الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء والحافظ بن حجر في الإصابة وأصل هذه القصة في صحيحي البخاري ومسلم أن هناك رجلاًً يسمى بالطفيل بن عمرو الدوسي (من قبيلة دوس ومساكنهم الآن قريبة من الباحة) هذا الرجل انطلق من قريته إلى مكة لزيارة البيت الحرام فيقول كان الصراع قائماً بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش , قريش لما علمت بأن الطفيل قد أتى إلى مكة وهو من أسياد قبيلة دوس اجتمعوا عليه فالتفت هذه الجموع عليه وقالوا يا طفيل إن لك مكانة عند قومك فإياك إياك أن تستمع إلى هذا الرجل الذي اسمه محمد فإن عنده كلاماً مثل السحر يفرق به بين السيد وبين قومه وبين الرجل وزوجته فيقول فما زالوا يكلمونني عن محمد عليه الصلاة و السلام حتى خفت منه فعمدة إلى قطن فحشوتُ به أذني حتى لا أسمع شيئا يقوله هذا الرجل فيقول خرجت إلى الكعبة لأطوف بها وأتمسح بأصنامها لأنه كان كافراً فيقول ما هو إلا وأن أرى محمداً يصلي عليه الصلاة و السلام يقول فسمعت من كلامه شيئا يسيرا فيقول مازلت أسمع حتى دنوت منه خطوة تلو الأخرى وأنا لا أشعر حتى سمعت كلامه وهو يقرأ القرآن عليه الصلاة و السلام يقول فلما انصرف من صلاته تبعته وقلت أن لكلامك لحلاوة وإن قومك قد قالوا فيك كذا وكذا فما زالوا بي حتى حشوت إذني قطن خيفت من أن أسمع كلامك فأسمعني مما عندك فأسمعه النبي صلى الله عليه وسلم بعض السور ثم قال استأذنك في دعوة قومي فخرج لما شهد شهادة الحق خرج رضي الله عنه إلى قومه فلما أتى إليهم يظن رضي الله عنه أن الأمر يسير وأنه من حين ما تقول هذا محرم أو هذا واجب أن الناس سينصاعون أليك وسيستمعون أليك فما وجد إلى خلاف ما في نفسه فرجع رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال إن دوساً لم يسلموا فادعوا عليهم فرفع النبي صلى الله عليه وسلم قال الصحابة هلكوا إذاً هلكوا فما هي دعوته عليه الصلاة و السلام(اللهم أهدِ دوساً واتِ بهم) فانطلق رضي الله عنه وما رجع إلا ومعه ثمانون بيتاً من دوس قد أسلموا .
هذا القصة تندرج تحتها عدة فوائد :
1- (وهذه الفائدة ضرورية أن ترسخ في أذهان الشباب قبل الكبار) أن الله عز و جل الكونية أن يقوم الصراع بين الحق والباطل ولذا لما قدم التف به أهل الباطل فلا عجب أن تسمع في هذا الزمن في القنوات الفضائية أو أن تكتب مقالات ضد الإسلام أو أن يلمز الإسلام لا عجب في هذا الواجب عليك أن تقوم بحق التبيين والتوضيح [فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا] {يونس:108} [إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ] {القصص:56} لكن أبرء ذمتك أمام رب العالمين ولكن لتعلم أن العاقبة للمتقين الصراع قائم وأشتد هذا الصراع في هذا العصر وهذا شيء ملحوظ لدى الجميع ولذا ليكن المسلم على أهبة من هذا الأمر بحيث يعلم بأن هذا شيء واقع ولا محالة من وقوعه لكن ماذا يجب عليه أن أدعوا إلى الله عز و جل بقدر استطاعتي [فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ] {التغابن:16} ولكن العاقبة للمتقين ولذا قال الله عز و جل [هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ] {التوبة:33} حتى لو فتر الأمر في زمن يعلو الإسلام في زمن آخر والنبي عليه الصلاة و السلام يقول (والله لا تقوم الساعة ولا يبق بيت مدرو لا وبر إلا دخله الإسلام بعز عزيز أو بذل ذليل ) هذا وعد وقال عليه الصلاة و السلام (لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهارا) مروج:يعني خضرة , وهذا يدل على قوته فلا تضعف النفس ولا ينكمش الإنسان ويتصور بأن أمر الإسلام سيضمحل و سيزول كلا إنما هي غمة وظلمة وستزول بإذن الله تعالى.
أن العاقل لا يرخي سمعه لك ما يقال ولا سيما في أهل الحق وفي العلماء فإن هؤلاء لما أصغى الطفيل سمعه أليهم ماذا صنع حشا أذنيه قطن ومن ثم فإنه لما مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وقال إنك يا طفيل أديب شاعر تعرف الحق من الباطل فاستمع ألي هنا حكم عقله لأن البعض من الناس ربما ترمى كلمة في عالم من العلماء أو بداعية أو بطالب علم ثم تنتشر على أنها حق ويرخي بسمعه ويطمئن أليها ومن ثم قد يولج في عرض هذا الرجل أو يتحدث فيه وهو من هذا الشيء بريء لكن الإنسان عليه ألا يصغي بسمعه لكل ما يقال وإنما يتحقق [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا] {الحجرات:6} وفي قراءة (فتثبتوا).
2- عظم هذا القرآن كيف أثر في الطفيل وهم كفار فلماذا لا يؤثر فينا ولذا جبير بن مطعم رضي الله عنه كما في الصحيحين لما أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليتناقش معه في أساري بدر قال فأتيت إليه وهو يصلي المغرب فكان يقرأ بسورة الطور فلما بلغ [أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ] {الطُّور:35} قال لما سمعتها كاد قلبي أن يطير متأثراً بها فانظروا كيف تأثر الطفيل بقراءة النبي صلى الله عليه وسلم.
3- أن الداعية عليه أن يبين أما الإصلاح أو النتيجة أو الثمرة فمن عند الله عز و جل ولا يستعجل ولذا الطفيل استعجل رضي الله عنه ثم أنظر إلى الرحمة المهداة عليه الصلاة و السلام فإنه ما بعث للقتل ولا لسفك الدماء ولا لأنه إرهابي كما يقولون ويكتبون وينقلون كلا والله عليه الصلاة و السلام وإنما لما قال ادعوا عليهم رفع يديه ودعا لهم لأنه ليس من المصلحة أن يدعوا عليهم ولو دعا لاستجاب الله دعوته وحل بهم العقاب ولكنه دعا لهم وهكذا ينبغي على المسلم أن يسير سير نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .