بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
حديث رقم -422-
( صحيح ) حدثنا مسدد ثنا بشر بن المفضل ثنا داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال : صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العتمة فلم يخرج حتى مضى نحو من شطر الليل فقال خذوا مقاعدكم فأخذنا مقاعدنا
، فقال إن الناس قد صلوا وأخذوا مضاجعهم ، وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة ، ولولا ضعف الضعيف وسقم السقيم لأخرت هذه الصلاة إلى شطر الليل )
من الفوائد :
فيه بيان أفضلية تأخير صلاة العشاء إلى قريب من شطر الليل ، وهذا هو رأي الجمهور ، وإن كان هناك طائفة من أهل العلم يرون أن صلاة العشاء إذا فعلت في أول وقتها فهو الأفضل ، لأنه هو الأمر الذي داوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، وما داوم عليه صلى الله عليه وسلم كان أفضل وأحسن ، ولكن الصواب هو رأي الجمهور وأن النبي صلى الله عليه وسلم ما منعه أن يصلي إذا مضى شطر من الليل ما منعه إلا ( ضعف الضعيف وسقم السقيم ) فلولا المشقة لأخرها صلوات ربي وسلامه عليه .
ومن الفوائد :
أن هذا الحديث يخالف ما جاء عنه عليه الصلاة والسلام ( لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء فإنهم يعتمون بالإبل وإنها في كتاب الله العشاء )
فهذا الحديث يدل على الجواز ، وما ذكره يدل على النهي ، فكيف التوفيق بينهما ؟
الجواب / أن الاسم الشرعي الغالب هو صلاة العشاء ، لكن الممنوع أن يهجر الاسم الشرعي وهو صلاة العشاء ويستبدل بهذا الاسم الذي هو العتمة ، نظير ذلك ما يقال في العقيقة والنسيكة ، فاللفظ الشرعي ” النسيكة ” فلا يعدل عن هذا كما هو حال كثير من الناس يقولون ” عقيقة ” ولذا قال عليه الصلاة والسلام ( لا أحب العقوق من أحب أن ينسك فعن الغلام شاتان ) فعبر بالنسك ، كما قال تعالى { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً }الحج34 ، لكن لو قيلت عقيقة في بعض الأحيان فلا بأس ، إذاً من باب أولى ما يطلق عليها بأنها تمائم ، من باب أولى أنه منهي عنه ، لاسيما أنها تختلط بالتمائم الشركية ، ولذا ينبه عوام الناس على هذا الأمر .
ومن الفوائد :
أن قوله ( حتى مضى نحو من شطر الليل ) قد يفهم منه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر صلاة العشاء إلى ما بعد نصف الليل ، وهذا يخالف ما قررناه من أن القول الراجح أن صلاة العشاء إلى نصف الليل ، فيكون النصف الآخر ليس داخلا في وقت صلاة العشاء .
والجواب عن هذا /
أن آخر الحديث يبين معنى هذه الكلمة إذ قال ( ولولا ضعف الضعيف وسقم السقيم لأخرت هذه الصلاة إلى شطر الليل )
فيكون ( شطر الليل ) أي جزء من الليل ، لأن الشطر قد يطلق في اللغة العربية ويراد منه النصف ، وقد يراد منه الجزء من الشيء وليس محددا .
ومن الفوائد :
أن الحديث بعد صلاة العشاء إذا لكان لبيان علم شرعي فلا بأس به ، فيكون هذا مستثنى من حديث أنس رضي الله عنه ( كان النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها ) فإنه هنا تحدث عليه الصلاة والسلام بعدما صلى العشاء ، فما كان من شيء نافع سواء كان يتعلق بالدين أو الدنيا فلا بأس بالحديث عنه فيما بعد صلاة العشاء ، شريطة ألا يفوت على الإنسان فرضا أو ما هو أفضل من هذا الحديث من صلاة ليل ونحوه .
ومن الفوائد :
أن قوله عليه الصلاة والسلام ( إن الناس قد صَلوّا ) فعل ماضي ، بخلاف ( صَلُّوا ) فهو فعل أمر ، فيكون المقصود من هؤلاء الناس ما عدا من كان في مسجده في تلك الليلة ، ولذا في رواية أخرى ( ما انتظرها غيركم )
وهذا يدل على أن كلمة “الناس ” قد تطلق ويراد منها البعض أو الأغلب .
ومن الفوائد :
أن قوله عليه الصلاة والسلام ( فلولا ضعف الضعيف ) أي ضعيف البدن أو ضعيف اليقين ، فمن كان ضعيفا من حيث الإيمان أو من حيث البدن قد يمتنع من الإتيان إلى الصلاة إذا جعلت في ذلك الوقت ( وسُقم السقيم ) ويصح ( سَقم السقيم ) يعني مرض المريض .
ومن الفوائد :
كما مر معنا في بلوغ المرام أن ” لولا ” أداة شرط ، وهي “أداة امتناع لوجود ” فامتنع تأخير الصلاة لوجود المشقة من ( ضعف الضعيف وسقم السقيم )
وقلنا إن جوابها يقترن باللام ، وأن الأصل فيها ” لو ” فدخلت عليها ” لا ” النافية .
ومن الفوائد :
أن من انتظر صلاة فهو في صلاة ، بل في حكم من يصلي أجرا وثوابا ، ومن ثم فإن على المسلم أن يحتسب الزمن الذي يمكثه ما بين الأذان والإقامة .
ومن الفوائد :
أن قوله عليه الصلاة والسلام ( وإنكم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة ) يدل على أحكام من بينها :
أن تشبيك الأصابع منهي عنه لمن انتظر الصلاة .
جاءت رواية عند الإمام أحمد ( أن هذا من الشيطان ) لكن فيها ما فيها من المقال .
وقال بعض العلماء : إن العلة تعبدية .
وإن لم تصح رواية الإمام أحمد ، فالذي يظهر لي أن التشبيك بين الأصابع لا يناسب هذه الصلاة التي دعي فيها إلى الجماعة، لأن حالة الأصابع في التشبيك تكون متفرقة يمنة ويسرة ، وسيأتي معنا إن شاء اله عز وجل مزيد بيان لهذه المسألة .
ولكن ليس هذا الحديث على إطلاقه ، لأن من المعلوم إنه في حكم المصلي ثوابا وأجرا وإلا فهناك أحكام لا تصدق عليه فيما لو كان مصليا ، لأن له أن يتكلم بكلام الآدميين .
ومن الفوائد :
بيان تشجيعه عليه الصلاة والسلام للأمة بذكر الثواب العظيم ، فإن الإنسان ولو شق عليه العمل الصالح فإن له الثواب عند الله عز وجل ، لا شك أن التأخر فيه مشقة ولكن يبلغ الإنسان بهذه المشقة ثوابا عظيما ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري ( أجرك على قدر نصبك )
سؤال : حكم تشبيك الأصابع عند الزواج ؟
الجواب / ليس هناك دليل يمنع ، لكن هذا مما توارثه الناس أنه غير سائع ، وليس عليه دليل .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد .