تفسير سورة ( الحاقة ) الدرس ( 256 )

تفسير سورة ( الحاقة ) الدرس ( 256 )

مشاهدات: 475

تفسير سورة ( الحاقة )

الدرس (256 )

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سور الحاقة… وهي من السور المكية

{الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8) وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً (10) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12)}

{الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2)} وهذه هي يوم القيامة، وسميت بهذا الاسم؛ لأن ما أخبر به الشرع قد تحقق فيها، وظهر ما فيها، وأيضا حق الأمر وحق عذاب الله على هؤلاء {الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2)} فقد تحققت، وتحقق ما أخبر الشرع عنها، وحقت الأمور على أهلها {الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2)} واستفهم هنا من باب ماذا؟ من باب التهويل لهذه {الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4)} ولذا قال بعض العلماء: إن الله إذا قال للنبي عليه الصلاة والسلام {وَمَا أَدْرَاكَ } فإنه سيدريه، أما إذا قال {وَمَا يُدْرِيكَ} فإنه لا يدريه، ولذا قال تعالى {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} فلم يخبره عن هذه الساعة، فقال تعالى هنا {كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ } يعني بيوم القيامة، سميت بذلك لأنها تقرع الناس بأهوالها وبشدائدها، {كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ } وهذا يدل على أن ذكر الساعة موجود في الأمم السابقة {كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ }.

{كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ} فهنا تفصيل لعذاب هؤلاء {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ } قيل يعني بسبب طغيانهم، وقيل بالطاغية التي هي الصيحة؛ لأنها صيحة تجاوزت الحد، ولا تعارض كما قال تعالى {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا } والقول هنا كالقول هنا ولذا قال تعالى {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ }

{وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ } قيل باردة، وقيل حارة، وقيل مزعجة لعظم صوتها، والذي عليه الأكثر من أن المقصود منها من أنها ريح باردة، ولذلك يسمونه بالريح العجوز؛ لأنها لا تأتي إلا في الشتاء فقال تعالى {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } يعني أنها قوية عاتية.

{سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ } يعني الله أمر هذه الريح وذللها {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا } يعني هي متتابعة، وأيضا هي تقطع يعني تقطع دأب هؤلاء {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ } {فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى } يعني هلكى {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } يعني هامدة، كما قال تعالى {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ } يعني كالنخلة تؤخذ من أصولها ثم ترمى على الأرض، فأخذت هذه الريح رؤوسهم فقلعتها عن أجسادهم، فأصبحوا صرعى خامدين {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ } يعني فهل ترى لهم من نفس باقية الجواب لا {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ }

{وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ } يعني من الأمم السابقة التي كذبت {وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ } يعني قوم لوط وذلك كما قال تعالى {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى } وبينَّا سبب تسميتهم بهذا الاسم كما في سورة النجم

فقال تعالى {وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ } يعني بالأفعال الخاطئة، وهو الكفر بالله، {فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ } تلك الأمم السابقة {فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ } والعصيان هنا هو العصيان الأكبر وهو الشرك بالله، {فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً } يعني عاقبهم عقوبة زائدة عن الحد، {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ } يعني أن الماء ارتفع كما ذكر الله فيما يتعلق بنجاة نوح كما قال تعالى {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} الآيات، فقال الله {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} يعني حملناكم يا كفار قريش {فِي الْجَارِيَةِ} يعني في السفينة، وذلك لأنكم من أصلاب أولئك، وأنتم في أصلابهم

{إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً} يعني تتذكرون بها، {وَتَعِيَهَا} يعني لتحفظها {أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} يعني أذن تعي، وتفهم، وتلقي بالسمع حتى تعقل، وهذا يدل على ماذا؟ على أن الضمير يعود على العقوبة التي نزلت بقوم نوح، وقيل إنه يعود على السفينة، لكن وإن كان ذلك داخلا إلا أن المقصود من ذلك العقوبة التي حلَّت بهؤلاء {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}.

{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (37)}

{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} وهي النفخة الأولى على الصحيح؛ لأن ما ذكر بعدها يدل على أنها هي النفخة الأولى، {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ}  نفخ في ذلك إسرافيل، {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ } هذا يدل على أنها هي  النفخة الأولى، {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ} الأرض والجبال جميعا {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَة} يعني دقتا وفتتا ورفعتا إلى أن ضربتا، فيومئذ حال ما يقع من تلك العلامات {فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ } وهي القيامة { إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ }

{وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ } {وَانْشَقَّتِ} يعني تصدعت وتفطرت { السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ } قال {يَوْمَئِذٍ } لأنها قبل ذلك كانت قوية كما قال عز وجل {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا} لكن في هذا اليوم تصبح {وَاهِيَةٌ } يعني ضعيفة.

{وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا} يعني على جوانبها وعلى نواحيها {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} يعني يحمل عرش الرحمن ثمانية من الملائكة أو ثمانية صفوف من صفوف الملائكة كما قيل بذلك، وعلى كل حال مر هذا معنا في أواخر سورة الزمر، وفي أوائل سورة غافر فقال الله { وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ }

{يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ } والعرض هو الظهور، يعني أنكم تظهرون {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ } {لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} {وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ } {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ } فقال الله {يَوْمَئِذٍ } في يوم القيامة { تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ } ثم بعد ذلك فصل حال الفريقين {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ} يعني خذوا {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} من باب أنه فرح مستبشر {إِنِّي ظَنَنْتُ} يعني أيقنت {أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) } قال {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ } {رَاضِيَةٍ} على وزن فاعل، لكنها على اسم المفعول يعني مرضية، وهذا يدل على ماذا؟ على أن العيشة لو كانت ترضى لرضيت بحالها، فكيف لا يرضى بهذا النعيم. {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) } { فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } { لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ }

{فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23)} يعني ثمار تلك الجنان { دَانِيَةٌ } يعني قريبة فلا يحتاجون في قطفها إلى تعب.

{ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ } ويقال لهم {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا } يعني أن هذا الأكل والشرب هو هنيء سائغ لا مضرة بعده، وفصلنا ذلك أكثر في سورة الطور {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ } يعني بما قدمتم { فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ } يعني في أيام الدنيا من الأعمال الصالحة، وقال بعض المفسرين المقصود من ذلك أن الصائمين يجازون فيقال { فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ } يعني في أيام الصيام، ونقول لا يحصر التفسير بهذا يدخل نعم يدخل، ولكن المقصود {بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ } في أيام الدنيا كلها  بما عملتم من الأعمال الصالحة.

{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ } يتمنى أنه لم يعط كتابه {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26)}  يا ليتني لا أعرف ما سيكون من حساب لي {وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ } أتى بالهاء وهي هاء السكت من أجل أن ينصب الياء الذي قبلها.

{يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ } يعني يا ليتها كانت الموتة التي لا أحيا بعدها، وهذا يدل على ماذا؟ على أن شدة العذاب جعلت هؤلاء الذين كانوا يحرصون على الحياة يتمنون الموت لشدة ما يرونه.

{ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ } يعني ما جمعته من مال لم يغنني ولم يفدني لأي يوم { يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) }

{هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ } زال عني سلطانيه يعني ملكي ويدخل في ذلك القول  الآخر {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ } يعني زالت حججي عني، فلا حجة لي

{خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31)} {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ } يأمر الله الملائكة أن يأخذوه {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ } وذلك بأن تؤخذ يده إلى عنقه فتغل

{خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31)}  يعني ليقاسي حر الجحيم {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) } يعني أن سلسلة ذرعها سبعون ذراعا من أنها تلف به من جميع جسده من داخله ومن خارجه لم؟ {إِنّهُ كَانَ } هذه هي الأسباب أسباب هذا العذاب { إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ } أشركوا مع الله {وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ } يعني أنه لا يحض غيره على إطعام المساكين, أيضا من باب أولى أنه لا يطعمهم {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ} في يوم القيامة {هَاهُنَا حَمِيمٌ } أي قريب أو صديق يدافع عنه {وَلَا طَعَامٌ } يعني ليس له طعام {إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ} وهو صديد أهل النار مما يكون من فضلاتهم { وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (37)} يعني الذين وقعوا في الخطأ الأكبر وهو الكفر بالله.

{فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52)}

 

 

{فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)} ومر معنا في قوله تعالى {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ } ما سبب الإتيان بكلمة لا ، وهنا فيه قسم بما نبصره وبما لا نبصره { فَلَا أُقْسِمُ } فهنا قسم من الله بما نبصره وبما لا نبصره {فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)} جواب القسم من أجل ماذا؟ {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } يعني هذا القرآن { لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } يعني النبي محمدا عليه الصلاة والسلام فهو كريم من حيث صفاته، وأكرمه الله بالفضائل، ولا يدل هذا على ـ كما ذهبت المعطلة ـ من أن القرآن مخلوق؛ لأن الله أضاف القرآن إلى النبي عليه الصلاة والسلام فنقول لكم أين فهمكم للقرآن؟ وأين فهمكم للغة؟ ولذا لو قلت شيئا أمام الناس من كلام قاله بعض  الناس مثلا في مكان، وعرف أن القائل فلان، ثم أنت نقلته إلى مجلس آخر فهل هذا الكلام كلامك أم  كلام فلان؟ كلام فلان، إذن أنت فقط مبلغ، أيضا النبي صلى الله عليه وسلم مبلغ، ولذلك مما يدل على التبليغ من أنه قال في سورة التكوير {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } أي جبريل، فدل هذا على أن جبريل عليه السلام، وأن محمدا عليه الصلاة والسلام من أنهم مبلغون، لكن القائل من؟ هو الله، هو الله عز وجل.

{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ } كما تزعمون، {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ } أين إيمانكم؟ قليلا إيمانكم، إيمانكم منعدم، لا إيمان لكم؛ لأنكم تعرفون أن هذا الكلاىم ليس كلام الشعراء، وأنتم تعرفون الشعراء، {وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ } يعني ليس بقول الكهنة، ولذلك غير الأسلوب قال {قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ } أين تذكركم، فإنما يقوله النبي  عليه الصلاة والسلام فيما يبلغ عن ربه ليس كقول الكهنة، فأين تذكركم {قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ } لكن التذكر عندكم معدوم.

{تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } ولذلك من باب التأكيد أيضا من أنه لما قال {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } بين هنا ماذا؟ أن الذي نزله من؟ رب العاليمن ليس قول محمد، وليس قول جبريل {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } تنزيل من ربكم الذي هو رب العالمين.

{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ } أنتم تزعمون أن محمدا قد أتى بهذا القرآن من تلقاء نفسه فقال تعالى {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ } لو افترى شيئا يسيرا على القرآن وافترى على الله {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ } مع شرفه عليه الصلاة والسلام وحاشاه فقال الله هنا { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) } { بِالْيَمِينِ } يعني بالقوة، وأيضا {لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ } بالحق لأن ما نوقعه به إنما هو حق، وقيل {بِالْيَمِينِ } كما يؤخذ الشخص بيده اليمين إذلالا له، ومن ثم قال تعالى {لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) } {الْوَتِينَ } يعني لقطعنا عرق الوتين الذي يكون عند القلب، وقيل عرق آخر متصل بالقلب المهم {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } يعني لن يمنعنا أحد إذا أردنا بمحمد عليه الصلاة والسلام شيئا فيما لو افتراه وحاشاه عليه الصلاة والسلام.

{ وَإِنَّهُ } يعني القرآن {لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ } لمن أراد التقوى، فإنه تذكرة تذكرة لأنهم المنتفعون به, وهذا فيه تعريض بأنهم ليسوا بأهل تقى وليسوا بأهل خير.

{وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ } فلا يخفى على الله حال هؤلاء فسيعاقبكم

{وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ } يوم يرون النعيم يكون لأهل الجنة يتحسرون يوم القيامة أنهم لم يؤمنوا بهذا القرآن، وقيل يتحسرون في الدنيا لأنهم لم يستطيعوا أن يأتوا بمثل هذا القرآن.

{وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ } يعني هذا القرآن لحق اليقين فهو اليقين وهو الحق، وقد مر معنا توضيح لهذه الآية في آخر سورة الواقعة {وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ }.

إذن مع تلك الدلائل ما الذي يلزمك؟ {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ } نزه الله عما لا يليق بجلاله وبعظمته، ومن ذلك ما يقوله هؤلاء المفترون المكذبون

وبهذا ينتهي تفسير سورة الحاقة.