تفسير سورة البقرة ــ الآية ( 121 ) / الجزء الأول
قوله تعالى : { الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ }
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فنفسر في هذه الليلة قول الله عز وجل :
{ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ }
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــ
أن هذه الآية أتت بعد قوله عز وجل عن اليهود { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } أتت هذه الآية كأن بها تضمينا للسؤال ، فلربما يقال هؤلاء معهم شريعة أفلا يكونون في مقام رفيع محمود مثنى عليهم فيه ؟ أو لربما هم يقولون بأنفسهم نحن معنا الشريعة شريعة التوراة وشريعة الإنجيل فأتت هذه الآية موضحة من أن الذي يحمد على أخذ الشريعة هو من أخذها على وجهها الصحيح فقال { الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ }
فمجيء هذا الكتاب نعمة لكن إن لم يؤخذ بهذا الكتاب وبما فيه سيحل الخسران كما ذكر عز وجل في آخر الآية سيحل خسران بمن لم يأخذ به حق الأخذ ، وهذا ليس محصورا في اليهود أو في النصارى ، كلا ، لربما يقول بعض الناس هؤلاء الخوارج يجاهدون لإعلاء كلمة الله وفي سبيل الله ، ربما ، لأن مثل هذه الشبه قد ترمى هكذا على أسماع الناس
سبحان الله ! الجواب عن هذا :هؤلاء الخوارج وإن تكلموا باسم الدين وإن نطقوا بأدلة الكتاب والسنة أهم على خير وهدى ؟ الجواب : لا
ولذلك قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى وهو أيضا قول لابن عمر رضي الله عنهما قال ابن عمر رضي الله عنهما ” عمد الخوارج إلى نصوص من الكتاب والسنة هي في شأن الكفار فأنزلوها في حق المسلمين لسوء فهمهم بالنصوص الشرعية ” ولذلك كما قلت مسبقا من أخذ بالكتاب وبالسنة قلت ذلك بالأمس يجب أن يكون فهمه على ما فهمه السلف ، ولذلك يقول شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى قال ” إن الصحابة ما قاتلوا أبدا ما قاتلوا مسلما أبدا على الولاية وعلى الخلافة أبدا إنما قاتلوا الكفار الفرس والروم ومن سواهم لم يقاتلوا مسلما على الخلافة بل قال : ” إن عثمان أحيط به ومع ذلك مع أنه الخليفة ما دافع عن نفسه ولا سمح لأحد أن يدافع عنه ما كانوا يقاتلون على الولاية وعلى الخلافة أبدا ” ولذلك على العلماء المتمكنين أن يبينوا شبه هؤلاء حتى لا تعظم وحتى لا تصل إلى القلوب ولا يأمن أحد ، عمران بن حطان أحد الرواة ممن روى بعض الأحاديث في صحيح البخاري علم أن قريبة له قد تعلقت بمذهب الخوارج فتزوج بها من أجل أن يبعدها عن هذا المذهب فاعتنقه
ولذلك : الصحابة رضي الله عنهم كجابر كما عند مسلم قالوا له ( حدثنا فحدثهم بحديث يحذر من أمر الخوارج )
مثل هذه الشبه يجب أن تبين بالعلم الشرعي الصحيح المتين حتى تزول هذه الشبه من هؤلاء ، ولذلك أخبر النبي عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري ومسلم قال ( يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان )
ولذلك لما خرجوا في زمن علي بن أبي طالب بعث إليهم ابن عباس عالم قوي فذهب إليهم فعاد أكثرهم وتوقف طائفة منهم وأما البقية فقاتلوا عليا ومع هذا فإنه واجب على العلماء أن يبينوا مثل هذه الشبه حتى لا تنطلي على الناس ، ولذلك لا يقول هذا شهيد ممن قتل مع الخوارج ، أصلا لا يجوز أن يقال فلان شهيد ولو قاتل في سبيل الله لإعلاء كلمة الله ، ولذلك بوب البخاري :” باب لا يقال فلان شهيد ” قتل في معركة حقيقة التي يراد منها الجهاد في سبيل الله ، فكيف يقال هذا شهيد أو هؤلاء شهداء أو أنهم يعاملون معاملة الشهداء بعد موتهم ؟!
فنتنبه لخطورة هذا الأمر ، ولذلك ليس كل من حمل الكتاب يكون على حق ولذا أتت الآية هنا قد يقول قائل هم متمسكون بشريعة التوراة وبشريعة الإنجيل فقال عز وجل { الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } وإلا فكيف يقال لهؤلاء أو هذا شهيد فقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة أنهم ( كلاب أهل النار ) وفي رواية ( كلاب النار )
يشبهوا بهذا الوصف من باب الامتهان ، ليس عندهم فهم صحيح لكتاب الله ولسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام ، ولذلك أخبر النبي عليه الصلاة والسلام كما في المسند وغيره ( أنهم عشرون أو أكثر من عشرين قرن كلما قطع قرن خرج )
وجرني هذا الحديث إلى هذا السؤال الذي ربما يطرح هؤلاء معهم شريعة التوراة وشريعة الإنجيل فليس كل من قال أنا مجاهد في سبيل الله أنه يكون من المجاهدين أو أنه يقال فلان شهيد من باب العاطفة ولو كان قريبا لك ، لا ، الدين ليس عواطف مجردة ، لا ، فيجب أن يتنبه لخطورة هذا الأمر
ولذلك ماذا قال ابن حجر ؟ قال ابن حجر قال “هذا من آثار عبادة الجهال “
قال كما في الفتح لأنهم يقاتلون أهل الإسلام ، ولذلك هو طرح السؤال لماذا لم يقاتل هؤلاء الكفار ألا يطرح أحد منا على نفسه هذا السؤال ؟
لم لا يقاتلون الكفار وإنما يقاتلون أهل الإسلام ؟ قال ابن حجر هذا ناشيء من آثار عبادة الجهال ، جهل
كيف وقد أنكر كبيرهم على النبي عليه الصلاة والسلام لما قسم ذلك القسم في الصحيحين قال ( هذه القسمة ما أريد بها وجه الله ، فقال ويلك إن لم أعدل أنا فمن يعدل ؟ ) فأراد أحد الصحابة أن يقتله فقال ( دعه فإنه يخرج من ضئضئ هذا ــ يعني من صلبه ومن أتباعه ــ قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم من كثرة العبادة )
لكن ليست العبرة بكثرة العبادة ولذلك يسأل المسلم ربه أن يبين له الحق وأن يظهر له الحق لأنه ربما يختلف في الحق ، ونحن في من فتن وزمن شبه ربما أن الإنسان يفتح وسيلة إعلامية أو وسيلة من وسائل التواصل فإذا به تقذف شبه فتقع تلك الشبهة في قلبه ثم نسأل الله السلامة والعافية
ليس معنى الجهاد أن الإنسان يأخذ سلاحه ويذهب
لا يمكن أن يقوم جهاد إلا بولاة الأمر وإلا كل من شاء أخذ سيفه وسلاحه وذهب وهذا خطير تختلف الأمة هنا ولذلك لابد من راية للجهاد في سبيل الله ، إذن الوالد إذن الوالدة إذن ولي الأمر ، هناك شروط ، ثم سلم بهذا كله الجهاد ليس واجبا كفائيا يعني من قام به البعض سقط الإثم عن الباقين هب أنه تعين عليك مائة بالمائة بعض الناس يقول تعين علي ، تعين علي أرى من يقتل من إخواننا المسلمين في تلك البلدان وكذا وكذا وكذا ، سلمنا أنه واجب عيني عليك هناك قاعدة شرعية لا واجب مع العجز لا واجب مع العجز ، الآن الصوم ركن من أركان الإسلام إذا عجزت سقط ، الحج ركن من أركان الإسلام إذا عجز عنه سقط ، الصلاة تسقط أركانها مع وجود العجز ، فالجهاد من باب أولى، لا واجب مع العجز
ولذلك الشبه التي ترمى وتقذف على هؤلاء الشباب فنرى فجائع في الأسر وفي الأهالي ، يجب أن يتنبه المسلم إلى خطورة هذا الأمر ، وليس معنى هذا تمييع الجهاد في سبيل الله ، لا ، لن تعلو الأمة إلا بالجهاد في سبيل الله
كما قال عليه الصلاة والسلام ( وذورة سنامه الجهاد في سبيل الله )
ما هو أعلى ما في البعير ؟ السنام ، دل على أن الأمة لن تعلو إلا بالجهاد
وقال عليه الصلاة والسلام كما في سنن أبي داود قال عليه الصلاة والسلام ( إذا تبايعتم بالعينة ) صفقة من صفقات الربا ( وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم )
لكن بالجهاد الحقيقي على الإنسان أن يصبر حتى يظهر الجهاد الحقيقي الذي يقدم فيه الإنسان نفسه دون أن تكون هناك شبهة ولذلك لأنه يدار هؤلاء يجاهدون في سبيل الله هؤلاء يتكلمون بالكتاب وبالسنة ، لا ، ولذلك ابن عباس رضي الله عنهما كان يعقد الدروس وكان يحضر عنده بعض الخوارج وكانوا يناقشونه وكان يبين لهم
ولذلك الانفتاح العالمي الذي حصل لنا في وسائل التواصل هذه جرت الناس على أن يدخلوا في مثل هذه الشبه ، ولذك أنصحك إن لم يكن لديك علم بل أنصحك ألا يكون لك جدال ونقاش وحوار مع هؤلاء حتى تسلم حتى تسلم ، ونسأل الله أن يبين لنا الحق ، النبي عليه الصلاة والسلام في دعاء الاستفتاح إذا قام من الليل كما عند مسلم ماذا كان يقول ؟ لأن الفتن كثرت والشبه كثرت يقول في دعاء الاستفتاح ( اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم )
الحق قد يختلف فيه ، فأنت تسأل ربك أن يهديك لأنه إن هداك الله إلى الحق حييت ، إن لم تهد فإنك ستموت وأي موت موت في الدين ما هو موت فقط في البدن وإذا مات دين الإنسان ماتت دنياه .