نفي

نفى الله لما قال { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا } نفى الله أن يتمنوا الموت

لكن هنا ” لن ” تفيد النفي هل تفيد تأكيد النفي أو النفي المؤبد ؟

قيل بهذا وقيل بهذا

والصواب : أنها تفيد تأكيد النفي ولا تفيد النفي المؤبد لأنها لو كانت تفيد النفي المؤبد فعندنا آية يأخذ بها المعطلة الذين عطلوا صفات الله ، في  حق موسى { لَنْ تَرَانِي } تأكيد النفي لرؤية موسى لله في الدنيا أما في الآخرة فيراه

فلن لتأكيد النفي لا لتأبيده إلا إذا دليل  ، ولذلك قال تعالى هنا { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} { أَبَدًا } هنا ظرف زمان يصدق على الوقت القليل والوقت الكثير

الأبدية هنا مدة حياتهم في الدنيا لكن أيتمنونه في الآخرة ؟

يتمنونه { وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ }

لما تكون النار مصيرا لهم ينادون مالكا الذي هو خازن النار