التفسير الشامل ـ تفسير سورة ( الحديد ) الدرس ( 244)

التفسير الشامل ـ تفسير سورة ( الحديد ) الدرس ( 244)

مشاهدات: 490

التفسير الشامل ـ تفسير سورة ( الحديد )

الدرس (244 )

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة الحديد، وهي من السور التي اختلف المفسرون هل هي مكية أو مدنية؟

{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (5) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (6) }

{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} دل هذا على أن من في السموات، ومن في الأرض سبح لله يعني من حيث الماضي فثبت تسبيح هؤلاء لله، ولذا قال تعالى {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} هذه بصيغة الفعل المضارع التي تدل على الاستمرار، وتسبيح هؤلاء من من جمادات وغيرها سبق بيانه فيقوله تعالى {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}.

{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فهو العزيز القوي الغالب الذي لا ينال بسوء، وهو الذي يستحق عز وجل أن يسبح له، وهو الحكيم إذ شرع لعباده هذه العبادات.

{لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} من حيث  التصريف والتدبير {يُحْيِي وَيُمِيتُ} ومن ثم فإنه لا يعجزه شيء أن يعيدكم مرة أخرى، {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، ليس على هذا الأمر فقط، بل على كل شيء قدير.

{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} تفسير هذه الآية فسرها بعض المفسرين، لكن نقول فسرها النبي عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم، ولا حاجة لتفسير أحد بعد تفسيره عليه الصلاة والسلام، فقال: ” هو الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، والظاهر الذي ليس فوقه شيء، والباطن الذي ليس دونه شيء” وكلمة الباطن لا تدل على أن الله في السفل تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، بل معتقد أهل السنة والجماعة من أن الله في العلو، ولذلك قد يتوهم بعض الناس هذا الأمر أتى بعدها بقوله لما قال {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} ماذا قال بعدها؟ {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} فهو يعلم كل ما يكون في السموات، وفي الأرض حتى في قاع الأرض، ولذلك جاء حديث: ” لو دليتم بحبل إلى الأرض السفلى لوقع على الله” هذا الحديث ضعيف، ولو صح تنزلا، فإن المقصود هنا ماذا؟ من أن الله يعلم حال هذا الدلو، ولذلك ماذا قال بعدها مؤكدا على هذا الأمر{هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ} يعني استوى استواء يليق بجلاله وبعظمته، {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ} أي ما يدخل فيها {وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} {وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ} من مطر ومن ملائكة، {وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} من الأعمال ومن الملائكة {وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} ومر توضيح لهذه الكلمات أكثر في السور السابقة لما قال ذلك ماذا قال؟ {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}، فلما ذكر استواءه على العرش ذكر المعية مما يدل على أنه لا تنافي بين علوه عز وجل، وبين معيته لخلقه، فهو يعلم كل شيء، ولذلك لما قال {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} ماذا قال بعدها {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} ولذلك قال الله {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} ما ختام الآية؟ {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} افتتح الآية بالعلم، وختمها بالعلم، فدل هذا على أنه في العلو لكنه عز وجل أحاط بمعيته وعلم كل شيء، فهو عز وجل لا يخفى عليه شيء في الأرض، ولا في السماء، فقال الله {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}

{لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} كرر ذلك مرة أخرى من باب أن يبين أن له التدبير والتصرف في ملك السموات، وما في الأرض، ولا يعجزه شيء {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} فكل الأمور ترجع إلى الله، فيحالسب عباده يوم القيامة {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} في هذه الدنيا، فلا يمكن لأحد أن يفعل شيئا إلا بأمر الله.

{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ} دلائل على عظمته {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} يدخل هذا في هذا، فيقصر هذا، ويطول هذا، {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} سبحان الله! انظر إلى الآيات تتحدث عن العلم، وتتحدث عن إحاطته عز وجل بكل شيء حتى ما تكنه الصدور.

{آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8) هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (9) وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11)}

{آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} مع تلك الدلائل ما الذي يجب على الإنسان؟ أن يؤمن بالله وبرسوله، {آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} يعني وأنفقوا من هذا المال الذي جعلكم مستخلفين فيه بحيث ورثتم من سبقكم، وأيضا سيرثكم من يأتي بعدكم، جعلكم مستخلفين فيه، {فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ} يعني من آمن بالله وبالرسول، {فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} أجر كبير عند الله، وأعظم هذا الأجر هو الجنة.

{وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} يعني ما الذي يمنعكم من الإيمان بالله {وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ} الرسول بينكم {يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} يعني أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين فلتوفوا بالعهد، فهذا يشمل الكافر والمؤمن، ويكون الميثاق ماذا؟ يكون الميثاق الذي أخذه الله على ذرية آدم، وهم في صلبه، أو أن المقصود ولعله هو الأظهر من أن الميثاق هنا يكون على أهل الإيمان لما قال تعالى {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}

{هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} ينزلها على حسب الأحداث والوقاائع بينات واضحات من أجل ماذا؟ {لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} من ظلمات الجهل والشرك والشك وما شابه ذلك إلى نور العلم ونور الخير والهدى، {لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} فهو رأف بكم ورحمكم إذ أنزل عليكم هذا القرآن، وأرسل إليكم محمدا صلى الله عليه وسلم.

{وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ما الذي يمنعكم من الإنفاق؛ لأن ما تملكونه ستتركونه، ومن ثم كما قال تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} ، فقال تعالى {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا}

ومن ثم فإن الفتح هنا إما ما يتعلق بصلح الحديبية، أو بفتح مكة، وإن كان الذي يظهر من أنه صلح الحديبية؛ لأنه كلما كان الناس في عصر يحتاجون فيه إلى المال ويكون أهل الإسلام في ضعف، فإن الإنفاق منهم يكون عظيما؛ لأن ما قبل صلح الحديبية ما الذي جرى للمستضعفين؟ جرى لهم من العذاب، والاضطهاد؛ ولذلك خالد بن الوليد رضي الله عنه لما كان بينه وبين عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه شيء من أمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم  كما ثبت عنه؛ لأن خالدا تأخر إسلامه، لأنه ما أسلم إلا بعد صلح الحديبية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” لا تسبوا أصحابي” مع أن خالدا من أصحابه، لكن الصحبة تختلف باختلاف السابق، فقال: ” لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل جبل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه”

{لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} ومع هذا كله حتى لا يتوهم من أن أولئك ليس لهم فضل قال {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} يعني وعد هؤلاء ووعد هؤلاء الحسنى وهو الثواب، أحسن وأعظم ذلك الجنة، {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} فلا يخفى عليه شيء مما تخفونه من خبايا الأمور.

{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} يعني من ذا الذي ينفق في سبيل الله لابتغاء مرضات الله {قَرْضًا حَسَنًا} لا منة فيه، وإنما عن طيب نفس، ومر معنا تفصيل لذلك في سورة البقرة {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً}

قال هنا {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} تضاعف هذه النفقة، وله الأجر الكريم الذي يكرم به عند الله، ومن أعظم  ذلك الجنة.

{يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15)}

{يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} يعني في يوم القيامة، {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} ونص على المؤمنات أيضا، {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} يعني أن النور يكون بين أيديهم وبأيمانهم، ولذلك قال بعض المفسرين: ليس المقصود عن أمامه وعن اليمين، بل من جميع الجهات، لكنه خص المقدمة وعن اليمين لشرف هذين الموضعين ولتكريمهما، ولذلك بعض المفسرين يقول: {وَبِأَيْمَانِهِمْ} ليس المقصود النور، وإنما يأخذون كتابهم بأيمانهم والنور أمامهم، وعلى كل حال فهذا فضل من الله عظيم سواء قيل بهذا، أو قيل بهذا.

{يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ} يقال لهم {بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ} ما هي البشرى؟ {جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} هذا أعظم فوز.

{يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا} يعني أمهلونا وانتظرونا {نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} يعني نأخذ من نوركم، {قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ} من باب التهكم بكم، {قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ} إما إلى المحشر أو {ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ} يعني في الدنيا فإن هذا النور إنما يكون لمن عمل صالحا في الدنيا، {قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ} ضرب بين أهل الإيمان وبين هؤلاء أهل النفاق، {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ} يعني الباطن من حيث جهة أهل الإيمان الرحمة، {وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ} ممن يكون من جهة المنافقين {وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ}.

{يُنَادُونَهُمْ} يعني أن المنافقين ينادون أهل الإيمان، {أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ} في الدينا يعني نصلي ونصوم، {أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى} أنتم معنا {وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ} وذلك بالنفاق، أهلكتم أنفسكم بالعذاب، {وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ} يعني انتظرتم بأهل الإسلام من يهزمهم أو من يسحقهم {وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ} يعني في قلوبكم الريب والشك، {وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ} غرتكم الأماني من طول الأمل، ومن تزيين البقاء في هذه الحياة، {وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ} جاء أمر الله الذي لا يمكن لأحد أن يرده يعني استمريتم على هذا الأمر إلى وقت ماذا؟ {حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} غركم بالله الغرور يعني الشيطان فزين لكم الأعمال {وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}.

{فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} أيضا لا يؤخذ منهم فدية يعني جزاء حتى ينجو من هذا العذاب، {فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ} يعني مثواكم النار، {هِيَ مَوْلَاكُمْ} يعني هي أولى بكم، أو قيل هي من باب التهكم يعني تتولاكم وتنصركم وأي نصر في النار، والنار تكاد تميز من الغيظ على هؤلاء، فقال الله {هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} يعني بئس المرجع إلى هذه النار.

{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18)}

{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا} يعني ألم يحن وقت للذين آمنوا، قال بعض المفسرين هذا عتاب من الله لبعض أهل الإيمان لما أنهم تكاسلوا في بعض الأعمال، وقال بعض العلماء إنما هذا لجميع الأمة من باب التحذير لهم من أنهم يتشبهون بأهل الكتاب، أهل الكتاب أتتهم الكتب، وكانوا إذا أرادوا أن يفعلوا ذنبا عظيما، فكروا بهذه الكتب فإنهم يتعظون، لكن لما طال عليهم الزمن، وتركوا العلم، وتركوا قراءة هذه الكتب ما الذي جرى؟ قست قلوبهم، وضلوا وأضلوا، فقال تعالى {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} والخشوع هو السكون يدل هذا على التواضع، {أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} {لِذِكْرِ اللَّهِ} يعني كل ما يخوف من عذاب الله، {وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} يعني القرآن، وقيل ذكر الله وما نزل من الحق ذكر الله هو القرآن فيكون هذا من باب عطف الشيء على نفسه لتعدد صفاته، وهذا من باب التشريف للقرآن، {أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ} يعني طال عيهم الزمن والسنوات، فأعرضوا عن تعلم العلم الشرعي، وعن تعلم ما يكون في كتبهم، فما الذي جرى؟ احذروا ان تبتعدوا عن هذا القرآن الذي هو مصدر الخير والنور والعزة والخير، احذورا، {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ} فما الذي جرى؟ {فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} يعني أن قلوبهم أصبحت قاسية غليظة، {فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} يعني أنهم ماذا؟ أنهم ابتعدوا عن هذا الدين.

{اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} سبحان الله ! لما ذكر القرآن لأنه حياة للقلوب ذكر ما يتعلق بالمطر؛ لأنه حياة للأرض، {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} يعني وأيضا كما أحيا الأرض بعد موتها قادر على أن يحييكم من قبوركم،{اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ} وضحنا الآيات {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} فإن توضيح الآيات إذا تدبرتموها يوصلكم هذا إلى التعقل، ومن ثم إلى الإيمان.

{إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ} يعني من يتصدق، {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ} من الذكور والإناث {وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} يعني أعطوا هذا المال عن طيب نفس، {وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} ما الذي لهم؟ {يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} تضاعف لهم أجورهم، {وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} وأعظم ذلك الأجر هو الجنة.

 

{وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (19)}

{وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ} في ثنايا السورة {آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} قال هنا {وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ} الذين بلغوا من الصدق مبلغا عظيما ثم قال مستأنفا {وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} والشهداء قيل هم الذين يشهدون يوم القيامة للأنبياء في الأمم السابقة، وقيل الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله{وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} لما ذكر النور في ثنايا السورة قال {لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} وذكر الأجر في ثنايا السورة {يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} لهم الأجر ولهم النور عند ربهم، {لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} وبعض المفسرين قال: إن قوله تعالى {وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ} يعني الذين آمنوا بالله ورسوله في منزلة من؟ الصديقين وفي منزلة الشهداء، ومن ثم ما الذي لهؤلاء الذين في منزلة الصديقين والشهداء؟ لهم مثل ما للشهداء والصديقين ما الذي لهم؟ {لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ}

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} من كفر وكذب بالآيات فله النار، فيكون من أصحاب النار، وهذا يدل على الخلود.

{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)}

{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} تنبيه لأن الناس ينغرقون في متع الدنيا، فهنا تمثيل لحال الدنيا من أنها زائلة مهما عظمت في أعين الناس {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} لعب من حيث الجوارح، لهو من حيث لهو القلوب، {لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ} زينة من أنهم يرونها في أحسن ما يكون، {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}

{وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ} يعني يفخر بعضكم على بعض، {وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ} قال تعالى {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} كل منكم يريد أن يكون أكثر من غيره مالا، مع أن ما لديه يكفيه ويكفي ويكفي ويكفي حتى عشرين من صلبه، ومع ذلك {وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ} الدنيا كمثل مطر {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} يعني من الذي أعجب بهذا النبات؟ الكفار، وذلك لأن الكفار إنما متعهم وإنما محل أنظارهم ماذا؟ الدنيا، فالذي يعجب بهذا النبات الأخضر من؟ هم الكفار، وقال بعض المفسرين {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} يعني الكفار الزراع، لأن الكفر هو الستر فالذي يضع الحبة في الأرض، ويغطيها بالتراب يطلق عليه كافرا بالاعتبار اللغوي بمعنى أنه ستر الزرع كما ستر الكافر فطرة الله ودين الله، فقال الله هنا {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ}، ولا تناقض بين الرأيين، {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ} {يَهِيجُ} يعني يضطرب حتى يكون حسنا ثم مآل هذا الاضطراب إلى ماذا؟ إلى أنه ييبس {ثُمَّ يَهِيجُ} يعني ييبس {ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا} {مُصْفَرًّا} تغير لونه، {فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا} يعي متفتتا، {وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ} يعني هذه الدنيا زائلة بعدها يكون يوم الآخرة، {وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ} لمن كفر بالله {وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ} لمن أطاع الله، {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} يعني من أنها فقط متاع الغرور يغتر الناس بها، ثم هي في زوال.

{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} لما ذكر ما يتعلق بحال الدينا، والناس يتسابقون فيها أمرهم بالمسابقة إلى الجنة، {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} لأنه قال {آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} قال هنا {أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ}

{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} من يوفق للإيمان وللعمل لنيل هذه الجنة من؟ من وفقه الله، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} والله صاحب الفضل العظيم، يدل على ماذا؟  يدل على عظم فضل الله، وهذه الآية مر معنا تفسير لها فيما يتعلق بعرض الجنة والنار في قوله تعالى {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} فقال هنا {وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}.

{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24)}

{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ} أي مصيبة تقع في الأرض أو في نفسك أنت أيها الإنسان، {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ} يعني في اللوح المحفوظ قد كتبت وقدرت، {إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} من قبل أن نخلق الخلق، ومن قبل أن نخلق هذه المصيبة، {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم: ” قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء”

{إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} ما كتبه وما يجريه في الكون هو يسير على الله. لماذا قال هذا الكلام؟ ما العلة؟ {لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} يعني لتؤمن بقضاء الله وبقدره {لِكَيْ لَا تَأْسَوْا} يعني لا تحزنوا على ما فاتكم من هذه الدنيا من خسارة في تجارة، من خسارة في مال في أولاد في أي شيء  من متع الدنيا، {لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا} فرح بطر وكبر {بِمَا آَتَاكُمْ} إذا أعطاكم هذه النعمة، فالله هو الذي كتبها وقادر على أن يزيلها، {لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ} مختال في نفسه {فَخُور} يفخر على غيره، ومر معنا التوضيح أكثر فيما يتعلق بالمختال والفخور في سورة النساء.

{الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} قال بعض المفسرين هي صفة من سبق أو بدل، وقال بعض المفسرين هي استئناف، وهذا يدل على أن من بخل بماله وبعلمه فإن له نصيبا من هذه الآية، {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ} عما أمر الله به {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} فله الغنى المطلق، وليس بحاجة إلى أحد، وهو الحميد الذي يحمد على جميع أفعاله.

 

{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)}

{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ} يعني بالدلائل الواضحات، ومن ذلك المعجزات، {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ} يعني الكتاب، {وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ} {وَالْمِيزَانَ} من أجل أن يقوم الناس بالعدل {لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} يعني بالعدل، {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} فيه بأس شديد من حيث صنعة الأسلحة، ومنافع للناس فيما ينتفعون به مما يكون في بناء بيوت، وما شابه ذلك، {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ} ليعلم الله عز وجل علما يترتب عليه الظهور، ويترتب عليه الجزاء، وإلا فهو عالم بحال كل إنسان قبل أن يخلقه الله، {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ} يعني ينصر الله ورسله، وهو لم ير الله وذلك لعظم إيمانه بالله، {إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} فهو ليس بحاجة إلى أحد لكنه أراد أن يبتلي الناس {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} فقال {إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}  وهو العزيز الذي لا يغلبه أحد، والذي لا ينال بسوء، وذكر هنا ما يتعلق بماذا؟ ما يتعلق بالنصرة ؛ لأنه ذكر الكتب، وذكر الحديد، ومن ثم فإنه يدل على ماذا؟ على أن الدين ينصر عن طريق الحجج بدفع أباطيل أهل الباطل من المبتدعة وغيرهم، أيضا ينصر عن طريق المعارك.

 

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (26) ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآَتَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27)}

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ} لما ذكر الرسل ذكر هنا رسولين؛ لأن جميع الرسل من سلالة هذين النبيين، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} وليعلم أن نوحا قبل إبراهيم عليهما السلام قال تعالى {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ} لكن هنا ما من نبي أرسل إلا وهو من سلالة نوح، ولما جاء إبراهيم يكون الأنبياء من سلالة إبراهيم.

{وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} يعني الكتب المنزلة أنزلها الله على من اختاره من ذريتهم لأن يكون نبيا، {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ} يعني من هؤلاء الذرية، {وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} الأكثر فاسقون.

{ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا} يعني أتبعنا بعد هؤلاء برسلنا رسولا بعد رسول، {وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} يعني إلى أن كان آخر هؤلاء من هو؟ عيسى بن مريم، ثم النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، {وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً} يعني أنهم يترآفون ويتراحمون فيما بينهم، {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} يعني أنهم زادوا في العبادة ابتدعوها من تلقاء أنفسهم لم يشرعها الله لهم، {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} يعني لم يفرضها الله عليهم، {مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} يعني فرضوها على أنفسهم من أجل أن يرضوا الله، ومع ذلك {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} يعني ما قاموا بها على ما كانوا يريدون، {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآَتَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} يعني من آمن بعيسى أعطي الأجر، {وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}.

 

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)}

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ} أمرهم بتقوى الله مع أنهم أهل الإيمان من باب ماذا؟ من أن الإيمان يقوى ويزيد بتقوى الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} يعني نصيبين {مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} وهذا النور ذكر فيما يتعلق بالآخرة {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} وأيضا يشمل النور الذي يكون في القبر، ويكون في الدنيا قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}

{وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} زيادة على ذلك {وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ومن ثم فإن هذه الآية قال بعض المفسرين: إنما هذان النصيبان لمن آمن من أهل الكتاب آمن بعيسى، ثم لما أدرك النبي محمدا صلى الله عليه وسلم آمن به، وبعض المفسرين قال بل إن الآية تكون لأصحاب محمد عليه الصلاة والسلام، وجاءت أدلة تبين ذلك، وعلى كل حال هذا يشمل كل من آمن من أهل الكتب السابقة من أهل الكتاب، وأيضا يشمل هذه الأمة، ولا تعارض بينهما، ولذلك ماذا قال تعالى {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} لأن اليهود ماذا كانوا يقولون؟ يقولون من أننا نحن أبناء الله وأحباؤه، ونحن لنا الجنة، ولنا من الفضائل كذا وكذا، فأعطى الله أهل الإيمان تلك الفضائل السابقة من أجل أن تعلم اليهود {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} يعني أنهم لا يأخذون شيئا من فضل الله من تلقاء أهوائهم، وأيضا لا يمنعون فضل الله عمن يستحقه {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} ولذا قال {وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ}  ليس على حسب أهوائكم {وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} فله الفضل العظيم الذي يمن به على من يشاء من عباده…

وبهذا ينتهي تفسير سورة الحديد……….