التفسير المختصر الشامل تفسير سورة المائدة من الآية (94) إلى (105) الدرس (87)

التفسير المختصر الشامل تفسير سورة المائدة من الآية (94) إلى (105) الدرس (87)

مشاهدات: 455

تفسير سورة المائدة الدرس 87

من الآية 94  إلى الآية  105

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري    حفظه الله

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ ﴾ سبحان الله ذكر الصيد هنا ما أعظم القرآن سبحان الله القرآن عظيم، لما ذكر في أول السورة ما يتعلق بالمحرمات من الأطعمة ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ﴾ ذكر بعدها   ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَاعَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ ﴾ ذكر مايتعلق بالصيد وهنا لما ذكر مايتعلق بالمحرمات من تلك الأطعمة ذكر هنا ما هو محرمٌ من هذا الصيد، قال   ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾  ناداهم بوصف الإيمان لأن من كان مؤمناً فإنه يقبل أحكام الله عزوجل ويترك ما يُسخط الله عزوجل. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ ﴾ أي ليختبرنكم ﴿ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ ﴾ هذا كما قالوا في الحديبية فإنهم كانوا محرمين ومع ذلك الصيد أمامهم وبإمكانهم أن يأخذوا فراخ هذا الصيد والكبار منه بأيديهم وأن يصلوا إليه بالرماح ومع ذلك ابتلاهم الله عزوجل فقال ﴿ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ ﴾ بشئ هنا التنكير هل هو للقلة؟ بمعنى أن هذا ابتلاء قليل فإذا لم تثبتوا عند هذا الإبتلاء لن تثبتوا عند ما هو أعظم منه وقيل إن التنكير هنا للتعظيم لأن هذا أمر عظيم لحاجتهم إلى الصيد فهنا قال             ﴿ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ ﴾ تناله أيديكم أي تصل إليه أيديكم من غير تعب ﴿ وَرِمَاحُكُمْ ﴾ ذكر الرماح لأنها في الغالب هي التي يُصاد بها وإن كان الصيد قد يحصل بغيرها ولعل ذكر الرماح هنا تدل على الرمي بمعنى أن معظم ما يكون الصيد به إنما يُصاد بالرمي، ﴿ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ هوالعالم عزوجل من حيث الأزل عالم بما سيفعله الإنسان، لكن هنا علم يترتب عليه الجزاء والحساب ليظهر الصابر من غير الصابر،   ﴿ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ أي ليعلم الله من يخاف الله وهو لم ير الله وذلك من باب تعظيم الله عزوجل، ولذا في الصحيح لما ذكر النبي ﷺ قال ” إن ملائكةً يلتمسون الطرق فإذا رأوا أناساً مجتمعين على الذكر قالوا هلموا فإذا بهم يحفُّونَهم إلى السماء الدنيا فإذا عرجوا إلى الله فيسألهم الله عزوجل وهو أعلم عزوجل فيقول ماذا تركتم عبادي قالوا تركناهم يحمدونك ويسبحونك ويمجٍّدونك فيقول الله عزوجل كيف لو رأوني فقالت الملائكة لو رأوك (وهذا موضع الشاهد) لكانوا أكثر لك تمجيدا وتحميدا وتسبيحا “

فقال هنا ﴿ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ويدخل في ذلك أيضاً قول من يقول – ولا تعارض بين القولين- قول من يقول ﴿ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ بمعنى أن من كان في خفاء عن الناس يعلم الله عزوجل حاله، لأن بعضاً من الناس إذا كان عند الناس فإنه يتورع لكن في الخلاء فإنه لا يتورع ﴿ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ومن ثم فإن هذا ابتلاء عظيم ومع ذلك قال عزوجل هنا ﴿ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فمن تجاوز بعد تلك النواهي فله عذاب أليم أي مؤلم لأنه خالف أمر الله عزوجل وخالف شرع الله، سبحان الله الصحابة رضي الله عنهم فإن الله عزوجل لما قال لهم في شأن الخمر ﴿ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ فإنهم انتهوا مع حبهم الشديد الذي اعتادوا عليه للخمر. هنا الصحابة رضي الله عنهم امتثلوا هذا الأمر فإنهم لم يصيدوا وذلك باعتبار أنهم محرمون وهذا يدل على عظم وفضل صحابة النبي ﷺ، وتأمل الفرق العظيم والبون الشاسع صحابة النبي ﷺ الصيد بين أيديهم ومع ذلك كفوا عنه خوفاً من الله، بنوا اسرائيل لما حُرم عليهم الصيد احتالوا فإنهم صنعوا ما صنعوا كما ذكر الله عزوجل في قوله ومر معنا     ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾ هنا ذكر مايتعلق بشأن وأحكام الصيد، إذا كان الإنسان محرماً أو كان غير محرم لكنه في الحرم ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ﴾ أي المصيد ﴿ لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ﴾ حتى لو صاده بأي طريقة من غير أن يذبحه كأن يصيده بأي حالة من الحالات أو أنه مثلاً يشير إلى محلٍ أن يصيده أو ما شابه ذلك من هذه الأشياء فإنه يكون مُحرَّماً عليه، وقال ﴿ لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ﴾ قال لاتقتلوا دل هذا على أن المحرم أو المحل إذا صاد صيداً في الحرم وذبحه بقطع الحلقوم والمرئ والودجين فإنه يكون ميتة لأنه وصف هذا الصيد بالقتل قال ﴿ لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾ وهذا الصيد تفسيره هو الصيد المأكول البري أصلاً، يعني هو صيدٌ يؤكل وهو بري من حيث الأصل يعني من حيث الأصل يعيش في البر، فمن صاد غزالاً أو ما شابه ذلك فإن هذا هو المقصود وهذه الآية وضحتها بتفصيلٍ دقيقٍ شامل لي في درسي في مسائل الحج في تفصيل عظيم من أراد الرجوع إلى تلك الدروس فإنها موجودة وتفيد طالب العلم لكني أمرُّ على هذه الآية فيما يتعلق بأحكامها على وجه الإختصار.  ﴿ لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾ كلمة وأنتم حرم تشمل المنع من الصيد حال الإحرام وفي الحرم وحال دخول الأشهر الحرم، لكن الصيد في الأشهر الحرم – والأشهر الحرم ماهي؟ ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب – هذه بإجماع العلماء يجوز الصيد فيها. إذاً المحرم أن يصيد الإنسان وهو محرم أو إذا كان في الحرم. ﴿ لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ  قال ومن قتله منكم مهما كان هذا الشخص ﴿ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا ﴾ دل هذا على أن المخطئ والناسي لاجزاء عليه هذا على الصحيح من قولي العلماء لدلالة آخر الآية ﴿ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ فدل هذا على أن المخطئ والناسي لايترتب عليه ما ذُكر في هذه الآية، وبعض أهل العلم قال حتى لو كان مخطئاً أو ناسياً فإنه لا إثم عليه لكن يلزمه الفداء فيقولون ﴿ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا ﴾ أي متعمداً للصيد ناسياً لإحرامه فإنه لا إثم عليه لكن عليه الفدية والصحيح ما قدمناه. ﴿ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ ﴾ فجزاءٌ أي فعليه جزاءٌ، جزاء مبتدأ لخبر محذوف فعليه جزاءٌ ﴿ فَجَزَاءٌ مِثْلُ ﴾ مثل هنا صفة للجزاء ﴿ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ بمعنى أنه إذا قتل صيداً فإنه يلزمه مع التوبة أن يذبح مايماثله من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم الذكر منها والأنثى فيلزمه مايشابه ذلك والشبه يختلف إما باختلاف الحجم ولذلك النعامة حكم بها الصحابة بأن بها بدنة من حيث الحجم، من حيث الصفة، الصحابة رضي الله عنهم حكموا في الحمامة بأن بها شاة لم؟ لأنهما تشتركان في صفة الشرب فهما يعبان الماء عبا، فهما مشتركان من حيث الصفة والصحابة رضي الله عنهم حكموا في مثل هذه الأمور﴿ فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ لكن إن لم يكن له مايماثله من بهيمة الأنعام كالعصفور مثلاً فإنه حينها يُخرج قيمته تلك القيمة يشتري بها طعاما ذلكم الطعام يُصرف لفقراء الحرم إذا لم يستطع الإطعام أو أستطاع الإطعام وأراد أن يصوم فإنه يصوم عن مُدٍ يوماً وقيل يصوم عن كل نصف صاعٍ يصوم يوما إما أن يكون يوماً عن مُد أو يكون اليوم عن نصف صاع، على خلاف بين أهل العلم. قال هنا ﴿ فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ وهذا هو القول الصحيح خلافاً لأبي حنيفة الذي قال: ” إن التقويم – إذا مثلاً صاد حمامة – فإن التقويم يكون للحمامة ولا تقوَّم الشاة ” وهذا ليس بصحيح.                                             ﴿ فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ﴾ أي بهذا ﴿ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾ أي أصحاب عدل وأيضاً أصحاب خبرة ﴿ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ﴾ هذا الهدي يبلغ إلى الكعبة وليس المقصود الكعبة لأن الكعبة في المسجد المقصود الحرم بالإجماع ﴿ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ﴾ بمعنى أن هذا الفداء يوَزع على فقراء الحرم ﴿ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ﴾ بمعنى أن هذا الشئ الذي له مثيل – مثلاً الحمامة قلنا فيها شاة – ماذا يصنع إذا لم يرد أن يذبح الشاة؟ يقَّوم هذه الشاة في محله وفي مكانه فيخرج عنه بهذه القيمة طعاما أو يصوم عن كل مُد أو نصف صاع يصوم يوما ﴿ أَوْ كَفَّارَةٌ ﴾ وهذا على الصحيح يدل على أن الإنسان مخيرٌ بين هذه الأشياء، ﴿ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ ﴾ سبحان الله عند التأمل قال هنا ﴿ طَعَامُ مَسَاكِينَ ﴾ لما ذكر فدية الصوم قال ﴿ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ولم يقل مساكين والعلم عند الله لعل الجمع هنا باعتبار أن مثل هذا الصيد من حيث الغالب إنما لا يُقصَر به على مسكينٍ واحد لم؟ لأنه سيكون أكثر من حيث الحجم إن كان من بهيمة الأنعام أو من حيث القيمة إذا أشتُري الطعام فلعل هذا من باب الأغلبية ﴿ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ﴾ أي مثل ذلك وهنا فائدة لغوية إذا قيل عَدل المقصود أنه مثيله من غير جنسه كما هنا، وإن قيل عِدل بكسر العين أي من أنه مثيله من جنسه ﴿ أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا هل الصيام مثيل من حيث الجنس للإطعام؟ الجواب لا ﴿ أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ ﴾ أي عدل ذلك من الطعام ﴿ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ۗ﴾ والصوم يجوز في أي مكان ولا يحدد بمكة ولا بالحرم ﴿ أَوْعَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ ﴾ أي لينال ويتألم ﴿ وَبَالَ أَمْرِهِ ۗ﴾ أي عاقبة فعله وإثمه الذي فعله في مخالفة هذا الحكم ﴿ لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ۗ﴾ أي عاقبة أمره مما صنع      ﴿ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ أي ما مضى قبل أن يأتي هذا التحريم أو بيان الحكم فإن الله عزوجل يعفو عنه، ﴿ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ۗ من عاد فخالف هذا الحكم فينتقم الله منه وهذا يدل على أن من فعل الذنب لا يأمن من عقوبة الله عزوجل لأنه قال ﴿ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ۗ وكلمة ﴿ وَمَنْ عَادَ ﴾ تدل عل الإصرار وهذا يدل على خطورة الإصرار على الذنب، فإن الإصرار عليه سيكون الإنسان معرضاً نفسه لعقوبة من الله عزوجل إن لم يرحمه.                     ﴿ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ هو عزيز قوي غالب لايُنال بسوء وينتقم ممن ظلم ومن أعظم الظلم أن يظلم الإنسان ما يتعلق بشرع الله عزوجل ومن أعظم ذلك الشرك بالله عزوجل ﴿ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾.                                                      ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ۖ هنا لما ذكر ما يتعلق بصيد المحرم وصيد الحرم ذكر مايتعلق بصيد البحر، فصيد البحر حلال للمُحل وللمحرم قال ﷺ كما في المسند والسنن كما ثبت عنه لما سُئل عن ماء البحر قال ” هو الطهور ماؤه الحل ميتته ” قال  ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ﴾ طبعاً الذي أحل هو الله عزوجل ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ ﴾ يعني أحل لكم الصيد منه والطعام، ما هو الطعام؟ قيل هوالمملح وأما الصيد فهو الطري وقيل الصيد هو الصيد الحي ﴿ وَطَعَامُهُ ﴾ يعني ما طاف على الماء وبرز مما هو ميت من البحر، وقيل صيد البحر أي من أن قوله ﴿ وَطَعَامُهُ ﴾ أي تطعمون منه لم؟ لأن صيد البحر قد يكون لأغراض غير الأكل وغير الطعام. على كل حال جميع الأقوال لا تعارض بينها وتدخل في الآية. ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ۖ أي تستمتعون به أنتم ﴿ وَلِلسَّيَّارَةِ ۖ يعني المسافرين فمن نعمة الله عزوجل أن أباح لكم صيد البحر حال إقامتكم وحال سفركم.           ﴿ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ۗ وقال هنا البر من باب بيان أن الصيد الذي يَحرُم هو الصيد المأكول البري أصلاً يعني من حيث الأصل، ولذا لو أن بعيراً شرد وأصبح متوحشاً فإنه إن صِيد فإنه لايكون صيداً لم؟ لأن أصله ليس من البر،﴿ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ﴾ هل هو الصيد هنا بمعنى الصيد الحيوان إن قيل بذلك فإنه لايجوزعلى قول بعض أهل العلم لايجوز للمحرم مطلقاً أن يأكل منه ولو لم يَصده هو وإن قيل ﴿ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ﴾ يعني مصدر يعني الفعل فإنه يجوزإذا صاده إنسان لا من أجل المحرم فإنه يكون حلالاً له وهذه المسألة على الرأي الراجح والصحيح من أن الصيد إذا صاده المحرم فهو حرام عليه فهو ميتة لو صاده حلال وأراد أن يُطعمه محرماً فيجوز بشرط أن هذا المحرم لم يكن سبباً من أسباب صيده كأن يدله عليه أوأن يشير عليه وبشرط أن هذا المُحل لم يصده من أجل المحرم، ومما يدل على ذلك أن النبي ﷺ أكل منه لما لم يُصد له، ولما أتى إلى الصعب ابن جثامة وأعد له صيداً فالنبي ﷺ لم يأكل منه قال ” إنا لم نرده عليك إلا لأنا حُرُم ” لأن الصعب صاده من أجل النبي ﷺ.        ﴿ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ۗ أي وقت إحرامكم بعد الإحرام فلا جناح في ذلك. ﴿  وَاتَّقُوا اللَّهَ أمر بتقوى الله في جميع الأحوال. ﴿ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ.سبحان الله لماذا ذكر الحشر هنا؟ للتذكير من أن من يكون محرماً فإنه ذاهب إلى عمرة أوإلى حج ولا سيما الحج الناس يُحرمون بهذا الإحرام ويجتمعون ذلك الإجتماع فالتذكير بذلك الجمع يذكر بالجمع الأعظم ومرمعنا نظيرها في سورة البقرة ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ  فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ  لِمَنِ اتَّقَىٰ  وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ دل هذا على أن ذكر التقوى مع الحشر جاءت فيما يتعلق بالإحرام للتذكير بيوم القيامة.                                                                                                  ﴿ جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ ﴾ ﴿ جَعَلَ اللَّهُ أي شرع أو خلق كما اختلف العلماء في ذلك ﴿ جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ﴾ ﴿ الْبَيْتَ الْحَرَامَ بيان للكعبة وذلك بأن الكعبة هي بيت معظم       ﴿ جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ أي تقوم به أحوالهم ومصالحهم جعلها عزوجل وشرعها من أجل أن تقوم مصالحهم الدينية والدنيوية بهذه الأشياء ﴿ جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ ﴾ ﴿ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ أي الأشهر الحُرُم وقيل شهر ذي الحجة وقد مر معنا توضيح ذلك في أول السورة ﴿ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ۚ﴾ سبحان الله أول السورة ماذا قال عزوجل ناهياً عن التعدي على هذه الأشياء ﴿  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ ﴾، هنا في آخر السورة بيَّن الحكمة من تعظيم هذه الشعائر ما الحكمة؟ من أن الناس تقوم مصالحهم الدينية والدنيوية كيف؟ يأتون إلى بيت الله الحرام وتكون هناك مصالح يزدادون من الإيمان والحسنات أيضاً يتعارفون فيما بينهم هذه مصالح دنيوية مايحصل من تجارة وما شابه ذلك ﴿ جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ سبحان الله ذكر هنا مايتعلق بالزمن الشهر الحرام الأشهر الحرم ذكرناها قبل قليل وهي ذو القعدة، ذو الحجة، محرم، ورجب فذكرعزوجل هذه الأزمان لما ذكر قبلها المكان ولما كان المكان – وهو الكعبة – ولما كان المكان وهو الكعبة لايستطيع كل أحد أن يصل إليه لكي يأمن فيه ذكر زمناً من الأزمان حيث ينطلق الناس في تجارتهم، ولذا في الأشهر الحرم لو رأى القاتل قاتل أبيه ما تعرض له، فدل هذا على أن بهذا تقوم مصالحهم الدينية والدنيوية من الإنتقال بتجارتهم أيضاً الذهاب إلى الأماكن التي شرع الشرع الذهاب والسفر إليها كالحرم المدني والمسجد النبوي والمسجد الأقصى والمسجد الحرام فقال هنا       ﴿ جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ﴾ مرتعريفها في أول السورة  ﴿ ذلك﴾ أي ماجعله لكم ﴿ ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ﴾ يعلم مافي السماوات وما في الأرض وممن في الأرض أنتم وهو عالم بحالكم وما تحتاجون إليه وما هو أصلح لكم من حيث الأحكام فشرع هذه الأحكام، ثم لما ذكر من أن علمه محيط  بالسماوات والأرض عمم ﴿ ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.ثم قال ﴿ اعْلَمُوا ﴾ من باب التنبيه والتحذير﴿ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.جمع بين الترغيب والترهيب ثم قال اعلموا من باب التنبيه لأن هناك ربما من يعتدي على ما سبق مما جعله محرما فقال هنا ولعل تقديم شديد العقاب يدل على خطورة الإعتداء على ماسبق مما شرعه الله عزوجل ﴿ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.﴾ ﴿ مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ فالرسول ما عليه إلا البلاغ والتوضيح فمن خالف فإنما يجني على نفسه ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ﴾ فالله عزوجل يعلم ماتبدون أي ما تظهرون وما تكتمونه مما يكون في بواطنكم ومن ثم فإنه في مثل هذا الأمر يحذر المسلم من عقاب الله عزوجل ﴿ قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ ﴾ قل يامحمد ﴿ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ﴾ الخبيث هو المستخبث القذر والطيب هو ما استطاب وهذا يشمل كل شئ على الصحيح من أقوال العلماء يجمع كل ما قاله العلماء ﴿ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ ﴾ من الأقوال ومن الأعمال ومن العقائد لايستوي هذا الخبيث مع الطيب فالطيب يشمل ما طاب من الأقوال والأعمال والعقائد ﴿ قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ ﴾ من حيث الظاهر ولذا ماذا قال عزوجل كما مر معنا في سورة البقرة ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ﴾ لأن هذه الأمَة المؤمنة من الطيبات وتلك المرأة المشركة من الخبائث ولذا ماذا قال عزوجل ﴿ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ ﴾ الآية. فقال هنا ﴿ قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ ﴾ لو أعجبك كثرة الخبيث من حيث المظهر حتى لو رأيت أهل الباطل قد عَلو وما وصلوا إليه من مكانة في الدنيا من مال ومناصب وماشابه ذلك وما وصلوا إليه من شهرة وأتباع فإن مثل هذا يزول ولذا ماذا قال عزوجل ﴿ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً إذاً إذا كان لايستوي الخبيث ولا الطيب فإنه والحالة هذه احذر من أن تغتر بالخبيث ولو كثر من حيث ظاهره، ولذا ماذا قال بعدها ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ أمرهم بتقوى الله حتى لا ينخدعوا بالخبيث والخبائث وأهل الخبث ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ يا أصحاب العقول النيرة ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ لعلكم تفلحون إذاً الفلاح إنما هو بتقوى الله ومن تقوى الله أن يحرص الإنسان على الطيب من القول ومن الفعل ومن العقائد وماشابه ذلك مما هو طيب ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ والطيب من تقوى الله يوصل إلى الفلاح في الدنيا وفي الآخرة، والفلاح حصول المطلوب وزوال المكروه فما يعجبك من كثرة الخبيث فإنه يذهب زبداً ويتلاشى. ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ لا تسألوا عن أشياء إن تبد أي تظهر لكم هذه الأشياء تسؤكم أي فيها ما يسوءكم وهذا يشمل السؤال عما لا فائدة ولا طائل من وراءه، لما سأل بعض الصحابة النبي ﷺ من أبي؟ قال أبوك فلان هذا السؤال لو بدا لأنه يخشى أن تكون أمه زانية لو بدا له خلاف هذا الجواب ماذا سيكون؟ يكون إساءة له، أيضاً يدخل في ذلك من أن الشرع إذا بيَّن الحكم فلا يسأل الإنسان زيادة على ما بُيِّن له ولذلك النبي ﷺ كما عند مسلم لما قال ” إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا فقال رجل أكلَّ عام يارسول الله؟ قال لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ” أيضاً ترك الأسئلة التي لايستفيد منها الإنسان في عبادته، ترك الأسئلة التي يكون بها ما يُبحَث عن الشبهات التي تضيع عقيدة الإنسان، ترك التنطع في الأسئلة في المسائل الشائكة التي هي الأغلوطات التي لا طائل ولا فائدة من ورائها أما السؤال الذي به يريد الإنسان أن يعرف دينه فيكون واجباً عليه قال تعالى ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ.لكن النهي هنا عن الأسئلة التي لا فائدة ولا طائل من ورائها ولذا ماذا قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ  بمعنى أنكم لا تسألون عن أشياء لاطائل من ورائها، ولذا النبي ﷺ كما ثبت عنه قال ” إن أعظم المسلمين جرما من سأل عن مسألة فحُرِّم شئ من أجل مسألته ” لكن لو نزل شئ من القرآن ولم يتضح شئ منه فسُئل عن هذا الشئ من باب توضيحه وبيانه فيكون محمودا ولذا قال ﴿ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا ﴾ يعني فيما أشكل عليكم ﴿ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ ﴾ يعني لما نزل القرآن بهذا الحكم وعندكم فيه اشتباه وعدم وضوح فسألتم ﴿ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ﴾  عفا الله عنها الضمير يعود إلى شيئين على الصحيح ﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ﴾  يعني عما بدر من أسئلة لا طائل من ورائها وأيضاً ﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ﴾  بمعنى أنه تجاوز عنها ولم يكلفكم بها ولذا ثبت قوله ﷺ ” وماسكت الله عنه فهو عفو ” وجاء في حديث حسنه النووي وضعفه غيره ” وسكت عن أشياء رحمة بكم من غير نسيان فلا تسألوا عنها ” فقال هنا ﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ غفور يتجاوز عما يصدر من الإنسان من ذنب حليم لايعاجل بالعقوبة وإلا فهو عزوجل لو عاجل بالعقوبة لهلك العبد ولهلك العباد قال ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ ﴿ قَدْ سَأَلَهَا﴾ أي تلك الأشياء ﴿  قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ من هم أولئك القوم؟ خلاف هل هم قوم عيسى أو ما شابه ذلك، خلاف المهم من أن قوماً فيما مضى سألوا عن هذه الأشياء ومما يدل على العموم من أن الإنسان يُنهى عن ذلك وأن هناك قوماً ليسوا محددين قد سألوا هذه الأشياء فكفروا بها قوله ﷺ كما ثبت عنه قال ” إنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبياءهم ” قال ” ذروني ما تركت” فقال هنا ﴿ قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ قال ثم سألوا عنها ثم هناك زمن لعل تلك الأسئلة تأتي الإجابة على ما توافق أهواءهم ثم لما أتى الجواب مما لا يلائمهم وإنما أساءهم مالذي جرى؟ كفروا بها يدل على أنهم لم يكونوا كافرين بها ولذا قال ﴿ قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ ﴾ ﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ ﴾ أي ما شرع الله ﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ ﴾ هذا يدل على أن الكفار حرموا أشياء من تلقاء أنفسهم لم يحرمها الله، وهذا يذكرنا بالآيات السابقات التي مرت معنا ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ هذه الأشياء لها عند المفسرين أقوال متعددة لكن مما ذكر ﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ ﴾ أي ما شرع الله من بحيرة وهي الناقة التي تلد عدداً قيل سبعة من أنها إذا ولدت تكون بحيرة تُشق أذنها فتترك ولا يُتعرَض لها بسوء وتترك من حيث أنها لا يُشرب لبنها ولا تُؤكل ولا يُحمل عليها ﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ ﴾ السائبة قالوا إن الإنسان إذا قدم من سفر أو ظفر بتجارة من أنه يجعل هذه سائبة يسيبها بحيث لا يتعرض أحد لها فتكون سائبة للأصنام ﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ قالوا هي الشاه تلد عدداً مما تلده – قيل عشرة وقيل غير ذلك – فإذا أتت في آخر ما تأتي به بذكر وأنثى قالوا وصلت يعني الأنثى أخاها فبدل أن يُذبح الذكر يقولون وصلت – أعوذ بالله من عدم الإيمان وعدم العقل – قالوا وصلت أخاها فحينها لا يُتعرض له ﴿ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ ۙ﴾ قالوا هو البعير إذا أظهر الله عزوجل من صلبه عشرة فإنه يقولون قد حمى ظهره فلا يُحمل عليه شئ ويُترك ولذا ماذا قال عزوجل كما سيأتي معنا في سورة الأنعام ﴿ وَقَالُوا هَٰذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْه .الآيات – كما سيأتي معنا إن شاء الله في سورة الأنعام – وقيل غير هذه الأقوال لكن هذه من أبرزها قال ﴿ وَلَا حَامٍ ۙوَلَٰكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ هؤلاء كفروا كفار ﴿ وَلَا حَامٍ ۙوَلَٰكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ﴾ افتروا على الله الكذب فهو لم يحرمها ﴿ وَلَٰكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ فليس لديهم العقل النافع هم أصحاب عقول ليسوا بمجانين لكن ليس لديهم عقل ينتفعون به، فقال هنا ﴿ وَلَٰكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا﴾ إذا قال لهم النبي ﷺ أو أهل الإيمان لأنه هنا لم يذكر القائل ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ أي القرآن ﴿ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا يعني يكفينا ﴿ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ ﴾ يعني أيتبعون آباءهم ويكفيهم ما جاء آباءهم؟ ولو كان آباءهم ليسوا بأصحاب علم ﴿ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾ وليس معنى ذلك من أنه لو كان لدى آباءهم علم من أنه يجوز أن يُترك إتباع الشرع لا وإنما هذا لبيان حالهم وواقعهم من أن آباءهم ليسوا على علم وليسوا على هدى ﴿ أَوَلَوْ كَانَ ﴾ استفهام إنكاري وفيه تعجب ﴿ أَوَلَوْ كَانَ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾ ومن ثم مرت هذه الآية معنا في سورة البقرة ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا ﴾ قالوا بل نتبع لأنهم أمروا بالإتباع فقالوا ﴿ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا ﴾ يعني ما وجدنا عليه آباءنا فوصف آباءهم ﴿ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾ آباءهم ليسوا بأصحاب عقل يُنتفع به. هنا اختلف لما قال   ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا﴾ أُمروا بأن يأتوا إلى تحكيم الشرع فماذا قالوا؟ ﴿ قَالُوا حَسْبُنَا يعني يكفينا ما لدى آباءنا ﴿ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾ وهذا يدل على أن آباءهم ليسوا بأصحاب علم وليسوا بأصحاب عقل يُنتفع به وليسوا على هدى. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ﴾ لما ذكر عزوجل ما يتعلق بحال هؤلاء الكفار ومن عصى الله وتكبر بيَّن هنا أن المؤمن وأن أهل الإيمان عليهم أن يثبتوا على شرع الله وأن يلزموا شرع الله وأنهم لا يلتفتون إلى من ضل عن سواء السبيل، فقال هنا ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ ﴾ عليكم هنا معناها إلزموا اسم فعل أمر بمعنى إلزموا ﴿ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ﴾ أي الزموا أنفسكم على الطريق الصحيح ﴿ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ من ضل فضلاله عليه ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ﴾. ﴿ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ هذه الآية لا يُفهم منها من أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يُترك لا، ولذلك أبو بكر رضي الله عنه كما ثبت عنه قال ” إنكم تقرؤون هذه الآية وإنكم تؤولونها على غير تأويلها وإن النبي ﷺ قال ” إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقاب منه ” ” دل هذا على أن الإنسان يحرص على أن يكون مؤمناً ومتقياً وثابتا وعليه أن يدعو غيره من استجاب فالحمد لله من لم يستجب فلا يضرك ما وقع فيه من ضلال، ولذا ماذا قال هنا ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ والهداية لاتخص فقط من آمن واتقى بل من آمن واتقى عليه أن يدعوا إلى هذا الخير الذي منحه الله عزوجل له ﴿ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ ﴾ يعني مرجع الجميع إلى الله ﴿ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا أنتم وهؤلاء ﴿ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.أي فيخبركم بما كنتم تعملون، وهذا الإنباء يترتب عليه الجزاء فالله عزوجل يوم القيامة يجازي المحسن على إحسانه ويجازي المسئ على إساءته.