خطبة (28)
أصول يحتاجها العامي وطالب العلم ليعصم من الزلل
( التحذير من كثرة الحلف )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
elbahre.com/zaid
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحدّثنا في جُمَعٍ سالِفَةٍ عن ثلاثةٍ وثَمانِينَ أصلًا بَعْدَ المِئة مِنَ الأُصول المهمّة التي يَحتاجُها العامّيّ وطالبُ العِلم في هذا الزّمن حَتَّىٰ يُعصَمَ بإذن اللهِ عزّ وجلّ مِنَ الزَّلَل
◾الأصل الرابع والثمانون بعدَ المئة :
التَّحذير مِن كَثْرَة الحَلِف
وَلَيْس المقصود هُنَا اليَمين الغَمُوس الكاذِبة ، لِأنّ هذه مِن كَبَائِر الذُّنوب .
لَكِنّ المقصود الحَلِف وَلَو كان صادِقًا ، فَالتَّحذيرُ مِن كَثرَتِه .
قال الله عزّ وجلّ { وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ }
مَعنى هذه الآية :
احفَظُوا أَيمانَكُم وذلك بِألّا تَحلِفُوا إلَّا عِنْدَ الحاجَة ، ثُمَّ إذا حَلَفتُم احرِصُوا على أنْ تَبْقَوْا على يَمينِكم وألّا تُخالِفُوها إلَّا إذا كانت هناك حاجَةٌ تستدعي ذلك لِمَصلَحَةٍ
لِقَول النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في الصَّحيحَين : (( إِنِّي لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا ، إِلَّا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ ))
ثُمّ مِن أنواعِ حِفْظِ اليَمِين :
إذا خالَفتَ يَمينَك فَاحْرِص – وهذا الحِرصُ على سبيل الوُجوب لَكِن لا تتأخَّر- احرِص على أن تُخرِجَ كَفّارَةَ اليمين
وكفّارَةُ اليمين يُخطِئُ فيها كثيرٌ مِن الناس ، إذا خالَفَ يمينَه قال : سأصوم ثلاثةَ أيّام ، أو يقول لِصاحِبِه : صُم ثلاثةَ أيّام .
هذا خطأ .
أوّلًا : يَجِبُ أن تَختار واحِدًا مِن ثلاثة أُمور :
– ( عِتقُ رَقَبَة ) وهذه غَيْر مَوجودة ومُتاحة في مِثلِ هذا الزَّمَن ، ويَعسُرُ الحُصولُ عليها
– ( إطعامُ عَشرَة مساكين أو كِسوَتُهُم )
كِسوَتُهُم : بِمَعنَى أن تُعطِيَ كُلَّ مِسكينٍ ما يَستُرُ عَورَتَهُ في الصلاة ، وما يُجَمِّلُهُ في الصَّلاة ( وهو الثَّوب ) . كُلّ مِسكين .
أو تُطعِمَ كُلَّ مِسكينٍ إمّا وَجبَةَ غداءٍ أو وَجبَةَ عَشاءٍ .
فهذه هي الكفّارة .
– إذا كُنتَ فقيرًا لَم تَجِد مالًا لِلإطعامِ أو لِلكُسوَة
– أو كُنتَ ذَا مالٍ لَكِن لَم تَجِد عَشرَة مساكين
فَانتَقِل إلى :
– ( صِيامِ ثلاثةِ أيّامٍ مُتَتابِعات ) ( مُتتابِعات ) وهو رأيُ الجُمهور ، لِقِراءة ابنِ مَسْعُوْدٍ رضي الله عنه
أمّا أن يَبْدَأ مُباشَرة بِصِيام ثلاثة أيّام وهو قادِرٌ على إطعام أو كِسوَة عشرة مساكين فإنّ هذا لا يُعَدُّ تَكفيرًا لِيَمِينِه .
◾الأصل الخامس والثمانون بعدَ المئة :
التّحذير ثُمَّ التّحذير مِن كَثْرَةِ الأَيمان في البَيعِ والشراء
فَقَدْ ثَبَتَ عند الطَّبَرانِيّ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ : (( ثلاثةٌ لا يُكَلِّمُهُم اللهُ ولا يَنظُرُ إلَيْهِم ولا يُزَكِّيهِم وَلَهُم عَذَابٌ أليمٌ .. )) ذَكَرَ مِنْهُم : (( .. رَجُلٌ جَعَلَ اللهَ بِضاعَتَهُ ، لا يَبِيعُ ولا يَشتَري إلَّا بِيَمِينِه ))
يَعْنِي : مِن كَثْرَة ما يَحلِفُ في البَيع والشراء ، ما يُدرَى هل هو يبيعُ بِضاعة أَمْ أنّه يبيعُ الْيَمِين .
وهذا مِن بابِ التَّقبيح والتَّحقير والتَّنفير لِمِثلِ هذا الفِعل .
◾الأصل السادس والثمانون بعدَ المئة :
خُطُورة اليَمِين الكاذِبة في البَيعِ والشراء
فالنّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال كما في الصّحيحَين : (( الحَلِفُ .. ))
في رِواية أحمد: (( الْيَمِين الكاذِبة .. ))
(( الحَلِفُ مَنفَقَةٌ لِلسِّلعَة ، مَمْحَقَةٌ لِلْكَسب ))
تُنَفِّقُ سِلعَتَهُ : يَعْنِي أنّ سِلعَتَهُ تُشتَرَى مِن جَرّاءِ هذا الحَلِف الكاذب
بِأن يَحلِف مَثَلًا بِأنّ صِناعَتَها مَثَلًا مِن الحديد وهي مِن البلاستيك ، أو مَثَلًا يقول : واللهِ هذه مكتوب عليها مِن أنّها مُصَنَّعة مِن الدَّولة الفُلانيّة التي تُتقِنُ الصَّنعة وهي في حقيقتها لَيْسَت كذلك
فَأنواع الكذب في اليمين مُتَعَدِّد ومُتَنَوِّع .
(( الحَلِفُ مَنفَقَةٌ لِلسِّلعَة ))
لَكِن (( مَمْحَقَةٌ لِلْكَسْب ))
ذلكم المال الذي يَكسِبُه يكون مَمحُوقًا ، إمّا أن يَزولَ مالُه أو يَبقَى هذا المال لكنّه يَكُونُ عَدِيمَ البَرَكَة ، أو يَزول هذا وهذا مَعًا .
فَدَلَّ على خُطورة الحَلِف الكاذب في البَيع وفِي الشراء
◾الأصل السابع والثمانون بعدَ المئة :
التّحذير من المُسارَعَة في الشَّهادة
لَيسَ المقصود شهادة الزُّور لِأنّ شهادة الزور مِن أكبَرِ الكبائر
لَكِن بعضُ الناس يقول : يا فُلان قَدِّم قَضِيّة وأنا أَشهَدُ مَعَك .
يَعْنِي يُقَدِّمُ شهادَتَه قَبْلَ أن يُسْأَل قَبْلَ أن يُقال يا فلان اشهَدْ مَعِي ، فيقول قَبْلَ أن يَسألَه : سأَشهَد معك
فَتَجِدُ أنّه يَشْهَدُ ولا يَهتَمّ بِهذه الشهادة ويُسارِعُ فيها .
والنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في الصَّحيحَين قال : (( خَيرُ أُمَّتِي قَرنِي ثُمَّ الذين يَلُونَهُم ثُمَّ الذين يَلُونَهُم .. )) ثُمَّ ماذا قالَ بَعْدَها ؟ (( .. ثُمَّ إنّ بَعدَكُم قَوْمًا يَشهَدون ولا يُستَشهَدون )) يَعْنِي أنّهم يُسارِعون في شهادَتِهِم قَبْلَ أنْ تُطلَبَ مِنهم .
وهذا ذَمٌّ لِمَن يَأْتِي بَعْدَ الْقُرُون المُفَضَّلَة .
ولِذا قال صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في الحديث الآخَر في الصّحيحَين : (( خَيرُ النّاس قَرنِي ثُمَّ الذين يَلُونَهُم ثُمَّ الذين يَلُونَهُم ، ثُمَّ يأتي قَومٌ تَسبِقُ شَهادَةُ أَحَدِهِم يَمِينَهُ ، ويَمينُهُ شَهادَتَه ))
يَعْنِي مِن كَثْرَة ما يَحلِفُ مِن كَثْرَة ما يَشهَدُ ما تَدري هل الشهادة قَبْلَ الْيَمِين أو أنّ اليمين قَبْلَ الشهادة ، أو أنّه يَجمَعُ مع شهادَتِه
لِأنّه أصبح معروفًا عند الناس مِن أنّه يَشهَد مِن أنّه لا يُصَدَّقُ إلَّا إذا حَلَفَ على شهادَتِه
انْـتَـبِـهْ ، لا تُسارِع في الشهادة إلَّا إذا طُلِبَت منك وهي شَهادَةُ حَقٍّ
قال تعالى { .. وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }
إذا كان يَعرِفُ أنّ الحقّ مع فلان وشَهِدَه
أو في حالةٍ أُخرى :
ويُحمَل عليها ما جاء في صحيح مسلم : (( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ ؟ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ الشَّهَادَةَ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلُوهَا ))
هذه مَحمُولة على ماذا ؟
تَصَوَّر لَو أنّ إنسانًا لَهُ حَقّ على فُلان ، قِيلَ لَه : يا فُلان لَكَ الحَقّ على فُلان لِتَأْتِ بِالشُّهود ، هو لا يَعلَمُ أنّ لَدَيه شُهودًا
لكِنّك تَعْلَمُ – مِن حَيثُ لا يَعْلَمُونَ – تَعلَمُ أنّ فُلانًا له الحَقّ ، هُنَا حتّى لا يَضِيع حَقّ ذلك المسلم عليك أن تَشهَدَ له ، ويُحمَلُ عليه هذا الحديث (( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ ؟ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ الشَّهَادَةَ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلُوهَا ))
◾الأصل الثامن والثمانون بعدَ المئة :
لِخُطورة كَثْرَةِ الحَلِف وكَثرة الشهادة والعَهد ، كَقَولِ( عَهْدٌ عَلَيَّ لِلّهِ ) وماشابَهَ هذه الألفاظ :
لِخُطورَتِها كان السَّلَف رَحِمَهُم الله يَنهَونَ الصِّغار بَل ويَضرِبونَهُم إذا رَأَوا مِنْهُم كَثرَةَ يَمِين أو كَثْرَةَ شهادة حتّى لا يَعتادوا عليها
قال إبراهيم النَّخَعِيّ كما في صحيح البخاريّ ، قال : ( كانوا يَضرِبونَنا على العَهدِ والشَّهادَةِ وَنَحْنُ صِغار )
حتّى لا يَعتادوا على مِثلِ هذا الأَمْر .
وعند مسلم : قال إبراهيم النخعيّ رَحِمَهُ اللهُ : ( كانوا يَنهَونَنا وَنَحْنُ غِلمان عَن العَهد والشّهادات ) .
فَدَلَّ هذا على ماذا ؟ على أنّ السَّلَفَ رحمهم الله كانوا يُعَوِّدون الصِّغارَ على عَدَمِ كَثرَةِ اليمين وكَثرَةِ الشهادة ، حتّى إنّهم في بعضِ الأحوال يَنهَونَهُم فَإِذَا لَم يَنزَجِروا ضَرَبوهُم ، لَكِنّه يَكُونُ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ مِن أَجْل التَّأديب .
هذه أصول مهمّة ، ولها بإذن الله تَتِمّة لِأنّها مُهِمّة