التفسير المختصر الشامل تفسير سورة المائدة من الآية (51) إلى (61) الدرس (83)

التفسير المختصر الشامل تفسير سورة المائدة من الآية (51) إلى (61) الدرس (83)

مشاهدات: 459

تفسير سورة المائدة من الآية (51)-(61)

الدرس (83)

فضيلة الشيخ / زيد بن مسفر البحري

قوله تعالى :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ}

سبحان الله لمّا ذكر ما به صفات منكرة وخبيثة لليهود والنصارى حذّر أهل الإيمان من أن يجعلوا هؤلاء من أن يجعلوهم أحباباً وأصفياء يحبونهم ويوالونهم وينصرونهم قال هنا { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ} تصريح بالنهي بعضهم أولياء بعض اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض إذا كان العدو بالنسبة إليهم هو الإسلام لكن إذا لم يكن الإسلام هو العدو لهم فهم متناحرون ولذا كما قال تعالى {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ}  وكما قال تعالى على القول الآخر {فأغْرَيْنَا} ومرت معنا الآية {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} فقال هنا بعضهم أولياء بعض وهذا يزيد من التنكير عن اتخاذ هؤلاء أولياء بعضه أولياء بعض { وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ{  دل هذا على أنه تنفيرٌ آخر من اتخاذ هؤلاء أولياء  { وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} من أحبهم وحصلت بينه وبينهم مودة ولم يكن ذلك رضاً لدينهم ولا طعناً في الدين إنه لا يكون كافراً فإنه لا يكون كافراً لكنه على ذنب عظيم ولذا حاطب بن أبي بلتعه – رضي الله عنه – لمّا جرى ما جرى من قصته قال : قال يا رسول الله والله لم أرد الكفر بعد الإيمان ولكن هو أراد أن يتخذ عندهم قربى من أجل أن أهله وأن أولاده عندهم وليس له عشيرة ومع ذلك النبي ﷺ قال اتركوه  إلى آخر ما ذكره ﷺ  ولذا قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ۙ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ۚ} وسيأتي معنا ما يتعلق في قصة حاطب – رضي الله عنه – ثم إنه كما ذكر النبي  ﷺ كما ثبت عنه لما أتاه رجلٌ ليقاتل معه وكان مشركاً قال إني لا استعين بمشرك لكن عند الضرورة أجاز جملة من العلماء من أنه يجوز أن يقاتل أهل الإسلام مع هؤلاء من باب الضرورة لتحقيق مصلحة دون الرضا بكفرهم ودون الطعن في دينهم ومن ذلك ما ثبت منه قوله ﷺ عن آخر الزمان ستصالحون الروم صلحاً فتقاتلون أنتم ومعهم قوماً من غيركم فدخل هذا على أنه ليس عند الضرورة يكون القتال مع هؤلاء لتحقيق مصلحة للمسلمين ودفع مضرة لا يكون كفراً خلافاً لما يتوهم إذاً الخلاصة من أن محبة هؤلاء محبة خطيرة جداً فإن الآيات كثيرة في تحريم محبة هؤلاء وجاء التغليظ فيها وهي من الكبائر وصاحبها على خطرٍ عظيم هذا إذا كانت مودةً هكذا لكن إن أضيف مع هذه المودة من أنه يحب الكفر أو أنه رضي بكفرهم أو أنه أراد الطعن في الدين فيكون كافراً كفراً يخرجه عن ملة الإسلام ولعل هذا هو التحقيق في هذه المسألة حتى تنتفي الشبه ومن ثم قال عز وجل {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ    {هنا أيضاً أفاد بهذه الجملة التحذير من محبة هؤلاء فإن هؤلاء قومٌ ظلمة ومن أحبهم فإنه من الظالمين ويوشك أن يمنع الله عزوجل عنه هدايته { إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}{ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} لعل الفاء هنا للسببية فبسبب عدم هداية الله عزوجل للظالمين الذين لم يهدهم بسبب ما وقعوا فيه من الصفات الأخرى ترى الذين من المنافقين { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} تراهم والرؤية هنا الأرجح أنها بصرية بمعنى أنه استبان لكم حقيقة هؤلاء الذين في قلوبهم مرض وهم أهل النفاق { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ}  مرض مرضُ نفاق وهو مرض الشبه ومرض النفاق بخلاف مرض ماذا مرض الشهوة قال عزوجل {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَّرَضٌ} ومر معنا ذلك في أول سورة البقرة  {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا {قال هنا { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} سبحان الله إذا مرض الجسم كيف يكون حال الجسم فما ظنكم بحال القلب إذا مرض فإنه يكون من الوهن والضعف وعدم الإقبال على الله عزوجل ويجمع الصفات الذميمة الخبيثة ولذا هذا هو حال أهل النفاق { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ}{ فَتَرَى ٱلَّذِينَ في قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَٰرِعُونَ فِيهِمْ  {سبحان الله في الآيات السابقات  {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ{ سبحان الله أهل النفاق يسارعون في الكفر وأيضاً يسارعون في محبة الكفار من اليهود والنصارى ومن غيرهم فقال هنا { فَتَرَى ٱلَّذِينَ في قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَٰرِعُونَ فِيهِمْ} قال فيهم باعتبار أنهم أصلاً هم منهم هم كفار لكن هؤلاء انغمسوا في الكفر فيتسارعون في محبة هؤلاء بشتى الطرق التي انغمسوا فيها { يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ} إذا ذكّروا ووعّظُوا أو ذكر بعضهم هذا الشيء لبعض { يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ  {وهي المصيبة وهي المصيبة والأحداث التي تلم بالإنسان { نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ } فنحن نحبهم من أجل لو حصلت لنا ضائقة في الدنيا أو نزلت بنا معيشة فقر أو حالة اقتصادية أو ما شابه ذلك نكون قد اقتربنا من هؤلاء وانتفعنا منهم فدل هذا على أن قلوبهم مرضى بسبب أنهم حصروا ذلك في ماذا حصروا الهمم في الدنيا لأنهم لم يؤمنوا بالآخرة فقال هنا  {نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} فعسى الله عسى إذا أتت من الله عزوجل أو من الرسول ﷺ كما قال بن حجر فهي لماذا فهي واجبة الوقوع وهي متحققة لكن هنا ماذا قال {فَعَسَى اللَّهُ} سبحان الله أطمعهم الله عزوجل حتى يكونوا على رجاء من هم أهل الإيمان حتى يكونوا على رجاء من فضل الله عزوجل  {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ {ما هو الفتح الفتح قال تعالى {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ{ الفتح {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا{فالفتح هنا يشمل {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ} نصرٌ من الله سعةٌ بعد ضيق حكم فاصل بينكم وبين هؤلاء فيكون النصر لكم والعاقبة لكم  {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} أو أمرٍ من عنده الفتح هو أمر من عند الله لكن لماذا هذا التغاير من باب ماذا من باب {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ} أي من الله عزوجل لكن جعلكم أسباباً { أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} يعني ليس لكم في ذلك أي سبب { أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا} من المنافقون على ما أسرّوا ما أخفوه في أنفسهم من الكفر وموالاة الكفار {فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} وهذا اندم ليس عن توبة وإنما عن ماذا عن ذهاب مصالح لهم ووصفهم هنا باسم الفاعل باعتبار أن هذا الندم مستمر معهم باعتبار أنهم فاتتهم الدنيا وفضحهم الله عزوجل وهذا يذكرنا بما صنعه ابن آدم مع أخيه قال عزوجل {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} أيضاً بصيغة اسم الفاعل الذي يدل على البقاء وعلى الاستمرار وبينا أن ندمه هناك ليس ندماً عن توبة وذكر الندم هنا عن أهل النفاق فهو ندم ليس عن توبة {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا} يعني بعد أن يأتي الله بالفتح أو بعد أن يأتي الله بأمر من عنده ماذا يقول أهل الإيمان يقول بعضهم لبعض من باب ماذا من باب تعظيم الله والثناء على الله من أن الله عصمهم فلم يقعوا في مثل ما وقع فيه هؤلاء من المنافقون وأيضاً يتضمن على القول الآخر من أنه أهل الإيمان يقولو لليهود      {أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ۙ} يعني هؤلاء المنافقون الذين أظهروا لكم المحبة وحلفوا بالله أن يناصروكم كما قال تعالى في ما يتعلق بأهل النفاق {وَإنْ قُوتِلتُمْ لَننصُرَنّكُمْ} أين ذلك لكن الأول هو الأظهر ولا مانع من دخول هذا أيضاً في هذا {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ} أي حلفوا بالله ووثقوا يمينهم أشد الميثاق { أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} أي وثقوا يمينهم {أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ۙ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ ۚ} أي من أنهم أهل إيمان من حيث الظاهر لأنهم إذا قالوا أهل الإيمان قالوا نحن مؤمنون أو على القول الآخر {إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ ۚ} أي خطاب لليهود إذا قوتلتم لننصرنكم قال هنا {إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ ۚ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} أي بطلت أعمالهم {حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ} أي أصبحوا أهل خسارة فقد خسروا دنياهم وخسروا أخراهم {حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} هذا يحتمل انه من قول أهل الإيمان ويحتمل انه من قول الله عز وجل ويكون مستأنفاً عن ما مضى {حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ}{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ {لمّا حذّر أهل الإيمان من محبة هؤلاء الكفار ولو لم يكن عن رضا لدينهم ولا لمحبة لدينهم ولا من أجل الطعن في دين الإسلام حذرهم من أن أيّ محبة تصدر من أهل الإيمان لهؤلاء قد تكون سبيلاً إلى أن يرتد المسلم عن دينه فقال هنا { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} خاطبهم بوصف الإيمان حتى يذكرهم بأنهم مؤمنون والواجب عليهم أن يكون لهم تميز عن أولئك فهم أهل إيمان ومنّ الله عليهم بالإيمان { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } إذاً عاقبة الارتداد من الدنيا ما ذكر هنا في أول الآية ذكر عزوجل عاقبة الردّة في سورة البقرة {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ  {هنا ماذا قال { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} يعني يستبدلكم بغيركم كما قال تعالى  {وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ}  وقال تعالى {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم} كما قال تعالى {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ {والآيات في مثل هذا المعنى كثيرة قال هنا { فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} {يُحِبُّهُمْ}   إثبات صفة المحبة لله عزوجل بما يليق بجلاله وبعظمته {وَيُحِبُّونَهُ} إثبات صفة المحبة من المخلوق للخالق ولذلك فيه الرد على من ينكر محبة الله عزوجل فيقول هي الثواب أو إرادة الثواب ويقولون محبة المخلوق لله إنما المقصود منها محبة طاعته فيرد على هؤلاء من أنه عزوجل يحِب ويُحَب محبة تليق بجلاله وبعظمته { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} وقدم محبته لأن من أحبه الله عزوجل وفقه إلى الخير ومن ذلك أن العبدالله يحب الله كما قال النبي ﷺ عند البخاري قال الله عز وجل (ولايزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) فقال هنا  {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} صفة هؤلاء من هم هل هم أهل اليمن هل هم الأنصار هل هم ابو بكر وعمر أقوال والصحيح من أن من انطبقت عليهم هذه الأوصاف ولاشك أن الأنصار وأن ابا بكر وأن عمر وأن المهاجرين يدخلون في هذا الآية فهذه الآية تنطبق على أيّ قوم تنطبق عليهم هذه الأوصاف    { فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} هذه صفه لهم {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}  {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} بمعنى أنهم خاضعوا الجناح لأهل الإيمان من أنهم مع أهل الإيمان أصحاب رحمة كما قال عزوجل{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمُ} {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} فيخضعون بأجنحتهم ولين جانبهم ورحمة في قلوبهم لأهل الإيمان  {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} لكن لماذا أتى بحرف على أتى بحرف على من أجل أن يبين من أنهم أذلة ليس عن ذل وليس عن هوان وإنما هم باعتبار أنهم اصحاب شأن وعلو لكن هم مع إخوانهم رفقاء رحماء حتى لا يظن ظان من أنهم أصحاب ذل وهوان لا وإنما الذلة هنا قال {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} أذلة مع رفعة وليست مع هوان ولذلك حتى لا يظن من أنهم أصحاب هوان و خور وضعف قال أعزةٍ على الكافرين بمعنى أنهم أصحاب منعة وقوة على الكفار كما قال عزوجل {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمُ}  لكن لماذا أتى بحرف على كما قررها أيضاً أتى بحرف على لأنه يتضمن العطف والحنو يعني {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}  يتضمن الحنان والعطف على المؤمنين كما تقول اعطف على فلان أو احنو على فلان {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} من صفاتهم يجاهدون في سبيل الله أي لإعلاء كلمة الله ويشمل هذا الجهاد جهاد الأعداء وجهاد من أهل البدع وأهل الأهواء وأهل الكفر كما قال عزوجل سبحان الله في الآيات السابقات كما مر معنا في هذه السورة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} فقال هنا يجاهدون في سبيل الله دل هذا على أن على أن هؤلاء أذلة ليست ذلة عن خور {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ومع ذلك من الصفات {وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ} لأنهم إذا أقاموا الشرع تأتيهم الملامات من القريب ومن البعيد قال  {وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ} أي لومة وأي عتب ولذلك أفرادها باعتبار ماذا باعتبار أنهم لا تأخذهم لومة لائم مهما قلّت هذه اللومة أو عظمت { وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ} أي ما مضى من الصفات ماهي بحول الإنسان ولا بقوته وإنما فضل من الله { ذَٰلِكَ} أي ما أُعطوا هؤلاء من الصفات { فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ} وأعظم فضل أن يتفضل الله عليك بطاعته وبهذه الصفقات الطيبة التي يحبها عزوجل ولذلك قال هنا {ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} واسع الفضل واسع العطاء واسع الرحمة واسع المغفرة وعليم بمن يستحق تلك الصفات ممن لا يستحقها فهو عزوجل أحاط بكل شيءٍ علماً ومن ثم فعلى العبد أن يحرص على أن ينظف قلبه وعلى أن يطهر قلبه حتى يوفقه الله عزوجل لهذه الصفات الطيبة قال {ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ} سبحان الله هذه الولاية التي تنفع هذه الولاية التي تنفع ليست ولاية من ليست ولاية اليهود والنصارى  { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ} {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ}

أي وليّكم الذي يتولاكم والذي ترجونه وتدعونه والذي يأتيكم بالخير هو الله هو وليّكم كما قال تعالى { اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ{

قال هنا {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ} وحصرها بإنما {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا {فرسول الله ﷺ هو من يقف معكم وهو من يعاضدكم وكذلك أهل الإيمان والرسول ﷺ باعتبار ما كان في حياته وقال هنا  {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ} ولم يقل أوليائكم بصيغة الجمع لما لأن من تولاه الله فسيتولاه رسول الله من باب التبع وسيتولاه من أهل الإيمان {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} صفة هؤلاء المؤمنين الذين يناصروكم صفاتهم ماذا{ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} وهم راكعون ليس الركوع على الصحيح ليس الركوع الذي هو الانحناء من حيث الهيئة لا وإنما هو الخضوع والخشوع فهي جملة حالية تعود على الفعلين السابقين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وأتت بصيغة الفعل المضارع باعتبار ماذا باعتبار أنهم أصحاب مداومة واستمرار هي حال من هؤلاء يعني يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة على صفة خشوع وخضوع وإخلاص لله عزوجل لا من أجل غيره وأما القول الذي يقول {وَهُمْ رَاكِعُونَ} بمعنى الركوع المعروف وهي جملة حالية تعود إلى ويؤتون الزكاة من أن المقصود هو علي رضي الله عنه كان راكعاً في صلاته ثم أتى مسكين فتصدق عليه بخاتمه فكانت هذه الآية لعلي فالأسانيد الواردة في هذه القصة كلها أسانيد  لا تثبت عن النبي ﷺ   ولم تصح عن علي رضي الله عنه ولو كان كما قالوا لدلّ هذا على أن الصدقة حال الركوع أفضل من حالةٍ أخرى ولم يقل بهذا أحد من أهل العلم المعتبرين فقال هنا {وَهُمْ رَاكِعُونَ} حال من ماذا يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة {وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} فهو عزوجل لمّا ذكر من أن الولاية تكون من الله لأهل الإيمان بيّن أن الولاية تكون من أهل الإيمان لله ولرسوله ولأهل الإيمان فقال هنا {وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ} أي من ينصر دين الله وشرع الله ومن يحّكم شرع الله ومن يتولى الله ورسوله يتولى الرسول ﷺ باتباعه والسير على طريقته من غير ابتداعٍ في شرع الله عزوجل  {وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} بمعنى أنه ينصر أهل الإيمان قال هنا {وَمَن يَتَوَلَّ} هنا اسم شرط يتطلّب جواباً الجواب يدل عليه ما بعده { فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} هذا هو الجواب ويتضمن ماذا {وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} فهو من حزب الله وحزب الله هم الغالبون قال        { فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} كما قال تعالى { إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} ولذا قال عزوجل { أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} والحزب هم الجماعة الذين اجتمعوا على أمر ولا أعظم ولا أطيب من أن يجتمع أهل الإيمان على الخير كما يقال للقوم تحزّبوا على الشيء يعني اجتمعوا عليه { فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} وقال هنا هم مؤكداً من أن الغلبة لهؤلاء وهم حزب الله وقال الغالبون باسم الفاعل مما يدل على أن الغلبة تكون لأهل الإيمان فإنهم وإن حصل لهم ما حصل لهم من هزيمة فإنما هو ابتلاء واختبار ولكن العاقبة لأهل الإيمان قال عزوجل هنا { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ} سبحان الله لمّا نهى أهل الإيمان من موالاة ومحبة اليهود والنصارى بيّن هنا أن اليهود والنصارى وكذلك الحكم لا يصدق عليهم فقط وإنما يتعدى إلى غيرهم فكل كافرٍ يحرم أن يُحَبْ من قِبَل المسلم وبيّن أن صنيع هؤلاء يستلزم منكم كما هو أمر الله يستلزم منكم أن لا تحبوا هؤلاء لأنهم فعلوا بينكم ما فعلوه ما هو قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ} دينكم الذي تحبونه والذي تدافعون عنه والذي هو مصدر عزكم هؤلاء فعلوا ما فعلوا فقال هنا { الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا} يعني استهزاءً وسخرية {ولعباً} بمعنى على وجه العبث بمعنى أنهم يقولون في هذا الدين ما يقولونه استهزاءً وعبثاً ولعباً من هؤلاء { مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ} وهم اليهود والنصارى {وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ} أيضاً {ولاَ تتخِذُوا الْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} أمرهم بتقوى الله إن كانوا  أهل إيمان لأن من هو من أهل الإيمان يكون متقياً لله ومن التقى ومن التقوى لله ألاّ يتخذ هؤلاء أولياء وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذها هزواً ولعباً لمّا بيّن من أنهم اتخذوا دينكم هزواً ولعباً بين أن هؤلاء اتخذوا أعظم شعيرة في دينكم اتخذوها هزواً ولعباً وهي الصلاة {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} وهذا يدل على ماذا يدل على أن هذه الآية تبين مشروعية الأذان{ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا} بل إن بعض العلماء قال ليس في القرآن آية تدل على الأذان إلا هذه الآية أما قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ} فهي مخصوصة بيوم الجمعة لكن ليس هناك دليل من القرآن كما قال بعض العلماء دليل من القرآن على الأذان لبيان فضله لجميع الصلوات إلا هذه الآية في هذه السورة {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا   {أي سخرية بمعنى أنهم يقولون الأقاويل فيها أو أنهم يتلفظون بالألفاظ غير المناسبة أو أنهم يضحكون أو ما شابه ذلك مما ذكره أهل التفسير {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ} صنيع من يفعل بهذه الصلاة هذا الصنيع صنيع من عاقل أم سفيه؟ سفيه فدل على أنهم مع أنهم أهل كتاب إلا أنهم أصحاب سفه لأن العبرة ليست بالعلم العبرة بالعلم مع تطبيقه { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} {ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ} { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا} اليهود قالوا بمن تؤمن يا محمد من الرسل؟ فذكرهم وذكر معهم عيسى فقالوا ما نرى أهل مِلّه أشر من ملتكم ولا دين أشر من دينكم فأنزل الله في هذه الآية {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} قل يا محمد لأهل الكتاب {هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا} يعني هل تنكرون منا {إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ} يعني ليس لكم إنكار ونقمة علينا إلا لأننا نؤمن بالله وما أنزل يعتبر أن هذا يكون محل الاحترام والتقدير والشرف لكن أن يُجعل الإيمان بالله وبالرسول محل نقمة منكما علينا ومحل إنكار هذا يدل أيضاً على مزيد سفه هؤلاء {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا} أي القرآن {وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ } أي الكتب السابقة {وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ} دل هذا على ماذا على أنكم بهذا القول وبهذا الصنيع من أن أكثرهم فسقة وبعضهم لم يتصف بهذه الصفات وهذا يدل على إنصاف وعدل مما يدل على أن الإنسان يكون منصفاً وعدلاً مع الآخرين قال {وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ} وهذا يدل على ماذا يدل على أن أهل الإيمان يؤذَون ويخرَجون من ديارهم بسبب أنهم آمنوا بالدين قال تعالى {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ {وقال عزوجل عن الكفار {وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ} إلى غير ذلك من الآيات المتعلقة بهذا الأمر {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم} قل يا محمد لهؤلاء من باب التنزّل معهم في الحجة {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم} أي أخبركم {بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ} أي بِشَر مما ذكرتموه من أننا أشر مِلّه وأن ديننا أشر الأديان وليُعلَم أن الدين ليس به شر وإنما هو عين الحق لكن هذا من باب ماذا التنزّل معهم في الحجة {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً} أي جزاءً والثواب هنا يطلق على العقاب لأنه في الأصل يطلق على الجزاء والنعيم هنا على العقوبة كما قال تعالى {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ} أي جزاءً وعقاباً عند الله الجواب {مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ} لم يقول من لعنكم لأن هذه الصفات فيهم  {مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ} أي طرده عن رحمة الله {مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ} كما فعل بأسلافهم {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} أي يعبد الطاغوت كما قال عزوجل كما مر معنا في سورة النساء {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ}  {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَٰئِكَ} من لهم هذه الصفات {شَرٌّ مَّكَانًا} وافعل التفضيل هنا ليس على بابه لأن أهل الخير النبي ﷺ ليسوا على شر {أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا} أو يكون على بابه فيكون {شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ} باعتبار غيرهم من الكفار ممن هو أقل منهم في الإجرام والأول أظهر والعلم عند الله وهذا محتمل أيضاً {أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا} وصف الشر هنا لهم أو بالمكان؟ بالمكان لأن المكان الذي هم فيه إذا امتلأ بالشر فصاحبه صاحب شر مما يدل على أن هؤلاء امتلؤوا بالشر حتى امتلأت امكنتهم  {أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ} أي عن وسط الطريق المستقيم {وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا} من المنافقون من اليهود كما مر معنا من أن النفاق في اليهود {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ} هنا بين نوعاً من أنواع نفاقهم قال هنا {وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَد دَّخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ} يعني يدخلون وقد تلبّسوا يدخلون على النبي ﷺ وعلى أهل الإيمان وهم متلبّسون بالكفر وخرجوا منه وهم متلبّسون بالكفر قال هنا {وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَد دَّخَلُوا بِالْكُفْرِ} أي متلبّسين بالكفر الباء في الكفر للملابسة {وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ} سبحان الله قال هنا باختلاف الاسلوب في الدخول وفي الخروج {وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَد دَّخَلُوا} دخلوا فعل ماضي لكن أتى بقد لأن قد يقرب من الحال بمعنى أن هؤلاء لمّا دخلوا عليكم دخلوا وهم في حالة ماذا كفرٍ ماضِ وكفرٍ حاضر {وَقَد دَّخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ} قال وهم أتى بكلمة هم { وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ} مما يدل على أنهم لمّا خرجوا خرجوا بكفرٍ أعظم لا لأن ما قلت لهم يا محمد إنما هو كلام لا يفيد أو أنه كلام يضر لا كلامٌ يفيد القلوب لكن هؤلاء حالهم كما ذكر عزوجل { قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضًا} وكما قال تعالى {وَإِذَا مَا أُنزلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا  فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ  وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} فدل هذا على أنهم دخلوا إليك وهم كفار واستمعوا إليك المواعظ والفوائد والأحكام ومع ذلك ما زادتهم إلا طغياناً ولذلك ماذا قال عزوجل كما سيأتي معنا في آيات {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَٰنًا وَكُفْرًا} فقال هنا { وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِۦ ۚ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ} قال {وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ} بما كانوا فعل ماضِ مما يدل على أنهم في ما مضى أصحاب كفر {يَكْتُمُونَ} أي أنهم مستمرون سبحان الله ما أعظم القرآن أتى بفعلين كانوا ويكتمون كانوا فعل ماضِ يكتمون فعل مضارع يدل على الاستمرار قال {وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ } في ما مضى و{ يَكْتُمُونَ} فيما يتعلق بالحال وفيما يتعلق بالمستقبل و قال هنا {بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ} لمّا ذكر عزوجل حال أهل النفاق في غزوة أحد كما مر معنا في سورة آل عمران والله أعلم الحكمة من ذلك لمّا قال عزوجل لمّا أتاهم والد جابر  {قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّٱتَّبَعْنَٰكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَٰنِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَٰهِهِم مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ ۗ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ} والعلم عند الله لم تأتي كلمة كانوا مع أنهم أصحاب نفاقٍ سابق باعتبار الحال التي هم فيها فأنهم نطقوا في مثل هذه الحال وهي حال غزوة أحد وما جرى منهم من الفرار فقال هنا {وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ} مع أنهم في سابق أمرهم أصحاب نفاق.

وإلى الحال تتمة إن شاء الله وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.