﴿بسم الله الرحمن الرحيـــــــم﴾
خطبة عشرون فائدة من حديث
“دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة”
لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري 19 – 10 – 1443 هـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادِيَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﷺ وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ] آل عمران– 102]{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} ] النساء -1]{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} ] الأحزاب -70-71]
أما بعد، فيا عباد الله: أخرج الأمام مسلم في صحيحه حديث النبي ﷺ “دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ : آمِينَ، وَلَكَ بِمِثْلٍ“ هذا الحديث أخرجه الإمام مسلم رحمه الله
وسبب هذا الحديث: (أن صفوان بن عبد الله بن صفوان وكان تحته الدرداء وهي بنت أبي الدرداء قال: ” قَدِمْتُ الشَّامَ، فَأَتَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فِي مَنْزِلِهِ فَلَمْ أَجِدْهُ، وَوَجَدْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ ، فَقَالَتْ : أَتُرِيدُ الْحَجَّ الْعَامَ ؟ فَقُلْتُ : نَعَمْ. قَالَتْ : فَادْعُ اللَّهَ لَنَا بِخَيْرٍ ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ : ” دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ..” )
من النواحي الحديثية قبل الشروع في فوائد ومعاني هذا الحديث، بيان فقه الإمام مسلم رحمه الله؛ لأنه لمَّا ذكر هذا الحديث ذكر قبله حديثين من أن أم الدرداء روت هذا الحديث عن أبي الدرداء عن رسول الله ﷺ ومن ضمن هذين الحديثين حديث قالت حدثني سيدي، وسيدها زوجها ولذلك يصح أن تصف المرأة زوجها بأنه سيدها، وقد دلَّ القرآن على ذلك { وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا} يعني زوجها {لَدَى الْبَابِ} ] يوسف -25] وهذا من باب توقير أم الدرداء لأبي الدرداء وعظيم احترامها له.
وليعلم أن أم الدرداء تابعية، فهي لم تروي هذا عن الرسول ﷺ وإلا كان مرسلا، ومن ثم دلّ هذا على أن الراوي قد ينشط ويذكر السند موصولا، وقد يخف منه النشاط ويذكره مرسلاً
ولذلك أم الدرداء اسمها جهيمة أو هُجيمه الدمشقية الحِمْيَريَّة، كانت عالمة وفقيهة وزاهدة وعابدة لكن ليست صحابية، وهي ليست أم الدرداء الكبرى
ولذلك بعض الأئمة أخطأ فقال ليس هناك فرق بين أم الدرداء الصغرى والكبرى هي واحدة، لكنني بعد التتبع –وهو قول أئمة أيضاً– لكن من الأدلة التي وقفت عليها أنه جاء في صحيح البخاري: “أن سلمان رضي الله عنه زار أبا الدرداء ” فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً ” يعني ليست متزينة ” فَقَالَ لَهَا : مَا شَأْنُكِ ؟ قَالَتْ : أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا…..” الحديث إلى أن قال: ” إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ. فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” صَدَقَ سَلْمَانُ “.
فدلَّ على أن أم الدرداء المتبذلة هي الكبرى وليست هذه هي الصغرى، وأما ما جاء في مسند الإمام أحمد من أنها قالت سمعت رسول الله ﷺ فهو خطأ من شيخ الإمام أحمد ابن نُمير وهو عبد الله ابن نمير الكوفي، ثقة صاحب سنَّة لكنه وَهِمَ في ذلك
إذاً الحديث عن أم الدرداء عن رسول الله ﷺ
قال صفوان: ” فَخَرَجْتُ إِلَى السُّوقِ فَلَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ ، فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ يَرْوِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. “
دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب أُتي بكلمة (ظهر) يعني الدعوة في السر
(الظهر) في اللغة من معانيه: السر والخفاء، ولذلك يُقال قرأت القرآن عن ظهر قلب (عن ظهر) يعني غيباً، وليس من المصحف
وهذا من باب التأكيد على أهمية إخفاء الدعوة عن المدعو له في غيبته حتى ولو كان حاضرا؛ يعني لو كنت في مجلس لا يلزم، بعض الناس يظن أن الإنسان إذا دعا لأخيه المسلم إنما يكون إذا كان بعيداً عنه –لا– ، لو كنت بجانبه في مجلس واحد ولم يعلم بك ودعوت له في سرك طبعاً مع تحريك شفتيك ولسانك لكن من غير أن يسمع فإنه يصدق عليها أنها دعوةٌ منك لأخيك بظهر الغيب ، بل لو أنه دعا لجماعة من المسلمين حصل مثل ذلك، ولا يلزم أن يكون المدعو له في ظهر الغيب أن يكون واحدًا
نقل الشُراح من أن بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه دعا بها لأخيه المسلم لكي تستجاب له،والذي يظهر لي أن الإنسان إنما يدعو لأخيه المسلم بما يحتاج إليه أخوه المسلم، أما إذا كانت لديك حاجة في نفسك ادعُ الله عز وجل.
” دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ” ماذا؟ “ مُسْتَجَابَةٌ “
عند البزار من حديث عمران بن الحصين رضي الله عنه وهو حديث ثابت قال: “قال رسول الله ﷺ «دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب لا يرد» ما ترد؛ مستجابة.
لكن بعض من الناس يقول قد أدعو لأخي لمسلم بدعوة ولم أجد أثرها علي مع أن المَلَك يقول آمين ولك بمثل!
أنت أحياناً تدعو لنفسك في مواطن استجابة ولم يُقبل لِمَ؟ لوجود مانع، فتش هل أنت تأكل الحرام، هل قلبك غافل حال ذكر هذه الدعوة، هل وهل…. يتنبه الإنسان.
قال “دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ ” –سبحان الله– كلمة الغيب تدل على أنه في غيب لكنه أتى بكلمة الظهر كما قلت من باب التأكيد على إخفاء ذلك
بعض الناس يقول: لو قلت مثلاً لشخص دعوت لك بظهر الغيب أيكون في ذلك جُناح؟
من باب أمر من الأمور
فنقول الأصل أن الإنسان إذا دعا لأخيه بظهر الغيب لا يذكر ذلك له إلا إذا وُجدت مصلحة: كإدخال السرور عليه من أب أو أم أو ما شابه ذلك، إذا وُجدت المصلحة أما إذا لم توجد فأخفها دعها.
عند ابن ماجه من باب التأكيد “إن“ –أتى بكلمة إن– ” إِنَّ دَعْوَةَ الْمَرْءِ مُسْتَجَابَةٌ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ “ كلمة (إن) من باب التأكيد وهذا ليس محصوراً بين جنس وجنس، ليس بين جنس الرجال مع الرجال والنساء مع النساء –شامل– لو دعا الرجل لامرأة في ظهر الغيب حصل، ولو دعت المرأة للرجل بظهر الغيب حصل، لو دعت المرأة للمرأة بظهر الغيب حصل، لو دعا الرجل بظهر الغيب للرجل حصل، والدليل رواية مسلم الأخرى: أُمُّ الدَّرْدَاءِ ، قَالَتْ : حَدَّثَنِي سَيِّدِي ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ” مَنْ دَعَا ” ومن عامة تشمل الرجال والنساء ” مَنْ دَعَا لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ…..” الحديث
” دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ ” ما سبب الاستجابة؟
لنقرأ ما بعده: “عِنْدَ رَأْسِهِ “ من؟ الداعي “عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ“ موكَّل بماذا؟
في سنن ابن ماجه : “مَلَكٌ يُؤَمِّنُ عَلَى دُعَائِهِ“
إذًا هو موكَّل هذا الملك بالتأمين على دعائه
سبحان الله لماذا كانت تستجاب؟
إضافة إلى أن الملائكة تؤمن، لأن بها ماذا؟ لأن بها إخلاصاً فهي في الغيب، فهو إنما فعل ذلك إخلاصاً لله ورغبةً في إيصال الخير لأخيه المسلم من دون أن يكون له غرضٌ من أغراض الدنيا أو طمع من الأطماع، ما أخفاها إلا لهذا الأمر فكانت مستجابة
“عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، كُلَّمَا” –سبحان الله– يعني ما يدعو الإنسان بدعوة لأخيه المسلم مرة واحدة
” كُلَّمَا “ للتكرار “ كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ “ وكرر كلمة (الأخ) وهذا يدل على أنه متى ما كان الإنسان داعياً لأخيه في ظهر الغيب دلَّ على صفاء قلبه، وعلى حبه لإخوانه المسلمين
“ كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ ” : المَلَك الموكَّل به
الموكَّل به على ماذا؟
على التأمين، سبحان الله ليعلم أنه ليس مَلَكٌ واحد
بل في رواية أبي داود : ” قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ : آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ “.
“قال ” –المَلَك الموكَّل به– ماذا قال؟ “آمِينَ“ يعني اللهم استجب “وَلَكَ بِمِثْلٍ“
يعني سواء.
يؤمن على دعائه!
وعند ابن ماجه :“وَلَكَ بِمِثْلِهِ ” والباء زائدة للتأكيد، يعني ولك أيها الداعي مثلهُ في هذه الدعوة من حيث استجابتها
فلا يبخل المسلم على نفسه بالدعاء لإخوانه المسلمين
هذه فوائد مختصرة تتعلق بهذا الحديث، سبحان الله كلمات قليلة ويسيرة
عليه الصلاة والسلام
أوتي جوامع الكلم ﷺ، وليعلم أن هذا ليس محصوراً حتى فيما يتعلق بالأباعد –لا– لو دعوت لزوجتك أو الزوجة دعت لزوجها في ظهر الغيب او دعوت لابنك أو لابنتك أو دعا الأبناء والبنات لآبائهم وأمهاتهم في ظهر الغيب هذا شامل.
فما أعظم فضل الله عز وجل.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه أنه هو التواب الرحيم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﷺ وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين،،أما بعد
فيا عباد الله إن أحسن الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين، اللهم كن لإخواننا المرابطين على الحدود، اللهم كن لهم ناصراً ومعيناً
اللهم ثبت أقدامهم وسدد رميهم وانصرهم على الرافضة الحاقدين
اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفقهم بتوفيقك وأيدهم بتأييدك
اللهم من أراد بهذه البلاد شراً وفتنة فأشغله في نفسه ورُد كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه يا قوي يا عزيز
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
اللهم صلِ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