تفسير سورة ( البينة ) الدرس ( 285 )

تفسير سورة ( البينة ) الدرس ( 285 )

مشاهدات: 487

تفسير سورة ( البينة)

الدرس (285 )

فضيلة الشيخ: زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تفسير سورة البينة…..

{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)}

{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} هنا أقوال متعددة لكن أظهرها هو من أن هذه الآية {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} يعني أنهم لن يتركوا الشرك حتى يأتي محمد عليه الصلاة والسلام وهو البينة فإذا أتى عليه الصلاة والسلام آمن بعضهم، وكفر بعضهم، وقيل {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ } يعني ليسوا بمتروكين كما قال تعالى {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} { أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ } فقد جاءت البينة، وقامت عليهم الحجة، وإن كان الأول أظهر من هذا الثاني، فقال تعالى {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} وقدم أهل الكتاب من باب أنهم أصحاب علم ليسوا كالمشركين

{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ } يعني منفصلين وتاركين { مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ } يعني حتى أتتهم البينة

تلكم البينة ما هي؟

{ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ } فالرسول هو البنية { رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً} تلك الصحف مطهرة، وذلك لما فيها من كلام الله، وهي مطهرة فلا تغير ولا تبدل، وهي  محفوظة من الباطل، وما شابه ذلك، فقال الله {فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ } يعني في هذه الصحف، وذلك لأن القرآن كان يكتب قديما يكتب في الجلود، وفي الأوراق، وما شابه ذلك، فلم يجمع إلا في عهد أبي بكر رضي الله عنه، ثم جمع في آخر الأمر في عهد عثمان رضي الله عنه.

فقال الله {فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ } يعني فيها أشياء مكتوبة من الأحكام، وتلك الأحكام قيمة يعني مستقيمة يعني ذات عدل، وليس بها جور.

ثم قال {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} هذا بيان لحال أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بالنبي عليه الصلاة والسلام، وكانوا مجتمعين قبل أن يأتي على أنه سيبعث نبي في آخر الزمان، لكن لما بعث  ورأوا أنه من العرب هنا كفروا فقال تعالى {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ}

{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ } يعني ما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعبادة الله وبالتوحيد كحال الأنبياء السابقين {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} يعني أنهم مائلون عن تلك الأديان الشركية إلى دين الإسلام {حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } يعني ما مضى من ذكر هو دين القيمة يعني الدين المستقيم الذي لا اعوجاج فيه.

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)}

{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ } قدم أهل الكتاب لأنهم أصحاب علم والحجة قائمة عليهم، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} يعني شر الخلق، دلَّ هذا على أن الكفار هم شر الخلق كلهم، وقد قال الله {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}

{ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ } يعني خير الخلق

{ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ } جنات إقامة {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}  رضي الله عنهم بما قاموا به من الأعمال الطيبة، وفي هذا إثبات صفة الرضى لله بما يليق بجلاله وعظمته، { وَرَضُوا عَنْهُ } وذلك لما أعطاهم وأعد لهم من الثواب.

{ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ}  ذلك الثواب لمن خشي الله، ولا خشية إلا بالعلم، ولذا قال تعالى { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } فقال تعالى {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ}  وهذا يدل على أهمية الخشية.