بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد قال المصنف رحمه الله :
باب المحافظة على الصلوات
حديث رقم -428-
( صحيح ) حدثنا مسدد ثنا يحيى عن إسماعيل بن أبي خالد ثنا أبو بكر بن عمارة بن رؤيبة عن أبيه قال سأله رجل من أهل البصرة فقال أخبرني ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” لا يلج النار رجل صلى قبل طلوع الشمس وقبل أن تغرب ” قال أنت سمعته منه ثلاث مرات قال نعم كل ذلك يقول سمعته أذناي ووعاه قلبي فقال الرجل وأنا سمعته صلى الله عليه وسلم يقول ذلك )
من الفوائد :
بيان فضل المحافظة على صلاتي العصر والفجر ، لأن المقصود من الصلاة التي قبل طلوع الشمس صلاة الفجر ، والتي قبل غروبها هي صلاة العصر .
ولو قال قائل :
أداء هاتين الصلاتين والمحافظة عليهما تغني عما سواهما من الصلاة ؟
فالجواب عن هذا : أنهما لا تغنيان ، لقوله تعالى {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى }البقرة238ـ وللأحاديث الأخرى الواردة في وجوب المحافظة على جميع الصلوات .
لكن لماذا خص هاتين الصلاتين بالذكر ؟
خصهما لأن من حافظ على هاتين الصلاتين فهو لما سواهما أكثر محافظة ، لأن صلاة الفجر تقع عند رغبة النفس في النوم ، ولأن صلاة العصر تقع عند رغبة النفس في البيع والشراء ، فإذا حافظ على هاتين الصلاتين فـ { إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ }العنكبوت45 ولابد أن يقيم بقية الصلوات ، إضافة إلى ما يحصل في هاتين الصلاتين من اجتماع ملائكة الليل والنهار ، كما صح بذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ومن الفوائد :
أن المحافظة على الصلوات ولاسيما هاتان الصلاتان سبب من أسباب عدم دخول النار ، وقد أتى هذا الحديث بلفظ ( لا يلج ) أي لا يدخل ، و ( لا ) نافية دخلت على الفعل ، والفعل المنفي يدل على العموم ، أي لا يكون له ولوج بتاتا للنار إذا حافظ على هاتين الصلاتين .
لو قال قائل :
قد تكون لديه أعمال شنيعة وكبائر عظيمة ، ألا يلج النار ؟
فيقال : إن مثل هذا قد يعفو الله عز وجل عنه ، لأنه تحت المشيئة ، فقد تسبق رحمة الله عز وجل غضبه فيعفو عنه ، وقد لا يُعفى عنه ، وبالتالي فإنه يقصد بعدم الولوج البقاء الدائم في النار .
ومن الفوائد :
أن ذكر ( الرجل ) هنا لا يدل على أن المرأة خارجة ، فعندنا قاعدة شرعية وهي [ أن الأحكام تتساوى فيها النساء مع الرجال إلا إذا ورد دليل يخص أحد الجنسين ] فيكون ذكر الرجل هنا من باب [ مفهوم اللقب ] ومفهوم اللقب غير معتبر عند جميع الأصوليين .
ومن الفوائد :
أن هذا الحديث وأمثاله استدل به شيخ الإسلام رحمه الله على أن أعلى الناس مرتبة في الجنة كما جاء عند الترمذي ( من ينظر إلى الله في اليوم مرتين غدوة وعشية ) وهذا الحديث عند الترمذي وفيه ضعف ، لكن يمكن أن يؤيَد ببعض الأدلة ، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى ، منها قوله تعالى { وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً }مريم62، وكذلك هذا الحديث الذي معنا ، صلاة الفجر تقع في أول النهار ، وهي بالغداة ، وصلاة العصر تقع في آخر النهار وهي بالعشي ، وليس هذا الاستدلال من هذا الحديث ، لأنه كما سيأتي معنا إن شاء الله تعالى في دروس العقيدة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ( سترون ربكم لا تضامون في رؤية ) ثم قال في نهاية الحديث ( فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ) فلماذا أتى بهذه الجملة ؟
ما أتى بهذه الجملة إلا لأن لهاتين الصلاتين سبب في دخول الجنة كما تدل عليه هذه الرواية ، بل في سبب ارتقاء منزلة عالية في الجنة وهي أن يرى الله عز وجل بالغداة وبالعشي .
نظير ما قدمه منه عمل ، والجزاء من جنس العمل .
ويمكن أن اجتماع الملائكة في هاتين الصلاتين لها دلائل وقرائن على هذا ، ولأنه يفتتح نهاره بالصلاة ويختم نهاره بالصلاة .
ومن الفوائد :
أن الرواة إذا أرادوا أن يؤكدوا ويوثقوا حديثا يقولون ( سمعته أذناي ووعاه قلبي ) بل إن بعضهم يقد يشير إلى قلبه وإلى سمعه من باب التأكيد على أنه سمع هذا الحديث بنفسه وأنه نقله وقد تثبت من نقله ونشره ، لأن الإنسان قد يسمع الشيء ولا يعيه قلبه ، لكن إذا سمع الشيء ووعاه قلبه دل على ضبطه لما نقل .
سؤال : هل هذا الحديث دليل لمن قال إن الورود في قوله تعالى {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً }مريم71 ، هو بمعنى المرور وليس الدخول ؟
الجواب :
هذه مسألة مختلف فيها ، هل الورود هنا في قوله تعالى {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً }مريم71، هل الورود هنا هو المرور عليها أم أنه الدخول فيها ؟ بمعنى أن الكل سيمر أو أن الكل سيدخل لا محالة ؟
خلاف بين المفسرين : وقد استوفى المسألة الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان ورجح أن الورود هو الدخول ، وذكر أدلة هؤلاء وأدلة هؤلاء ، فمن أراد الاستزادة فليرجع إلى تفسير سورة مريم فإنه ذكر المسألة وذكر الأقوال التي فيها ، وعلى كل حال مر الإنسان أو دخل هل هو من المتقين ؟
{ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً }مريم72
ولذلك ذكر من أدلة من يقول إن الورود ليس هو الدخول هذا الحديث ، لأن الورود في كلام الله عز وجل على نوعين ” الدخول والمرور ” .
حديث رقم – 429 –
( حسن ) حدثنا حيوة بن شريح المصري ثنا بقية عن ضبارة بن عبد الله بن أبي سليك الألهاني أخبرني بن نافع عن بن شهاب الزهري قال قال سعيد بن المسيب إن أبا قتادة بن ربعي أخبره قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى ” إني فرضت على أمتك خمس صلوات وعهدت عندي عهدا أنه من جاء يحافظ عليهن لوقتهن أدخلته الجنة ومن لم يحافظ عليهن فلا عهد له عندي ” )
من الفوائد :
هذا الحديث مر معنا ما يشابهه ، وهذا الحديث يدل على أن المحافظة على جميع الصلوات واجبة ، فإن الحديث السابق قد يوهم أن المحافظة على صلاتي الفجر والعصر تغني عما سواهما من الصلوات الأخرى ، لكن جاء هذا الحديث ليؤكد ويقرر أن الصلوات كلها يجب أن يحافظ عليها .
ومن الفوائد :
أن من أراد عهد الله عز وجل ووعده الذي أوجبه على نفسه تفضلا وامتنانا وكرما في دخول الجنة والنجاة من النار عليه أن يأتي بهذه الصلوات الخمس في وقتها الشرعي ، وأن من خالف ذلك فإنه على خطر عظيم ، فلا يتحقق له هذا الوعد وهذا العهد .
ومن الفوائد :
أنه نص على خمس صلوات مفروضة ، دل على أن ما عدا هذه الصلوات الخمس ليست بفرض، والمقصود الصلوات التي لا سبب لها ، فعندنا خمس صلوات مفروضة في اليوم والليلة ، إذاً صلاة الوتر على القول الراجح ليست بفرض ، لكن قد تجب بعض الصلوات بأسباب ، وهذا الحديث في صلوات لم تقيد بأسباب مثل صلاة الكسوف على أصح الأقوال فيها من أنها واجبة ، مثل صلاة العيدين على أصح الأقوال أنها فرض عين .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد .