تعليقات على ( سنن أبي داود ) ــ الدرس الخامس والأربعون حديث 426-427

تعليقات على ( سنن أبي داود ) ــ الدرس الخامس والأربعون حديث 426-427

مشاهدات: 451

تعليقات على ( سنن أبي داود ) ــ الدرس الخامس والأربعون

حديث  426-427

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب المحافظة على الصلوات

حديث رقم -426-

( صحيح ) حدثنا محمد بن عبد الله الخزاعي وعبد الله بن مسلمة قالا ثنا عبد الله بن عمر عن القاسم بن غنام عن بعض أمهاته عن أم فروة قالت : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل قال الصلاة في أول وقتها قال الخزاعي في حديثه عن عمة له يقال لها أم فروة قد بايعت النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل )

من الفوائد :

بيان أن أفضل أوقات الصلاة أن تؤدى حينما يدخل وقتها ، إلا ما أتى الشرع باستثنائه كما سلف معنا في صلاة الظهر في شدة الحر ، وفي صلاة العشاء .

وهذه اللفظة ( الصلاة في أول وقتها ) تبين المقصود في الروايات الأخرى ( الصلاة على وقتها ) فإن قوله ( الصلاة على وقتها ) يعني أن تؤدى في الوقت سواء كانت في أول الوقت أو في وسطه أو في آخره إذا كانت الصلاة مؤداة في نفس الوقت ، بينما هذه اللفظة ( الصلاة في أول وقتها  ) أكدت أن الأفضلية تكون بأول وقت الصلاة ، ويؤيد هذا أن هذا من باب المسارعة إلى الخيرات ، فمتى ما دخل وقت الصلاة فصليت هذه الصلاة فإن في ذلك مسارعة إلى الخيرات ، والمسارعة إلى الخيرات أمرٌ أمر به الشرع وحث عليه في نصوص كثيرة ، كما في قوله تعالى {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }آل عمران133، وفي قوله { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ }الواقعة10.

ومن الفوائد :

أن أم فروة المذكورة هنا اختلف العلماء من هي هذه المرأة ؟

فقال بعض العلماء : إنها امرأة أنصارية بايعت النبي صلى الله عليه وسلم فروت هذا الحديث .

وقال بعض العلماء : إن القول بأنها أنصارية وهم ، بل هي أم فروة أخت أبي بكر الصديق رضي الله عنه لأبيه ، فهي أخته من جهة الأب .

وعلى كل حال سواء قيل بهذا أو بهذا فإنها صحابية  ، والصحابي إذا لم يذكر اسمه فإن جهالة اسمه لا تضر بالحديث ضعفا .

ومن الفوائد :

أن تبويب أبي داود رحمه الله ( باب المحافظة على الصلوات) وأين هذا مما ذكره هنا ؟

الجواب : أن من حافظ على الصلاة أول وقتها فمن باب اللزوم أنه سيحافظ على الصلاة ذاتها .

ومن الفوائد :

أن هناك أحاديث كثيرة سئل فيها النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال ، فكانت إجابته عليه الصلاة والسلام في بعض الأحاديث تختلف عن إجابته في الأحاديث الأخرى ، فتجد أنه يقدم بعض الأعمال على بعض في الأفضلية إذا سئل ، وفي الحديث الآخر يقدم شيئا آخر غير السابق ، فكيف نوفق بين هذه الأحاديث ؟

التوفيق بينها : إما أن يكون بحسب الأشخاص ، فقد يكون السائل محتاجا إلى أن يذكر بفضيلة ذلك العمل ، فكانت الإجابة آتية بما يناسب حاله .

وإما أن تكون الأفضلية بحسب الأحوال ، فقد يكون في حال من الأحوال قد يكون الجهاد أفضل من غيره ، باعتبار أن الناس في حاجة إليه ، أو أن الناس عازفون عنه ، هذا كمثال

فإذاً هذا الاختلاف بحسب اختلاف الأشخاص أو بحسب اختلاف الأحوال ، فلا يكون هناك تعارض بين هذه الأحاديث .

ومن الفوائد :

أن السؤال عن أفضل الأعمال يدل على أن الأعمال تتفاوت وليست في درجة واحدة ، وأنه بتفاوتها يتفاوت الإيمان ، وفي هذا رد على الجهمية والمرجئة الذين يقولون إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص فالناس فيه سواء ، وهذا الحديث يرد عليهم ، لم ؟ لأنهم لو كانوا فيه سواء لما كان في ذكر أفضل الأعمال فائدة .

 

 

 

 

حديث رقم -427-

( صحيح )  حدثنا عمرو بن عون أخبرنا خالد عن داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود عن عبد الله بن فضالة عن أبيه قال : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان فيما علمني وحافظ على الصلوات الخمس قال قلت إن هذه ساعات لي فيها أشغال فمرني بأمر جامع إذا أنا فعلته أجزأ عني فقال حافظ على العصرين وما كانت من لغتنا فقلت وما العصران فقال صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها)

من الفوائد :

هذا الحديث فيه إشكال كبير ، وقد أطال بعض العلماء في الحديث عنه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر فضالة في هذا الحديث أن يحافظ على الصلوات الخمس ، فذكر أن لديه  أشغالا ، فقال ” مرني بما يجزئني إن فعلت ذلك ” فحثه على صلاتي العصر والفجر “

فأشعر هذا الحديث بأن من حافظ على صلاتي الفجر والعصر أنها مغنية عن الصلوات الأخرى ، ولا شك أن هذا مخالف للنصوص الأخرى ، من بينها قوله تعالى  {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ }البقرة238، ومن بينها ( خمس صلوات )

فكيف يجاب عن هذا الحديث ؟

الجواب الفصل المناسب لهذا الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالمحافظة على الصلوات الخمس أول الوقت فاعتذر بأشغال له ، فأجزأ له النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي الصلوات الخمس في أوقاتها قبل أن يخرج وقتها وأجاز له أن يصلي صلاتي الفجر والعصر في أول وقتها ، إذاً الإجزاء ينصب على ماذا ؟

على أول الوقت في هاتين الصلاتين ، فحثه النبي صلى الله عليه وسلم صلاة على الفجر وصلاة العصر في أول وقتها ، أما ما عداها من الصلوات فيصليها وجوبا وحتما ولكن في وقتها قبل أن يخرج ، وبهذا يدفع التعارض .

ولو قال قائل : لماذا هاتان الصلاتان ؟

فيقال : لأن ملائكة الليل والنهار تجتمعان في هاتين الصلاتين ، فالمبادرة في فعلهما في أول وقتهما مسارعة إلى الخيرات ، ولأن صلاة الفجر وقت نوم وراحة ، وصلاة العصر وقت أشغال وتجارة ، فإذا حافظ على هاتين الصلاتين في أول وقتها فإنه سيحافظ قطعا على بقية الصلوات ، لأنه لا أشغال ولا راحة تعترض الإنسان في الصلوات الأخرى .

ولذا مما مضى معنا نرى أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على التغليس في صلاة الفجر ، وهذا يدل على أول الوقت ، وصلاة العصر مر معنا المسارعة في أداء هذه الصلاة من النبي صلى الله عليه وسلم وأن الرجل يصليها من النبي صلى الله عليه وسلم فيذهب إلى العوالي والشمس حية .

ومن الفوائد :

أن تسمية الفجر بأنها عصر ، هذا من باب التغليب ، وسيأتى معنا إن شاء الله في البلاغة في باب علم المعاني أن التغليب موجود في اللغة على خمس حالات ، من بينها تغليب الأخف على الأثقل ، وهذا من هذا القبيل ، ” فالعصران ” من باب تغليب الأخف على الأثقل من حيث النطق ، كما يقال للحسن والحسين ” الحسنان ” .

ومن الفوائد :

أن هذه الأشغال التي تعلل بها فضالة رضي الله عنه هي أشغال لم يظهر في الحديث بيانها ، وإنما يؤخذ هذا من إعذار النبي صلى الله عليه وسلم له إلا أن الأشغال إذا كانت أشغالا شرعية يجوز له أن يتخلف بسببها عن صلاة الجماعة ، ويمكن أن هذه الأشغال لا تجعله يتخلف ، فقد يكون لديه أخرى ، أو يذهب إلى مسجد آخر أو إلى حي من الأحياء فيصلي معهم ويدركهم مثل ما كان يفعل معاذ رضي الله عنه ، يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم ، فلا تكون الأشغال سببا للإنسان في ترك صلاة الجماعة .

ومن الفوائد :

أن قوله عليه الصلاة والسلام ( قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ) لم يذكر الفجر ولا العصر إلا تلميحا في قوله ( العصرين ) لكن لما ذكر ( قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ) هذا فيه تأكيد على أن الصلاة لا يجوز أن تخرج عن وقتها ، فإنه لو تعلل بهذه الأشغال فإنه لا يجوز أن يترك الصلاة خارج وقتها ، لأن النصوص الواردة في الترهيب والتحذير من ترك الصلاة إلى أن يخرج وقتها كثيرة .

وقد تأتي مسائل معينة تخص بعض الصحابة وتسري على الآخرين إذا كانوا بنفس الصفة مثل صفوان بن المعطل السلمي رضي الله عنه كما سيأتي معنا إن شاء الله ، لماذا تخلف في حادثة الإفك ؟ لأنه كان ثقيل النوم لا يستطيع أن يقوم ، حتى إن زوجته لتوقظه لكن عنده هذا المرض ، فرخص له النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤخر الصلاة ، لكن من حيث الأصل يجب أن يقوم الإنسان بالمحافظة على هذه الصلاة .

ومن كان نومه ثقيلا وكان إماما أو مؤذنا ويتخلف عن الناس ، فإن الواجب عليه أن يعالج نفسه ، فإذا لم يتعالج ولم يبرأ من هذا المرض فيجب عليه أن يترك هذا الأمر وألا يجعل الناس في حرج ، فإن الشرع وإن أعذره فإنما هذا لخصيصة في نفسه لما به من مرض .

وأنا أظن أن الإنسان لو نام مبكرا وعلى طهارة وأذكار النوم ودعا الله عز وجل أن يوقظه فلم يستيقظ أظن أن هذا هو الذي به المرض ، أما شخص لا ينام إلا متأخرا وإذا نام نام على غير طهارة وأذكار النوم قد يأتي بها وقد لا يأتي بها ، فهذا لا أظن إلا أنه تفريط ، لكن من فعل الأسباب ولم يستيقظ فهذا هو العليل المريض الذي تصدق عليه صورة صفوان بن المعطل السلمي .