بسم الله الرحمن الرحيم
[ تفسير سورة النمل]
من الآية (45) إلى آخر السورة
الدرس (195)
لفضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين أما بعد:
فكنا قد توقفنا عند قول الله عز وجل:
- {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا}: وهذه القصة قصة صالح مع قومه هذه مما تؤكد على أن هذا القرآن حق، ولذا قال عز وجل في أول السورة: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ}، فلما ذكر قصة سليمان ذكر قصة صالح عليه السلام {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} أمرهم بعبادة الله عز وجل كشأن الرسل عليهم السلام، {فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ}: يعني فريق آمن وهم قلة، وفريق كفروا به، ولذا قال عز وجل مبينًا حال هؤلاء كما في سورة الأعراف: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}[الأعراف: 75-76]، فذكر عز وجل في سورة الأعراف حال هذا التخاصم مع هذين الفريقين: {فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ}.
- {قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ}: السيئة يعني العذاب، لم تستعجلون الحالة السيئة قبل الحسنة، {لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ}: وهذا يدل على أنهم طلبوا عذاب الله، {لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ}: يعني هلا تستغفرون الله من هذا الشرك ومن هذه الذنوب، {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}: وهذا يدل على أن الاستغفار سبيل إلى رحمة الله عز وجل، {لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.
- {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ}: لكفرهم وعنادهم، {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ}: يعني تشاءمنا بك وبمن معك فإنك حينما أتيت إلينا أتتنا الشرور وأتانا البلاء، {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ}: فهذا الطائر الذي تقولونه هو بتقدير الله عز وجل وإنما جاء بسبب شؤمكم وبسبب أفعالكم وبسبب ذنوبكم، {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ}: أي تختبرون بالبلايا وبالمحن لعلكم ترجعون فقال الله عز وجل: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ}.
- {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ}: الرهط هو ما دون العشرة وأضيف هذا الجزء إلى الكل، {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ}: يعني تسعة رجال، {تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ}: قال (ولا يصلحون) مبينًا أن حال هؤلاء من أنه يعني هذه الحال حالهم حال إفساد وليس معه صلاح البتة، ولذا في سورة الشعراء ماذا صالح عليه السلام؟ {وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ}[الشعراء: 151-152]، {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ}.
- {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ}: يعني حلف بعضهم بالله عز وجل، سبحان الله! هذا يدل على صدودهم وإعراضهم كيف يحلفون بالله عز وجل على ماذا؟ على أن يبيتوا صالحًا عليه السلام الذي هو رسول الله!، {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ}: أي لنأتين عليه وعلى أهله، قال بعض المفسرين: الأهل هنا هم القوم الذين آمنوا معه عليه السلام، {لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ}: يعني من يتولى دمه، {ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ}: يعني ما حضرنا مهلك أهله فكيف نقتله؟ وهذا يدل على ماذا؟ يدل على الافتراء والكذب، {ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}: أكدوا ذلك بأنهم صادقون وهم الكذبة، {وَمَكَرُوا مَكْرًا}: وذلك بأنهم أرادوا أن يدبروا لصالح عليه السلام ليوصلوا إليه الشر فقال عز وجل: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}، فدل هذا على إثبات صفة المكر لله عز وجل لمن يمكر بأوليائه، ومر معنا هذا مفصلًا من أن صفة المكر لا تطلق على الله عز وجل إلا على سبيل التقييد: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}: لا يشعرون كيف مكر الله عز وجل بهم إذ أنزل بهم عذابه ولذا لما قال عز وجل: {وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}:
{فَانظُرْ}: نظرة تأمل وتدبر، {فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} لم ندمر هؤلاء التسعة فقط، بل دمرناهم ودمرنا قومهم: {أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ}.
- {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ}: إشارة إلى بيوتهم من أراد أن ينظر ككفار قريش الذين يمرون بهم حال أسفارهم، {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا}: قد سقطت أسقفها على جدرانها، {خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا}: بسبب ظلمهم وما ظلمهم الله، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً}: لعلامة لمن رأى آثارهم لقوم يعلمون عندهم علم وينحُّون أنفسهم عما يغضب الله عز وجل: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}.
- {وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}: أنجى الله عز وجل صالحًا ومن آمن معه فإنهم آمنوا واتقوا سخط الله عز وجل.
- {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ}: يعني واذكر حال لوط عليه السلام وقت ماذا؟ وقت أن نصح قومه: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ}: وهي فعلة اللواط، {وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ}: يعني يبصر بعضكم بعضا حال فعل الفاحشة، {وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ}: ودل هذا على ماذا؟ على أنهم أصحاب بصر لكنهم قد أعموا أبصارهم وبصائرهم، {وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ}.
- {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}: فهم قوم أصحاب جهل فلا يقدم على هذا الأمر إلا ماذا؟ إلا أصحاب الجهل فوصفهم الله عز وجل هنا من أنهم أصحاب جهل.
- {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا}: يعني للوط ،{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ}: ولذلك في الآية الأخرى: {أَخرِجُوْهُم}، وهنا صرحوا: {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ}؛ لأن من آمن فقط من؟ لوط ومعه بناته، {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ}: العلة -وهي علة لا تستوجب إخراجهم- لكنه انتكاس الفطر! {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}: من هذه الفواحش فهم يعلمون أنها فواحش، {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}: يعلم قوم لوط بأنهم يفعلون الفواحش لكن نعوذ بالله من انتكاس الفطر، ولذا هم هددوه بماذا؟ هددوه بأن يخرجوه من القرية فقال الله عز وجل: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}.
- {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ}: أي من الباقين في العذاب؛ لأنها كانت على دين قومها.
- {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا}: أمطر الله عليهم مطرًا وهي الحجارة، {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ}[هود: 82-83]، فقال عز وجل: {فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ}: من الذي أُنذِر؟ قوم لوط فساء هذا المطر الذي نزل بهم لأنه مطر عذاب. {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ}[الفرقان: 40]، {فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ}.
- {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} قل يا محمد: الحمد لله لتحمد الله عز وجل على ما أنعم به عليك من النعم العظيمة ومن ذلك هذا القرآن فهو ثناء على الله عز وجل بالحمد وهو يتضمن التوحيد، {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ}: أي وقل يا محمد مسلِّمًا على المرسلين: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}: يعني اختارهم ممن ذكرهم الله عز وجل في هذا القرآن وفي هذه السورة، {وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ}: يعني لو كانت لديهم عقول هل الله خير، الله عز وجل العليم القدير السميع من له العظمة والكبرياء أهو خير أم هذه الأصنام التي جعلوها مع الله عز وجل وقال هنا خير مع أن الأصنام لا خير بها وهذا من باب التهكم بهؤلاء فأين عقولكم؟
ولذلك ماذا قال عز وجل؟ {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} ثم ذكر الدلائل على عظمة الله عز وجل الذي هو يستحق العبودية لا هذه الأصنام فقال عز وجل:
- {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ}: ذات منظر حسن لما ينزل الله عز وجل مطر ذات بهجة: {مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا}: حتى لو بذرتم وفعلتم وفعلتم ما كان لكم أن تفعلوا ذلك، {مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ}: سؤال للاستنكار على هؤلاء {أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ}؟ الجواب: لا ليس هناك إله مع الله لو كانت لديهم عقول: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ}: يعني أنهم يساوون غير الله بالله فيعدلون عن الحق، {بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ}: ولذلك ماذا قال عز وجل في أول سورة الأنعام؟ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}[الأنعام: 1]، {بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ}.
- {أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا} لما ذكر ما يتعلق بالسموات وما ينزل من العلو من مطر ذكر الأرض، فقال عز وجل: {أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا}: من أنها مستقرة ثابتة، {أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا}: أي: في جوانبها وفي نواحيها، {أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ}: حتى لا تضطرب ولا تميل {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا}، {وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا} يعني مانعًا من أن يختلط أحدهما بالآخر كما قال عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا}[الفرقان: 53]، وكما قال عز وجل: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ}[الرحمن: 19-20]، {وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ}: استفهام إنكاري ويراد منه النفي: لا إله مع الله عز وجل، {أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ}: لا يعلمون خطورة ما هم عليه من هذا الكفر، {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ}.
- {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ}: من الذي يجيب المضطر إذا دعاه؟ هو الله عز وجل: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ}: حتى لو كان كافرا فإن الله يجيبه لكن ليس على كل حال يجيب الكفار على وجه الاستمرار، ولذلك ماذا قال عز وجل كما في سورة الأنعام كما مر معنا: {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ}[الأنعام: 41]، {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}: أيضًا من الذي يكشف السوء والبلايا والمحن والمصائب {وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ}: يعني يجعلكم يجعل بعضكم يخلف بعضا، {وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ}: إنكار لهؤلاء {قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} قليل تذكركم وإلا لو تذكرتم لعلمتم ماذا؟ لعلمتم أنكم في تلك الأحوال تحتاجون إلى الله عز وجل فيكشف الضر عنكم ويزيل عنكم السوء: {قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}.
- {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} يعني إذا كنتم في ظلمات البر والبحر من الذي يهديكم في ذلك؟ {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ}. ولذلك قال: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}[الأنعام: 63]، فقال هنا {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}: يعني قُدَّام رحمته التي هي المطر. {أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}: فله العلو عز وجل تعالى الله وتنزه الله عما يشركون.
- {أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} من الذي يبدأ الخلق فيجعل الإنسان الذي خلق من نطفة ثم يكون أطوارًا ثم يكون إلى أجل مسمى في هذه الحياة ثم يحييه عز وجل: {أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}: مما ينزله عز وجل من الأمطار وما ينبته من الأرض، {أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ}: استفهام إنكاري توبيخ لهؤلاء إن كان كما كنتم قل يا محمد لهؤلاء {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ}: أين الدليل لكم على ذلك؟ {إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} لكنكم كذبة فلستم صادقين ولذا ماذا قال تعالى؟ {أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ}[الروم: 35]، ما أنزل الله لهم حجة ولا سلطانًا {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}.
- {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}: لا أحد يعلم لا من في السموات ولا من في الأرض لا يعلم الغيب إلا هو عز وجل، ومن زعم أن أحدًا أو أنه يعلم الغيب فإنه يكون كافرًا بالله عز وجل كفرًا أكبر، فلا يعلم الغيب إلا الله إلا ما أطلع الله عليه بعض رسله فلا يظهر على غيبه أحدًا إلا من ارتضى من رسول: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}: يعني هؤلاء جهلة حتى أنهم لا يشعرون ولا يعلمون متى يبعثون كما قال عز وجل عن أصنامهم من أنها أيضًا لا تشعر في سورة النحل: {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}[النحل: 21-22]، فقال عز وجل هنا: {وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ}: ادّارك لها تفاسير لكن أوضح التفاسير وأقرب التفاسير ادَّارك: أي تدارك هل تدارك من النقصان؟ تدارك: يعني نقص فنقص فزادَ نقصانُ علمهم بالآخرة في هذه الدنيا ولذلك ماذا قال؟: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ}: وكذلك يدخل فيه القول الآخر: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ}: يعني ادَّارك: هنا تكون بمعنى التكامل يعني اكتمل علمهم في الآخرة، إذا رأوا العذاب في يوم القيامة هم في حالهم في هذه الدنيا تناقص علمهم عن الآخرة فأصبحوا في شك منها بل إنهم عمون عنها فإذا بعثوا يوم القيامة تكامل علمهم، فإذا رأوا العذاب هنا تكامل علمهم واتضح لهم ولذلك ماذا قال عز وجل؟ {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}[ق: 22]، {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا} في هذه الدنيا {بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} هم أعمى البصيرة والقلب، {بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ}.
- {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ}: يستبعدون ذلك، ولذلك ماذا قال تعالى؟ {قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}[الواقعة: 49-50]، {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ}: يستبعدون ذلك {لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا}: في سورة المؤمنون ماذا قال عز وجل؟ {لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ}[المؤمنون: 83]، قدم اسم الإشارة هنا {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا}: قدم هذا باعتبار ماذا؟ باعتبار -والعلم عند الله- لأنهم ذكروا ماذا؟ من أنهم إذا كانوا ترابًا -يعني ذكروا شيئًا واحدًا وهو التراب- فيقولون مع هذا كله هذا الشيء الذي نصير إليه وهو التراب أَنُبْعَث؟ {لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ}: لكن لما كان الحديث هناك: {قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا}[المؤمنون: 82]، في هذه السورة فقط ذكروا التراب، {قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْل ُإِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ}[المؤمنون: 82-83]، هنا ماذا قالوا؟ {لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} يعني أن ما تقوله أنت يا محمد لقد وعد آباؤنا السابقون فهلكوا ومع ذلك أين هم؟ إنما الذي تقوله هو من أساطير الأولين وأكاذيب الأولين كحال الرسل السابقين -هذا على زعمهم -ولذلك ماذا قال عز وجل عنهم في آية أخرى؟ {فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ}[الدخان: 36-37]، فقال عز وجل عن هؤلاء: {إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ}.
- {قُلْ} يا محمد لهؤلاء: {سِيرُوا فِي الأَرْضِ}: فتأملوا واعتبروا.
{قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ:} ما هي عاقبة المجرمين من الأمم السابقة التي كذبت الرسل إلى الهلاك تمرون عليهم إذا ذهبتم إلى تجارتكم بالشام تمرون على ديار تبوك وعلى ديار ثمود وعلى ديار قوم لوط وتمرون بتجارتكم في اليمن على آثار قوم عاد فقال الله عز وجل: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}، ولذلك في آية أخرى {انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}[الأنعام: 11]، لأنهم مكذبون ولذلك ماذا قال تعالى؟ {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}[الأنعام: 11]، هم أصحاب تكذيب وهم أصحاب إجرام، {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}.
- {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ}: يا محمد، {وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ}: لا يصيبك ضيق وهم وما يكون في قلبك، {مِمَّا يَمْكُرُونَ}: ما يقولونه من هذا القول مكر وخداع ومؤامرة عليك.
- {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}: أعوذ بالله يعني لما هددهم وقال: قل سيروا في الأرض فانظروا إلى عاقبة الأمم السابقة يقولون لتأتِ بهذا العذاب: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}، {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ}[العنكبوت: 53-54]، {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ قُلْ}: قل يا محمد لهؤلاء: {عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ}: الإنسان لما يُركِبُ شخصًا ما على الدابة يكون رديفًا خلفه وهو قرين: {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ} ماذا؟ هذا الذي وعدتم به قريب كقرب ماذا؟ كقرب الرديف من صاحبه: {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ}: بعض ما تستعجلون من العذاب لعله قريب، {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ}.
- {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ}: على عموم الناس، ومنهم هؤلاء إذ لم يعاجلهم بالعقاب فأخرهم لعلهم أن يتوبوا، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ}: إنما الذي يشكر القلة ممن وفقه الله عز وجل {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ}.
- {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ}: ما تخفي، {مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ}: ولو كانوا أصحاب إيمان لعلموا أن الذي يعلم ما في قلوبهم وما يظهرونه أنه هو القوي العزيز الذي قادر على أن يهلكهم فواجب عليهم أن يؤمنوا، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ}.
- {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}: ليس هناك شيء خفي في السموات وفي الأرض لا تعلمونه {إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}: في اللوح المحفوظ، {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}.
- {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ}: وأشار إليه وصرح باسمه لتعظيمه، {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} لما ذكر ما يتعلق بكفار قريش ذكر ما يتعلق بصدود من؟ بصدود اليهود. يقص عليهم ما كانوا فيه يختلفون مثل اختلافهم في ماذا؟ في عيسى بعضهم قال ابن الله، بعضهم قال هو الله، بعضهم آمن به، اختلفوا في شأن من؟ في شأن مريم عليها السلام، ولذلك ماذا قال عز وجل في سورة المائدة كما مر معنا؟ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ}[المائدة: 15]، هنا ماذا قال؟ {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ}: لم يقل كل، {أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}: يعني مما أمر الله عز وجل به مما له في ذلك حكمة يقص عليهم ما لم يكن أمَرَهُ ألا يذكر شيئًا عن ذلك: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}.
- {وَإِنَّهُ}: يعني القرآن، {لَهُدًى}: من أراد الهداية فبالقرآن، {وَرَحْمَةٌ}: من أراد أن يصل إلى الرحمة إلى رحمة الله في هذا القرآن، {وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}: لأنهم هم المنتفعون به {وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}
- {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ}: بحكمه عز وجل القدري والجزائي، فيجازي كل طائفة ما تستحقه، {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}: عزيز القوي الذي له الحكم وهو عليم بحالهم وسيحكم بينهم ولا يظلم ربك أحدًا.
- {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}: يعني إذا كان الأمر كذلك -مما مضى ذكره يا محمد- فتوكل على الله، لا تلفت إلى هؤلاء لمَ؟ {إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} أنت على الحق المبين الواضح بيانه، أما هؤلاء فليسوا على حق بل على باطل {إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ}.
- {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى}: لا تسمع الموتى هؤلاء بمثابة الموتى فكيف تسمع الموتى؟ لأنهم عطلوا حواسهم، {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ}: يعني هل تسمع الأصم إذا دعوته؟ الجواب: لا {وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ}: سبحان الله دل على ماذا؟ على أنهم أعظم من الأصم؛ لأن الأصم إذا كان حاضرًا عندك هو يمكن إذا رفعت صوتك بقوة شديدة أو بجهاز مكبر يمكن يسمع، أو بالإشارة يمكن يسمع، لكن هؤلاء الواحد منهم أصم وهو معرض، فكيف يسمع وكيف يفهمك يا محمد؟ يعني فلا تيأس فهؤلاء بعيدون عن الحق {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ}.
- {وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ} لمَ؟ لأن الهادي هو الله {وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ}: هؤلاء بمثابة العمي، {وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ}: فقط مَن ينتفع بالسماع: {إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ}: يعني ما يستفيد ولا يسمع منك إلا من هم؟ من آمن بالآيات وقد أسلموا لله عز وجل.
- {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ} يعني حق القول عليهم وذلك متى؟ في آخر الدنيا قبل قيام الساعة حينما تخرج علاماتها. {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ}: يعني وجب القول عليهم، {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ} يعني إذا أراد الله أن تقوم القيامة أخرج هذه العلامة من العلامات الكبرى للساعة: {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ}: يخرجها من الأرض وأما ما يتعلق بأوصافها وما شابه ذلك، فليس هناك حديث صحيح -فيما نعلم- عن هذا الأمر، وقد تحدثت عن خروج الدابة في غير هذا الموطن بتفصيل، المهم {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ}: وفي قراءة (تَكْلَمُهُم): يعني تجرحهم ولذلك ثبت في الحديث من أنها معها عصا موسى تجلو المؤمن فيظهر على وجهه النور، ومعها خاتم سليمان فتختم أنف الكافر فيُعرف حينها حينما تخرج يُعرف الكافر من المؤمن قال ابن كثير -رحمه الله-: ولا تعارض بين القولين فهي تجرحهم وأيضًا تكلِّمهم، تكلمهم بماذا؟ {أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ} قبل: لا يوقنون، إذا عُرِفَ المؤمن من الكافر فلا ينفع هذا اليقين، {أَنَّ النَّاسَ}: يعني بأن الناس {أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ}.
- {وَيَوْمَ نَحْشُرُ}: هذه علامة من العلامات الكبرى للساعة، هنا بيان إذا قامت الساعة: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ} يعني في يوم القيامة واذكر يوم نحشر، {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ}: (مِن): هنا للتبعيض، {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا}: يعني جماعة، {مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا}: (من) هنا للبيان يعني لأن كل هؤلاء الذين يحشرون كذَبَة {فَهُمْ يُوزَعُونَ}: يجمع بعضهم مع بعض، فيجمع الأول منهم مع الآخر {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا} ولذلك ماذا قال قبلها؟ {إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ}، أما هؤلاء {مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ}.
- {حَتَّى إِذَا جَاءُوا}: يعني هؤلاء المكذبون، {قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي}: يقول الله عز وجل لهم: {أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا}: يعني أنتم كذبتم بآياتي من غير ماذا؟ من غير علم ولا يقين ولا حجة ولم تحيطوا بذلك علما، فإن قلتم نحن عندنا علم: {أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}: ماذا كان عملكم في الدنيا؟ إنما هو الشرك والكفر وما يخالف هذه الآيات. فإذًا هم لا علم عندهم ولا عمل عندهم، لا علم عندهم وحجة على شركهم وعلى تكذيبهم بالآيات، ولا عمل صالح يفيدهم لأنهم كذبوا بالآيات ولا عمل صالح إلا عن طريق العلم، ولذلك ماذا قال؟ {أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}. ولذلك ماذا قال تعالى في سورة يونس: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ}[يونس: 39]، في سورة الأعراف: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}[الأعراف: 53]،
- {وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ}: هنا وجب القول عليهم بالعذاب، {وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا}: بسبب ظلمهم فهم لا ينطقون لا حجة لهم.
- {أَلَمْ يَرَوْا}: ألم يتمعنوا في دنياهم إلى هذا الليل: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا}: يعني ألم يتمعنوا؟ فالليل للسكنى والنهار هو في ذاته مبصر: {وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ}: يعني مجيء الليل ثم نهار ثم ليل ثم نهار وهكذا يدل على ماذا؟ يدل على أن هذا الكون له من يدبره وسيأتي يوم من الأيام فيقف هذا الأمر إذا قامت الساعة، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}: علامات لمن يتأمل الليل والنهار، {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}: لأنهم هم المنتفعون به، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.
- {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ}: إلا من شاء الله عز وجل ألا يفزع ولذلك اختلف العلماء هل هم الشهداء؟ هل هم الأنبياء؟ هل هم الحور العين؟ المهم من رضي الله عز وجل عنه وأراد إكرامه فقد استثني من هذا الفزع وهل النفخ لأنه قال: {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ} في سورة الزمر قال عز وجل: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ}[الزمر: 68]، فصعق: يعني مات من في السماوات ومن في الأرض، وفيه نفخة نفخة البعث: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}[الزمر: 68]، بعض العلماء قال: هي ثلاث نفخات؛ فزع، وصعق، وبعث، لكن الذي يظهر من أنهما نفختان لمَ؟ لأن النبي ﷺ كما ثبت عنه في الصحيح قال: “ما بين النفختين أربعون” قيل لأبي هريرة: (أربعون سنة؟) قال: (أبيت) (أربعون شهرًا؟) قال: (أبيت) يعني ليس عندي علم، فالله أعلم بها وما جاء من أدلة على أن بينهما أربعين سنة أو أربعين شهرًا أو أربعين جمعة يعني أربعين أسبوعًا فلا دليل عليه الله أعلم ما بين النفختين، فدل هذا على أنهما نفختان، دل هذا على أن ماذا؟ على أن نفخة الصعق يصحبها فزع، فهي نفخة واحدة ثم نفخة البعث فقال عز وجل: {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ}، هذا الفزع هل هو قبل قيام الساعة أو بعد قيام الساعة؟ قيل بهذا وقيل بهذا، المهم أن الأمر ذو أمر جلل! سواء كان قبل أو بعد {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ}: كل الخلائق {أَتَوْهُ دَاخِرِينَ}: صاغرين، وعنت الوجوه للحي القيوم وهذا يدل على ماذا؟ على أنهم داخرون لأنهم عباد لله، {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا}[مريم: 93]، {َوَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ}.
- {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ}: تظنها حال الرؤية أنها جامدة وباقية في مكانها، وهي تمر مر السحاب، فالسحاب عظيم، وهي تمر مر السحاب لمَ؟ لأنها تؤخذ هذه الأرض وترفع، {وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً}[الحاقة: 14]، فتنسف نسفًا فكانت هباء منبثا، فمن يراها قد رفعت كأنها السحاب فقال عز وجل: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً}، يظنها إذا رآها رأى أنها ثابتة، لكن ما حقيقتها؟ هي حُمِلَت من أجل أن تُدَكّ فتصبح كالعهن المنفوش كما في سورة القارعة، فتكون هباء منبثًا فكانت هباء منبثًا، {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ}: يعني هذا منصوب على المصدرية، {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} وهذا يوجب ماذا؟ أن تعبدوه وحده {إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ}، خبير عالم ببواطن أموركم وبظواهرها، ولعلك ترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب تؤيد من يقول من أن هذا قبل يوم القيامة، فقال هنا:
- {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ}: وأعظم الحسنات التوحيد بل لا يقبل عمل ولا تقبل حسنة إلا بالتوحيد، {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا}، كما قال تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}[الأنعام: 160]، {وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ}: {يومئذ}: في يوم القيامة آمنون، وهذا قد يؤيد قول من يقول: أنها في يوم القيامة {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ}، يقول هنا: {وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} وفي يوم القيامة فزع قال تعالى: {لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ }[الأنبياء: 103].
- {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ}: يعني بالشرك كما قال جملة من الصحابة لأن هذا العذاب عذاب لمن؟ عذاب لأهل النار، المقصود بالسيئة هنا الشرك، {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ}: هذا العذاب يصدق على أهل الكفر، {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} يعني من أنها تؤخذ ثم تسقط على هذه الأبدان تسقط على وجوهها إذلالاً، {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}: أي ما تجزون إلا ما كنتم تعملون، ما ظلمكم الله.
- {إِنَّمَا أُمِرْتُ} قال ﷺ إنما أمرت من باب تنبيه وتحذير كفار قريش، {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا}: سبحان الله أنتم يا كفار قريش أنا أمرت بماذا؟ {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ} لم يقل مكة البلدة من باب ماذا؟ من باب أن يبين أنها بلدٌ حرمٌ آمِن يأمنون فيه وغيرهم يُتخَطّف: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}[العنكبوت: 67]، يجب أن تشكروا نعمة الله فأنتم في حرم الله فلا تجعلوا حرم الله سبيلا لكم للكفر، ولذلك ماذا قال عز وجل كما مر معنا؟ قال عز وجل في سورة المؤمنون: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ}: يعني بالحرم، {سَامِرًا تَهْجُرُونَ}[المؤمنون: 67]، كان من الواجب عليكم أن تطيعوا الله عز وجل، لكن من طغيانهم ماذا يقولون؟ لو اتبعناك ربما أُخِذنا قال عز وجل: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا}[القصص: 57]، {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا}: حتى لا يظن من أنه يملك فقط البلدة الحرام فقط بل وله كل شيء، {وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}.
- {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ}: يعني وأمرت أن أتلو القرآن عليكم وعلى غيركم، {فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ}: ثوابه له، {وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ}: ما عليّ إلا البلاغ، {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ}: وقل يا محمد الحمد لله -أمره أن يحمد الله مرة أخرى-؛ لأنه قال في نفس السورة: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}، قال هنا: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا}: سيريكم الآيات كل يوم وكل حين ترون آيات الله التي تدل على عظمة الله، فتعرفونها فتكون حجة عليكم فتعرفون أنه هو الإله الحق ولذلك ماذا قال تعالى؟ {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}[فصلت: 53]، فقال عز وجل: {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}: ليس بغافل عما تعلمون وهذا تهديد لهم فالله مطلع على ما يفعلونه.
وبهذا ينتهي الحديث عن تفسير سورة النمل.