التفسير المختصر الشامل الدرس (20) تفسير سورة البقرة من الآية (217) إلى ( 221)

التفسير المختصر الشامل الدرس (20) تفسير سورة البقرة من الآية (217) إلى ( 221)

مشاهدات: 459

التفسير المختصر الشامل ( 20 )

تفسير سورة البقرة :

من الآية ( 217) إلى الآية (  221)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله تعالى :

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) }

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ }  هم لا يسألون عن ذات الشهر الحرام وإنما يسألون عن القتال فيه

ولذا :

أتى البدل الذي يسمى بدل اشتمال كما لو قلت : ”  يعجبني زيد كرمه “فالإعجاب وقع على كرم زيد

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ } بدل اشتمال :

يسألونه صلى الله عليه وسلم عن حكم القتال في الأشهر الحرم وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام بعث سرية في أواخر شهر رجب فلقوا رجلا من المشركين فقتلوه فقالت كفار قريش تعيرهم من أنهم قتلوا هذا الرجل في الأشهر الحرم والتبس عليهم الأمر :

هل هو آخر يوم من رجب  ؟

فسألوا النبي عليه الصلاة والسلام فأمره الله عز وجل أن يجيبهم قائلا (قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ) يعني القتال في الأشهر الحرم كبير الإثم

 

ومن ثم :

فإن بعض أهل العلم رأى أن هذه الآيات منسوخة بآيات السيف

{ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } سواء كان في الأشهر الحرم أو لم يكن

 

ولكن الصحيح :

أنه لا يجوز القتال في الأشهر الحرم إلا إذا ابتدأ الكفار بقتال المسلمين كالشأن في المسألة السابقة التي هي القتال في المسجد الحرام

 

وقد قال عليه الصلاة والسلام كما ثبت ( إن الله حرم هذا البلد يوم خلق الله السموات والأرض )

 

فالصحيح :

أنه لا يجوز أن يبدأ الكفار بالقتال في الأشهر الحرم إلا إذا بدأوا المسلمين بالقتال

 

( قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ) ثم استأنف ( وَصَدٌّ ) هذا استئناف (وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ ) أي بالله ( وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) أي وصد عن المسجد الحرام

( وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ ) إخراج المهاجرين من هذا البلد الحرام ، (وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ )

 

( وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ) يعني هو أعظم من إثم قتال هؤلاء  في الأشهر الحرم

ثم قال بعد ذلك (وَالْفِتْنَةُ ) أي الشرك وإرادة هؤلاء بالمسلمين أن يشركوا

( وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ) في الأشهر الحرم

 

وهنا قال (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) لأن السؤال واقع على حكم القتال في الأشهر الحرم

بينما الآية السابقة في هذه السورة :

{ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ } بمعنى أنه عظيم وفظيع الشرك بالله عز وجل أعظم من قتال هؤلاء

{ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ }

 { وَلَا يَزَالُونَ } : بيَّن عز وجل من أن هؤلاء الكفار إنما يريدون بالمسلمين أمرا تطمح نفوسهم إليه

{ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ }  وكلمة { وَلَا يَزَالُونَ } تدل على الاستمرار

{ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا }

أتى بإن التي لا تدل على التأكيد

بمعنى :

أن صنيعهم لن يضركم أبدا بإذن الله لمن ثبته الله

 

{ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ }

قيد الموت هنا بأنه يموت وهو كافر

{ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ }

 بمعنى :

أن هذه الآية تقيد ما جاء في الآية الأخرى { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } لكن هذه الآية قيدت

 

بمعنى :

أن الإنسان لو ارتد ــ نسأل الله السلامة والعافية ــ ثم رجع إلى الإسلام قبل أن يموت فتلك الأعمال الصالحة التي عملها حتى الحج على القول الراجح فإنه لا يبطل لأن الآية قيدت هنا

{ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا } :

أعمالهم في الدنيا المتعلقة بالنصرة بأخوة الإسلام ، المتعلقة بالتكفين بتكفين من مات على الإسلام ، بالإرث

 

{ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } فإنهم إذا ماتوا على هذه الحال حالة الكفر فإنهم لا يغسلون ولا يكفنون ولا يصلى عليهم ولا يرثون ولا إخوة لهم في الإسلام

 

{ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ }

كما قال عز وجل : { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا }

 

{ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

وهذا الخلود خلود تأبيد لأنهم ماتوا على الكفر

قال هنا :

{ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ }

 

قال عز وجل في سورة المائدة :

 

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }

فمن كفر فإن الخاسر هو ، والله عز وجل لا يضيره شيء قال تعالى

 { وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ }

وقال عز وجل :

{ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ }

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218) }

 

هؤلاء الذين حصل منهم في هذه السرية لما قتلوا ذلكم الرجل وهو ” ابن الحضرمي ” لما نفي عنهم الإثم في الآيات السابقة ربما أنهم توهموا أن أعمالهم قد حبطت أو نقصت فجاءت هذه الآية :

{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا } :

هم مؤمنون الذين قتلوا هذا الرجل ” ابن الحضرمي “

{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا } :

أعاد اسم الموصول للجهاد والهجرة باعتبار التأكيد على أهمية هاتين العبادتين وأهمية ما فعله هؤلاء من هذين العملين الصالحين ، ولم يظهر اسم الموصول في الجهاد باعتبار أن الهجرة والجهاد مشتركان ومتفقان من حيث خروج الإنسان فهذا يخرج من بلده من أجل أن يفر بدينه ، وهذا يخرج من بلده من أجل الجهاد في سبيل الله

 

{ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ } أتى بكلمة الرجاء ، وأتى بصيغة الفعل المضارع بمعنى أنهم في رجاء مستمر

وهذا يدل على أنه مع الرجاء لابد من العمل فهؤلاء آمنوا وهاجروا وجاهدوا ، مع هذه الأعمال الطيبة العظيمة مع ذلك يرجون رحمة الله

 

ولذا :

قال الحسن البصري : ” إن قوما قالوا : نحسن الظن بالله وكذبوا لو أحسنوا الظن بالله لأحسنوا العمل “

فالرجاء لابد له من عمل

 

{ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }

{ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } اسمان من أسمائه عز وجل يدلان على سعة مغفرته وسعة رحمته عز وجل ورحمتي وسعت كل شيء

{ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ }

{ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ }

فمغفرته عز وجل ورحمته وسعت كل شيء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) }

هذه الآية قبل أن تنسخ وذلك لأن الخمر حرم في آخر الأمر كما في سورة المائدة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ }

فقال بعض العلماء : أول آية تعرض بتحريم الخمر هذه الآية

وقال بعض العلماء  : إن أول آية هي الآية التي في سورة النحل { وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا }

لكن آية النحل كما سيأتي تتعلق بالأخبار ، والأخبار لا تنسخ لكن من قال إنها أول آية قالوا : هي خبر تتضمن الأمر ثم بعد ذلك { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ }

ولذلك :

قال كان عمر يقول : ” اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانا شافيا “

فنزلت هذه الآية

ثم بعد ذلك نزل قوله تعالى :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى } فأبيح لهم شرب الخمر إلا إذا قرب وقت الصلاة فإنه محرم

وهذه أيضا التي في سورة النساء منسوخة

فجاءت آية المائدة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ }

لما نزلت آية النساء قال عمر رضي الله عنه مع ذلك قال : اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية التي في سورة المائدة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ }

فقال عمر وقال الصحابة رضي الله عنهم: ” انتهينا انتهينا “

 

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ } الخمر كل ما خامر العقل وغطاه فإنه يدخل بقطع النظر عن نوعية هذا الشيء على الصحيح من قولي العلماء

والميسر :

الميسر يختلف عن القمار

سمي الميسر بهذا الاسم لأنه من اليسر أي السهولة أو من اليسار

يعني : من الغنى ؛ وذلك لأن من يقامر إنما يحصل له ما يحصل له من المال ويغتني بسهولة

ولذلك :

هذا الميسر الذي ذكر هنا ولم يذكر القمار لأن الميسر يختلف عن القمار

الميسر أعم

ولذلك :

قال الإمام مالك : الميسر نوعان : ميسر لهو وهذا حرام

وميسر على مال وهذا قمار

وسمي القمار بهذا الاسم لأنه مأخوذ من القمر إذ يبدو ضعيفا ثم يكبر ثم ينقص

وهذا هو شأن المقامر يأتي إليه المال سريعا ثم يزول

 

إذاً :

القمار يعد نوعا من أنواع الميسر

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ }

إذاً :

من يلعب بالنرد أو بالنردشير الذي حرمه النبي عليه الصلاة والسلام ولو لم يكن على سبيل المعاوضة والمال فإنه حرام

