التفسير المختصر الشامل تفسير سورة الأنعام من الآية (91) إلى (98) الدرس (96)

التفسير المختصر الشامل تفسير سورة الأنعام من الآية (91) إلى (98) الدرس (96)

مشاهدات: 500

التفسير المختصر الشامل

سورة الأنعام

من آية 91 إلى آية 98

فضيلة الشيخ زيد البحري  حفظه الله

 

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربِّ العالمين وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه وسلمَ تسليماً كثيراً إلى يوم ِالدين أما بعد:

 

فكنا قد توقفنا عند قولِ الله عزَّوجل {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} ذكرَ الله عزَّ وجل هذه الآية بعد الآيات التي بيَّن فيها عزَّ وجَلَ فضائل الأنبياء وبيَّن في آخرها أن النبيَّﷺ أُمرَ باتباعهم وبيَّن أنَ هذا القرآن إنما هو ذِكرى للعالمين{إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ}  بعدَ ذلك بيَّن عَزَّ وجَل مِن أَنَّ مَن قال : إنَ الله عزَّ وجَل لمْ يُنزل على بَشرٍ من شيء بيَّن هنا أنه لمْ يُعظم الله عزَّ وجل      {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}أي ما عظموا الله حقَ تعظيمه إذ قالوا ما أنزل الله على بشَرٍ من شيء وذلكَ بأن عدمَ إرسال رسولٍ وعدم إنزالِ كتاب على رسول ليس من تعظيم الله عزَّوجَل وذلكَ لأنَ من أتى فقال إني رسول فجعلَ يستبيح الدماء والأموال لمن لم يؤمن بالله وجعل يفعلُ ما يفعلُ في الأرض والله عزَّ وجَل مطلع عليه ومع ذلك لا ينتقم منه، دلَ هذا على أن هذا ليسَ من      تعظيم الله عزَّ وجل فدل هذا على أنه عزَّ وجل حينما أرسلَ الرسل وجعلهم يفعلون ما يفعلون بأمرهِ عز َّوجل دلَ هذا على أنه      مُرسلٌ من قِبَل الله {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ } ونفوا ذلك على وجهِ العموم { مَا أَنزَلَ   اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ } قُل يامحمد:{قُل ْمَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَىٰ}  

وهوالتوراة الذي جاء به موسى { نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ } وبيَّنا معنى هذا النور وهذهِ الهداية عند قوله تعالى في سورة المائدة { إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ}   {قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ ۖ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ } أي تجعلون هذا الكتاب في قراطيس وهي

مايُكتب عليها من ورقٍ ونحوهِ من أجل أنهم يجعلون هذه الأحكام في هذه القراطيس فما راقَ لهم أظهروه ومالم يكن على ما

تريده أهواءهم أخفوه ولذا قال { تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا} أي تظهرونها   { وَتُخْفُونَ كَثِيرًا} أي مما لم يوافق أهواءكم ولذا مرَ معنا في سورة المائدة قول الله عزَّ وجلَ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ } •                                                         {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا ۖ وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُوا أَنتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ ۖ} أي هذا القرآن فيه بيان وتوضيح وعلمٌ لما جهلتموهُ أنتم وآباؤكم وعُلِمتم مالم تعلَموا أنتم ولا آباؤكم. { قُلِ اللَّهّ} أي قُل الله،  قل الله أنزله فهنا إضمار لجملة أنزلهُ { قُلِ اللَّهُ ۖ} أي أنزله أي أنزلَ الله         عزَّوجل هذا  الكتاب { ثُمَّ ذَرْهُمْ } أي أتركهم {فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} والخوض هو  الذي   يكون بهِ مايكون من الكلام والفعل الذي يكونُ بهِ مَضرَةٌ على صاحِبه ولذا   مر معنا قوله عزَّ وجَل {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ } ثم قال هنا {ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي 

خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ } وهذا الأمرُ يراد مِنه التهديد والوعيد { ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ    يَلْعَبُونَ } وهذا الخوضُ إنما حصل منهم صُوحِب بماذا ؟ بلعبٍ فدل على أن حالهم بين خوضٍ وبين لعبْ، ولذا كما مَرَ معنا قولهُ عزَّ وجَل {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوا } قال  هنا { ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ } وهل هذا السياق في قوله تعالى { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } هل هو في شأن اليهود أم في شأن مشركي العرب؟ قيل بهذا وقيل بهذا والناظرُ إلى هذةِ الآيات يجدْ أن السياقَ سياقٌ يتعلقُ بمشركي كفار قريش ومنْ نظر إلى ذِكر الكتاب وما صنعته اليهود من جعلِ هذا الكتاب الذي أُنزل على موسى من جعلهِ قراطيس يدلُ على أنَ  السِياقَ يتعلق بمن؟ باليهود لكن قيل اليهود هم لم ينكروا إنزال كتابٍ على رسول فالجواب عن هذا مِن أن اليهود قالوا   بهذا القول باعتبار التدليس وإلا فهم لم ينكروا ذلك لكن قالوا على سبيل التدليس كما أن العرب أيضاً أقرت بالرسل لكن   على وجه ماذا؟ على وجه الإنكار لرسالة محمد صلى الله عليه و آله وسلم كما سيأتي معنا { وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ    مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ} فدل هذا على أن السياق يكون لليهود ويكون لِمُشْرِكي العرب ولا تعارض بينهما .

وقوله تعالى {وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُوا أَنتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ} فما يتعلق باليهود فقد قال تعالى { إِنَّ هَذَا

الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} وبالنسبة 

لِمُشْرِكي قريش قال عزَّ وجَل {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ } ولذا قال بعدها { وَهَٰذَاكِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ } لمّا ذكر التوراة وما يتعلق بها من صفات ذكر ماذا؟  شأن هذا القران العظيم الذي هيمن على الكتب كلها { وَهَٰذَا كِتَابٌ } أي القرآن { أَنزَلْنَاهُ} أي أنزلناه عليك        يا محمد { أَنزَلْنَاهُ

مُبَارَكٌ} ولذا قدم الإنزال على وصف المبارك باعتبار أن السياق السابق فيه إنكار لماذا؟ لإنزال   كتاب ولذا قال عزَّ وجَل { وَهَٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ} في آيةٍ أخرى لكن هنا قدم ماذا؟ الإنزال لهذا الاعتبار {وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ } ولا شكَ أن هذا القرآن مبارك فمن استشفى به فهو مبارك، من قرأه فله من الحسنات العظيمة، هذا يدل على بركته من بركته أن  من حكَمه وتحاكم إليه نالَ الإمامة في الدين إلى غير ذلك من البركات في هذا القران { وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ}   فهو يُصدق ما جاء في الكتب السابقة ومن ذلك ما جاء في التوراة التي ذكرها عزَّ وجل في الآية السابقة { مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ }  والإنذار هو الإبلاغ مع التخويف { وَلِتُنذِرَ أُمَّ   الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا ۚ } أم القرى مكة وسميت بأم القرى باعتبار ماذا؟ ما قاله عزَّ وجَل {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} إلى غير ذلك من الأقوال التي قيلت في مثل هذا الامر {وَمَنْ حَوْلَهَا ۚ} وهذا لا يدل على أن رسالة النبي ﷺ محصورة بالعرب وبمن حول العرب كما قالت اليهود بل أن وصف مكة بأنها أم القرى يدل على عموم            رسالته ﷺ ولذا في أول السورة ماذا قال؟ {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ } دل على العموم  وكما سيأتي في قوله تعالى {قُلْ يَا أَيُّهَاالنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } فَرسالة  النبي ﷺ لعموم الخلق : الإنس والجن .

{وَلِتُنذِرَ أُمَّالْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ} من يؤمن       بالآخرة يؤمن بهذا القرآن وذُكر اليوم الآخر باعتبار مافيه من ترغيب ومافيه من وعيد فمن آمن باليوم الآخر وما سيكون به من حساب        وجزاء ونعيم وماشابه ذلك فإنه يؤمن بهذا القرآن الذي ذكر هذا القرآن ذكر هنا اليوم الآخر ودل هذا على أن من جعل نُصب عينيه تذكر 

الموت وما يكون بعد ذلك فإنه يزداد إيمانه ويحرص على الأعمال الصالحة ولذا قال هنا {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۖ وَهُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} دل هذا على ماذا؟ دل على أن من حافظ على الصلاة فإن الصلاة سبيلٌ   إلى زيادة الإيمان كيف وقد سماها الله عزَّ وجَل إيمانا {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} وذكر الإيمان باليوم الآخر وذكر معه الصلاة 

يذكرنا بما سبق في الآيات السابقات {وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ ۚ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } وكما قال تعالى {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ  } .

 

{وَمَنْ أَظْلَمُ} ذكر هنا الاستفهام الذي يراد منه النفي أي لا أحد أظلم من هؤلاء {وَمَنْ أَظْلَمُ} وهذا يدل على أن من سبق ممن سبق ذكرهم من كفار قريش ومن اليهود فإنهم ظلمة ثم بيَّن هنا أنواعاً من الظلم {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} {مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} افترى على الله الكذب وقال على الله عزَّ وجَل غير الحق كما قال {وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ ۖ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ     تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِه تَسْتَكْبِرُونَ} فهم افتروا على الله الكذب فقالوا على الله غير الحق فقال هنا {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ       افْتَرىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ,أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ }

دل هذا على ماذا؟ دل هذا على أن من زعم بأنه – كحال مسيلمة الكذاب وأشباه ذلكم الرجل الكذاب- من أنه من الظلمة ممن يقول إن الله أرسلني إليكم وهذا التطاول على الرسالة هذا التطاول على الرسالة{أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إليه.شيء} هذا داخلٌ ضمن الافتراء على الله لكنه ذكره هنا من باب التنبيه على ماذا؟ على    خطورة هذاالإدعاء ثم والعلم عند الله لما ذكر عزَّ وجَل ما ذكره أولئك في قوله تعالى {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ ۗ}  بين هنا 

أن من افترى على الله الكذب بأن الله أوحى إليه فانه أعظم الظلمة وكيف يتركه   الله عزَّ وجَل   وهو ظالم ولذا من زعم هذاالزعم فإنه لم يَقدر الله عزَّ وجَل قدرهُ وهذا  الزعم الذي قال ما أنزل الله على بشر من شيء{أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ} 

كما قال بعض كفار قريش الذين قالوا كما ذكر عزَّ وجَل عنهم في سورة الأنفال {وَإِذَا تُتْلَىٰ

عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَٰذَا ۙ إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ }.

 { أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَىٰ}

ولو ترى هنا بيان لشرطية وهي لو ولو ترى ولم يذكر الجواب من باب التفخيم     والتعظيم لهذاالأمر كما مرَ معنا في قوله تعالى في نفس السورة {وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَاوَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }

{وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ} دل هذا ماذا على أن أولئك الذين ذُكروا سابقا هم ظلمة إذاً ما حالهم حال الوفاة ما حالهم؟                                                           {وَلَوْتَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ} أي في سكرات الموت {فِي 

غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ } هذا يدل على أن للملائكةأيدي يدل على  أن لهم أيدي فقال هنا {وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ ۖ} باسطوا أيديهم  بماذا؟ بالتعذيب. ولذا قال عزَّ وجَل مبيناً ذلك كما في سورة الأنفال {وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا ۙ الْمَلَائِكَةُ 

يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْوَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ } .

{بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ ۖ} هذا أمرٌ يرادُ منه التحقير والتبكيت لهؤلاء        {أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ ۖ} لأنها تخرج كرهاوبمشقة ليست كروح المؤمن تخرج كما تخرج القطرة من فيّ السقاء كما ثبت في ذلك الحديث حديث البراء كما قال عزَّوجَل      {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا} الملائكة تنزع أرواح الكفار بشدة {أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ ۖ الْيَوْمَ        تُجْزَونَ عَذَابَ الْهُونِ } وأضاف العذاب إلى الهون باعتبار ماذا مع أن العذاب عذابٌ عظيم لكنه أضافه إلى الهون باعتبار أنه عذابٌ قد استغرق في الهوان مبلغه وأعظم درجاته .

{عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ } أي بسبب {بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ} {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا } {بمَا كُنتُمْ,تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} أي بمعنى أن    الآيات أتتكم وصُرفت هذه الآيات كما ذكر عزَّ وجَل في هذه السورة صُرفت وفُصلت وبُينت ومع ذلك استكبرتم فكان هذا جزاء من تكبر واستعظم وتعاظم على شرع الله

عزَّوجَل {بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (٩٣) وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا

فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } كما قالَ تعالى {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا } {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } ولذا قال ﷺ كما ثبت عنه ( إِنَّكُمْ تُحشرونَ يوم القيامة حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا ).

{كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ}{كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} فقال هنا {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } كما جئتم إلى هذه الدنيا وأنتم حفاة عراة غُرل {كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّاخَوَّلْنَاكُمْ } أي ما       أعطيناكم وراء ما أعطيناكم مِن مُتع الدنيا من الأموال والزخارف {وَتَرَكْتُم مَّا      خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ۖ} والذي 

يُترك وراء الظهر يدُل على ماذا؟ على أنه غيرُ مرغوبٍ فيه ولذا قال تعالى {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} فقال عزَّ وجَل {وَتَرَكْتُم مَّاخَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} يعني ما انتفعتم بهذة الأشياء فلو أنكم     قدمتم في الدُنيا  هذه الأموال وهذه المنح من الله عزَّ وجَل قدمتموها لِأُخراكم لَوَجدتموها فقال هنا {وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} ولذا  ثبت عنه قوله ﷺ (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع ذكر منها عن ماله من أين       اكتسبه وفيما أنفقه ){وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ۖوَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ    الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ۚ} ولم نَرَمعكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم سيشفعون لكم عند الله عزَّ وجَل ولذا في أول السورة ماذا قال لَما ذكر سبحان الله لما ذكر الظلم في أول   السورة {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًاأَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۗ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} ماذا قال بعدها ؟{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } لكن شُركاءهم كما بيّن عزَّ وجَل في آياتٍ كثيرة {وَضَلَّ عَنْهُم مَّا  كَانُوا يَفْتَرُونَ } فقال هنا {وَتَرَكْتُم مَّاخَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } أي تقطع ما بينكم من الأسباب ومن الإيصال ومن القربى وما شابه ذلك كما قال عزَّ وجَل {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ  اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ } كما بيناه مفصلاً في سورة البقرة فقال هنا {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم } أي غابَ عنكم {مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } من أن هذه تنفعكم وأنها تشفع لكم عند الله عزَّ وجَل .

 

{إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ ۖ } لما ذكر عزَّ وجَل حال هؤلاء في حياتهم وما أتوا  به من الظلم وحال موتهم عند سكرات الموت وذكر أيضاً سبحان الله لما قال{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ}ذكر ماذا؟ ذكر ما يحصل لهؤلاء يوم القيامة و ما يتعلق بحالهم عند الوفاة ثم قبلها حكم عليهم في الدنيا بأنهم ظلمة هنا بيَن ماذا بيَن هنا 

الدلائل العظيمة التي تدلُ على أن الله عزَّ وجَل هو الرَب وهو الإله الذي يستحق العبادة لما له من الآيات العظيمة التي تدل على عظمته وأنه يستحق أن يُعبد وحده عزَّ وجَل فقال هنا رداً على أي كافر ومن بين هؤلاء كفار   قريش وأيضاً كل كافر يأتي في هذا الزمن وما يأتي من أزمان من فلاسفة وما شابه ذلك قال هنا {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ ۖ} أي شاق الحب والنوى وهذا هو الأظهرولذا قال بعضهم {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ } يعني خالق وردَ ذلك ابن جرير رحمه الله قال: لم يرد في لغة العرب من أن الفلق يكون بمعنى الخلق المهم هنا الشَّق {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ ۖ} أي شاق الحب والنوى   الحب الحبوب كالقمح 

والشعيروماشابه ذلك، النوى نواة التمر وماشابه ذلك فهو عزَّ وجَل يفلقها هي      توضع في 

الأرض سبحان الله إذا وُضعت في الأرض هذة الحبة أو هذة النواة سبحان الله ما الذي يجري لما تضع نواة تمرٍ في    الأرض من أجل أن تنبتَ النخلة هنا ماذا يجري لها هذه حبة ميتة لاحراك بها ولا حياة بها توضع في الأرض هذة النواة تنشق يشقها الله عزَّ وجل    وإذا بها تدخل في الأرض تلك الأرض التي لو أردت أن تحفرها بشيء حاد صعُب عليك لكن هذة النواة لما 

كانت في الأرض وهي ضعيفة نزلت في الأرض ولها جذور تلك الجذور لو أنك فتتها بأدنى وبأقل قوة لتفتت معك ومع ذلك لو أردت أن تحفرهذه الأرض بشيء حاد لصعب عليك ثم سبحان الله مع دخول هذة الجذور في الأرض إذا بهذة النخلة أيضاً يكون لها جزء هذةالنواة يتكون منها جذور تحت الأرض      ويتكون منها نخلة فوق الأرض سبحان الله انظر هذا الماء لما يأتي إليها ماذا يصنعبها هذا الماء يكون في الأرض وإذا بهذا الماء يصعد إلى هذة النخلة إلى أعلاها إلىأوراقها وتأمل مايكون فيها من عروق وماشابه ذلك هذا إن دل يدل على أنه لا أحد يستطيع أن يصنع هذا الصنع إلا الله   عزَّ وجَل وفي هذا ردٌ على أهل الفلسفةالذين يقولون هذة الأقوال المنطقية من أنها تحدث من غير أن يكون لها خالق تعالى الله عن قولهم علواً كبيرا وقد قالواقولاً من أن الله عزَّ وجَل يعلم الكليّات ولا يعلم 

الجزئيات فجاء في هذه السورة الرد عليهم {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَاإِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي

الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} فأثبت هنا أنه عزَّ وجَل يعلم الكليات والجزئيات، أيضاً فيه ردٌ على هؤلاء

 الفلاسفة فانظر سبحان الله {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ ۖ } ثم مع ذلك إذا ظهرت هذه الشجرة ماذا يحصل فيها من ثمار      مختلفة متنوعةمختلفة من حيث الطعم من حيث الشكل إذاً من الذي أوجدها؟ الله عزَّ وجَل ولذا قال هنا {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ    وَالنَّوَىٰ ۖ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} سبحان الله ما أتى بحرف العطف هنا {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} لأنها مفسرة للجملة السابقة             {يُخْرِجُ الْحيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} يخرج ماذا؟يخرج الشجرة من ماذا؟ 

من النواة ويخرج النبات من تلك الحبة {يُخْرِجُ   الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ۚ} قال هنا {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} أتى بصيغة الفعل المضارع لأنها مبينة لاسم الفاعل       {فالق} وذكر هنا بالعطف {وَمُخْرِجُ} أتى باسم الفاعل لأنها معطوفة على ماسبق {وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ۚ} سبحان الله     يخرج تلك النواة الميتة من تلك الشجرة ويخرج تلك الحبة الميتة من ذلكم الزرع فسبحان الله.

{وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ۚ} سبحان الله قال بعض العلماء إن المقصود من الحي    والميت هو يخرج المؤمن من الكافروالكافر من المؤمن وماشابه ذلك مما مرَ        معنا في سورة آل عمران  لكن وإن كان هذا داخلا إلا أن الأظهر من حيث السياق ماذا منصبٌ على ماذا على ماذكر فيما يتعلق بالحبة وبالنواة ولا تعارض في دخول هذه ضمن هذا الأمر ولا شك أنه عزَّوجَل يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن.

قال هنا {وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ۚ ذَٰلِكُمُ} إشارة للرد على هؤلاء أين عقولكم؟ {ذَٰلِكُمُ اللَّهُ ۖ} قال {ذَٰلِكُمُ اللَّهُ ۖ} قال بإسم الإشارةوقال هنا {ذَٰلِكُمُ اللَّهُ } لما أتى بإسم الله من  باب بيان أن من فلق تلك الحبة والنواة هو الله ومعنى الله هو المألوه المعبود مع المحبة والتعظيم فأين عقولكم؟ ولذا ماذا قال بعدها{ذَٰلِكُمُ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } كيف تُصرفون كيف تُصرفون عن أن تنظرواإلى هذه البينات الواضحات الدلائل العظيمة فتجعلون مع الله شريكاً لا يضر ولا ينفع وقد يكون جمادا ولو كان جماداً أوكان   غير جماد فلا ينفع ولا يضر إلا الله عزَّوجَل { ذَٰلِكُمُ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ }.

{فَالِقُ الْإِصْبَاحِ} سبحان الله شاق الإصباح شاق النهار عن ظلمة الليل فيأتي النهار والصبح إذا تنفس فيأتي النهار وإذابالليل يذهب ويضمحل {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ} سبحان  الله لما ذكر ما يتعلق بالأمور الأرضية {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ} هنا ذكر  عزَّ وجَل مايتعلق بالدلائل على مايتعلق بالأمور السماوية العلوية فقال هنا {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ} وهذه آية عظيمة تدل على عظم الله عزَّ وجَل ولذا قال عزَّ وجَل {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا     اللَّيلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } دلَ هذا على ماذا؟ على أن هذا تدبيرٌ من عند الله عزَّ وجَل ولذا ماذا قال تعالى؟         {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}{فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا}{وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا } لماذا أتى بكلمة جعل في شأن الليل ؟قال بعض المفسرين قال لأن الليل عدم والذي يظهر لي حسب التأمل من أنه قال {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} باعتبار أن النهار يؤخذ من الليل فالليل هو الأصل فقال عنه (وجعل)بينما النهار أتى بسياق ماذا ؟ فالق، فلق   ولذا ماذا قال عزَّ وجَل {وَآيَةٌ لَّهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ  الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}قال هنا {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} أي أن الليل يسكن فيه من؟ يسكن فيه     الخلق فإنهم بعد التعب والنصب وما شابه ذلك يسكنون في هذا الليل وهو سكن لهم يرتاحون فيما يجري لهم من مشقة وتعب في النهار. 

{فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ۚ} أي مقدراً بحساب لا يمكن أن يزيد وإنما هو بتقديرٍ من العزيز العليم {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ  الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} الشمس والقمر بحسبان وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كلٌ في فلك يسبحون فقال هنا {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ۚ} ماذا قال بعدها؟                       {ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِالْعَلِيمِ} قدَر ما مضى لم؟ لأنه هوالعزيز القوي الغالب الذي لا   يُنال بسوء وهو عليم بحال عباده وما يحتاجون إليه ولذا تجد أن قوله {تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} اسم العزيز والعليم يأتي بما يتعلق بماذا؟ يتعلق بهذه الأمور مما يتعلق      بالكون.                                                                                            { وَآيَةٌ لَّهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } وهذا يُعطي العابد ماذا؟ تعظيماً لله لأن الله هوالعزيز وأيضاً يخشى من الله فهو العليم ولذا فإنه ما جعل عزَّ وجَل هذه الأشياء من الليل والنهار ومايحصل فيها من تغيير إلا من أجل أن يُعبد الله عزَّ وجَل ولذا قال {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ} {وَهُوَ الَّذِي} 

دليل آخر، أدلة عظيمة تدلُ على عِظم الله عزَّ وجَل الذي يستحق العبادة {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوابِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۗ} حينما تسافرون وتنطلقون في أسفاركم في ظلمات البَر أو في ظلمات البحر حينما يغيب القمر وحينما تغيب الشمس تكونون في ظلمات لا يبقى إلا تلك النجوم، تلك النجوم بأشكالها وبأحجامها وبأعدادها تعرفون ماذا؟ طرقكم قال {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۗ} ولذا قال تعالى {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} قال {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ} بيَّنا الآيات أي تبيين بعدهذا التبيين؟ {قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} فمثل هذه النجوم تعلمونها وتعرفونها فهي واضحة وظاهرة.

{وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم } لمَّا ذَكر ما يتعلق بالآيات الأرضية ثم الآيات العلوية ذكر ما يتعلق بالآيات التي تتعلقُ بالإنسان ذاتهِ قال تعالى {وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ } قال هنا{ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم } 

أي خلقكم {وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } أي أصلكم من آدم {فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ} فمستقَر ومستودع أُطلقت هنا ماهو المستقر    وما هو المستودع؟ خلافٌ بين أهل العلم في المستقر وفي المستودع والذي يظهر لي مِن أن المستقر وأن المستودع كل ما    أُطلق عليه مستقر في الدنيا أو في القبرأو في الآخرة فيكون كذلك وكذلك الشأن في  المستودع إذاً  {فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ} المستقر مثلاً : المستقر في الأرحام كما قال تعالى { وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ } المستودع في الأصلاب لأن النطفة لا تبقى في ماذا ؟ في ظهر الأب لأنهاتخرج منه ثم إلى الرحم.

أيضاً فمستقر أي في ماذا؟ في ما يتعلق باستقرار الناس يوم القيامة ولذا ماذا قال   تعالى {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌمُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} إذاً كل ما يشمل من        المستقر الذي يستقرُ فيه الإنسان أو يكون مستودعاً للإنسان في دُنياه أو في قبره أو في أُخراه مما ذَكره العلماء فإنه يكون داخلا دون تخصيصِ شيءٍ دون    شيء {فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ}، {فَمُسْتَقَرٌّوَمُسْتَوْدَعٌ} يعني أن أحوالكم مختلفة 

إذا ماذا قال بعدها {قَدْ فَصَّلْنَا} أي بيَنا { الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ } أي يفهمون.

سبحان الله ما مضى فيما يتعلق بالنجوم ماذا قال {قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}   هنا فيما يتعلق بالنفس {قَدْ فَصَّلْنَاالْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ} وهو الفهم دلَ هذا على ماذا؟ على أن من لم يعرف حاله من حيث ما يجري للإنسان فيما يتعلق بنفسه فيما يعتريه مما يعتريه في هذه الدنيا مما يلائمه ومما لا يلائمه فلم يعقل ولم يفهم من أن هذا من تدبير الله عزَّوجل فإنه لا يفقه ولا يفهم بخلاف ما مضى        {قَدْ فَصَّلْنَا} فيما يتعلق بالنجوم {قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} فإنهم يعلمون هذه النجوم ويتعلمونها وهي ظاهرة وواضحة ولا تخصُ ذواتهم فقال        {قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} ولذا لوقيل لشخصٍ فلانٌ لا يعلم، أيهما أسوأ فلانٌ لا يعلم أو فلانٌ لايفقه؟ فلانٌ لا يفقه، دلَ هذا على أنكم لم تعرفوا آياتِ الله في أنفسكم فإنكم حينها لستم بأهل فهم ولستم بأهل فقه ولا بأهل عقل{قَدْ 

فَصَّلَنا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ}.