تفسير سورة النساء من الآية (131) إلى (144)
الدرس (71)
فضيلة الشيخ زيد البحري -حفظه الله-
- ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ ﴾ سبحان الله ، ذكر هذه الآية من باب ماذا ؟ من باب أن يبين لكل البشر ومن ذلك هذان الزوجان من أنه مالك للسماوات وللأرض ومن ثم فإنه لا يعجزه شيء عز وجل من أن ينعم على هذا وينعم على هذه ولذا ماذا قال تعالى ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ۚ ﴾ سبحان الله، إذًا ما يحصل للعبد من خزائن الله عز وجل لابد فيه من ماذا ؟ من تقوى الله عز وجل قال ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ ﴾ أي الأمم السابقة ﴿ وَإِيَّاكُمْ ﴾ أنتم أيضا ماذا ؟ ﴿ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ۚ ﴾ فمن اتقى الله عز وجل جاءته الخيرات لأن الله هو الذي يملك السماوات والأرض ولذا ماذا قال تعالى ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ ﴾ ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ وتأمل أول آية في السورة ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ ﴾ فدلَ هذا على عِظم التقوى وهي فعل أوامره واجتناب نواهيه ﴿ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ۚ وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ ﴾ لأنه هو الغني ولذا ماذا قال تعالى قال ﴿ إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ ۖ وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ۖ ﴾ و لذا ماذا قال تعالى ﴿ وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾
فقال هنا ﴿ وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131) ﴾ فهو الغني إذًا من تأمل وتدبر هذه الأسماء و من بينها (الغني) اطمأن قلبه بالنسبة إلى الزوج وبالنسبة إلى الزوجة وبالنسبة لأي بشرٍ على هذه الأرض لم ؟ لأن الله هوالغني وهو ماذا ؟ وهو المالك للسماوات والأرض وهو الحميد ﴿ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131) ﴾ لم ؟ فهو المحمود على أفعاله وعلى أقواله وهو المحمود لمَا شرع هذه الشريعة فدل هذا على أن ما يشرعه وما يقوله وما يفعله وما يريده هو محمود على هذه الأشياء . ثم ماذا قال ؟
- ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ ﴾ كرر ذلك ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا (132) ﴾ إذا سبحان الله لأن الإنسان حال الفِراق وحال البأساء و الضراء فإن قلبه ربما يكون فيه شيءٌ من الضعف فهنا ماالذي يلزمه ؟ عليه ماذا ؟ أن يتوكل على الله الذي هو يتولاه ويرعاه و يحفظه ويعطيه ولذا قال ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا (132) ﴾ هو الوكيل عز وجل ولذا تأمل هنا ، هنا أمر بالتقوى في الآية السابقة وذكر هنا ما يتعلق باسمه الوكيل انظر إلى قوله تعالى ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ ﴾ هنا قال ﴿ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا (132) ﴾
- ﴿ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ ۚ ﴾ ﴿ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ ﴾ يعني إن لم تتقوا الله لو شاء الله لذَهَبَ بكم ولأتى بخلق آخر ولذا ماذا قال تعالى ﴿ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19) وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ لا يعجزه شيء جل وعلا ولذا قال تعالى ﴿ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ ۚ ﴾ ولذا ماذا قال تعالى ﴿ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم ﴾ إلى غير ذلك من هذه الآيات ﴿ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ ﴾ كما قال عز وجل ﴿ كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ ﴾ فقال هنا ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ قَدِيرًا (133) ﴾ فلا يعجزه شيء جل وعلا لا في الأرض ولا في السماء .
- ﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ ﴾ من أراد ثواب الدنيا وأراد ثواب الآخرة فهي عنده جل وعلا فهي التي تُطلب منه عز وجل ولا تطلب من غيره بمعنى أنك أيها الزوج وهذا على سبيل المثال أو أنت أيتها الزوجة لو حصل فراق فإن قلبكَ و كذلك فإن قلبكِ لا يتعلق بالمخلوقين وإنما يتعلق بالله عز وجل ولذا قال ﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ ﴾ إذا يطلبها من الله عز وجل فهوالذي يُثيب ولذا ماذا قال عز وجل ﴿ كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ ﴾ وهذا هو التفسير الذي يدل عليه السياق خلافا لمن قال ﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا ﴾ هي في شأن أهل النفاق أخذوا ما أخذوا من نصيبهم في هذه الدنيا وثوابهم في الآخرة بمعنى العقاب ، لكن في مثل هذا فيه نوع من التكلف أو شيء من التكلف فيكون المعنى من أن هذا عام ﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ ﴾ ولا شك أن العبد لا تكن همَته لا تكن الهمة منه هذه الدنيا ولذا من كانت الدنيا همه فإنه لا أجرله فيما يعمله من الأعمال الصالحة ولذا ما ذكره ابن العربي رحمه الله ( من أن الإنسان لو أنه فعل الطاعة من أجل أن يُشهد له بالإيمان أو أن يشهد له بالخير لكي يتولى منصب إمامة أو ما شابه ذلك من أن هذا ليس من الرياء أو ما شابه ذلك ) ففي هذا فيه ما فيه وهو خلاف ما جاءت به الأدلة الشرعية فإن العبد لا يعمل الطاعة إلا لله عز وجل ولذا من عمل عملًا صالحًا ليس على عقيدة سليمة فإنه لا أجر له ولذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما عند مسلم لما سألته عائشة رضي الله عنها عن ابن جدعان قالت : يا رسول الله إنه كان يقري الضيف ويُغيث الملهوف أينفعه ذلك ؟ قال : ( لا ، لأنه لم يقل في يوم من الأيام ربي اغفر لي خطيئتي يوم الدين ) وكذلك ما جاء في الحديث الحسن عند أحمد من أن عدي ابن حاتم سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أبي حاتم الطائي الكريم المعروف بالكرم فقال : يا رسول الله إن أبي يصل الرحم ويفعل كذا ويفعل كذا فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن أباك أراد أمرا فأدركه ) يعني أراد الثناء فأدرك الثناء لكنه لا ينتفع بذلك .
- ﴿۞ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ ﴾ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ نادى أهل الإيمان ﴿ قَوَّامِينَ ﴾ على وزن فعّال قوّام على وزن فعّال بمعنى أنكم كثيروا القيام بالقسط ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ ﴾ بالعدل وهذا شامل ، سبحان الله هذه الآية أتت بعد آيات تتعلق بماذا ؟ تتعلق مايكون بين الزوجين أيضا تتعلق مايكون بين المُصلِحَين بمعنى أن من أصلح بين زوجين أو كذلك ما يتعلق من صُلح يقوم بين الزوجين نفسيهما فإن ذلك يراعى فيه ماذا ؟ العدل وهذا شامل على المسلم أن يكون عادلا في جميع أحواله حتى في قوله كما قال تعالى ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا ﴾
﴿۞ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ ﴾ يعني اشهدوا الشهادة من أجل الله وهذا أظهر من حيث السياق من قول من يقول ﴿ شُهَدَاءَ لِلَّهِ ﴾ يعني بالتوحيد و لا شك أن من قام بالشهادة ابتغاء الأجرمن الله لاشك أنه ماقام بها إلا لأنه موحد فقال هنا ﴿ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ ﴾ لو كان الحق عليكم اشهدوا على أنفسكم أو الوالدين يعني ولو كان المشهود عليه لو كان والدك فإنك تشهد عليه ولا يكون عقوق لم ؟ لأنك أردت تخليصه من ماذا ؟ من عقوبة الآخرة فأنت في مثل هذه الحالة إذا شهدت عليه لإبراء ذمته أنت بررت به لكن لو تركته على حاله فأنت عاقٌ له ﴿ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ ﴾ بمعنى أنه لو كان المشهود عليهم هم الأقرباء ولو كان أقرب الناس إليك ولذلك لم يقل (أقرباء) قال (الأقربين) على وزن أفعل يعني لو كان أقرب الناس إليك ولذا ماذا قال تعالى ﴿ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ﴾ يعني راعوا الله عز وجل في الشهادة ولذا قال هنا ﴿ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا ﴾ أي المشهود عليه فلا يغرّنّك ما لديه من مال أو من قوة أو ما شابه ذلك ﴿ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا ﴾ بمعنى أن هذا الفقير المشهود عليه لا تترك الشهادة عليه شفقةً عليه و لا تترك الشهادة للغني من أجل ماله أو لحظٍ أو نصيبٍ من ذلك ﴿ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ ﴾ هو الذي يتولى أمورهما أما الواجب عليك الواجب عليك أن تقوم بهذه الشهادة حق القيام ﴿ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ ﴾ فلست أرحم من الله بهما ولست أعلم من الله بحالهما ﴿ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ ﴾ ذكر الفاء هنا لأنها مرتبة على ما سبق لأن الهوى يمنع الإنسان من العدل ﴿ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ ﴾ يعني لا تتبع الهوى حتى لا يوقعك بعدم العدل حتى لا يوقعك في الظلم ﴿ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ ﴾ لألا تعدلوا لأن اتباع الهوى يورد الإنسان إلى الظلم ولا يسوقه إلى العدل هذا فيما يتعلق بالشهادة .
أيضا فيما يتعلق بالحكم من القضاة و ما شابه ذلك ولذا ماذا قال تعالى ﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ﴾ فقال هنا ﴿ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ ﴾ وهذا يدل على خطورة ماذا ؟ اتباع الهوى قال تعالى ﴿ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ فقال هنا ﴿ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا ﴾ تلووا أي تحرفوا الشهادة عن وجهها أو تعرضوا عن ماذا ؟ عن الإتيان بالشهادة على وجهها ولذا ماذا قال تعالى ﴿ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم ﴾ كما مرّ معنا يعني يحرفون الكلام بألسنتهم ﴿ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا ﴾ بمعنى أنكم لا تقومون بالشهادة و لذا مرمعنا في قوله تعالى في سورة البقرة ﴿ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ ﴾ فقال هنا ﴿ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135) ﴾ لم يذكر عقابا ولم يذكر حكما من باب ماذا ؟ من باب أن من قام بالشهادة حق القيام فالله مطلعٌ وخبيرٌ ببواطن حاله خبيرٌ ببواطن القلوب خبير بالظواهر والبواطن وأيضا هو خبيرٌ عزوجل بحال من يكتم الشهادة فيعاقبه على كتمانها أو على تحريفها .
- ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ ﴾ كلام للمفسرين في مثل هذه الآية والآية عامة هنا ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ والأظهر أن السياق لأهل الإيمان وليس لمن سبق مِن مَن آمن هنا شامل لمن آمن بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ممن سبق وممن هو في زمنه ومَن سيأتي بعده ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا ﴾ أمرهم مع أنهم مؤمنون أمرهم بالإيمان لم ؟ من باب ماذا ؟ من باب أن العبد محتاج إلى الإيمان في كل حاله محتاج إلى أن يزيده الله إيمانا محتاج إلى أن يثبته الله على الإيمان كقوله عزوجل ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ عن عباد الله الصالحين مع أنهم على صراط مستقيم مع أنهم مهتدون من باب ماذا ؟ من باب أن العبد محتاج إلى هداية الله على الدوام وأيضا محتاج إلى أن يثبته الله عز وجل فقال هنا ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ ﴾ وهو القرآن ومرّ معنا الفرق بين نزّل وأنزل في أول سورة آل عمران ﴿ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ (3) مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ ۗ ﴾ ومر معنا توضيح ذلك بتوضيح وافٍ شامل فقال هنا ﴿ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ ۚ ﴾ والكتاب أي الكتب السابقة التي أُنزلت على الأنبياء السابقين ﴿ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ ۚ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136) ﴾ أعظم الضلال وضلال بعيد يدل على هلاك صاحبه من يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وقد مر معنا ما يتعلق بالإيمان بالله و بالكتب وبالرسل وباليوم الآخر في سورة البقرة .
- ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ﴾ لمّا ذكر من كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر بأنه في ضلال بعيد بيّن أن هناك صنفا آخر أعظم من الصف السابق مع أنهم يشتركون في ماذا ؟ في الكفر لكن هؤلاء تكرر منهم الكفر فقال هنا ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ ﴾ يعني لو ماتوا على هذا الكفر ولا يدل على أن توبتهم لا تُقبل ولذلك الصحيح من قوليّ العلماء أن توبة الزنديق الذي هو المنافق تصح توبته قبل الموت يعني قبل أن يغرغر قال تعالى في نفس السورة ﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ ﴾ ولذلك قال عز وجل ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ ﴾ يعني قبل أن يموت ولكن لو تابوا تاب الله عليهم ومرّ تفصيل ذلك فقال عز وجل هنا ﴿ لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ ﴾ لأن الله عز وجل لا يغفر لأهل الشرك والكفر﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ﴾ ﴿ لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137) ﴾ أي ما كان ليوفقهم إلى الطريق الصحيح الذي به الهداية وبه الخير و به النعيم في الدنيا وفي الآخرة فحاله مثل هذا الرجل الذي آمن ثم كفر هو حاله أن التوبة بعيدة عنه ولا يوفق لها إلا إذا شاء الله عز وجل أن يوفق من شاء ولذا قال عز وجل ﴿ لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137) ﴾ وذلك باعتبار أن الكفرانطبع في قلوبهم وتكرر وزاد .
- ثم قال ﴿ بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) ﴾ سبحان الله ذكر أهل النفاق بعد الآية السابقة لم ؟ لأن المنافقين آمنوا ثم كفروا ولذا ماذا قال تعالى ﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ﴾ إذا من صنف هؤلاء مَن ؟ مِن صنفهم المنافقون ﴿ بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) ﴾ أي عذاب مؤلم .
- ﴿ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ﴾ من صفات هؤلاء ﴿ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ ﴾ أي يتخذون الكفارأحبابا وأصفياء ﴿ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ ﴾ أي أيطلبون ﴿ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ ﴾ يعني النُصرة و القوة ﴿ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139) ﴾ العزة والغلبة والقوة كلها لله عز وجل ويهبها لمن يشاء ولذا ماذا قال تعالى ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ وقال تعالى ﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ ﴾ يعني من أراد أن يطلب العزة و الغلبة والقوة فليطلبها مِن مَن ؟ مِن الله لايطلبها من المخلوقين وهذا الشيء من شأن من ؟ شأن المنافقين لأنهم يتخذون الكافرين أولياء باعتبار ماذا ؟ باعتبار أنهم إذا كانوا معهم كما قال عز وجل في سورة البقرة ﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ ﴾ لأن الله عز وجل قال ﴿ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ ﴾ يعني يريدون أن يظفروا بماذا ؟ يظفروا بمحبة هؤلاء أو بالنفع من هؤلاء الكفار ولذا ماذا قال عز وجل كما سيأتي ﴿ مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ ﴾
ولذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في صحيح مسلم قال : ( إن المنافق مثله كمثل الشاة العائرة التي تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة ) الشاة العائرة يعني الهائمة التي تذهب إلى القطيع هذا وإلى القطيع هذا كما قال الشُّراح من أنها شاة تذهب إلى الفحل الذي مع هذا القطيع ثم تذهب إلى ذلك الفحل الذي مع هذا القطيع لكي يضرب هذا الفحل يضرب هذا الفحل لأنها ما أرادت إلا شهوة نفسها فكذلك المنافق ما يريد إلا شهوة نفسه فقال تعالى ﴿ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ ﴾ ولذا ماذا قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ ﴾ يعني نخشى أن تصيبنا دائرة من دوائر الدهر فنحن نأخذ عندهم الولاية من أجل أننا نكون معهم فيما لو أصابتنا مصيبة من الدنيا ﴿ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139) ﴾
- ﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ ﴾ يعني في القرآن ﴿ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ ﴾ ما الذي نُزّل في الكتاب في القران ؟ قوله عز وجل في سورة الأنعام ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ قال هنا ﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا ﴾ ما الواجب ؟ ﴿ فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ ﴾ هنا دل هذا على ماذا ؟ لو أن الإنسان جلس معهم ولم يُنكر عليهم هنا في مثل هذه الحال يكون معهم ولذا ماذا قال بعدها ﴿ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ۗ ﴾ مثلهم باعتبار أنكم رضيتم بهذا القول ولذا الإنسان حينما يكون في مجلس واذا به منكر وبه معصية فإنه لا يجوز أن يجلس معهم بل ينكر عليهم فإذا لم يُستَجب له فليترك هذا المجلس .
ولذا قال العلماء إذا كان هذا فيما يتعلق بأهل المعاصي قال : فالجلوس مع أهل البدع من أعظم ما يكون من الواجب أن يُفارق هؤلاء ولذا قال تعالى ﴿ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ۗ ﴾ أما أن يجلس الإنسان في مجلس به معصية أو به كفر أو به استهزاء ولا يُنكر هنا يكون مثلهم ، إن أنكر ولم يُستجَب له فليخرج من هذا المكان بل إن بعض العلماء كالحسن قال : مِن أن مَن خاض في مثل هذا فإنه لا يجلس معهم بتاتا حتى لو خاضوا في حديث غيره ويستدل بالآية التي في سورة الأنعام ﴿ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ لكن الصحيح ما بيّناه باعتبار أن سورة الأنعام مكية متقدمة وسورة النساء مدنية وأيضا هنا أمر وهو أن بعض العلماء قال إن هذه الآية كلها منسوخة بقوله تعالى ﴿ وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ ﴾ لكن يُقال النسخ هنا ليس بمقبول لم ؟ لأن سورة الأنعام مكية وهذه مدنية فلا ينسخ المتقدم المتأخر﴿ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) ﴾ يحشرهم جميعا وسيأتي ما ذكره عز وجل من أهل النفاق من أنهم في الدرك الأسفل من النار ﴿ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ ﴾ والعلم عند الله قدم أهل النفاق على أهل الكفر باعتبار أن أهل النفاق ربما من حيث الصورة هم أهل إيمان فلربما أن يُقال من أن هؤلاء هم أخف من هؤلاء وليس بصحيح ولذلك ماذا قال مقدما عقوبة أهل النفاق ﴿ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) ﴾ ثم أيضا ذكر عز وجل ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ﴾ مع أن الكفار في الدرك الأسفل من النار بدليل أنه كما ثبت من أن العباس قال : يارسول الله هل نفعت أبا طالب بشيء ؟ فقال : ( هو في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه ، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار ) مبينا من أن الكفار أيضا في الدرك الأسفل من النار وذلك حتى لايغتر أحد بصفة أهل النفاق الظاهرة فهم كفار في بواطنهم ولذا ماذا قال تعالى عن وصفهم بعد ذلك ؟
- ﴿ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ ﴾ ﴿ الَّذِينَ ﴾ وهم أهل النفاق ﴿ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ ﴾ أي ينتظرون بكم ﴿ الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ ﴾ أي غنيمة ﴿ قَالُوا أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ ﴾ نحن معكم من حيث الظاهر هم معهم حيث الظاهر بمعنى أعطونا كما قال عز وجل لأنهم حريصون على الدنيا ﴿ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا ۖ وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ۖ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ۖ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ۚ ﴾ فهم يطلبونها الغنيمة ﴿ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ ﴾ أي جزء ﴿ قَالُوا ﴾ للكفار وتأمل هنا قال هنا ﴿ نَصِيبٌ ﴾ في حق الكفار وقال في حق أهل الإيمان ﴿ فَتْحٌ ﴾ لم ؟ لأن فتح الله لأهل الإيمان عظيم ومستمر لكن هؤلاء لو انتصروا في بعض الأحيان فإنما هو نصيب من باب الإبتلاء والإختبار ﴿ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ ﴾ يعني أنتم في قبضتنا لكننا كنا معكم في الخفاء ﴿ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ۚ ﴾ أي نثبط أهل الإيمان عنكم حتى حصل لكم النصر ﴿ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ۚ ﴾ سبحان الله تأمل هذه السورة في أوائلها ماذا قال عز وجل عن أهل النفاق ﴿ وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا (72) وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ فتأمل في أوائل السورة وفي ثناياها وفي آخرها فقال هنا عن هؤلاء ﴿ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ ﴾ ﴿ فَاللَّهُ يَحْكُمُ ﴾ بحُكمِه العدل عز وجل بين أهل الإيمان وبين أهل النفاق والكفر ﴿ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141) ﴾ يشمل كل ما قاله المفسرون لن يكون لهؤلاء الكفار على المؤمنين لن يكون لهم سبيل في الآخرة لم ؟ لأن أهل الإيمان في الجنات و أهل النفاق والكفر في الجحيم ولذلك ماذا قال تعالى ﴿ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ۘ وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ﴾ وقال عز وجل في شأن عيسى عليه السلام ﴿ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۖ ﴾ فالغلبة والرفعة والسبيل لأهل الإيمان على أهل الكفر في الدنيا وفي الآخرة ﴿ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141) ﴾ كما هي في الآخرة أيضا في الدنيا لن يكون لهم سبيل ونصر مستمر على أهل الإيمان لا كحال المنافقين الذين يظنون بالله ظن السوء الذي ذكره عز وجل في سورة آل عمران من أن الله لن ينصر هذا الدين وأن الباطل سيُدَال على الحق إدالةً مستمرة .
﴿ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141) ﴾ حتى فيما يتعلق بالحُجة فإنه لا سبيل لهم فإنك إن رايت شخصا يحاجج أهل الإسلام ببدعة أوبهوى أو بكفرٍأو ما شابه ذلك فإنه لن يكون له سبيل وغلبة على أهل الإسلام قال تعالى ﴿ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ﴾ لكن ربما يخوض في مثل هذه الأمور من ليس بأهل من أهل العلم ومن ثَم فإنه حينها إذا حاجج هؤلاء أو تكلم مع هؤلاء دُفِعت ودحضت حجّته لأنه ضعيف لم يطّلِع على ما جاء في الكتاب وفي السنة اطلاعا واسعا ولذلك يقول شيخ الإسلام رحمه الله كما في كتابه درء تعارض العقل والنقل ، قال : ” ما من أحد يأتي بشبهه عند التأمل يكون في شبهته مايُرد به على شبهته ” قال هنا ﴿ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141) ﴾ ولذا فالصحيح من قولي العلماء من أن العبد المسلم لايجوز أن يُباع للكافر حتى لو كان عبدا مسلم لايجوز أن يباع للكافر لم ؟ لما في تسليط شأن الكافر على المسلم فيكون هناك إذلالا له.
- ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ﴾ لمّا ذكر ما يتعلق بصفات المنافقين ذكرهنا ما يتعلق بصفاتٍ لهم وهي صفة الخداع ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ﴾ ومرّ معنا ما يتعلق بإثبات صفة الخداع لله عز وجل لمن يخدع أوليائه في أول سورة البقرة ﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ ﴾ مر ذلك مفصلا . فقال هنا ﴿ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ ﴾ كما قال تعالى ﴿ وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ ﴾ ولذا يقول ابن عباس رضي الله عنهما : ” إذا قمت إلى الصلاة أيها المسلم لا تقم كحال العاجز حتى لا تتشبه بالصورة بحال المنافقين ” ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ ﴾ هذا هو ظاهرهم أما بواطنهم ﴿ يُرَاءُونَ النَّاسَ ﴾ عندهم النفاق عندهم الكفر ﴿ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) ﴾ يعني لا يذكرون الله إلا قلّة خيفة على أنفسهم يذكرون الله في الصلاة التي يأتون إليها ولذا إذا سنحت لهم فرصة في التأخر عن الصلاة تأخروا عنها ألم يقل صلى الله عليه وآله وسلم كما في الصحيح قال : ( أثقل الصلاة على المنافقين صلاة الفجر وصلاة العشاء ولويعلمون مافيهما -يعني من الأجر- لأ توهما ولو حبوا ) وفي حديث آخر قال : ( لو يجد أحدهم عظما سمينا لشهدها ) مما يدل على أن حالهم حال الدنيا ورغبة دنيا ﴿ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) ﴾ حتى لو صلوا إنما صلاتهم هي على عُجالة ولذا في صحيح مسلم قال صلى الله عليه وآله وسلم : ( تلك صلاة المنافق ، تلك صلاة المنافق ، تلك صلاة المنافق ، يرقب الشمس حتى إذا كادت أن تغرب بين قرني شيطان قام فنقرها أربعا يعني الصلاة صلاة العصر لا يذكر الله فيها إلا قليلا )
- ﴿ مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ ﴾ أي عندهم اضطراب بين هؤلاء وبين هؤلاء ﴿ مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ ﴾ ليسوا من أهل الإيمان ظاهرا وباطنا وليسوا من أهل الكفر ظاهرا وباطنا ﴿ مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143) ﴾ هؤلاء أضلهم الله ولن تجد لهم طريقا إلى الهداية ألم يقل قبلها عز وجل ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا ﴾ قال تعالى ﴿ مَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ ۚ ﴾ ﴿ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِهِ ۖ ﴾ فالهداية بيد الله والضلال بيد الله عز وجل لكن العبد محاسب على فعله .
- ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ ﴾ سبحان الله لما ذكر حال من ؟ حال أهل النفاق من أنهم يوالون الكفار﴿ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ ﴾ هنا نهى أهل الإيمان من أن يشابهوا من ؟ أن يشابهوا أهل النفاق ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا (144) ﴾ أتريدون أن تجعلوا لله عليكم حجة واضحة في عذابكم وفي تعذيبكم وإلا فله الحجة البالغة عز وجل في كل شيء لكنه أقام الحجج على العباد كما قال عز وجل في أواخر السورة ﴿ رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ ﴾ فقال هنا ﴿ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا (144) ﴾ أي سلطان واضح وقد قال كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( كل سلطان في القرآن فإن المراد به الحُجّة ) حجة ماذا ؟ حجة العلم إلا في قوله تعالى ﴿ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ﴾ هل هو سلطان المال أو سلطان العلم وعلى كل حال هذه الآيات تبين حال من ؟ حال أهل النفاق ثم بعد ذلك ذكر عز وجل حال أهل النفاق في الدار الآخرة ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ﴾ وللحديث إن شاء الله تتمة وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .