تعليقات على سنن ( النسائي ) ـ الدرس الثامن عشر من حديث ( 337 ) حتى ( 347 )

تعليقات على سنن ( النسائي ) ـ الدرس الثامن عشر من حديث ( 337 ) حتى ( 347 )

مشاهدات: 444

تعليقات على سنن ( النسائي  ) ـ الدرس الثامن عشر

من حديث ( 337 ) حتى ( 347 )

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين .

أما بعد :

فقد قال المصنف رحمه الله :

باب الوضوء بماء الثلج والبرد

حديث رقم – 337-

( صحيح )  أخبرنا عمرو بن يزيد قال حدثنا بهز بن أسد قال حدثنا شعبة عن أبي التياح يزيد بن حميد قال سمعت مطرفا يحدث عن عبد الله بن مغفل قال :   أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب قال ما بالهم وبال الكلاب قال ورخص في كلب الصيد وكلب الغنم وقال إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات وعفروا الثامنة بالتراب خالفه أبو هريرة فقال إحداهن بالتراب )

من الفوائد :

أن هذا الحديث يخالف في ظاهره الروايات الأخرى التي أتت بسبع غسلات ، إذا ذُكر هنا ثمان ، قال ( وعفروه الثامنة بالتراب ) وهذه اللفظة أخرجها مسلم رحمه الله ، فبعض العلماء طعن فيها ، لأنها خالفت الروايات الأخرى .

وبعض العلماء : يقول إن هناك قاعدة في الحديث [ أنه متى ما استطعنا أن نخرج ما أتى به الثقات دون أن نقع في تغليطهم فهذا هو الأولى ] لأن رواة هذه اللفظة رواة مسلم رحمه الله .

ومن ثم فإن النووي رحمه الله يقول إنها في الأصل سبع مرات ، وهذه الرواية لا تخالف الروايات الأخرى ، لأنه أوقع التراب موقع غسلة ، فكأن التراب لما خُلط بالماء كأنه غسلة مستقلة فأصبحت ثمان غسلات .

وهذه توجيه حسن ، ولكن كيف يكون تعفير التراب في الثامنة ؟ إذاً نحتاج إلى غسلة تاسعة ؟

فيجاب عن ذلك : بأن يقال إن التراب أوقع موقع غسلة فتحمل رواية الثامنة على أنها من بين الغسلات ، كما جاءت بذلك الرواية الأخرى ( أولاهن بالتراب ) وفي رواية ( إحداهن بالتراب )

حديث رقم – 338-

( صحيح ) أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال أنبأنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة عن خلاس عن أبي رافع عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :   إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات أولاهن بالتراب )  

من الفوائد :

هذه هي الرواية المشهورة والراجحة على جميع الروايات ، لأننا إذا جعلنا التراب في الغسلة الأولى لم نحتج إلى أن نضيف غسلة زائدة ، فإن التراب إذا وقع أول الأمر أتى الماء فنظف هذا التراب ، ولذا يرى معظم المحدثين رجحان هذه الرواية على غيرها من الروايات .

حديث رقم – 339-

( صحيح )  أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا عبدة بن سليمان عن بن أبي عروبة عن قتادة عن بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :   إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات أولاهن بالتراب  )

باب سؤر الهرة

حديث رقم – 340-

( صحيح )  أخبرنا قتيبة عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن حميدة بنت عبيد بن رفاعة عن كبشة بنت كعب بن مالك :   أن أبا قتادة دخل عليها ثم ذكر كلمة معناها فسكبت له وضوءا فجاءت هرة فشربت منه فأصغى لها الإناء حتى شربت قالت كبشة فرآني أنظر إليه فقال أتعجبين يا ابنة أخي قلت نعم قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنها ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات )

من الفوائد :

أن الهرة ليست كالكلب، فإن الأحاديث السابقة ذُكر فيها الكلاب المرخص فيها ، فأصبحت من الطوافين علينا أفتأخذ حكم الهرة ؟

الجواب : لا ، فإذاً عموم هذه العلة ( أنها من الطوافين عليكم والطوافات ) مخصصة بحديث ( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات )

فالكلب المرخص فيه من الطوافين علينا ، ومع ذلك لا يأخذ هذا الحكم ، فسؤر الكلب أي ما بقي من شرابه أو من أكله حكمه النجاسة ، بخلاف الهرة .

ومن الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم علَّق الحكم ( بالتطواف ) ولم يعلقه بحجم الحيوان ، فكل ما طاف علينا من حمار أو بغل فإنها داخل ضمن هذا الحكم ، فيكون سؤرها طاهرا .

بينما المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن العلة مبنية على الحجم ، فيقولون ما كان مثل الهرة في الخلقة وما دونها فسؤرها طاهر ، إذاً الهرة عندهم سؤرها طاهر ، الفأرة عندهم سؤرها طاهر ،وهكذا .

ولكن الصواب : أن الحديث جاء بعلة واضحة وهي ( التطواف ) .

ومن الفوائد :

أن هذا الحديث أتى بزيادة ، لأن بعض الأحاديث ( إنها من الطوافين عليكم ) وهنا زاد ( والطوافات ) لتشمل كل ما يطوف علينا من ذكر أو أنثى .

ومن الفوائد :

أن النص إذا ذكرت فيه العلة صريحة فلا يُبحث عن علة أخرى ، لأن العلة نوعان :

إما أن تكون علة منصوصة نص عليها النص كما هنا .

وإما أن تكون علة خفية ، فإذا كانت علة منصوصة فلا نتعداها إلى غيرها ، كما هنا  .

وإن كانت العلة خفية ليست منصوصا عليها فإن العلماء يجتهدون في بيان هذه العلة ، فقد يصيب بعضهم ويخطأ الآخرون .

ومن الفوائد :

أن كلمة ( نَجَس ) مصدر فتلزم صورة واحدة ، صورة المذكر والمؤنث والجمع ، ولذا قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ }التوبة28 ، ولم يقل أنجاس ، لأن نجس مصدر يصلح أن يطلق على المفرد والجمع والمذكر والمؤنث ، ولهذا أمثال كثيرة منها قوله تعالى {وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ }البقرة36 ، ولم يقل أعداء ، مع أنه يمكن أن تقول أنجاس يمكن أن يصح ، لأن الله سبحانه وتعالى لما قال { اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } وهم مجموعة،  وقال في حق الأوس والخزرج { وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ }آل عمران103

باب سؤر الحائض

حديث رقم – 341-

( صحيح )  أخبرنا عمرو بن علي قال حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت :   كنت أتعرق العرق فيضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاه حيث وضعته وأنا حائض وكنت أشرب من الإناء فيضع فاه حيث وضعت وأنا حائض )  

من الفوائد :

حسن معاشرة النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته رضي الله عنهن .

ومن الفوائد :

أن المرأة الحائض ليست بنجسة خلافا لما يظنه اليهود ، فإنهم لا يؤاكلونها ولا يشاربونها ولا يجامعونها في البيوت .

ومن الفوائد :

أن الوصف إذا كان مخصوصا به الأنثى فلا نأتي بالتاء ” امرأة حائض ” ولا نقول حائضة ، لأن هذا وصف يخص الأنثى ، فلا يمكن أن يكون من الرجل حيض .

ومن الفوائد :

أن ( العرْق ) وهو العظم الذي عليه اللحم ، إذا رفعه الإنسان وتعرقه فلا يكون مخلا بآداب الطعام ، لأن هناك طائفة من الناس ترى أن هذا عيب ، وذلك
إذا رفع الإنسان عظما لينهسه أو ليتعرقه .

ومن الفوائد :

أن سؤر الحائض طاهر ، لم ؟ لأنها عائشة رضي الله عنها تضع فاها على العظم وعلى الإناء بعد الأكل والشرب ولا شك أن ذلك يخالط ريقها ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يضع فمه حيث وضعت فمها من العظم ومن الإناء .

باب الرخصة في فضل المرأة

حديث رقم – 342-

( صحيح ) أخبرنا هارون بن عبد الله قال حدثنا معن قال حدثنا مالك عن نافع عن بن عمر قال :   كان الرجال والنساء يتوضئون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا  )

من الفوائد :

أن اشتراك الرجل والمرأة في الوضوء من إناء واحد لا بأس به ولا يدخل ضمن النهي الوارد عن نهي الرجل من أن يتوضأ بفضل طهور المرأة ، لأن ذلك الحديث فيما خلت به المرأة ، أما هذا الحديث فإنه لا خلوة فيه .

النهي عن فضل وضوء المرأة

حديث رقم –343-

( صحيح )  أخبرنا عمرو بن علي قال حدثنا أبو داود قال حدثنا شعبة عن عاصم الأحول قال سمعت أبا حاجب قال أبو عبد الرحمن واسمه سوادة بن عاصم عن الحكم بن عمرو :   أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة  )

من الفوائد :

أن هذا الحديث فيه النهي عن الوضوء بما فضل من طهور المرأة ، بينما جاءت أحاديث بينت ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم اغتسل من فضل ميمونة رضي الله عنها ) فكيف يكون الجمع بين الحديثين ؟

قال بعض العلماء : إن هذا الحديث وهو حديث النهي حديث ضعيف ، فيكون الأمر باقيا على الجواز .

وقال بعض العلماء : إن هذا الحديث منسوخ بفعل النبي صلى الله عليه وسلم .

وقال آخرون – وهو الصواب – أن أحاديث النهي ثابتة ، فيكون النهي يراد منه الكراهة ، وأما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فلبيان الجواز ، فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم بفعله أن هذا النهي ليس على سبيل التحريم وإنما هو سبيل التنزه .

لو قال قائل : ما الحكمة من النهي ؟

الحكمة هي نهي الشرع – وهذا هو الأصل – لكن العلماء رحمهم الله لم يستنبطوا حكمة ، يعني خفيت عليهم الحكمة – حسب بحثي عنها – وإلا فهناك حكمة ، لأنه ما من حكم شرعي إلا وفي فعله تحقيق مصلحة أو دفع مفسدة ، لكن إذا خفيت على العلماء الحكمة قالوا ” إن الحكمة تعبدية ” بمعنى أنك عبد يجب أن تتعبد الله عز وجل بترك المنهي عنه .

ومن الفوائد :

أن المقصود من النهي هنا هو أن تتوضأ المرأة ويبقى بعد وضوئها ماء ، أما إذا اشتركا جميعا ، بمعنى أن كل واحد منهما يغترف من الإناء معا فإنه غير داخل في هذا الحديث ، لأن عائشة رضي الله عنها أخبرت ( أنها كانت تغتسل هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء ) تقول ( تختلف فيه أيدينا من الجنابة )

ومن الفوائد :

أن التراب غير داخل هنا ، فلو أن امرأة تيممت من إناء فيه تراب فضربت على جزء من هذا التراب وبقي تراب آخر لم تضرب عليه ، أيدخل في النهي ؟

الجواب : لا ، هذا ما ذكره فقهاء الحنابلة رحمهم الله من استثناء التراب .

الرخصة في فضل الجنب

حديث رقم – 344-

( صحيح )  أخبرنا قتيبة قال حدثنا الليث عن بن شهاب عن عروة عن عائشة أنها :   كانت تغتسل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإناء الواحد )

من الفوائد :

أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل مع عائشة رضي الله عنها معا من إناء واحد ، وليس اغتسالهما على التعاقب ، كما  في حديث ميمونة رضي الله عنها ، وجاءت زيادة ( تختلف فيه أيدينا من الجنابة ) .

ومن الفوائد :

أن اغتسال عائشة رضي الله عنها مع النبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد يشعر بأن الماء ليس له تحديد مقدار في الغسل ، فلم يحدد الغسل بصاع ، لأنه ربما يزيد أحدهما على الآخر.

ومن الفوائد :

أن ما كرهه فقهاء الحنابلة للزوجين أن يتجردا أثناء الجماع وأنه لا يرى فرج امرأته  ولا ترى ذكره مردود ، فهم يستدلون بحديث عائشة رضي الله عنها ( ما رأى مني ولا رأيت منه ) وهذا الحديث يرد هذا الحديث لأنه حديث ضعيف ، وكذلك هذا الحديث يرد الحديث الضعيف الآخر ( ولا يتجردا تجرد العَيِّرين )

ومن الفوائد :

حسن معاشرة النبي صلى الله عليه وسلم لزوجته عائشة رضي الله عنها ، ومن المعاشرة أنه اغتسل معا .

ومن الفوائد :

أن ذكر عائشة رضي الله عنها ما يجري بينها وبين النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الأمور إنما ذكرته من باب بيان التشريع وتبليغ العلم .

باب القدر الذي يكتفي به الإنسان من الماء للوضوء والغسل

حديث رقم – 345-

( صحيح )  أخبرنا عمرو بن علي قال حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا شعبة قال حدثني عبد الله بن عبد الله بن جبر قال سمعت أنس بن مالك يقول :   كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بمكوك ويغتسل بخمسة مكاكي )

من الفوائد :

أن ( المكوك ) قال بعض العلماء هو الصاع .

وقال بعض العلماء هو المد – وهو الصواب – لوجود الروايات الأخرى ( كان يتوضأ بمدٍّ ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد )

حديث رقم – 346-

( صحيح )  أخبرنا هارون بن إسحاق الكوفي قال حدثنا عبدة يعني بن سليمان عن سعيد عن قتادة عن صفية بنت شيبة عن عائشة :   أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بمد ويغتسل بنحو الصاع  )

من الفوائد :

أن المقدار الذي كان يغتسل به النبي صلى الله عليه وسلم من الماء يتفاوت ، فلا يلزم ما حُدِّد في الأحاديث ، بل يجزئ من ذلك ما انطبق عليه اسم الاغتسال فلو كان أقل من ذلك أو أكثر فلا بأس بذلك شريطة ألا يصل بالإنسان إلى حدِّ الإسراف  ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها ( بنحو الصاع ) وفي الحديث السابق ( ويغتسل بخمسة مكاكي )

فدل على أنه ليس له قدر معين .

لو قال قائل : ما الحد في الاغتسال من الماء ؟

أقله أن يسيل الماء على أعضائه ، وأكثره ألا يبلغ به إلى الإسراف .

حديث رقم – 347-

 ( صحيح )  أخبرنا أبو بكر بن إسحاق قال حدثنا الحسن بن موسى قال حدثنا شيبان عن قتادة عن الحسن عن أمه عن عائشة قالت :   كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع )

من الفوائد :

هذا يؤكد ما سبق ، في الحديث السابق قالت ( بنحو الصاع ) كأنه ليس كاملا ، وهنا قالت ( ويغتسل بالصاع )

ومن الفوائد :

 بيان فضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم نقلن ما خفي على الناس من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في بيته ولاسيما عائشة رضي الله عنها ، ولذلك الذهبي رحمه الله ” هي أعلم نساء الأمة “

ذكر ذلك في ” سير أعلام النبلاء ” وقال ” هي أفصح النساء ، وكان الصحابة رضي الله عنهم إذا أشكل عليهم أمر أتوها فوجدوا عندها علما ” .