خطبة(28)أصول يحتاجها العامي وطالب العلم ليعصم من الزلل ( التحذير من كثرة الحلف )

خطبة(28)أصول يحتاجها العامي وطالب العلم ليعصم من الزلل ( التحذير من كثرة الحلف )

مشاهدات: 649

خطبة (28)

أصول يحتاجها العامي وطالب العلم ليعصم من الزلل

( التحذير من كثرة الحلف )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

elbahre.com/zaid

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تحدّثنا في جُمَعٍ سالِفَةٍ عن ثلاثةٍ وثَمانِينَ أصلًا بَعْدَ المِئة مِنَ الأُصول المهمّة التي يَحتاجُها العامّيّ وطالبُ العِلم في هذا الزّمن حَتَّىٰ يُعصَمَ بإذن اللهِ عزّ وجلّ مِنَ الزَّلَل

    الأصل الرابع والثمانون بعدَ المئة :

التَّحذير مِن كَثْرَة الحَلِف

وَلَيْس المقصود هُنَا اليَمين الغَمُوس الكاذِبة ، لِأنّ هذه مِن كَبَائِر الذُّنوب .

لَكِنّ المقصود الحَلِف وَلَو كان صادِقًا ، فَالتَّحذيرُ مِن كَثرَتِه .

قال الله عزّ وجلّ { وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ }

مَعنى هذه الآية :

احفَظُوا أَيمانَكُم وذلك بِألّا تَحلِفُوا إلَّا عِنْدَ الحاجَة ، ثُمَّ إذا حَلَفتُم احرِصُوا على أنْ تَبْقَوْا على يَمينِكم وألّا تُخالِفُوها إلَّا إذا كانت هناك حاجَةٌ تستدعي ذلك لِمَصلَحَةٍ

لِقَول النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في الصَّحيحَين : (( إِنِّي لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ  فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا ، إِلَّا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ ))

ثُمّ مِن أنواعِ حِفْظِ اليَمِين :

إذا خالَفتَ يَمينَك فَاحْرِص – وهذا الحِرصُ على سبيل الوُجوب لَكِن لا تتأخَّر- احرِص على أن تُخرِجَ كَفّارَةَ اليمين

وكفّارَةُ اليمين يُخطِئُ فيها كثيرٌ مِن الناس ، إذا خالَفَ يمينَه قال : سأصوم ثلاثةَ أيّام ، أو يقول لِصاحِبِه : صُم ثلاثةَ أيّام .

هذا خطأ .

 أوّلًا : يَجِبُ أن تَختار واحِدًا مِن ثلاثة أُمور :

  – ( عِتقُ رَقَبَة ) وهذه غَيْر مَوجودة ومُتاحة في مِثلِ هذا الزَّمَن ، ويَعسُرُ الحُصولُ عليها

 – ( إطعامُ عَشرَة مساكين أو كِسوَتُهُم )

كِسوَتُهُم : بِمَعنَى أن تُعطِيَ كُلَّ مِسكينٍ ما يَستُرُ عَورَتَهُ في الصلاة ، وما يُجَمِّلُهُ في الصَّلاة ( وهو الثَّوب ) . كُلّ مِسكين .

 أو تُطعِمَ كُلَّ مِسكينٍ إمّا وَجبَةَ غداءٍ أو وَجبَةَ عَشاءٍ .

فهذه هي الكفّارة .

  • أمّا إذا كُنتَ فقيرًا :

 – إذا كُنتَ فقيرًا لَم تَجِد مالًا لِلإطعامِ أو لِلكُسوَة

 – أو كُنتَ ذَا مالٍ لَكِن لَم تَجِد عَشرَة مساكين

 

فَانتَقِل إلى :

 – ( صِيامِ ثلاثةِ أيّامٍ مُتَتابِعات ) ( مُتتابِعات ) وهو رأيُ الجُمهور ، لِقِراءة ابنِ مَسْعُوْدٍ رضي الله عنه

أمّا أن يَبْدَأ مُباشَرة بِصِيام ثلاثة أيّام وهو قادِرٌ على إطعام أو كِسوَة عشرة مساكين فإنّ هذا لا يُعَدُّ تَكفيرًا لِيَمِينِه .

     ◾الأصل الخامس والثمانون بعدَ المئة :

التّحذير ثُمَّ التّحذير مِن كَثْرَةِ الأَيمان في البَيعِ والشراء

فَقَدْ ثَبَتَ عند الطَّبَرانِيّ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ : (( ثلاثةٌ لا يُكَلِّمُهُم اللهُ ولا يَنظُرُ إلَيْهِم ولا يُزَكِّيهِم وَلَهُم عَذَابٌ أليمٌ .. )) ذَكَرَ مِنْهُم : (( .. رَجُلٌ جَعَلَ اللهَ بِضاعَتَهُ ، لا يَبِيعُ ولا يَشتَري إلَّا بِيَمِينِه ))

يَعْنِي : مِن كَثْرَة ما يَحلِفُ في البَيع والشراء ، ما يُدرَى هل هو يبيعُ بِضاعة أَمْ أنّه يبيعُ الْيَمِين .

وهذا مِن بابِ التَّقبيح والتَّحقير والتَّنفير لِمِثلِ هذا الفِعل .

 

  الأصل السادس والثمانون بعدَ المئة :

خُطُورة اليَمِين الكاذِبة في البَيعِ والشراء

فالنّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال كما في الصّحيحَين : (( الحَلِفُ .. ))

في رِواية أحمد: (( الْيَمِين الكاذِبة .. ))

(( الحَلِفُ مَنفَقَةٌ لِلسِّلعَة ، مَمْحَقَةٌ لِلْكَسب ))

تُنَفِّقُ سِلعَتَهُ : يَعْنِي أنّ سِلعَتَهُ تُشتَرَى مِن جَرّاءِ هذا الحَلِف الكاذب

 

بِأن يَحلِف مَثَلًا بِأنّ صِناعَتَها مَثَلًا مِن الحديد وهي مِن البلاستيك ، أو مَثَلًا يقول : واللهِ هذه مكتوب عليها مِن أنّها مُصَنَّعة مِن الدَّولة الفُلانيّة التي تُتقِنُ الصَّنعة وهي في حقيقتها لَيْسَت كذلك

فَأنواع الكذب في اليمين مُتَعَدِّد ومُتَنَوِّع .

(( الحَلِفُ مَنفَقَةٌ لِلسِّلعَة ))

 لَكِن (( مَمْحَقَةٌ لِلْكَسْب ))

 ذلكم المال الذي يَكسِبُه يكون مَمحُوقًا ، إمّا أن يَزولَ مالُه أو يَبقَى هذا المال لكنّه يَكُونُ عَدِيمَ البَرَكَة ، أو يَزول هذا وهذا مَعًا .

فَدَلَّ على خُطورة الحَلِف الكاذب في البَيع وفِي الشراء

 

 الأصل السابع والثمانون بعدَ المئة :

التّحذير من المُسارَعَة في الشَّهادة

لَيسَ المقصود شهادة الزُّور لِأنّ شهادة الزور مِن أكبَرِ الكبائر

لَكِن بعضُ الناس يقول : يا فُلان قَدِّم قَضِيّة وأنا أَشهَدُ مَعَك .

يَعْنِي يُقَدِّمُ شهادَتَه قَبْلَ أن يُسْأَل قَبْلَ أن يُقال يا فلان اشهَدْ مَعِي ، فيقول قَبْلَ أن يَسألَه : سأَشهَد معك

فَتَجِدُ أنّه يَشْهَدُ ولا يَهتَمّ بِهذه الشهادة ويُسارِعُ فيها .

والنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في الصَّحيحَين قال : (( خَيرُ أُمَّتِي قَرنِي ثُمَّ الذين يَلُونَهُم ثُمَّ الذين يَلُونَهُم .. )) ثُمَّ ماذا قالَ بَعْدَها ؟ (( .. ثُمَّ إنّ بَعدَكُم قَوْمًا يَشهَدون ولا يُستَشهَدون )) يَعْنِي أنّهم يُسارِعون في شهادَتِهِم قَبْلَ أنْ تُطلَبَ مِنهم .

 

وهذا ذَمٌّ لِمَن يَأْتِي بَعْدَ الْقُرُون المُفَضَّلَة  .

ولِذا قال صلّى الله عليه وآله وسلّم كما في الحديث الآخَر في الصّحيحَين : (( خَيرُ النّاس قَرنِي ثُمَّ الذين يَلُونَهُم ثُمَّ الذين يَلُونَهُم ، ثُمَّ يأتي قَومٌ تَسبِقُ شَهادَةُ أَحَدِهِم يَمِينَهُ ، ويَمينُهُ شَهادَتَه ))

يَعْنِي مِن كَثْرَة ما يَحلِفُ مِن كَثْرَة ما يَشهَدُ ما تَدري هل الشهادة قَبْلَ الْيَمِين أو أنّ اليمين قَبْلَ الشهادة ، أو أنّه يَجمَعُ مع شهادَتِه

لِأنّه أصبح معروفًا عند الناس مِن أنّه يَشهَد مِن أنّه لا يُصَدَّقُ إلَّا إذا حَلَفَ على شهادَتِه

انْـتَـبِـهْ ، لا تُسارِع في الشهادة إلَّا إذا طُلِبَت منك وهي شَهادَةُ حَقٍّ

قال تعالى { .. وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ  }

إذا كان يَعرِفُ أنّ الحقّ مع فلان وشَهِدَه

أو في حالةٍ أُخرى :

ويُحمَل عليها ما جاء في صحيح مسلم : (( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ ؟ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ الشَّهَادَةَ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلُوهَا ))

هذه مَحمُولة على ماذا ؟

تَصَوَّر لَو أنّ إنسانًا لَهُ حَقّ على فُلان ، قِيلَ لَه : يا فُلان لَكَ الحَقّ على فُلان لِتَأْتِ بِالشُّهود ، هو لا يَعلَمُ أنّ لَدَيه شُهودًا

لكِنّك تَعْلَمُ – مِن حَيثُ لا يَعْلَمُونَ – تَعلَمُ أنّ فُلانًا له الحَقّ ، هُنَا حتّى لا يَضِيع حَقّ ذلك المسلم عليك أن تَشهَدَ له ، ويُحمَلُ عليه هذا الحديث  (( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ ؟ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ الشَّهَادَةَ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلُوهَا ))

 

 

   الأصل الثامن والثمانون بعدَ المئة :

لِخُطورة كَثْرَةِ الحَلِف وكَثرة الشهادة والعَهد ، كَقَولِ( عَهْدٌ عَلَيَّ لِلّهِ ) وماشابَهَ هذه الألفاظ :

 لِخُطورَتِها كان السَّلَف رَحِمَهُم الله يَنهَونَ الصِّغار بَل ويَضرِبونَهُم إذا رَأَوا مِنْهُم كَثرَةَ يَمِين أو كَثْرَةَ شهادة حتّى لا يَعتادوا عليها

قال إبراهيم النَّخَعِيّ كما في صحيح البخاريّ ، قال : ( كانوا يَضرِبونَنا على العَهدِ والشَّهادَةِ وَنَحْنُ صِغار  )

حتّى لا يَعتادوا على مِثلِ هذا الأَمْر .

وعند مسلم : قال إبراهيم النخعيّ رَحِمَهُ اللهُ : ( كانوا يَنهَونَنا وَنَحْنُ غِلمان عَن العَهد والشّهادات ) .

فَدَلَّ هذا على ماذا ؟ على أنّ السَّلَفَ رحمهم الله كانوا يُعَوِّدون الصِّغارَ على عَدَمِ كَثرَةِ اليمين وكَثرَةِ الشهادة ، حتّى إنّهم في بعضِ الأحوال يَنهَونَهُم فَإِذَا لَم يَنزَجِروا ضَرَبوهُم ، لَكِنّه يَكُونُ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ مِن أَجْل التَّأديب .

هذه أصول مهمّة ، ولها بإذن الله تَتِمّة لِأنّها مُهِمّة