( مختصر فقه العبادات ) [ 1 ] كتاب الطهارة (باب المياه – إزالة النجاسة ) الجزء الثاني

( مختصر فقه العبادات ) [ 1 ] كتاب الطهارة (باب المياه – إزالة النجاسة ) الجزء الثاني

مشاهدات: 2468

بسم الله الرحمن الرحيم

مختصر فقه العبادات

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

كتاب الطهارة

باب المياه وإزالة النجاسة ( 2 )

مسألة

[ ما سُبِّل للشرب ونحوه لا يُتوضأ به ما لم يدل عٌرف أو قرينة على السماح بالوضوء منه ]

( الشرح )

الماء المُسبَل للشرب يجب أن يبقى على الجهة التي سُبِّل عليها سبل للشرب يكون للشرب ولا يجوز الوضوء به ، إلا إذا دل عُرف الناس على التسامح بالوضوء من هذا الماء أو أذن المُسبل يعني [ الواقف ]

فإذا دلت قرينة على أن الواقف أو المُسبِّل لهذا الماء يتسامح فيه فيجوز استخدامه في غير الشرب ، لكن الأصل أن ما عينه المسبل من جهة كشرب ونحوه يبقى على ما عينه ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل دم امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ) [1]

( مسألة )

[ كره بعض الفقهاء استعمال بئر بمقبرة وكذا شوكها وما اشتدت حرارته أو برودته أو سُخن بنجس ، و لا دليل على ذلك إنما مظنة النجاسة أو مظنة عدم إسباغ الوضوء ]

( الشرح )

هذه أشياء ذكرها الفقهاء وقالوا : إن الحكم فيها هو الكراهة ، فالمياه التي في الآبار التي تكون في المقابر يقولون يكره استخدامها لأنها مظنة النجاسة

ولكن الصحيح : أنه لا دليل على الكراهة .

وكذلك قالوا : ” إن الماء الذي اشتدت حرارته أو اشتدت برودته يكره الوضوء به لأنه مظنة عدم إسباغ الوضوء .

والصحيح : عدم الكراهة لعدم الدليل .

وكذلك مما كرهوه : من أن الإنسان لوسخَّن ماء في إناء بروث كلب أو بروث حمار قالوا يُكره استخدام هذا الماء ، وذلك لأنه لا يُؤمن أن يتطاير من أجزاء ومن دخان هذه النجاسة إلى هذا الماء .

والصحيح : عدم الكراهة لعدم الدليل للقاعدة التي أسلفنا ذكرها [  أن اليقين لا يزول بالشك ] .

 ( مسألة )

[  الصحيح أن النجاسة متى ما زالت بشمس أو ريح تطهر ]

 ( الشرح )

هذه المسألة  تابعة لمسألة سابقة  :  وهي : [ أن النجاسة عين مستقذرة متى ما زالت زال حكمها ]

فلو زالت بتراب طهرت أو زالت بشمس طهرت وليس المراد الجفاف – لا – وإنما المراد أن تزول وأن تذهب عين النجاسة فمتى مازالت زال حكمها

ولذا جاء عند البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما : ( أن الكلاب كانت تقبل وتدبر وتبول في المسجد ولم يأمر عليه الصلاة والسلام بتتبع بولها بالماء )  فدل على أن الشمس والريح تؤثران في إزالة النجاسة .

 ( مسألة )

[ يحرم إزالة النجاسة بمطعوم ، وقد كره بعض العلماء أن يغتسل الإنسان بطعام ]

 ( الشرح )

الطعام نعمة من الله عزّ وجل ، و ما ذكره الفقهاء من الكراهة فعندي أن فيه نظراً ، فاستخدام المطعوم في الاغتسال يحرم إلا إذا وجدت حاجة ومصلحة ، وذلك كأن تتجمل المرأة بوضع بعض الأطعمة فيجوز كأن تضع بعض الأطعمة لكي تصفّي بشرتها أو شيئاً من ذلك فيجوز ، لأن الله عزّ {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } [البقرة: 29]

 لكن استخدامها من غير حاجة ومصلحة يحرم ، ومن باب أولى أن يكون التحريم في استخدام الطعام في إزالة النجاسة ، ولذا قال r : (  أَكْرِمُوا الخُبْزَ ) وأحاديث إكرام الأطعمة كثيرة جداً لكن من بينها ما ذُكر من هذا الحديث .

 

 

 

 

 

 ( مسألة )

[ الخمر لا تطهر إلا في حالة واحدة إذا انقلبت خلاً بنفسها دون فعل فاعل ، خلافاً لمن قال إن الخلال له أن يمسكها حتى تتخلل ]

 ( الشرح )

الله عزّ وجل حرّم الخمر عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه ( أَنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ عَنِ الْخَمْرِ تُتَّخَذُ خَلاًّ فَقَالَ لاَ ) أخرجه مسلم

فالخمر لو انقلبت بفعل الله عز وجل فأصبحت خلاً فتطهر 0

لكن لو أن الإنسان خللها بفعله فإن هذا التخليل لا يجعلها حلالاً 0

فإذا انقلبت بنفسها بفعل الله عز وجل فالحكم أنها تطهر 0

وإن كانت بفعل فاعل فإنه لا يجوز ولا يحل شربها حتى لو صارت خلاً .

واستثنى بعض العلماء [ الخلَّال ] لأن الخل قد ينقلب إلى خمر ، فيقولون يجوز أن يمسكها حتى تُصبح خلاً لكي لا يفسد ماله .

والصحيح : أنه ليس في الشرع خمر محترمة لا خمر خلال ولا غيره 0

 

 ( مسألة )

[ الصقيل الذي لا يشرب النجاسة كالسكين والسيف الصحيح أنه يطهر بالدلك ]

 ( الشرح )

 الذي لا يشرب النجاسة مثل السكين والمرآة والسيف هذه تُسمى ” صقيلة ” يعني لا تشرب النجاسة ، ليست كالثوب وليست كالبساط .

فهذه الأشياء إذا مُسحت مسحاً فزال أثر النجاسة فإنها تطهر ولو لم يغسلها بالماء ، فأي شيء لا يشرب النجاسة فيمكن تطهيره بالدلك حتى يذهب أثر النجاسة ، لأن هذا هو المأثور من فعل الصحابة رضي الله عنهم .

( مسألة )

[ الصحيح أن الدهن مائعاً كان أو متجمدا إذا وقعت فيه نجاسة فإنها تزال وما حولها ويؤكل خلافاً لمن حصر الحكم في الجامد ]

 ( الشرح )

 النبي r كما عند البخاري : ( سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ فَقَالَ أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا فَاطْرَحُوهُ وَكُلُوا سَمْنَكُمْ ) ولم يُفرق r بين السمن الجامد والسمن المائع 0

ولذا إذا وقعت الفأرة وما يشابهها من النجاسات في سمن سواء كان هذا السمن جامداً أو مائعاً فتزال النجاسة وما حولها ويجوز أكل هذا السمن .

وبعض العلماء قال : يجوز إلقاؤها وما حولها إذا كان السمن جامداً ، واستدلوا بحديث ضعيف وهو حديث في السنن : ( فَإِنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلاَ تَقْرَبُوهُ ) ولكنه حديث ضعيف .

 

( مسألة )

[ الغلام الذي لم يأكل الطعام يكفي في غسل بوله لا غائطه يكفي النضح ، وهو الرش ، بخلاف الجارية فيجب غسل بولها ، وكذا إذا أكل الغلام الطعام بشهوة ، أما ما يوضع في فمه فيبقى حكم النضح]

 ( الشرح )

هذه هي النجاسة المخففة : ” بول الطفل الرضيع الذي لم يأكل الطعام “

فإذا بال الغلام الرضيع الذي لم يأكل الطعام على مكان مثل الثوب ، فيجوز أن يرش هذا الموضع بالماء ، ولا يلزم الغسل ، لأن النبي r كما في الصحيحين : ( لما بال على ثوبه غلام دَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ)  وقال r : (  يُغْسَلُ مِنْ بَولِ الجَارِيَةِ ويُنْضَحُ مِن بَولِ الغُلامِ )

ومن ثمَّ فإن النجاسة المخففة تكون في بول الغلام الرضيع .

أما غائطه فهي نجاسة متوسطة يجب غسلها  .

وقيؤه على الصحيح نجاسة متوسطة لأن الدليل لم يستثنه ، خلافاً لمن قال إنه نجاسة مخففة .

[ بول الجارية ] ولو لم تأكل الطعام نجاستها نجاسة مُتوسطة وقلنا : إن حكم النجاسة المتوسطة الغسل [ غائط الجارية ] نجاسة متوسطة .

الغلام إذا أكل الطعام فبوله نجاسة متوسطة لكن لو كان هذا الطفل يُوضع الطعام في فمه ما تشرئب نفسه إليه لكنه يوضع في فمه بعض الأطعمة فإن بوله يبقى على ما كان عليه وهي ” النجاسة المخففة ” ، لأن النبي r كما جاء في الصحيحين : ( كان يحنِّك الصغار حينما يولدون بتمرة) يمضغها في فمه r ثم يضعها في فم الطفل ، فدل على أن الطعام الذي يوضع في فمه من غير اشتياق إليه أنه لا يؤثر 0

ولكن الطفل الذي في هذا العصر الذي يتغذى على الحليب المصنع نجاسته نجاسة متوسطة لأن هذا حليبٌ من الأبقار وليس من الأم وحديثنا عن الطفل الذي يرتضع من الآدميات لا من البهائم وغيرها .

 

 

 

( مسألة )

[ الصحيح أن النعل والخف يطهران بالدلك ، ويعفى عن يسير النجاسة بعد الدلك ، وكذلك ثوب المرأة الطويل إذا مرت بعد الأرض النجسة بأرض طاهرة ]

( الشرح )

جاء في سنن أبي داود أن النبي r قال : (إِذَا وَطِئَ أَحَدُكُمْ بِنَعْله الأَذَى) وفي رواية  ( بِخُفَّيْهِ ، فَطَهُورُهُمَا التُّرَابُ)

فالنعل إذا تنجست يتم تطهيرها بدلكها في التراب فإذا بقي شيء يسير من النجاسة فلا يضر  ، كذلك جاء عند أبي داود : عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِى عَبْدِ الأَشْهَلِ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لَنَا طَرِيقًا إِلَى الْمَسْجِدِ مُنْتِنَةً  ــ يعني نجسة ــ فَكَيْفَ نَفْعَلُ إِذَا مُطِرْنَا قَالَ أَلَيْسَ بَعْدَهَا طَرِيقٌ هِي أَطْيَبُ مِنْهَا ؟ قَالَتْ قُلْتُ بَلَى. قَالَ : ( فَهَذِهِ بِهَذِهِ)

( مسألة )

[ يكره أن يشم رطوبة يظنها نجاسة ، كما قال شيخ الإسلام  وابن القيم  بل ويكره أن يسأل عنها ]

( الشرح )

سبق الحديث عنها ، فمن كان في عافية فليلزم هذه العافية لتبقَ على الأصل ، فلو وطئت شيئا رطباً أو ماء بليل فلا تتفقده ولا تشمه ويُكره أن يتقصَّد الإنسان ذلك  ، ولذا قال صلى الله عليه وسلم ( إذا شك أحدكم فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ) ، فهنا لا يسأل لكن لو أن صاحب الماء علم أن ماءه نجس فيجب عليه أن يخبر لقوله r : ( الدِّينُ النَّصِيحَةُ )

( مسألة )

[ الصحيح عند شيخ الإسلام رحمه الله أن النجاسة متى ما استحالت فإنها تطهر ]

( الشرح )

هذا رأي لشيخ الإسلام رحمه الله وهو رأي قوي إذ قال رحمه الله : (( إن النجاسة إذا استحالت يعني تحولت إلى شيء آخر فإن هذا الشيء الآخر يكون طاهراً ))

مثال ذلك : لو أنه أحرق روث حمار فأصبح هباء فيقول إنه طاهر .

ولو أن فأرة وقعت في سمن ومع مرور الأيام استحالت وذهبت أجزاؤها وصارت سمناً ولم يبق للنجاسة أثر فيجوز أكل هذا السمن .

ولو أن كلباً وقع في ملح ومع مرور السنين صار هذا الكلب ملحاً تحللت أجزاؤه فإنه يجوز أكله لقوله تعالى : { وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ }  فتحول من الخبث إلى الطهارة .

والله عز وجل قال عن اللبن :{ نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ }

 (  مسألة )

[ الدماء الطاهرة هي : دم السمك وما له دم لا يسيل كالبعوضة والذباب والدم الذي يبقى في المذكاة ودم الشهيد ودم الآدمي غير الشهيد على القول الراجح وعلى القول بنجاسته فيعفى عن يسيره .

أما الدماء النجسة فهي : الدم الخارج من السبيلين والدم المسفوح الذي يخرج من حلق ومريء المذكاة عند الذبح ]

(  ( الشرح )  )

الدماء أنواع : فمنها دماء طاهرة ومنها دماء نجسة

فمن الدماء الطاهرة : ” دم السمك ” وذلك لأن ميتة السمك طاهرة فدمها من باب أولى ، لقول ابن عمر أن رسول الله r قال : (( أحلت لنا ميتتان ودمان ، فأما الميتتان فالحوت والجراد وأما الدمان فالكبد والطحال ))

ولذا لو تناثر دم السمك على ثوبك وصليت بهذا الثوب فصلاتك صحيحة .

ومن الدماء الطاهرة :” دم الحشرات الذي لا يسيل دمها مثل الذباب ” فالذباب له دم لكنه لا يسيل فهذا الدم طاهر ، كذلك دم الخنفساء  ، ودم العقرب ، ودم البعوض ، فهي دماء طاهرة وذلك لأن دماءها لا تسيل ، والذي لا يسيل دمه ميتته طاهرة ، قال r كما عند البخاري (( إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَالْأُخْرَى شِفَاءً))

وغمسه يؤدي إلى موته فلو كانت ميتته نجسة لما أجاز r شرب ما في الإناء ، ويُقاس البعوض وكل مالا دم له سائل يُقاس على الذباب .

 

ومن الدماء الطاهرة :  [ الدم الذي يبقى في اللحم من المذكاة ] :

فمثلاً نحرت جزوراً أو ذبحت بقرة ، أو شاة ، فالدم الذي يخرج من الحلقوم والمريء نجس ، وهو الدم المسفوح ، أما الدم الذي يبقى في اللحم فهو دم طاهر ، ولذا قالت عائشة رضي الله عنها :(( كنا نضعه في القدر فنرى خطوط الدم ))

لذا لو أن إنسانا يحمل لحماً فتلوث كل ثوبه بدم هذا اللحم فصلى فصلاته صحيحة .

ومن الدماء الطاهرة [ دم الشهيد ] :

 لأن النبي r :(( شبه ريحه بريح المسك )) قال : (وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ ) كما جاء عند البخاري ومسلم ،  فذكره في مقام التشريف ولو كان نجساً لما شُرف وكُرم .

ومن الدماء الطاهرة [ دم الآدمي غير الشهيد على القول الراجح ] :

وذلك لأن ميتته طاهرة فكذلك دمه ، ووقائع كثيرة وقعت للصحابة صلوا والدماء تنزف منهم ، فدل على أن هذا الدم ليس بنجس .

والجمهور يرون : أنه نجس ، ومع كونه نجساً فيقولون إن اليسير منه يعفى عنه،0 فإن احتاط الإنسان وأزال الكثير منه فهو حسن وإلا فالأدلة تشهد بأن هذا الدم طاهر

أما الدماء النجسة فهي :

[ الدم الخارج من السبيلين من الذكر أومن الدبر ]

فهذا الخارج من ذكر الآدمي أو دبره يُعد نجسا .

وأيضا من الدماء النجسة الدم المسفوح : وسبقت الإشارة إليه .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(  ( مسألة ) )

( القيء على الصحيح نجس ، أما القيح والصديد فعلى الصحيح طاهر ، وما يخرج من فم الحيوان الطاهر في الحياة من لعاب ونحوه طاهر )

(  ( الشرح )  )

القيء على الصحيح نجس ، لأنه طعام استحال إلى المعدة فأشبه الغائط .

وأما القيح والصديد اللذان يخرجان من الجروح: فإنها طاهرة لعدم الدليل .

وما يخرج من فم الحيوان الطاهر من لعاب وريق فهو طاهر ، فلعاب الإبل والبقر والغنم وكل ما كان طاهراً فإن ريقه ولعابه طاهر 0

وكذلك كل ما يطوف علينا مثل الهرة قال r كما في السنن :((  إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ )

 

 (  ( مسألة ) )

[ يضر بقاء طعم النجاسة أما بقاء اللون والريح عجزاً فلا يضر ]

(  ( الشرح )  )

قد يغسل الإنسان النجاسة ويبقى أثر من اللون أو الريح ، فإذا غسلها وبذل جهده وبقى ريحها أو لونها ، فيعفى عنه لقوله عليه الصلاة والسلام كما في المسند  قال عن دم الحيض يُصيب الثوب فتغسله المرأة فيبقى أثر منه قال : (( يَكْفِيكِ الْمَاءُ وَلَا يَضُرُّكِ أَثَرُهُ))

أما طعم النجاسة : فلا يُعفى عنه ، لأن طعم النجاسة في الغالب لا يبقى فبقاؤه يدل على تفريط من صاحبه في غسله .

فإذاً  : يُعفى عن ريح وعن لون النجاسة إذا اجتهد الإنسان في غسلها

(  ( مسألة ) )

[  المغسولات ثلاثة ما يمكن عصره فيعصر ، ومالا يمكن عصره فيقلب ، ومالا يمكن عصره ولا تقليبه فيدق ، والمراد ذهاب أكثر الماء ولوصب عليه ماءً كثيراً طهر ولو لم يُعصر  ]

(  ( الشرح ) )

  الشيء المتنجس إذا صُب عليه ماء كثير أو وضع في نهر فيطهر ولو لم يعصر لكن إن غسله بماء قليل فهنا إن أمكن عصره فيجب العصر .

فإن لم يمكن عصره كبعض البسط فيقلب حتى يزول أكثر هذا الماء ، وليس المراد كل الماء ، وإنما يزول أكثره لأن هذا الماء اختلط بالنجاسة .

فإن لم يمكن تقليبه ، فيدق مثل فرش المساجد لا يمكن أن تُقلب ولا أن تُعصر فتدق حتى يزول ويذهب أكثر الماء ، ولكن هذا الترتيب إنما فيما لو لم يُصب عليه ماء كثير ، فإن صب عليه ماء كثير ، أو غُمسه في نهر فإنه لا يلزم العصر ، وتطورت وسائل التنظيف في هذا العصر فقد لا يحتاج لا إلى عصر ولا دق ولا تقليب .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(  ( مسألة ) )

( يُرجح شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم رحمهما الله أنه يُعفى عن يسير النجاسات مطلقاً في المائعات والأطعمة دفعاً للمشقة )

( الشرح ) :

إذا اُبتلي الإنسان بنجاسة فإنه إذا طهّرها يُعفى عن يسيرها دفعا للمشقة .

مثال ذلك : ما سبق ذكره من تطهير النعل والخف فإن الدلك لا يزيلها كلياً ، فلو ألزمناه بإزالتها كلية بالدلك لحصلت له المشقة ، والشرع تسامح في صيد الكلب المعلَّم فلم يأمر الشرع بغسل هذا الصيد .

إنسان به مثلاً سلس بول ، فصاحب السلس يشق عليه أن يتتبع كل موضع لأنه غير مستقر فهذا يعفى عن يسير النجاسة ، وليس المراد أن يرى الإنسان نجاسة من بول أو غائط يسيره ويدعها دون غسل لا أظن شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم رحمهما الله يريان هذا 0

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  ( مسألة )

[ ما يطوف علينا كالهرة والبغل والحمار فهو طاهر بخلاف فضلاته ودمه ويُستثنى من الطوافين الكلب فهو نجس ]

 ( الشرح ) :

دليلها ما سلف قوله r عن الهرة : ((  إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ ))

فكل ما يطوف علينا فإنه طاهر والمراد:[ ريقه و لعابه وعرقه [ .

أما فضلاته من بول وروث وقيء وكذلك دمه فنجس .

إذاً / كل الطوافين طاهرة إلا الكلب حتى لو كان للصيد فإنه نجس ، وقد سبق بيان ذلك .

 

 

 

(  ( مسألة ) )

[   يسير النجاسة يضبط بالعرف  ]

(  ( الشرح ) )

يسير النجاسة يضبط بالعرف ، وهو أولى من الضابط الآخر الذي قيل فيه:

[ إن اليسير ما لا يفحش من كل أحد بحسبه ]

فضبطه بالعرف أولى لأن الناس يختلفون فبعضهم المتهاون فيُعد الكثير يسيراً وبعضهم الموسوس فيعد اليسير كثيراً .

(  ( مسألة ) )

[  الاستجمار مُطهر ولو تجاوز الخارج محله ]

 ( الشرح ) :

 الاستجمار مُطهر لقوله r كما في مسند الإمام أحمد :

 (( إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ لِحَاجَتِهِ فَلْيَسْتَطِبْ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ )

فإنه مطهر ولو تجاوز الخارج المحل ، بمعنى أنه تجاوز حتى قرب من المخرج ، خلافا لمن قال إنه إذا تجاوز محل المخرج فلا يُجزئ إلا الماء ولكن الصحيح أن الاستجمار مطهر ولو تجاوز الخارج المحل ، لأن الشرع لم يفصل في هذا .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(  ( مسألة ) )

[  الآدمي المؤمن طاهر حساً ومعنى بينما المشرك نجس معنى طاهر على الصحيح حساً ]

(  ( الشرح ) )

  الآدمي المؤمن طاهر : طاهر القلب ، طاهر البدن لقوله r كما في الصحيحين : (( إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ))، وأما الكافر فإن قلبه نجس لقوله تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ }

وأما بدنه فطاهر على الصحيح : لأن الله عز وجل أباح لنا أن نأكل من طعام اليهود والنصارى وهم يلامسون أطعمتهم إعداداَ وتهيئة وأباح لنا التزوج بنساء أهل الكتاب فدل على طهارة أبدانهم .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(  ( مسألة ) )

[ كل ما يؤكل لحمه فبوله ومنيه وقيئه وروثه طاهر ما لم يكن أكثر علفه النجاسة ، وهو ما يُسمى بالجَلَّالة  ]

(  ( الشرح ) )

هذه قاعدة استفيدت مما جاء في الصحيحين (( أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر من اشتكى بطنه أن يذهب إلى إبل الصدقة فيشرب من ألبانها وأبوالها ))

وموضع الشاهد قوله ] من أبوالها [

والإبل مأكولة اللحم فيقاس عليها – وهو قول الجمهور – يقاس عليها كل ما يؤُكل لحمه

 فكل ما يؤكل لحمه سواء كان من الحيوانات الأهلية أو البرية فبوله وروثه وقيئه ومنيه طاهر .

فلو تلوث الثوب ببول بعير أو ببول بقرة وصلى به الإنسان فصلاته صحيحة .

إلا إذا كان هذا المأكول يأكل النجاسة ، فبعض هذه الحيوانات المأكولات يأكل النجاسة مثل الدجاجة ونحوها ، فهذا بوله وقيئه وروثه ومنيه نجس ، لأن أكثر ما يعتلفه النجاسة ، وهذا ما يُسمى بالجلالة ، وقد نهى النبي r كما في سنن أبي داود :

((  نهى عن أكل الجلالة وعن شرب ألبانها ))(( وعن أن تُركب ))

إلا إذا حُبست وطاب لحمها فتعود إلى الأصل.

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(  ( مسألة ) )

[ سؤر ما يطوف علينا طاهر ويستثنى من ذلك الكلب سواء المُرخص في اقتنائه أو غيره ، وكذا على الصحيح طهارة سؤر سباع البهائم والطيور]

(  ( الشرح ) )

السؤر : هو الفضلة من الطعام ،  بقية الطعام يُسمى سؤراً فكل ما يطوف علينا سؤره طاهر ، فلو أكلت الهرة من طعام أو شربت في إناء فما بقي فهو طاهر .

ويُستثنى من ذلك ( الكلب )  لأن الشرع لم يُرخص في ذلك، وهذا على القول الراجح ، إلا إذا كان هذا الكلب ممن يُقتنى لصيد أو زرع أو حراسة ،  فقد تسامح فيه بعض العلماء ولكن الراجح / أنه غير طاهر ، وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام كما عند الجماعة .

والجماعة هم [ البخاري ومسلم وأصحاب السنن والإمام أحمد ]

قال r: ((  طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ))

وكذلك سباع البهائم والطيور مثل الأسود والذئاب والنسور هذه على القول الراجح أن آسارها طاهرة ، لما جاء عند ابن ماجه وله طرق يقوي بعضها بعضا ((  سئل عليه الصلاة والسلام عن آسار السباع ؟ فقال عليه الصلاة والسلام ” لها ما حملت في بطونها ولنا ما غبر طهور )) و ( ما غبر) أي : ما بقي . وهذا هو قول أكثر أهل  العلم بطهارة آسارها .

 (  ( مسألة ) )

( الصحيح أن مني الآدمي طاهر  )

(  ( الشرح ) )

  هذا هو الراجح ، ويستوي في ذلك اليابس والرطب من المني لما جاء في الصحيحين : (( أن عائشة رضي الله عنها كانت تغسل الرطب منه من ثوب النبي عليه الصلاة والسلام ، وكانت تفرك اليابس ))

والفرك لا يطهر فدل على أنه طاهر  .

والمني هو أصل مادة خلقه عز وجل لصفوة خلقه من الأنبياء والمرسلين والصالحين وتأبى حكمة الله عز وجل أن يكون أصل هؤلاء نجساً

 ( مسألة )

[ الصحيح أن المذي يُغسل منه الذكر والأنثيان- أي الخصيتان – قبل الوضوء وما أصاب غيرهما من البدن فيُغسل أما الثوب فينضح  ]

 ( الشرح )

 المذي /  سائل أصفر رقيق يخرج عند تذكر الجماع أو عند مداعبة الزوجة

وهذا المذي نجاسته متوسطة إذا وقع على البدن ، والدليل ما جاء في الصحيحين قوله r : ((  يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ ))

وفي رواية أبي داود : (( لِيَغْسِلْ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَيْهِ))

يعني خصيتيه .

فإذا أمذى فيجب أن يغسل مع الذكر الأنثيين ، وكذلك ما أصاب البدن فيغسله أما ما يصيب الثوب / فيكتفي فيه بالنضح،  لقوله r كما عند الترمذي : ((عن سهل بن حنيف قال : كنت ألقى من المذي شدة وعناء فكنت أكثر منه الغسل فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم وسألته عنه ؟ فقال إنما يجزؤك من ذلك الوضوء فقلت يا رسول الله كيف بما يصيب ثوبي منه ؟ قال يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به ثوبك حيث ترى أنه أصاب منه))

فيكون المذي على الثوب نجاسة مُخففة فيكتفى فيه بالنضح