بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة
( نجاح موسم الحجيج وانتشار معالم التوحيد ولا عزاء للحاقدين)
لفضيلة الشيخ/ زيد بن مسفر البحري
17-12-1446هـ
………………………
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه
وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعد فيا عباد الله..
انتهى موسم الحج ونحمد الله عز وجل أن من على هذه الدولة المباركة بالقيام على خدمة الحجاج
وهذا النجاح يعد من فضائل الله عز وجل على هذه البلاد، والتحدث بما يجري إنما هو تحدث بذكر ما أنعم الله به على هذه البلاد، لا افتخارا
ولا تكبرا وإنما من مقتضى قوله عز وجل:
﴿وَأَمّا بِنِعمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث﴾ [الضحى: 11]
معتقدين من أن هذه من الله عز وجل، ومن أعظم النعم؛ النعم الدينية:
﴿وَما بِكُم مِن نِعمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ [النحل: 53]
ولذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الحسن عند البيهقي:
” لتَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللهِ شُكْرٌ، وَتَرْكُهَا كُفْرٌ”
ولله الحمد والمنة من حولنا يعيش في رعب وخوف وقلة، ونحن نعيش في رخاء وأمن، ولعل ما تقوم به هذه الدولة من صنائع المعروف بشتى أنواعه -ولاسيما في الحج- هو سبب من أسباب دفع النقم عننا ولذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في مستدرك الحاكم بإسناد حسن قال:
«صَنَائِعُ المعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، والآفَاتِ والهَلَكاتِ، وأَهْلُ المعْرُوفِ في الدُّنيا هُمْ أهْلُ المعرُوفِ في الآخِرَة»
والمعروف تعريفه في اللغة: هو ما عرفه كل عاقل ولم ينكره ذو فضل. خلافا لما يُبَثُّ ويُنشَر من تصيُّد المعائب والسَّقَطَات في الحج من دعاة الإخوان وأذنابهم الذين لا يكون الهم لديهم إلا الطعن في السياسات وفي الحكومات، أما تعليم الناس وتثقيفهم ولاسيما في التوحيد فإنهم بعيدون، ولذا لو كانت لهم أعين تبصر لرأوا أن هذه الدولة تحمي التوحيد، وانظروا إلى ما يصنعه إخواننا في الأمن من الحفاظ على التوحيد ومن توجيه الناس بترك البدع والخرافات وينَبِّهون الناس على أنه لا يُعبد إلا الله عز وجل، وهذا فضل من الله عز وجل أن يكون أفراد هذه البلاد يعرفون التوحيد ويتمسكون به ويدعون إليه، وهذا هو حرص النبي صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله ولاسيما في الحج، نعم..
نرى من رجال الأمن من يحذر الناس من التبرك بالأحجار، ومن التمسح بالجدران، وما شابه ذلك.
والله إنها من أعظم النعم على هذه البلاد أن يكون من يعيش فيها يعرف التوحيد ويتمسك به، ولذا نذكر من الأمثلة على حرصه عليه الصلاة والسلام على التوحيد ومخالفة المشركين في حجهم حتى قال ابن القيم رحمه الله: ” فقصد النبي ﷺ إظهار شعائر الإسلام في المكان الذي أظهروا فيه شعائر الكفر، والعداوة لله ورسوله. وهذه كانت عادته صلوات الله وسلامه عليه؛ أن يقيم شعار التوحيد في مواضع شعائر الكفر والشرك “ا.هـ فاستقرت الشريعة ولاسيما في الحج على إظهار التوحيد وطمس معالم الشرك وأهله، وانظروا إلى حجة النبي صلى الله عليه وسلم:
1- هو حج في السنة العاشرة وأمر في السنة التاسعة أن لا يحج بعد هذا العام مشرك حتى لا يختلط التوحيد بأهل الشرك.
2- لما حج أهل بالتوحيد كما قال جابر رضي الله عنه في صحيح مسلم، والتلبية تتضمن أقسام التوحيد الثلاثة أمر أصحابه بأن يرفعوا أصواتهم بالتلبية لطمس التلبية الشركية لدى الكفار.
3- لما قدم النبي عليه الصلاة والسلام إلى الحجر الأسود قال: ” الله أكبر” تعظيما لله عز وجل، فلا نعبدك أنت أيها الحجر وليس فيك نفع ولا عندك ضر، ولذا عمر رضي الله عنه في الصحيحين قال: ” إِنِّي أعْلَمُ أنَّكَ حَجَرٌ، لا تَضُرُّ ولا تَنْفَعُ، ولولا إِنِّي رَأيْتُ رسُولَ اللهِ ﷺ قَبَّلَكَ مَا قَبَّلْتُكَ “
4- لما فرغ من الطواف عليه الصلاة والسلام رفع صوته وقال: ﴿ وَاتَّخِذوا مِن مَقامِ إِبراهيمَ مُصَلًّى﴾ [البقرة: 125] لِيُعْلِمَ من أن ملته ملة التوحيد الحنيفية التي كان عليها إبراهيم عليه السلام
5- لما صلى الركعتين خلف المقام في الركعة الأولى ب(قول يا أيها الكافرون) وهذا هو توحيد العبادة، وقرأ في الركعة الثانية بسورة الإخلاص؛ هذا هو توحيد الأسماء والصفات، ويتضمن في هاتين السورتين توحيد الربوبية.
6- لما قدم إلى الصفا قبل أن يصعد قال: “﴿إِنَّ الصَّفا وَالمَروَةَ مِن شَعائِرِ اللَّهِ﴾ [البقرة: 158] أبدأ بما بدأ الله به” من أجل من أن هناك في الجاهلية صنمين على الصفا وعلى المروة وكانوا يتقربون إليهما فأراد النبي صلى الله عليه وسلم لما تحرَّج الصحابة أن يخبرهم من أن هذا من شعائر الله عز وجل
7- لما صعد على الصفا وحَّد الله وكبَّره، بل بيّن أن العاقبة لأهل التوحيد ولذلك كان يقول: “لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ.”
8- لما مر بين العلمين سعى تذكيرا للأمة بحال أم إسماعيل الذي هو ابنها عاون أباه إبراهيم في بناء الكعبة
9- لما فرغ عليه الصلاة والسلام من الطواف والسعي وفرغ أصحابه أمرهم أن يُحِلُّوا فقالوا نحل الحل كله؟ قال: نعم. من أجل ماذا؟ من أجل أن يطمس ما كان عليه أهل الجاهلية من أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور فبين عليه الصلاة والسلام أن العمرة في أشهر الحج من أفضل الأيام التي تؤدى فيها العمرة بعد رمضان.
10- النبي عليه الصلاة والسلام لما ذهب من منى إلى عرفة قالت كفار قريش إنه لن يخرج من مزدلفة لأنها حرم فما يخرج من الحرم وهو من قريش فخالفهم النبي عليه الصلاة والسلام ووقف بعرفة مخالفة لهديهم
11- لما خطب في يوم عرفة قال: ” ألا كلّ شيء من أمر الجاهليّة تحت قدمي موضوع ” وهذا إلغاءً للشرك.
تأملوا في حجته عليه الصلاة والسلام كلها توحيد؛ ولذلك لما خطب بيّن أنه ” لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى” ولذلك لما خرج من عرفة أردف خلفه أسامة بن زيد رضي الله عنه وهو مولى.
12- النبي عليه الصلاة والسلام ما ذهب يتمسح بالجدران ولا بالجبال التي في عرفة بل من حين ما صلى الظهر والعصر استقبل القبلة وجعل يدعو الله، والدعاء عبادة، الدعاء توحيد.
13- لما كادت الشمس أن تغرب ماذا قال عليه الصلاة والسلام؟ ذكرهم قال: ” لَمْ يَبْقَ مِنْ دُنْيَاكُمْ فِيمَا مَضَى مِنْهَا، إِلَّا كَمَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا فِيمَا مَضَى مِنْهُ ” يعني من أن الدنيا قصيرة ” قَدْ آذَنَتْ بِصُرْمٍ ” بانقطاع وبذهاب.
14- النبي عليه الصلاة والسلام لما رمى الجمرة كبَّر
تكبيرا لله عز وجل لا أنها أحجار تنفع أو تضر.
والحديث عن التوحيد في حجته عليه الصلاة والسلام كثير، فكيف لأولئك الذين يغمضون أعينهم عن بلاد التوحيد وعما تقدمه وإذا بهم يطعنون في القنوات الفضائية في هذه البلاد ويتصيدون معايبهم؟!
لكن ولله الحمد والمنه كل سنة التنظيم يكون أفضل وأعظم،
ولذا هذا التنظيم بفضل من الله عز وجل وُفِّقت له هذه الدولة وهذا صنيع النبي عليه الصلاة والسلام، نعم ،التنظيم صنعه النبي عليه الصلاة والسلام ففي سنن أبي داود ماذا قال؟
” لِيَنْزِلِ الْمُهَاجِرُونَ هَا هُنَا ” وَأَشَارَ إِلَى مَيْمَنَةِ الْقِبْلَةِ “وَالْأَنْصَارُ هَا هُنَا” وَأَشَارَ إِلَى مَيْسَرَةِ الْقِبْلَةِ “ثُمَّ لِيَنْزِلِ النَّاسُ حَوْلَهُمْ”. هذا تنظيم.
توفيق من الله عز وجل من أن الحج كل سنة يمر بسلاسة مع الأعداد الهائلة لكن بفضل منه عز وجل.
15- هذه الدولة وإن كانت تحرص على سقيا الحجاج فالنبي عليه الصلاة والسلام كان حريصا على ذلك: ” أَذِنَ للْعَبَّاس ابْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِي مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ ” مع أن المبيت بأيام منى واجب أذن له عليه الصلاة والسلام بأن يذهب إلى مكة من أجل سقاية الحجاج.
أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه
إنه هو التواب الرحيم.
الحمدلله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعده فيا عباد الله..
إن كانت هذه الدولة تحرص على ما يتعلق بوسائل النقل بين الحجاج فهي سنة النبي عليه الصلاة والسلام نعم، أَذِن للرعاة -لأن وسيلة النقل آنذاك إنما هي الإبل؛ فإذا هلكت الإبل هلكت وسائل النقل- فأذن النبي عليه الصلاة والسلام للرعاة أن يبيتوا خارج منى من أجل أن ترعى الإبل خارج منى، بل أذن لهم عليه الصلاة والسلام إذا رموا جمرة العقبة أن يجمعوا رمي يومين يرمونه في أحدهما، كل ذلك من أجل الحرص على وسائل النقل في وقته آنذاك.
فالموفق حقيقة سواء كان من هذه البلاد أو من غيرها أن يدعو لهذه البلاد المباركة بالتوفيق والسداد وأن يمن عليها بالأمن والرخاء.
وهذه من أعظم النعم التي أنعم الله بها عليك
إذ وُلِدت إذ وُلِدت إذ وُلِدت في بيئة -ولله الحمد- بيئة توحيد،
بيئة أمن، بيئة رخاء.
والنعم تدوم بالشكر ﴿وَإِذ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لَأَزيدَنَّكُم﴾ [إبراهيم: 7]
ومن الشكر: من شكر الله عز وجل أن تشكر من يقوم على هذه الأعمال ففي سنن أبي داود ماذا قال عليه الصلاة والسلام: ” لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ “.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين
اللهم كل إخواننا المستضعفين في كل مكان يا رب العالمين
اللهم كن لإخواننا المرابطين على الحدود، اللهم كن لهم ناصرًا ومعينًا
اللهم ثبت أقدامهم وسدد رميهم وانصرهم على الرافضة الحاقدين
اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا رخاء سخاء وسائر بلاد المسلمين
اللهم آمنا في أوطاننا ووفق ولاة أمرنا
اللهم وفقهم بتوفيقك وأيدهم بتأييدك
اللهم من أراد بهذه البلاد شرا وفتنة وزعزعة فأشغله في نفسه ورد كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرا عليه يا قوي يا عزيز
اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والزنا والزلازل والمحن
وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن
عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين
﴿رَبَّنا لا تُزِغ قُلوبَنا بَعدَ إِذ هَدَيتَنا وَهَب لَنا مِن لَدُنكَ رَحمَةً إِنَّكَ أَنتَ الوَهّابُ﴾ [آل عمران: 8] ﴿رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنيا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ﴾ [البقرة: 201]
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد