الشيخ زيد البحري تقريب شرح السنة لعامة الأمة ـ صحيح البخاري ـ حديث ( 43 ـ 45 ) ـ الدرس ( 14 )

الشيخ زيد البحري تقريب شرح السنة لعامة الأمة ـ صحيح البخاري ـ حديث ( 43 ـ 45 ) ـ الدرس ( 14 )

مشاهدات: 90

 بسم الله الرحمن الرحيم

تقريب شرح السنة لعامة الأمة

صحيح البخاري ـ حديث ( 43 ـ 45 )

[الدرس الرابع عشر]

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

14/4/1446 هـ

(32) – بَابٌ: أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ

43 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا يَحْيَى ، عَنْ هِشَامٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبِي ، عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ، قَالَ : ” مَنْ هَذِهِ ؟ “، قَالَتْ : فُلَانَةُ. تَذْكُرُ مِنْ صَلَاتِهَا، قَالَ : ” مَهْ، عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ ؛ فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا “. وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ.)

ثم بعد ذلك ذكر البخاري رحمه الله فقال:

(بَابٌ: أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ) ذكر هذه المناسبة حسب فهمي من أنه لما أمر بالإحسان، والإحسان: (الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف) قد يُفضي بالإنسان فيما يتعلق بالنوافل والطاعات المندوبة إلى أنه يُكثر منها إلى حد المغالبة، فليتنبه من أن المحبوب من العمل عند الله ما دُوِّم عليه، لا ما فُعل على وجه الكثرة ثم انقطع

ولذلك فيما مضى مر معنا حديث قال: “ولَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أحَدٌ إلَّا غَلَبَهُ”.

(بَابٌ: أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ) ما المقصود من الدين هنا؟

العمل، فهو أراد بذلك أن يبين أن اسم الإيمان يطلق على العمل الصالح، لأنه قال هنا: (أَحَبُّ الدِّينِ إِلَيه ما داوم عليه صاحبه) المقصود العمل الصالح، والدين أُطلِق هنا على العمل، وقد أُطلق على الإسلام {إِنَّ الدّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسلامُ} [آل عمران: 19]

 

إذًا لما كانت لفظة الدين أُطلقت على العمل، وأُطلقت على الإسلام دل هذا على أن العمل من الإيمان، بل هو إيمان، وبالتالي فإن الإنسان يُراعي -في العمل الصالح الذي يحسنه- يراعي معه المحبوب عند الله وهو المداومة ولا يعني أن الإنسان لا يطلب الكمال كل على حسب طاقته وقدرته، طاقتي تختلف عن طاقتك وعن قدرتك، وهذا يختلف عن هذا، لكن أهم شيء أن الإنسان يكثر من العمل الصالح الحسن، لكن إلى درجة لا يفضي به إلى المغالبة ويشق على نفسه، فذكر حديث عائشة رضي الله عنها

(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى) البصري ثقة ثبت

(حَدَّثَنَا يَحْيَى) وهو يحيى بن سعيد القطان ثقةٌ متقنٌ حافظٌ إمامٌ قدوة رحمه الله، مع أنه مولىً لبني تميم، لكن العبرة ما هي بالأحساب، ولا بالأنساب، ولا أصل هذا من أنه حر، ولا أن هذا الأصل أنه كانت أصوله من العبيد أو الأرقاء، التوفيق من الله التوفيق من الله!

(عَنْ هِشَامٍ) وهو هشام بن عروة بن الزبير بن العوام

(قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي) أبوه عروة

(عَنْ عَائِشَةَ) أم المؤمنين، وفي هذا السند رواية الأقرباء بعضهم عن بعض، هشام عن أبيه أبوه عن خالته، وأيضًا رواية الرجال الأقرباء عن قريباتهم النساء

(أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ) وهذه المرأة اسمها الحولاء بنت تُوَيْت، وهي من بني أسد

(دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ فَقَالَ: “مَنْ هَذِهِ؟”) للزوج الأحقية أن يسأل زوجته عمن دخل بيته، ويعرف من كان مع زوجته من النساء

(فَقَالَ: “مَنْ هَذِهِ؟”. قَالَتْ: فُلَانَةُ) كلمة فلانة علم يُطلق على المرأة كما أن فلان علم يُطلق على الرجل

(قَالَتْ: فُلَانَةُ) من هي؟

الحولاء بنت تُوَيْت الأسدية

(قَالَتْ: فُلَانَةُ تَذْكُرُ مِنْ صَلَاتِهَا) هي التي تذكر؟

لا، وإنما تذكر من صلاتها يعني أن عائشة رضي الله عنها تذكر من صلاتها، وضُبِطت: ” يُذكر من صلاتها ” يعني يذكر الناس من صلاتها،

ويؤيد: ” يُذكر من صلاتها ” أنه في رواية قالت عائشة رضي الله عنها:

” زَعَمُوا أَنَّهَا لَا تَنَامُ اللَّيْلَ ” فعائشة ذكرت ما سمعته من غيرها

ولذلك في رواية قال هنا: (مِنْ صَلَاتِهَا)، هنا فيه شيء محذوف، يعني من كثرة صلاتها، ولذلك في رواية قالت عائشة رضي الله عنها: “هذه فلانةُ، وهي: أعبدُ أهلِ المدينةِ” في رواية: “هِيَ لَا تَنَامُ اللَّيْلَ ” وهذا يدل على ماذا؟

يدل على أن الاجتهاد في العبادة ليس محصورًا بالرجال

(تَذْكُرُ مِنْ صَلَاتِهَا) الكثرة من الصلاة ومن النوافل مطلوبة، لكن كما سلف لا يصل الإنسان بنفسه إلى المغالبة والمشقة، ولا يكن هذا الحديث وأمثاله بابًا للتسويف أو للتقليل من الطاعة

لا، بل أكثر من الطاعة، لكن بحدود طاقتك وقدرتك بحيث لا تفضي بك هذه الكثرة إلى الملل ثم الترك

(قَالَ) يعني النبي عليه الصلاة والسلام.

(“مَهْ) اسم فعل بمعنى أكفف، ولذلك أراد بذلك الإنكار قال بعض أهل اللغة أصل مه ما هذا؟ استفهام على وجه الإنكار، فحذفت منه بعض الحروف، وأدمجت كلمة في كلمة، فصارت بمعنى مه، وهذا يدل على ماذا؟

يدل على حرص النبي ﷺ على زجر ما كان مخالفًا للدين، وأن المخالفة في الدين كما تقع من العبد فعلا للمعصية قد تكون المخالفة تقع منه في الطاعة إذا لم تكن هذه الطاعة على وفق سنة النبي عليه الصلاة والسلام

ولذلك قال: (عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ) الآن لو قال إنسان: أريد أن أكثر من النوافل، لكن أنتم تقولون هذا الحديث ذكرتموه، نقول: النبي عليه الصلاة والسلام بيَّن -من أجل ألا يفتح الشيطان للإنسان طريقًا إلى التكاسل-

فهو ﷺ  لم ينهها عن أصل الصلاة

ولذلك قال: (عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ) الذي تُطِيقه أَكْثِر منه، ما زاد عن طاقتك فهذا هو التكلف والمغالبة التي يصدق عليها قوله عليه الصلاة والسلام: “ولَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أحَدٌ إلَّا غَلَبَهُ”

(عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ) وهذا أيضًا من سماحة الإسلام ومن رحمة الله بنا، فلم يكلفنا فوق طاقتنا، ولذلك في أواخر سورة البقرة {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] قال الله عز وجل كما في الحديث القدسي عند مسلم “قدْ فَعَلْتُ” قال: “قدْ فَعَلْتُ”.

(عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ) قال: عليكم بما تطيقون أي: بما تقدرون عليه، ولم يخصص عليه الصلاة والسلام الحال التي فيها تلك المرأة من كثرة الصلاة، بل قال: (عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ) أي من كل الأعمال من الصلاة، ومن غيرها

(فَوَاللَّهِ) حلف عليه الصلاة والسلام، ولم يُستحلف أي لم يطلب منه الحلف، وهذا يستحب إذا كان لتأكيد أمر مهم في الشرع، أو لتنفير ما هو مخالف للشرع كما هنا، فيخرج من قاعدة قوله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89]

(َفوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا”) هذه الجملة فيها بيان الملل ما هو الملل؟

الملل هو استثقال النفس للشيء، ونفورها منه هذا من حيث المعنى اللغوي، ولذا الشراح تحدثوا عن هذا فقال بعضهم: هذا من باب المقابلة، فإن الله عز وجل لا يصيبه الملل كحال المخلوق، وإنما المقصود لا يمل الله من ثوابكم حتى تملوا من العمل

وقيل: إن حتى بمعنى الواو: فوالله لا يمل الله نفي الملل عنه، وتملوا يعني أنتم الذين يصيبكم الملل، والصحيح كما هي القاعدة عند أهل السنة والجماعة من أن الله لا يقاس بخلقه {لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ} [الشورى: 11]

 

{وَلَم يَكُن لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4]، فتُثْبَت هذه الصفة مقيدة بما جاء في الحديث، هذا هو ما عليه السلف

أما قول: ” إنَّ الله لا يَمَلُّ منَ الثَّوابِ حتى تَمَلُّوا مِنَ العَمَل ” ورد حديث لكنه ضعيف لو صح فهو المراد من هذا التفسير، فإن السنة يفسر بعضها بعض، ولكنه حديث ضعيف

ولذلك على المسلم كما بين ابن عباس رضي الله عنهما لما ذُكِرَت صفة لله عز وجل فاقشعر رجل، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: ” مَا فَرَقُ هَؤُلَاءِ؟ يَجِدُونَ رِقَّةً عِنْدَ مُحْكَمِهِ، وَيَهْلِكُونَ عِنْدَ مُتَشَابِهِهِ ” ما جاء به النص إثباتًا نثبته، وما جاء به النص نفيًا ننفيه، وما سكت عنه فنسكت

(َفوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا”) وفي هذه الجملة لما أُتي بها فيها أثر من آثار ما أمر به عليه الصلاة والسلام: (عليكم بما تطيقون) خيفة من أن يصيبهم الملل، ثم إن هذا الملل يفتح بابًا آخر، وهو باب الترك والانقطاع

ولذا من باب التأكيد على التأكيد السابق (وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ.)

إذًا لما أمر بالعمل الذي يطاق حتى لا يمل الإنسان أوضح المنهج الصحيح في العمل الصالح ما هو؟

المداومة ثم لما ذكر المداومة ذكر ما يبين فضلها، إذ إنها محبوبة -الطاعة أو العمل- إذ إنه محبوب عند من؟

عند الله، وهذا يدل على سعة رحمة الله بخلقه، يحب العمل المستمر ولو كان قليلًا

ولذا (وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ) الدين هنا هو العمل الصالح، والدين يطلق على الإسلام {إِنَّ الدّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسلامُ} [آل عمران: 19]

 

 فدل على أن العمل هو الإسلام وهو الإيمان، فلا غنى لعبد عن أن يعمل، وفي هذا رد على المرجئة، وأيضًا في قوله: (وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ) أتى بصيغة التفضيل يدل على أن الأعمال الصالحة تتفاوت، ولهذا هذه الجملة تصلح في باب سبق معنا [باب تفاضل أهل الإيمان في العمل] تبويب المصنف رحمه الله: [باب أحب الدين إلى الله أدومه] فالضمير هنا يرجع إلى الله عز وجل، وورد: “أحب الدين إليه” يعني إلى رسول الله ﷺ، ولا تناقض بينهما، لأن ما أحبه الله يحبه رسول الله ﷺ، فإذا كان الضمير كما قلنا لله، ففي هذا إثبات صفة المحبة لله عز وجل، وأنه يحب العمل الصالح، ويحب صاحبه، ففي هذا إثبات صفة المحبة لله عز وجل بما يليق بجلاله وبعظمته

وأتى بكلمة (وَكَانَ أَحَبَّ) دل هذا على ماذا؟ على أن الكينونة هنا يقصد منها ما مضى وما يستقبل، لأنها تطلق على الماضي وتطلق على المستقبل، فهو من حيث أصل التشريع محبوب لله عز وجل، ولا يزال عز وجل يحب العمل الصالح المُستَمَرُّ عليه

(وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ ) أي استمر عليه، وفي هذا ماذا؟

قال: (مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ) سبحان الله أتى بكلمة صاحبه من أجل أن يكون المسلم مصاحبًا وملازمًا للعمل، ولو قل الذي صفته الاستمرار.

ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: ” أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ ” لأن القليل المستمر يفتح للعبد أبوابًا أخرى من الخير، وفي هذا إشارة إلى ملازمة العبد للعمل الصالح حتى يتوفاه الله، لأنه بالمداومة سيبقى طيلة حياته على هذا العمل الصالح، فدل هذا على أن العبد لماذا قال: ” أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ “؟

لأن العبد مأمور بالعمل الصالح حتى يتوفاه الله، ولذلك قال عز وجل: {فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132] يعني ابقوا على الطاعة وعلى الإسلام حتى الوفاة، {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99].

 

(33) – بابُ: زِيَادَةِ الإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ

وَقَوْلِ الله تَعَالَى: {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}، {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} وَقَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}، فَإِذَا تَرَكَ شَيْئًا مِنَ الْكَمَالِ فَهُوَ نَاقِصٌ

44 – حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قالَ: “يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَفي قَلْبِهِ وَزْنُ شَعِيرَةٍ مِنْ خَيْرٍ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَفي قَلْبِهِ وَزْنُ بُرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَفي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ”.

قَالَ أبُو عَبْدِ الله: قَالَ أَبَانُ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم -: “مِنْ إِيمَانٍ”. مَكَانَ: “مِنْ خَيْرٍ”)

 

ثم ذكر رحمه الله بابًا فقال: (بابُ: زِيَادَةِ الإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ) مر معنا باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال، وأورد فيه حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، لكن هنا أورد فيه حديث أنس

إذًا قال: (بابُ: زِيَادَةِ الإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ) زيادة الإيمان تتعلق بما في القلب من حيث التصديق، وتتعلق بالظاهر من حيث عمل الجوارح، ولذلك لما قال هناك: [باب تفاضل أهل الإيمان] في ماذا؟

[في الأعمال] ذكر حديث أبي سعيد لمَ؟

لأنه قال: “أخْرِجُوا مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِن خَرْدَلٍ مِن إيمَانٍ” ولم يأتِ بتفصيل ما هو أقل من ذلك، لكن في حديث أنس رضي الله عنه فيه التفاوت بما يقوم في القلب، ولذلك ذكر ماذا؟

الشعيرة والبُرَّة والذَّرة، وفي هذا حث للمسلم -من مجموع حديث أبي سعيد وأنس- أن يتعاهد ظاهره وباطنه، ولذلك من الأحاديث الواردة عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: “وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ”

 ثم استدل بقوله تعالى: (وقول الله تعالى: {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13]، {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر: 31] )

ألم تُذكَر هذه الآيات؟

بلى، لماذا ذكرها؟

قد يقال: هذا تكرار، فالجواب عن هذا أنه لما قال: (بابُ: زِيَادَةِ الإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ) ماذا قال بعدها؟

(وَقَوْلِ الله تَعَالَى: {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}، {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا}) لكن لما ذكر الآية التي بعدها لم يقل وقوله، البخاري هذا عجيب، قال: (وقوله)  هنا قال: (وقال) خالف في لفظة القول بين الأولى وهذه

(وَقَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}) ثم فسر:

قال: (فَإِذَا تَرَكَ شَيْئًا مِنَ الْكَمَالِ فَهُوَ نَاقِصٌ) هنا قال: فإذا ترك شيئًا من الكمال فهو ناقص، أراد بذكر الآيتين السابقتين -هو كان بإمكانه أن يكتفي بقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] فيفسرها، فإذا ترك شيئًا من الكمال فهو ناقص- هذه الآية تدل على ماذا؟

تدل على النقصان، لأن الكامل لا يزيد، لكن قد ينقص، فلما أراد أن يبين أن الإيمان كما أنه ينقص، وآية {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] لا تدل على الزيادة، لأن الكامل لا يزاد عليه أراد أن يثبت نقيضه، وهو أن النقصان يزداد، فناسب أن يذكر الآيتين الأوليين.

إذًا فما بوب به، وما ذكره من الآيات الثلاث اجْمَعْ هذه الآيات الثلاث وقَعِّد عليها قاعدة أهل السنة والجماعة، الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ما دليل أنه ينقص؟

{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3]، ما دليل أنه يزداد إن كان ناقصًا {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر: 31]، {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13]، ثم هو عجيب رحمة الله عليه، ما ذكر فيما مضى آيات كثيرة، لكن لماذا ذكر هاتين الآيتين؟

لأنه لما استشهد بقوله تعالى: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر: 31]، هذا نص في زيادة الإيمان أراد أن يأتي بآية تدل أيضًا على زيادة الهدى؛ والهدى من لوازم الإيمان {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13]، {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] متى هذا اليوم؟

يوم عرفه، وهذا سيأتي معنا إن شاء الله تعالى، ولذلك في حديث عمر بن الخطاب لما سأله اليهود قالوا يا أمير المؤمنين آية في كتابكم لو نزلت علينا معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، سيأتي بعد حديث أنس بإذن الله تعالى.

ثم ذكر الدليل من السنة، والمتأمل في تبويب البخاري أنه أول ما يَذْكُر، يَذْكُر الدليل من القرآن لأن أصول التشريع القرآن، ثم السنة، وهناك أصول أخرى من الإجماع والقياس.

قال: (حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) الفراهيدي البصري وهو ثقة وقد أصيب بالعمى في آخر حياته. هذا الحديث حديث أنس شيخ البخاري من؟

مسلم بن إبراهيم، شيخه في حديث أبي سعيد إسماعيل بن أويس الأصبحي الذي خاله الإمام مالك، انظروا يعني ما كرر الحديث هكذا، اختلف السند واختلف المتن.

(قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ) وهو هشام الدَّسْتَوَائِي طبعا هو ثقة ثبت بصري، ويوصف بأنه صاحب الدستوائي،  ففي بعض الأسانيد [هشام صاحب الدَّسْتَوَائِي] هو ليس صاحب الدَّسْتَوَائِي ليس صاحبًا لرجل، الدَّسْتَوَائِي منسوب إلى بلدة تُجلَب منها الثياب، فهو يبيعها، ولا ضير أن يكون العالِم تاجرًا من أجل أن يقيم حياته، وحياة من يعول، فليتنبه [صاحب الدَّسْتَوَائِي]: يعني أنه صاحب الثياب المنسوبة إلى دَسْتَوى، ولْيُعلم أن بعضهم ينطق الدَّسْتُوَائِي بالتاء المضمومة  لكن ضَبْط -كما ذكر ذلك النووي- الضبط بفتح التاء الدَّسْتَوَائِي وهو كما قال شعبة عنه قال: هو من أخلص الناس في الحديث

ولذلك لما قال هشام هذا قال: يا ليتنا نخرج من هذا الحديث كِفافُا لا لنا ولا علينا، فقال شعبة: إذا كان هشام يقول هذا القول، فماذا عسانا أن نقول؟ سبحان الله يعني بعض الناس ربما يظهر عليه الإخلاص، مع أنه في القلب، لكن كيف حكم شعبة عليه؟

سبحان الله يعني من أفعاله، ومن أقواله والتوفيق من الله.

(قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ) قتادة بن دعامة السَّدُوسِي بصري، ثقة، ثبت، حافظ، يحفظ الشيء من أول مرة، وهو عالم أيضًا بالتفسير

ولذلك قُرِئت عليه صحيفة جابر بن عبد الله -له صحيفة في الحديث- قُرِئت عليه مرة واحدة فحفظها من أول مرة سبحان الله

(عَنْ أَنسٍ) فهو أنس بن مالك رضي الله عنه نزيل البصرة

إذًا الكل في السند بصريون

(عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قالَ: “يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) قال ماذا؟

(يَخْرْجُ) ضُبِطت يُخْرَجُ كلاهما صحيح، لكن أيهما أولى؟ يُخْرَجُ.

حديث أبي سعيد -وهذه فائدة تتبع الروايات وتتبع الأحاديث- ماذا قال؟

” أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ وَزْنُ دِينَارٍ “

إذًا هم مخرجون

(“يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ) من شروط نفع لا إله إلا الله للعبد أن يقولها لفظًا بلسانه، فلو أقر بها في قلبه ولم ينطق بها لسانه، ما نفعته.

ولذلك قال عليه الصلاة والسلام لعمه أبي طالب: “يا عَمِّ، قُلْ ” قُلْ: ” لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ”، ولذلك في الحديث السابق ” فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ “،”أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا “حتى يقولوا “لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ”

(مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) وفي هذا رد على الجهمية، الجهمية أفظع من المرجئة، وأفظع من المعتزلة، فالجهمية هم يقولون: لا يلزم من الإيمان عمل ولا قول، لكن هنا يُرَدُّ عليهم: (مَنْ قَالَ: ) دل على أن القول مع ما في القلب هو سبب النجاة من خلودهم في النار، فاشترط مع ما في القلب النطق باللسان.

(مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) وكلمة يُخرَج أو يَخرُج رد على الخوارج الذين يقولون: إن صاحب الكبيرة خالد مخلد في نار جهنم.

(مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) سبحان الله مع القول لا بد التصديق في القلب

(وَفي قَلْبِهِ وَزْنُ) في حديث أبي سعيد “مِثْقَالُ” أي وزن

(وَفي قَلْبِهِ وَزْنُ شَعِيرَةٍ) وهي الحبة من الحبوب

(مِنْ خَيْرٍ) دل هذا على ماذا؟

دل على أنه لما قال: من خير من أن الخير إيمان بدليل الرواية التي ستأتي معنا: “مِنْ إِيمَانٍ ” مكان “من خير”

(وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَفي قَلْبِهِ وَزْنُ بُرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ) يعني قمحة

(وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَفي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ”)

ذرة، الذرة قيل: النملة الصغيرة، وقيل: الهباءة التي تكون في شعاع الشمس سبحان الله أولًا بيان سعة رحمة الله عز وجل، ولذلك قال: “غَلَبَتْ” وفي رواية:  “سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي” هنا فيه رد على المرجئة وقد سموا بالمرجئة من الإرجاء وهو التأخير؛ أخروا العمل، فهم يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب، ولا ينفع مع الإيمان عمل، فهم يقولون: الإيمان باللسان بالقول، وبالقلب.

طيب هنا؟ تفاوت، فدل على أن أهل الإيمان يتفاوتون في التصديق الذي في القلب كما يتفاوتون في العمل الذي تقوم به الجوارح

(وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَفي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ”) في ظاهره هنا يدل على أن ما في القلب من التصديق يوزن، لكن لا يقل أحد ما في القلب معنىً كيف يوزن؟

فما يتعلق بأمر الآخرة له شأن آخر، ولذلك الأعمال توزن.

(وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَفي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ”) في صحيح مسلم شعبة بن الحجاج مع ضبطه صَحَّفَها، ولعله اجتهد فنطقها قال: “وفي قلبه وزن ذُرَة” فإنه لما ذُكِر ما سبق من الشعيرة والقمحة، توَهَّم رحمه الله من أنها كلها حبوب فقال: ” ذُرَة ” لكن الصحيح أنها ذَرَّة، وجاء في رواية دليل سعة رحمة الله عز وجل قال: ” أَدْخِلِ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ خَرْدَلَةٌ. فَيَدْخُلُونَ، ثُمَّ أَقُولُ : أَدْخِلِ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى شَيْءٍ ” وهذا إن دل يدل على عظم التوحيد، فالتوحيد سبب النجاة في الدنيا والآخرة.

(قَالَ أبُو عَبْدِ الله) من؟

كنية البخاري

(قَالَ أَبَانُ) وهو أبان بن يزيد البصري، ثقة

(حَدَّثَنَا قَتَادَةُ) ابن دعامة السَّدُوسِي

(حَدَّثَنَا أَنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم -: “مِنْ إِيمَانٍ”. مَكَانَ: “مِنْ خَيْرٍ”) يعني رواية أبان عن قتادة عن أنس هنا تختلف عن رواية هشام الدَّسْتَوَائِي عن قتادة، هنا في رواية هشام: وزن خَيْرٍ، ورواية أبان: مِنْ إِيمَانِ، ذكر البخاري رحمه الله سند أبان معلقًا، معلقًا: يعني لم يذكره سندًا، قد وصله غيره، لكن أولًا الفائدة من ذكر سند أبان لبيان أن الحديث ورد بلفظ من خير ومن إيمان، أيضًا قتادة مدلس في رواية هشام قال عن أنس، هنا صرَّح بالتحديث ماذا قال؟

حدثنا قتادة، قال قتادة: حدثنا أنس ما يذكر البخاري كلمة أو شيئًا هكذا لا معنى له لا، ولذلك قد يقول قائل: لماذا لم يذكر سند أبان وينتهي الأمر؟

فالجواب عن هذا: من أن هشام الدَّسْتَوَائِي أوثق من أبان، فأراد أن يذكر روايته لهذا المعنى، وأيضًا لأن في رواية أبان زيادة: (من إيمان).

 

45 – حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، سَمِعَ جَعْفَرَ بْنَ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا أَبُو العُمَيْسِ، أَخْبَرَنَا قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ اليَهُودِ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ اليَهُودِ نَزَلَتْ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ عِيدًا. قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا}. قَالَ عُمَرُ: قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ وَالمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ.

قوله: (حَدَّثَنَا الحسن بن الصباح، سمع جعفر بن عون) مراده: “أنه سمع”، وجرت عادتهم بحذف “أنه” في مثل هذا خطًّا لا نطقًا.).

ثم ذكر رحمه الله الحديث الثاني حديث عمر

(حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ) وهو يعرف بالبزار البغدادي، من العُبَّاد وهو صدوق، طبعا كلمة صدوق أقل من الثقة

(حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ) أنه (سَمِعَ) عندكم كلمة أنه، ليست موجودة عندكم، لكن في النطق عادة أهل الحديث إذا أَتَى بمثل هذا، فإنهم يحذفون [ أنه ] كتابة، لكن في النطق ينطقونها، ولذلك أنا نطقت بها، لم أقل (حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ سَمِعَ جَعْفَرَ) لا

(حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ) أنه (سَمِعَ جَعْفَرَ بْنَ عَوْنٍ) الكوفي وأيضًا جعفر بن عون صدوق.

(حَدَّثَنَا أَبُو العُمَيْسِ) اسمه عتبة، عتبة بن عبد الله الكوفي الهُذَلِي ثقة

(أَخْبَرَنَا قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ) الكوفي ثقة.

(عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ) الكوفي هو رأى النبي عليه الصلاة والسلام، لكنه لم يسمع منه

(عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ اليَهُودِ) في رواية أن اليهود هم الذين سألوه، وهذا الرجل المبهم هو كعب الأحبار كما بينته الرواية الأخرى، فيكون اليهود سألوه بحضور كعب، فكان المتحدث كعب

(أَنَّ رَجُلًا مِنَ اليَهُودِ قَالَ لَهُ) يعني قال لعمر

(يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، آيَةٌ) وذكرها مُنَكَّرة تعظيمًا لهذه الآية

(آيَة فِي كِتَابِكُمْ) يعني في القرآن، والإضافة هنا إضافة إتِّبَاع لأن القرآن الذي هو الكتاب هو كتاب الله، يضاف إلى الله باعتبار أنه صفة من صفاته، ويضاف إلى المسلمين باعتبار أنهم متبعوه

(فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا) هذا يدل على أن القرآن لا بد فيه من القراءة باللفظ

(لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ) يعني جماعة

(مَعْشَرَ اليَهُودِ نَزَلَتْ) وفي هذا إثبات أن القرآن منزل غير مخلوق

(لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ عِيدًا) والعيد ما عاد على وجه معتاد

(قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا}. قَالَ عُمَرُ: قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ وَالمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ) لم يقل مجيبًا له في هذه الرواية ما أراده من اتخاذ العيد

ولذلك في رواية قال: نزلت في يوم جمعةٍ في يوم عرفة وهما بحمد الله لنا عيدًا، فيوم الجمعة عيد الأسبوع، وعرفة عيد باعتبار أن اليوم الذي يليه هو يوم عيد، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: “شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ : رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ ” كيف يكون رمضان شهر عيد؟

لأن العيد يأتي بعده، فمناسبة القرب الزمني أُطلِق عليه من أنه عيد

قَالَ عُمَرُ: قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ وَالمَكَانَ) وهذا يدل على ماذا؟

يعني مع شرف هذه الآية العظيمة أيضًا نزلت في مكان فاضل، وفي زمان فاضل، في يوم الجمعة، وفي موقف عرفة

(وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ) نعم ولذلك هو عليه الصلاة والسلام لما فرغ من صلاتي الظهر والعصر جمعًا وقصرًا، ظل على راحلته يدعو وهو قائم عليها حتى غربت الشمس

({اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}) يعني ما قبله ليس بكامل، ولذلك لم تنزل كما قال بعض العلماء لم ينزل حكم حلال أو حرام بعدها، ولذلك عليه الصلاة والسلام قال: “خذوا عنَي مناسككم، فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا” ولذلك لم يبقى إلا نحو من ثمانين أو يزيد على ذلك بشيء من الأيام.

({اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}) طيب الصحابة رضي الله عنهم الذين ماتوا قبل يوم عرفة أليس دينهم كاملًا؟

بلى والله، فالكمال نسبي، والنقص نسبي يعني من أنقص من الدين وهو عالم به مذموم أم غير مذموم؟

مذموم، من أنقص الدين قبل أن يأتيه أمر من الله أو من الرسول عليه الصلاة والسلام هذا النقص لا يذم عليه، بل لو أتاه في وقته لقام به، فالنقصان نسبي، فما كان من الدين سابقًا قبل هذه الآية فهو كامل.

ولذلك أليس دين موسى عليه السلام، ودين عيسى عليه السلام اللذان لم يحرفا قبل نزول القرآن أليس كاملًا؟

بلى، لكنه هو في وقته كان كاملًا، لكن لما أتى هذا الدين فإنه نسخ ما سبق من أديان.