تعليقات على سنن الترمذي ( 22 ) من حديث ( 302 – 303 )

تعليقات على سنن الترمذي ( 22 ) من حديث ( 302 – 303 )

مشاهدات: 456

تعليقات على ( سنن الترمذي  )

الدرس الثاني والعشرون 

302 – 303

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب ما جاء في وصف الصلاة

حديث رقم – 302-

( صحيح ) حدثنا علي بن حجر أخبرنا إسماعيل بن جعفر عن يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي عن أبيه عن جده عن رفاعة بن رافع :   أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد يوما قال رفاعة ونحن معه إذ جاءه رجل كالبدوي فصلى فأخف صلاته ثم انصرف فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم وعليك فارجع فصل فإنك لم تصل فرجع فصلى ثم جاء فسلم عليه فقال وعليك فارجع فصل فإنك لم تصل ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا كل ذلك يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول النبي صلى الله عليه وسلم وعليك فارجع فصل فإنك لم تصل فخاف الناس وكبر عليهم أن يكون من أخف صلاته لم يصل فقال الرجل في آخر ذلك فأرني وعلمني فإنما أنا بشر أصيب وأخطئ فقال أجل إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله ثم تشهد وأقم فإن كان معك قرآن فاقرأ وإلا فاحمد الله وكبره وهلله ثم اركع فاطمئن راكعا ثم اعتدل قائما ثم اسجد فاعتدل ساجدا ثم اجلس فاطمئن جالسا ثم قم فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك وإن انتقصت منه شيئا انتقصت من صلاتك قال وكان هذا أهون عليهم من الأول أنه من انتقص من ذلك شيئا انتقص من صلاته ولم تذهب كلها )

من الفوائد :

أن الرجل المبهم الذي وصف بأنه ( كالبدوي ) هو خلّاد بن رفع .

ومن الفوائد :

أن الراوي وصف خلاد بأنه كالبدوي ، مع أنه ليس بدويا ، باعتبار أنه رأى هذا الفعل الذي لا يصدر إلا من جاهل لم يتعلم ، وهذه صفة من يسكن البادية ، أو باعتبار ما رأى عليه من الهيئة أو الملبس .

ومن الفوائد :

أن هذه الصلاة التي أداها خلاد بن رافع مبهمة ، وقد جاءت رواية تبين أنها ركعتان ، اللتان هما تحية المسجد

ومن الفوائد :

أن عدم الطمأنينة يُخل بالصلاة ، فمن أركان الصلاة الطمأنينة في جميع الأركان ، وهذا الرجل لم يطمئن ، ولذلك قال له النبي صلى الله عليه وسلم ( ارجع فصل فإنك لم تصل )

وقد صدر منه هذا الفعل ثلاث مرات ، أو مرتين على رواية الشك ، وقد جاءت رواية أخرى تدل على أنها ثلاث مرات بدون شك ، فيكون هذا الفعل قد صدر منه ثلاث مرار .

لو قال قائل : كيف يليق بالنبي صلى الله عليه وسلم أن يأمره ثلاث مرات بأن يفعل الصلاة التي اختل فيها ركن ، لماذا لم يعلمه من المرة الأولى حتى لا يلجئه إلى أن يفعل صلاة فاسدة ؟

الجواب عن هذا من وجهين :

قال بعض العلماء : إن قول النبي صلى الله عليه وسلم ( ارجع فصل فإنك لم تصل ثلاث مرار ) من أجل أن يشتاق هذا الرجل إلى معرفة الصلاة الصحيحة فيكون البيان بعد ذلك أثبت في قلبه .

وقال بعض العلماء بالوجه الثاني : أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره أكثر من مرة فلأنه ربما كان في صلاته الأولى ناسيا فصلى صلاة خفيفة لم يطمئن فيها ، فلم يستعجل صلى الله عليه وسلم في البيان من أول الأمر .

ومن الفوائد :

أن السلام المتكرر على الشخص مندوب إليه ، ولذلك كان الصحابة رضي الله عنهم إذا لقي أحدهم الآخر سلم عليه فإذا فصل بينهم فاصل من جدار أو حجر فالتقوا سلم بعضهم على الآخر ، لكن هنا المكان واحد ولم يفصل فاصل حسي بين هذا الرجل وبين الرسول صلى الله عليه وسلم ؟

فالجواب عن هذا : أن السلام يكرر في نفس المكان إذا وجدت صورة تشبه صورة الانفصال ، فإن مثل هذا الرجل أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع مرة أخرى في ناحية من نواحي المسجد فأشبهت هذه الصورة صورة من حصل بينه وبين الآخر عازل أو فاصل .

ومن ثم فإن ما ينكره بعض طلاب العلم على عوام الناس إذ يسلم بعضهم على بعض قبل أن يدخلوا المسجد فإذا دخلوا المسجد وصلوا تحية المسجد سلم بعضهم على الآخرة مرة أخرى  فينكرون ، وهذا الإنكار منكر ، لأن هذا الدليل يرد على ما أنكروا به على عوام الناس .

بل إن بعضهم أنكر على المأمومين أن يسلموا على الإمام بعد انصراف الصلاة ، لا شك أن سلام المصلي على المصلي بعد الفريضة مباشرة كما يفعله بعض الوافدين من البدع كما قال شيخ الإسلام رحمه الله ، لكن الحال عندنا هنا إذا فرغوا من الأذكار وأراد أحدهم أن ينصرف سلم على الإمام فيرد عليه الإمام السلام ، فيقولون لا يسلم المأموم – وهذا خطأ – لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما  أنكر ، ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين لما حصل ما حصل لكعب بن مالك رضي الله عنه لما تخلف عن غزوة تبوك قال كعب ، لما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ألا يُكلَّم هو وصاحبان ، قال كعب ( فكنت أصلي مع الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا انصرف من الصلاة سلمت عليه ) فلا أدري أرد علي السلام أم لم يرد علي ؟ ) ولو كان فعله منكرا لبينه النبي صلى الله عليه وسلم وأنكر عليه فيما بعد ذلك .

ومن الفوائد :

أن الرسول صلى الله عليه وسلم رد عليه ، ولكن رد عليه برد غريب ، قال ( وعليك ) فهذه الرواية يفهم منها أن هذا الرد يرد به على الكفار ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا تبدءوا أهل الكتاب بالسلام فإذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم ) فلماذا رد بهذا الرد مع أن هذا الجواب إنما هو في حق الكفار ؟

فالجواب عن هذا : أن هناك رواية بينت هذه الرواية ، ففي رواية أخرى ( وعليك السلام ) فلا يكون في ذلك محل إشكال ومن الفوائد :

أن الفعل إذا كان منفيا دل على العموم ، إذ قال صلى الله عليه وسلم ( ارجع فصل فإنك لم تصل ) قال ( فإنك لم تصل ) فهل النفي هنا للكمال بمعنى أن صلاته صحيحة ولكن أجره ناقص ؟ أم أنها غير صحيحة ؟

الجواب /  غير صحيحة ، فدل على أن الفعل المنفي – لأن ( لم ) أداة نفي وجزم – فدل على أن الفعل المنفي يدل على العموم ، يعني لا صلاة لك مطلقا .

ومن الفوائد :

أن هذا الأمر كبر وشق على الصحابة رضي الله عنهم إذ خافوا أن كل من خفف صلاته فإن صلاته غير مقبولة ، فشق عليهم ، وهذا إن دل يدل على حرصهم رضي الله عنهم على الخير ، وعلى ألا يفوتهم الأجر ، وهكذا ينبغي للمسلم أن يكون أشد ما يخاف أن يخف على دينه ، لأن الدنيا إلى الزوال والفناء ، لكن الدين باقي وهو الذي يودي بصاحبه إلى محل البقاء والدوام ، ولذلك لما قال في آخر الحديث ( فإن انتقصت منه شيئا فقد انتقصت من صلاتك ) فكان هذا الأمر خفيفا عليهم ، لم ؟ لأن الصورة قد وضحت إليهم ، ما هي ؟ أن من أخل بالطمأنينة فإنه لا صلاة له ، وأن من أتى بالطمأنينة لكنه خفف في صلاته أو قلَّ خشوعه فيها فإنها مقبولة لكن أجره بقدر خشوعه واهتمامه بهذه الصلاة .

ومن الفوائد :

أن الطمأنينة ركن في جميع الأركان ، ولكن ما هي الطمأنينة ؟

قال بعض الحنيفة : هي السكون وإن قلَّ ، ولذا نرى بعض الوافدين من حين ما يرفع من الركون يسجد مباشرة باعتبار أن الطمأنينة ” السكون وإن قلَّ “

والصواب أن أقل الطمأنينة ” السكون بقدر الذكر الواجب “

فمثلا ما هو الواجب بعد الرفع من الركوع ؟

قال ( بنا ولك الحمد ) وما هو أقل الواجب في ذكر الركوع ؟ ( سبحان ربي العظيم ) فبقدر هذا الذكر الواجب من الركوع تكون الطمأنينة .

وقد وضحها النبي صلى الله عليه وسلم في بعض روايات هذا الحديث بأن يعود فيستقر كل عضو محله ، فمثلا لو رجعت تحتاج إلى أن تستقر حتى يعود كل عضو إلى مقره الطبيعي وكذلك إذا رفعت من الركوع وكذلك إذا سجدت أو رفعت من السجود ، وهلم جرا .

ومن الفوائد :

أن الأذان والإقامة قد أمر بهما في هذا الحديث ، ولكنها للمنفرد على سبيل الاستحباب .

ومن الفوائد :

أن المسلم إذا كان لا يعرف الفاتحة فإن الواجب عليه أن يتعلمها ، لكن إن ضاق الوقت عليه ، فيقال له اقرأ بما تيسر من القرآن مما تعرفه ، قد يعرف غير الفاتحة ، فإن قال لا أعرف إلا آية واحدة فيقال له كررها سبع مرات ، لأن الفاتحة سبع آيات ، فإن كان لا يعلم شيئا من القرآن ، لأنه أُمر هنا أن يقرأ شيئا من القرآن ، وفي رواية ( أمر أن يقرأ بأم الكتاب ) فإذا كان يعلم أم الكتاب فيجب عليه أن يقرأها ، إذا لم يعلم بها يقرأ ما معه من القرآن فإذا لم يكن لديه شيء القرآن ، فيسبح ويهلل ويكبر وتغنيه هذه عن قراءة القرآن .

ومن الفوائد :

ما ذهب إليه الحنيفة أنه لا يلزم المصلي بقراءة الفاتحة ، بل لو قرأ ما تيسر من القرآن كفى ، لهذه الرواية ولقوله تعالى{ْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ }المزمل20 .

ولكن الراجح خلاف ما ذهبوا إليه ، لأن الروايات الأخرى عند أبي داود وغيره أمرت هذا الرجل أن يقرأ بأم الكتاب .

ومن الفوائد :

أن قوله صلى الله عليه وسلم لما ذكر السجود قال ( ثم اجلس فاطمئن جالسا ثم قم ) هذه تدل على جلسة الاستراحة ، بل تدل على وجوبها ، وهذا ليس مرادا لأن هناك رواية أخرى بينت ما المقصود من هذا الجلوس ، ففي رواية أخرى ( ثم اطمئن حتى تستوي قائما .

ومن الفوائد :

أنه قوله ( ثم تشهد ) قال بعض العلماء : إن المقصود الذكر الذي يقال بعد الوضوء ، لكن ما الذي جعلنا نقتصر على الأول ؟ وهو أن قوله ( ثم تشهد ) هو الأذان

لأن المذكور هنا هو الواجب ، ولذلك نفينا أن يكون دليل على وجوب جلسة الاستراحة .

ومن الفوائد :

أن ( أجل ) حرف جواب مثل ( نعم )

حديث رقم – 303-

( صحيح ) حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد القطان حدثنا عبيد الله بن عمر أخبرني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه السلام فقال ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع الرجل فصلى كما كان صلى ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فرد عليه السلام فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ارجع فصل فإنك لم تصل حتى فعل ذلك ثلاث مرار فقال له الرجل والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا فعلمني فقال إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا وافعل ذلك في صلاتك كلها )

من الفوائد :

أن هذا الحديث بين الزمن الذي بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين هذا الرجل في المسجد ، فدخول الرسول صلى الله عليه وسلم كان سابقا على دخول هذا الرجل ، ويدل عليه الرواية الأخرى ( بينما هو جالس في المسجد ) في الحديث السابق .

ومن الفوائد :

أن الراوي قال ( فرد عليه السلام ) وهذا يؤيد ما أبهم في الرواية الأخرى لما قال ( وعليك ) فلما قال هنا ( فرد عليه السلام ) دل على أنه الرد الشرعي الذي يُرد به على المسلم لا على الكافر .

ومن الفوائد :

أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( كبِّر ) فاستفاد منها بعض العلماء على أن أي صيغة من صيغ التكبير يدخل به في الصلاة ، سواء قال ” الله أكبر ” أو ” الله الأكبر ” أو ” الله كبير “

ولكن الراجح أن الدخول في الصلاة لا يمكن أن يكون إلا بقول ” الله أكبر ” لأن هناك روايات أخرى أمرت هذا الرجل أن يقول ( الله أكبر ) تصريحا ، وستأتي معنا إن شاء الله في سنن أبي داود .

ومن الفوائد :

أن قول هذا الرجل ( ما أحسن غير هذا ) ما : هنا نافية ، لأن ( ما ) تأتي ولها معاني، ويتضح معناها بالسياق ، فتكون هنا نافية .

لو قلت ” ما أحسنَ زيدا ” وهذه فائدة اللغة العربية – فـ ( ما ) هنا تعجبية ، تتعجب من حسن زيد ، لكن لو قلت ” ما أحسنَ زيدٌ ” نفيت عنه الإحسان لأنه لم يحسن .