تفسير سورة البقرة الدرس ( 158 ) [ بلى من أسلم وجهه لله .. ] الآية ( 112 ) الجزء الأول

تفسير سورة البقرة الدرس ( 158 ) [ بلى من أسلم وجهه لله .. ] الآية ( 112 ) الجزء الأول

مشاهدات: 441

تفسير سورة البقرة ــ الدرس ( 158 )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

{بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {112}}

سورة البقرة ( 112 ) / الجزء الأول

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نفسر في هذه الليلة قوله تعالى : {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {112}}

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

أنه قال جل وعلا هنا { بَلَى } وكلمة { بَلَى } هذه أتت بعد قول اليهود والنصارى : { وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى } فأتت الآية التي بعدها مصدرة بكلمة { بَلَى } { بَلَى }هذه تبطل النفي الذي نفته اليهود والنصارى ، يعني هم ماذا قالوا : {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} الجواب : بلى ، يدخل الجنة غير اليهود والنصارى ، ولذا كلمة ” بلى ” يقول الشنقيطي في كتابه أضواء  البيان يقول هذه الكلمة لا تأتي في اللغة العربية إلا في حالتين لا ثالث لهما :

تأتي لإبطال النفي المتقدم كما هنا

وكما قال عز وجل عن من أضله الله : {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ } هم الآن ينفون ، الجواب { بَلَى } يعني كنتم تعملون السوء {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا } الجواب : {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ}

إذن هذه هي الحالة الأولى

الحالة الثانية ، وليست هناك حالة ثالثة : إذا أتت في استفهام منفي

 هنا يأتي الجواب بـ ” بلى “

مثال ذلك : أنت مسافر قال لك شخص ألم تسافر يا فلان ؟

الجواب : إن قلت نعم لم أسافر وأنت في الحقيقة أنت مسافر ، إذن فالجواب ليس بنعم  ، ألست مسافرا يا فلان ، ألم يأتك زيد ؟

الجواب كي تثبت تقول : بلى سافرت  ، بلى أتاني زيد ، لكن لو قلت نعم يعني نعم لم يأتني زيد ، نعم لم أسافر ، هذا في الاستفهام المنفي فقط

هاتان حالتان لا ثالث لهما

 

من الفوائد :

ـــــــــــــــــــــ

أنه قال جل وعلا هنا : {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ }هذه الآية دليل لما يقولوه العلماء من أن العبادة أو أن العمل لا يكون صالحا إلا بشرطين ، ما هما  ؟ أن يكون خالصا لوجهه جل وعلا  ، الأمر الثاني أن يكون على وفق شريعة النبي عليه الصلاة والسلام ، والدليل هنا : {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ}هذا دليل الإخلاص ، { وَهُوَ مُحْسِنٌ} دليل الاتباع

ولذا يقول ابن القيم : الناس في مقام العبادة على أربعة أقسام كما في التفسير القيم لابن القيم ، يقول هم أربعة أصناف عند العبادة بناء على هذين الشرطين : الإخلاص لله والاتباع  ، يقول : هناك قسم أخلصوا لله العمل والعبادة على وفق ما شرعه الله وشرعه رسوله عليه الصلاة والسلام فهم  لا ينتظرون من أحد مدحا ولا يخافون من أحد ذما ، وإنما هم يعتبرون الناس كلهم بمثابة أصحاب القبور الذين لا ينفعون ولا يضرون ، الذين عرفوا الناس ، ولذلك قال بعض السلف : ” من عرف الناس استراح “

يعني من أن الناس لا ينفعون ولا يضرون

يقول هذا صنف وهو الصنف الطيب وهو الصنف الناجي حقيقة من أخلص لله واتبع ما شرعه الله وشرعه رسوله عليه الصلاة والسلام

الصنف الثاني : ليس بمخلص لله ولا متبع لشرع الله

قال مثل هؤلاء مثل من انحرف عن الصراط المستقيم من العلماء ، فإنهم يقول : يعملون البدع ويأتون بالخرافات الخزعبلات إذن الشرط الثاني لم يتحقق فيه ، ومع هذا كله يحبون أن يحمدوا من أنهم على السنة  وعلى الطريقة الصحيحة ، واستدل بقوله تعالى : {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} قال إنهم يأتون بالبدع ويحبون أن يمدحوا من قبل الناس من أنهم على الصراط المستقيم ، يقولون فلان صاحب سنة لكنه يأتي بالبدع والخرافات ولا شك أنه من أسوأ الأقسام

 

القسم الثالث : قال  ” من أخلص لله في هذا العمل لكن هذا العمل لم يكن على شرع الله ولم يكن على سنة الرسول عليه الصلاة والسلام هؤلاء هم المبتدعة “

الصنف  الرابع : هو من يأتي بالعبادة على وفق ما جاء به الشرع لكنه غير  مخلص لله يصلي من أجل فلان من أجل تحقيق مصلحة دنيوية أو منفعة شخصية فهذا أيضا من الضلال

ولذلك يحذر

وهذه هي الفائدة التي تليها :

هنا تحذير من البدع :

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

لأنه قال : {وَهُوَ مُحْسِنٌ} إذن أهل البدع ليسوا على خير ، والبدع حذر منها النبي عليه الصلاة والسلام كما في حديث عائشة في الصحيحين : 

( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) يعني مردود على صاحبه

بعض الناس يقول : أنا لم أحدث شخص أحدث بدعة فعملت بها لم أحدثها أنا أصالة ، وإنما أحدثها شخص فاتبعته والحديث إنما ينصب على من أحدث ، فجاءت رواية مسلم : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) إذن من أحدثها فهو في سياق الذم ، ومن لم يحدثها واتبع غيره في هذه  البدعة فهو في سياق الذم

وفي مثل هذا الزمن كثرت البدع ، وسبب كثرة البدع هو قلة العلم الشرعي والعزوف عن طلب العلم الشرعي ولا سيما في التوحيد

متى تقع البدع ؟ إذا انصرف الناس عن تعلم التوحيد

متى يقع الناس في الشرك ؟ إذا انصرفوا عن تعلم التوحيد

ولذا قبل أن آتيكم  يسألني شخص يقول : إن شخصا ممن ينتسب إلى الدعوة

فهو يسألني يقول ما رأيك في هذا الذي ينتسب إلى الدعوة يقول : إذا تصدقت بصدقة فاسجد لله سجدة شكر ، هذا من البدع ، صحيح أنها نعمة لكن ما ضابط سجدة الشكر حتى لا نقع في البدع ؟

وضحها العلماء قالوا هي عند تجدد النعم واندفاع النقم ، ما هو في كل النعم

لو كل نعمة ، ما يمضي علينا وقت إلا ونحن في نعم ، ولو فتح الباب إذن نحن صلينا أنعم الله علينا ، غيرنا في الأسواق إذن بعد صلاة التراويح نعمة نسجد ؟ بعض الناس ما يتسحر ووفقنا للسحور نسجد ؟ بعض الناس لا يصلي صلاة الفجرفي وقتها نسجد ؟ بعض الناس لا يصوم يوم الاثنين فصمنا نسجد ؟ يدخل رمضان نسجد ؟ يأتي يوم عاشوراء نسجد ؟

يوم عرفة نسجد ؟

أصبحت حياتنا كلها سجود بدعي بهذه الطريقة ، لأنك إن أجزت أن تسجد لله شكرا عند بذلك للصدقة فالحال يستوي في جميع العبادات

ولذلك ماذا قالوا : عند تجدد النعم واندفاع النقم ، النبي عليه الصلاة والسلام ما فعل ذلك

 

قبل سنيتن قالوا : اخل بنفسك واسجد سجدة شكر لله لما أدركت رمضان

هل فعلها النبيعليه الصلاة والسلام ؟ ستأتينا ليلة القدر هذه نعمة هل نسجد ؟

فيدخل الناس في البدع من حيث لا يشعرون

وبالتالي البدع بوابة الزندقة ؛ لأن من ابتدع ما أبقى شيئا من دين الله يشرع لنفسه : {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}

وليس هذا من التشدد ، بعض الناس يقول هذا تشدد ، ليس هذا بتشدد وإنما هذا توحيد ، عقيدة ، النبي عليه الصلاة والسلام كما في المسند من حديث عبد الرحمن بن عوف قال : ( إن الله يقول يا محمد من صلى عليك صليت عليه ومن سلم عليك سلمت عليه ) فسجد النبي عليه الصلاة والسلام شكرا لله ، هذه نعمة تجددت

كعب بن مالك كما في الصحيحين في قصته لما تخلف عن غزوة تبوك وهجر من قبل النبي عليه الصلاة والسلام خمسين ليلة وأتت توبته سجد شكرا لله

لكن في كل شيء نسجد ؟

أتونا قبل سنتين بسجدة شكر قبل دخول رمضان

الآن سجدة شكر لما تتصدق ، إذن ماذا نفعل بعد التراويح إذا أتتنا العشر أتتنا مواسم العبادات ،  فاحذروا من البدع ، البدع لا خير فيها

ولذلك أول ما ذكر هنا : {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ } هذا ما هو ؟ التوحيد ضد التوحيد الشرك ،{وَهُوَ مُحْسِنٌ } يعني الاتباع ، ضد الاتباع الابتداع

ولذا يقول ابن القيم :  ” إن الشيطان يضع عقبات أمام ابن آدم في طريقه إلى الله  ، أول ما يبدا الشيطان وأعظم رغبة وأمنية له أن تقع في الشرك

عجز عنك عن طريق الشرك كما في الآية أدخلك في البدع ،عجز عنك في إيقاعك في البدع أمرك بالوقوع في كبائر الذنوب ، عجز عنك أدخلك في  الإصرار على الصغائر ، عجز عنك يجعلك تفضل العمل المفضول على الفاضل  

بمعنى :

أن الإنسان مثلا مأمور في الركوع أن يقول : ” سبحان ربي العظيم ” ثلاث وأدنى الوجوب مرة واحدة فيقول اكتف بواحدة

” فإن عجز عنه وهي  العقبة السادسة أوقعه في الإسراف في المباحات ، فإن عجز قال وهي العقبة السابعة والتي لا يسلم منها حتى الأنبياء يأتي إلى بعضهم ويحاول أنه يثير عنده الرعب والخوف

( ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي بالليل فأتى الشيطان بشهاب من نار ليحرق وجهي فتمكنت منه )

هذا في العقبة الأخيرة

ولذلك بعض الناس وأنبه بعض الناس من المصلين والحريصين على الصفوف الأول ومن المبكرين ومن التالين لكتاب الله ومن الصائمين ومن الذاكرين الله كثيرا سواء فيما يخص الرجال أو النساء ومع  ذلك قفد تأتيه  ضيقة صدر أو كتمة كما يقال فيظن أنها عين أو أنها نفس أو أنها سحر

هذا طبيعي ما أحد يسلم ، فلا تستسلم لأن بعضا منهم يستسلم فلما يستسلم   ويعظم الشيطان عنده هذه الكتمة مع أنه من الأخيار ويفكر في هذه يزيد معه حتى يظن أن به عينا أو سحرا أو جنا

هذا طبيعي

ولذلك  النبي عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم وهو النبي عليه الصلاة والسلام وهذه مهمة جدا لأن بعضا من الأخيار يقول لي عندي كذا تعبت مع أني ما تركت شيئا من العبادات إلا وأتيت بها يعني محافظ على الخير

 هذا طبيعي ، إياك أن تستسلم له ، أغلق الباب لا تفتح على نفسك بابا ، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال كما عند مسلم : ( إنه ليغان على قلبي )  يقول  : يصيب قلبي الغين ، الغين هو الهم وهو النبي عليه الصلاة والسلام يهتم قال النووي يهتم بمصالح أمته الدينية والدنيوية فيأتيه مثل هذا الهم وهو الغين ، لكن ماذا قال : ( وإني لأستغفر الله ) العلاج ( وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة )

فليحذر المسلم من هذه العقبة الأخيرة من عقبات الشيطان كما يحذر من العقبات السابقة

فالحذر الحذر من البدع