ولذلك :

ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه كما في الأدب المفرد قال : ” إياكم وهاتين الكعبتين الموسومتين ” يعني المعلمتين

قال : ” اللتان يزجران بهما زجرا ” قال : ” فإنها من الميسر “

ميسر ماذا ؟

ميسر اللهو

ولو كان معها معاوضة فإنه يعد قمارا

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ }

وصف الإثم بأنه كبير بينما المنافع أطلقها إشارة إلى أن هذه الخمر مفاسدها أعظم من منافعها { وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا }

قال بعض العلماء : إن هذه الآية هي الآية التي حرمت الخمر تحريما قاطعا

لم ؟

قال : ” لأن الله قال { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ }

وهنا قال { وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا } ويرد عليه من أنه قال

{ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا } الإثم فيهما ولم يصف الخمر بأنها إثم

{ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا } ما النفع الحاصل في الخمر ؟

اللذة والطرب وربما تحصيل الأموال وهذا كما سلف في أول الإسلام فجاء ما جاء في سورة المائدة من تحريم ذلك تحريما نهائيا

{ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ } هذا سؤال آخر { وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قل العفو } يعني أنفقوا العفو

العفو هو ما تيسر

 

ولذلك :

جاء في صحيح مسلم قوله عليه الصلاة والسلام :

(( خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ))

بمعنى :

أن الإنسان إذا تصدق مع تلك الصدقة تبقيه غنيا ولا يحتاج إلى الناس

{ قُلِ الْعَفْوَ } يعني أنفقوا العفو أي ما تيسر

كما قال عز وجل في الآية التي قال عنها العلماء هي قاعدة في الأخلاق :

{ خُذِ الْعَفْوَ } يعني خذ ما تيسر من الناس مما يكون من أقوال ومن أعمال ومن أموال ولا تدقق

{ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ }

{ كَذَلِكَ } : يعني كما بين لكم هذه الأحكام السابقة في الآيات السابقة

{ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ } كل الآيات يبينها عز وجل

لم ؟

{ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } والتفكر في الآيات يزيد من الإيمان والنظر في آيات الله عز وجل يزيد من التفكر ، والتفكر يزيد العبد إقبالا على الله عز وجل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) }

{ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } أي بمعنى أنه بيَّن لكم الآيات ، ومن ضمن ذلك هذا الإنفاق { لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } في زوال الدنيا وفي إقبال الآخرة

{ فِي الدُّنْيَا } بمعنى أنكم تبقون ما تحتاجون إليه من هذه الأموال ، وما يتعلق بالآخرة تنفقون هذه الأموال لكي تكون لكم ذخرا يوم القيامة

وهذا ما ذكرهنا في هذه الآية وفي قوله عز وجل :

{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى }

هذه تدل على الإنفاق ثم سيأتي بإذن الله في أواخر السورة ما يدل على الإنفاق حتى يعود المسلم بالتأمل وبالتفكر إلى أول الآيات في أول سورة البقرة

{ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)}

 

{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى } هذا سؤال آخر

واليتيم : من مات أبوه قبل أن يبلغ

ولذلك  : إذا بلغ زال عنه وصف اليتم

ولذا بعض الناس وعمره في العشرين أو في الثلاثين يقول : ” أنا يتيم ” وهذا خطأ

قال عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه (( لا يتم بعد احتلام ))

ولذلك :

قال عز وجل كما في أول سورة النساء قال { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا }

دل على أنه بعد البلوغ يزول عنهم وصف اليتم

{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ }

لم يقل قل إصلاح في أموالهم

قال : { لَهُمْ }

بمعنى :

أن من تحته أيتام يتعين عليه أن يبحث عما هو أصلح لهم في أخلاقهم في دينهم في مروءتهم في أموالهم

{ قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ } وأطلق الخير مما يدل على أن من قام على اليتامى ولو على يتيم واحد فإن له بذلك خيرا عظيما

يكفي في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام : (( أنا وكافل اليتيم ))

له أو لغيره

حتى لو كفلت يتيما من أقربائك كأن يكون لك ابن فمات مثلا عن أبناء وأنت جدهم فكفلتهم تدخل في هذا الثواب (( أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين ))

 

{ قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ } :

لأنه لما نزل قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10) }

تحرجوا من ذلك حتى كما ثبت حتى إن أحدهم ليعزل طعامه عن طعام يتيمه فلربما لم يأكل هذا اليتيم كل الطعام فيفسد هذا الطعام فحصل ما حصل من المشقة والعنت فقال تعالى : { وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ }

 

وشأن الأخ مع أخيه أنه يأكل معه وقوله { فَإِخْوَانُكُمْ } من هوأخ لك أنت حريص على ماله كما تحرص على مالك

ولذلك ثبت قوله عليه الصلاة والسلام ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )

فقوله : { وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ  } يدل على التسامح في مخالطة هؤلاء اليتامى ويدل على أنك تحرص على ماله فلا تقرب هذا المال إلا بالتي هي أحسن كشأن الأخ مع ماله أخيه

{ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ }

يعلم المفسد من المصلح في جميع الأحوال

ومن ذلك المفسد الذي يريد من أموال اليتامى يريد أن يأكلها ويعلم هذا المفسد من المصلح الذي ما أراد إلا الخير والصلاح لهؤلاء اليتامى

فإنكم وإن خالطتموهم يعلم عز وجل من أراد منكم الإفساد ومن أراد منكم الإصلاح

{ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ }  ولم يذكر ثوابا

مما يدل على أن الأسماء والصفات تأتي تعليلية في كتاب الله تعليلية للأحكام

بمعنى أن الحكم إذا أتى تتأمل في هذا الحكم من أن الله عز وجل قد اطلع عليك في هذا الحكم

وإذا اطلع الله عليك فإن عملت خيرا أثابك ثوابا عظيما وإن عملت شرا عاقبك الله

{ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ } لأنزل بكم المشقة لأن العنت هو المشقة

كما قال تعالى : { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ }

{ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ } فهو رحيم بكم

 { وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

{ عَزِيزٌ } : قوي غالب لا ينال بسوء فهو قوي يعلم حال من يريد إفساد أموال اليتامى

ومن يريد الإصلاح لها

وحكيم عز وجل إذ شرع لكم  تلك الأحكام التي بها تخفيف عنكم وفيها إصلاح لحياتكم وإصلاح لهؤلاء اليتامي

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

{ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) }

 

{ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ }

نهي عن أن تتزوجوا ولا تنكحوا أي لا تتزوجوا ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن

هذا تقييد

تقييد بالإيمان فإن آمنت فهنا يجوز أن يتزوج بها

وهنا قال بعض أهل العلم : قال يستثنى من ذلك من ؟

نساء أهل  الكتاب

والدليل قوله عز وجل :

 { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ }

حتى إن بعض أهل العلم قال : إن الآية أصلا وهي الآية التي هنا في سورة البقرة لم يدخل فيها أصلا أهل الكتاب ، فالآية التي في سورة المائدة واضحة وبينة ، وهنا أيضا لم يدخل من باب التأكيد على الحكم الذي دل في سورة المائدة على الجواز مما يؤكد ذلك هذه الآية

فالآية لم تنص على أهل الكتاب

بدليل :

أن الله إذا ذكر المشركين ذكر معهم أهل الكتاب { مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ }

لم يكن الذين كفروا

والآيات في مثل هذا المعنى كثيرة

وقد وصف الله أهل الكتاب بأنهم مشركون وصفهم بالفعل وليس بالاسم

{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ } إلى أن قال : { سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }

فوصفهم بالشرك

 

وعلى كل حال :

نساء أهل الكتاب يهودية أو نصرانية إذا كانت عفيفة فيجوز للمسلم أن يتزوج بها

أما ما جاء من أن عمر رضي الله عنه أنكر على عثمان وعلى حذيفة رضي الله عنهم وأمرهم أن يطلقوا هؤلاء النساء فمقصود عمر مقصوده :

من أنه لا يرغب بهؤلاء نساء أهل الكتاب عن ماذا ؟

عن نساء المؤمنين

ولربما :

وقعوا في ما يخص نساء أهل الكتاب فيمن ليست بعفيفة

ولذلك  :

قال عمررضي الله عنه لحذيفة لما تزوج يهودية قال طلقها فإنها جمرة

قال : أهي حرام ؟

قال : هي جمرة

قال حذيفة  : أهي حرام ؟

قال : إنما هي جمرة

قال : أعلم أنها جمرة ، ولكن ليست بحرام

فلما مضى زمن طلقها حذيفة

فقيل له : لِمَ لَمْ تطلقها لما أمرك عمر رضي الله عنه ؟

قال : خشيت أن يظن أني فعلت شيئا محرما

أما قول ابن عمر رضي الله عنهما قال : ” ولا أرى أعظم شركا ممن تقول إن المسيح ابن الله “

فهذا تورع من ابن عمر

 

فخلاصة القول :

إذا كانت المرأة يهودية أو نصرانية فيجوز للمسلم من باب الجواز وليس من باب الاستحباب أو الحث من باب الجواز يجوز له أن يتزوجها بشرط أن تكون عفيفة

{ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ } أي أمة رقيقة (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ ) لكنها مؤمنة ولأمة مؤمنة خير من مشركة

{ خَيْرٌ } : أطلق كلمة خير ، وذلك لأن الإيمان تأتي معه الخيرات والشرك تأتي معه الشرور كلها

{ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ }

ولو أعجبتكم تلك المشركة بجمال أو بمال أو بحسب أو بما شابه ذلك

وليعلم :

أن قوله  : { وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ } لا يجوز للمسلم أن يتجوز بأمة مسلمة إلا بشرطين

قال تعالى كما سيأتي  معنا في سورة النساء :

{ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ }

 بمعنى :

أنه لم يجد مالا يتزوج به الحرة

الشرط الثاني : { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ } يعني إذا خشيتم الوقوع في الزنا وإلا فالأصل أنه لا يجوز للمسلم أن يتزوج بأمة مسلمة إلا بهذين الشرطين

{ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ }

بل حتى الإعجاب فيما يتعلق بالمسلمة الحرة

النبي عليه الصلاة والسلام مع أن المسلمة فيها أصل الإسلام والإيمان لكن قوله عليه الصلاة والسلام (( تنكح المرأة لأربع لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ))

مما يدل على أن زيادة الإيمان والتقى لدى المرأة حتى وهي في دائرة الإسلام أفضل ممن ليست كذلك ، ولو كانت تلك الأخرى قد فضلت بحسب أو بمال أو بجمال

{ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ }أي لا تزوجوا الخطاب لمن ؟

للأولياء

مما يدل على أنه لا يتم زواج إلا بولي

كما قال عيله الصلاة والسلام كما ثبت عنه (  لا نكاح إلا بولي )  خلافا لمن أجاز زواج المرأة من غير ولي

 

{ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا } ولا تنكحوا أي لا تزوجوا المشركين بتاتا فلا يجوز لمسلمة أن تتزوج بأي مشرك سواء كان يهوديا أو نصرانيا أو وثنيا بجميع أنواع أهل الكفر فلا يجوز أن تزوج المرأة المسلمة  كافرا

{ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ } لأنه اتصف بوصف الإيمان ، مما يدل على فضيلة الإيمان

{وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ } : أطلق الخيرية في الإيمان وفي الدين { خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ } ولو أعجبكم هذا المشرك الذي هو حر أعجبكم بمال أو بجمال أو بحسب

{ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ}  التزوج بهؤلاء يدعو إلى النار

وذلك لأن الزوجين قد يتأثر أحدهما بالآخر

ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام كما ثبت عنه قال (( لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي ))

{أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ }

قد يقول قائل أولئك يدعون إلى النار

هذا ربما يحصل فيما لو أن المسلم تزوج بيهودية أو بنصرانية

فالجواب عن هذا :

من أن المقصود من ذلك وإن كان في أهل الكتاب وإن كان فيهم شر لكن المقصود هنا هم أهل الأوثان والشرك وذلك لأنه من حيث الأصل اليهودية والنصرانية أصل الدين عندهم هو الإيمان بالله ، والتوحيد لكن حصل التغير من جراء ما حصل من علمائهم وما شابه ذلك من هذه التغيرات

لكن المشركين من حيث أصلهم هم كفار

{ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو }  يدعو بما شرع وبما أمر

{ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ } وذكر المغفرة هنا لأن المسلم بحاجة مستمرة إلى مغفرة الله عز وجل

ولذلك في سورة آل عمران جمع بين الجنة والمغفرة { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ }

في سورة الحديد { سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ }

{ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ }

يبين آياته للناس ومن ذلك ما سبق

{وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }

فتبيين الآيات وتوضيح الآيات والعلم الشرعي والتأمل في كتاب الله وفي آيات الله يدعو الإنسان إلى التذكر

ولذلك :

ماذا قال عز وجل مبينا فضل التذكر التذكر يدعو إلى الخير { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ }