شرح كتاب ( بلوغ المرام ) ــ الدرس 24 حديث 26
فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــ
( أما بعد :
فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
عن عمرو بن خارجة -رضي الله عنه : قال :
خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ، وهو على راحلته ولعابها يسيل على كتفي )
أخرجه : أحمد ، والترمذي وصححه .
( من الفوائد )
أن ” على العالم أن يستفيد من جمع الناس “
وذلك بإفادتهم ما ينفعهم في دينهم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في هذا الجمع الغفير بمنى .
( ومن الفوائد )
أن : ” هذه الخطبة في ثاني أيام التشريق ” ، فاستفيد من هذا :
أن من السنة ” أن تكو ن هناك خطبة في ثاني أيام التشريق .
( ومن الفوائد )
جواز الخطبة على الدواب شريطة أن تكون متحملة ، فلا يكون عليها ضرر .
فإن ( الراحلة ) هنا هي ” الناقة “
( ومن الفوائد )
استحباب الخطبة على مكان مرتفع ، فإنه عليه الصلاة والسلام خطب على راحلته لكي يبصره الناس ، وليسمعهم
( ومن الفوائد )
أن ” لعاب الحيوان الطاهر في الحياة ولاسيما ما يؤكل لحمه أن لعابه طاهر “
ويؤكد هذا ما جاء في قصة العرنيين – كما جاء في الصحيحين :
( أمرهم عليه الصلاة والسلام أن يشربوا من أبوالها )
ومعلوم أن الريق واللعاب لا مقارنة بينهما وبين البول .
( ومن الفوائد )
أن قول عمرو رضي الله عنه :
( ولعابها يسيل على كتفي )
الكتف : ” هو العظم الذي يلي المنكب من الخلف “
فيدل هذا على أنه كان ماسكا بها ، وإذا كان كذلك فلا بأس أن يكون المتحدث في مكان عالي وتحته آخرون ، ولا يكون في هذا كِبْرٌ .
( ومن الفوائد )
أن في ظاهره رداً على من غلَّظ القول على من خطب على مكان مرتفع يزيد عن ثلاث درجات ، فإن منبر النبي صلى الله عليه وسلم ” كان ثلاث درجات “
فغلَّظ بعضهم أن يزيد على هذا .
ولكن ظاهر هذا الحديث يدل على التسامح ، لأن ركوبه على الراحلة يزيد عن ارتفاع ثلاث درجات .
( ومن الفوائد )
أن المصنف رحمه الله ذكر هذا الحديث
من باب أن يبين أن لعاب الإبل طاهر .
ومكمن الاستدلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى لعابها يسيل على كتف عمرو ولم يأمره بتجنب هذا ولا بغسله بعدما أصابه .
فإن قال قائل :
لعل النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم لكثرة الناس ولانشغاله بالخطبة ؟
فيقال :
إن الله عز وجل يعلم هذا ، ولو كان اللعاب نجساً لأخبر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر ، ولذلك يقول جابر رضي الله عنه :
( كنا نعزل والقرآن ينزل )
والعزل هو : أن يجامع الرجل زوجته فإذا قارب على الإنزال كان هذا الإنزال خارج الفرج .
فاستدل جابر رضي الله عنه بعلم الله عز وجل .
( ومن الفوائد )
أن قوله :
( وهو على راحلته )
جملة حالية ، و [ الجملة الحالية تقيد ]
فلو قال ( خطبنا بمنى ) لكانت هذه الخطبة على مكان مبهم .
لكن لما قال : ( وهو على راحلته )
قيدت هذه الجملة .
وأتيت بهذه الجملة من أجل أن نعلم أن تعلم علم النحو من الضرورة بمكان لطالب العلم حتى يفهم النصوص الشرعية كما قلت ” جاء زيد “
أثبت مطلق المجيء .
لكن لو قلت : ” جاء زيد ركاباً “
قيدت مجيئه بأنه راكب .
وهذه القاعدة يستفاد منها في نصوص ستأتي إن شاء الله تعالى .
ولذلك قال عز وجل {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ }الأنبياء16
لو قال عز وجل : {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا }الأنبياء16 ، نفى خلقه للسماء والأرض وما بينهما ، ولا يستقيم هذا ، لكن لما قال عز وجل :
{ لَاعِبِينَ } هذه حال ، فنفى عز وجل خلقه للسموات والأرض وبما بينهما حالة اللعب ، فهو جل وعلا ما خلقها إلا بالحق .
ولذا قال عز وجل {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً }ص27 .