شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 50 ) حديث ( 57 ) (ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول)

شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 50 ) حديث ( 57 ) (ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول)

مشاهدات: 496

شرح كتاب ( بلوغ المرام  ) ـ الدرس 50 حديث 57

( باب الوضوء )

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :

( أما بعد )

فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

عن عمر – رضي الله عنه – قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ، ثم يقول :

” أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، إلا فتحت له أبواب الجنة ” )

أخرجه مسلم .

والترمذي وزاد ( اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين )

( من الفوائد )

أن مناسبة ذكره بعد الوضوء مناسبة تامة وظاهرة “

فإنه لما طهَّر أعضاءه الظاهرة بالماء كان من المناسب أن يطهر باطنه بذكر  ” شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ”

 

 

( ومن الفوائد )

أن ( ما  ) هنا ما نوعها ؟ “

في نسخة ” توضيح الأحكام ” التي عندي قال بمعنى ” الذي ” وهي نسخة قديمة .

لكن في الحقيقة ( ما ) هنا نافية ، بدليل إتيان الاستثناء بعدها ، وقد مر معنا أن من أعظم أدوات الحصر الأربع ” النفي مع الاستثناء ”

فيكون في ذلك تأكيد على هذا الذكر والاعتناء به ، وأن من فعل هذا الفعل وقال هذا الذكر فإنه ينال بذلك هذا الأجر .

 

 

 

 

 

( ومن الفوائد )

أن هذا الحديث في فضله يشمل كل شخص من أهل الإسلام صغر أم كبر  ، ذكرا كان أو أنثى “

لم ؟

لأنه قال ( أحد ) وهي نكرة في سياق النفي ، وقد مر معنا مرارا :

[ أن النكرة في سياق النفي تفيد العموم ]

فإذا زيدت عليها ( مِنْ ) كانت أعظم في العموم ، ولذلك أصل الكلام ( ما منكم أحدٌ )

فـ ( من ) هنا زائدة .

و ( أحد ) مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة المقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد .

أين الخبر ” الجار والمجرور “

ولهذا نظائر  : قال تعالى :

{ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ }المائدة19

لو كان في غير القرآن : ” ما جاءنا بشير ولا نذير “

قوله تعالى :

{ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ }

لو كان في غير القرآن ” ما زكا منكم أحد “

( ومن الفوائد )

أنه قال هنا : ( يتوضأ )

ما الذي بعدها : ( فيسبغ )

هنا فائدة : وهي ” أن ” الفاء ” ليست للترتيب والتعقيب ” وإنما هي ” للترتيب الذكري “

لبيان صفة هذا الوضوء  ( ما منكم من أحد يتوضأ ) ما صفة هذا الوضوء  ؟ ( فيسبغ  )

فتكون الفاء هنا بيانية أو تفسيرية .

وله نظائر كثيرة منها :

قوله تعالى :

{وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي }هود45

الفاء ” هنا وضحت المناداة  ، لو كانت للعطف ،كيف ينادي ويقول ؟

فالمناداة هي القول ، {وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ } ما تفسير هذه المناداة ؟

{ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي }هود45

( ومن الفوائد)

أن الإسباغ ” على ثلاثة أنواع :

[  إسباغ واجب – إسباغ مستحب – إسباغ فاضل ]

الإسباغ الواجب : هو أن تسبغ أعضاء الوضوء بحيث تغسل أعضاء الوضوء ولو بمرة واحدة .

الإسباغ المستحب : أن تغسل أعضاء الوضوء  ثلاث مرات دون دلك .

الإسباغ الفاضل : أن تغسل أعضاء الوضوء ثلاثا مع دلكها .

وهنا يصدق على أي نوع ؟

النوع الأول .

( ومن الفوائد )

بيان فضيلة إسباغ الوضوء ، وأن من أسبغ وضوءه فقال هذا الذكر فإنه يحصل على هذا الثواب العظيم “

( ومن الفوائد )”

” أن ما ورد من أن هذا الذكر يقال ثلاث مرات “

فإنه لا يصح ، وإنما الوارد مرة واحدة .

( ومن الفوائد )

أن النص المذكور هنا :

أشهد أن ألا إله إلا الله وحده لا شريك له “

ورد في رواية أخرى بدون ( وحده لا شريك له ) فلو أن المسلم اقتصر مرة على هذا اللفظ ومرة على ذلك اللفظ ، فإنه طبَّق السنة .

وهذا له نظير : كما في الأذكار التي بعد الصلاة ، تقول ( اللهم أنت السلام ومنك السلام تبارك يا ذا الجلال والإكرام )

جاءت رواية ( تبارك ذا الجلال والإكرام ) بحذف ( الياء )

( ومن الفوائد )

” أن هذا الذكر لا يحصل للإنسان فضله إلا إذا نطق به فحرَّك به لسانه وشفتيه “

لأن القول في العرف اللغوي وفي العرف الشرعي ليس المعنى الذي يكون في القلب ، بل لابد أن يتلفظ به .

( ومن الفوائد )

” بيان فضل الله عز وجل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم “

فإنه لا يذكر جل وعلا في الشهادة إلا ويذكر النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا مصداق قوله عز وجل :

{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ }الشرح4

 ( ومن الفوائد )

أن زيادة الترمذي طعن فيها بعض العلماء بالاضطراب ” فلم يروها ثابتة .

بينما المباركفوري والألباني رحمهما الله يرون أنها تعضد بالرواية التي عند الطبراني فترتقي إلى درجة الحسن لغيره فتكون مقبولة .

( ومن الفوائد )

أن زيادة الترمذي زيادة مناسبة من حيث المعنى “

فإنه لما طهَّر قلبه بهذا الذكر ، ناسب أن يدعو الله عز وجل أن يجعله توَّابا متطهرا ،وهذا يدل على أن الإنسان إذا عمل العمل الصالح يدعو الله عز وجل أن يتقبله منه ، وهذا ما تفيده رواية الترمذي ، هو توضأ وقال هذا الذكر ، إذاً ناسب أن يكون هناك دعاء بالقبول .

( ومن الفوائد )

” أن اتفاق المخلوق والخالق في الاسم لا يعني الاتفاق في المسمى ، وأن اتفاقهما في الصفة لا يعني اتفاقهما في الموصوف “

فالله جل وعلا توَّاب ، والعبد توَّاب ، فاتفقا في الاسم ولا يلزم من ذلك أن يتفقا في المسمى .

{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ }الشورى11.

{ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً }مريم65

وهذه قاعدة ذكرها شيخ الإسلام في رسالته ” التدمرية ” وقد مرت معنا في دروس العقيدة .

 ( ومن الفوائد )

أن  ( التوابين ) مفردها توَّاب ، وهي على وزن فعَّال ، ومر معنا في شرح ( الآجرومية ) أن صيغ المبالغة من بينها ما كان على وزن ( فعَّال ) ” غفَّار  – قهَّار ” وفي حق المخلوق نقول ” توَّاب ” كما هنا ، يعني أنه مبالغ في الرجوع إلى الله عز وجل .

وهناك فائدة : قلنا إن ” فعَّال ” صيغة مبالغة “

فقوله ( اللهم اجعلني من التوابين  ) يعني كثير التوبة .

تأتي ” فعَّال ” للنسبة ، والنسبة تختلف عن المبالغة ، يعني اجعلني من ذوي التوبة “

لا يلزم أن تكون هناك مبالغة ، لكنها على وزن مبالغة أفضل وأتم وأكمل ، ومثل هذه المعاني لا توجد في أي لغة بتاتا  {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }يونس58 ، فهذا فضل من الله عز وجل على الأئمة الإسلامية .

( ومن الفوائد )

ورد عند النسائي ذكر آخر وهو : قوله صلى الله عليه وسلم :

( ما من أحد يتوضأ فيقول ” سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك ” إلا كتبت في رَقٍّ ) يعني في جلد { وَالطُّورِ{1} وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ{2} فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ{3}

( إلا كتبت في رق ، فطبع عليها بطابع ) يعني بختم ( فلم تكسر إلى يوم القيامة )

فهذا الذكر هو نفس الذكر الذي يقال عند كفارة المجلس  ، هو هو ، وبالتالي فعليك أن تقول هذا الذكر أيضا استحبابا .

وهذا الحديث يرى النسائي رحمه الله ” أنه موقوف ” ولو سلمنا على قول النسائي بأنه موقوف ، فإنه في حكم المرفوع حكماً ” كيف ؟

لأن هذا الثواب مما لا يقال بالرأي ، فدل هذا على أن الراوي سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن في هذا ذكرا لفضل لا يمكن أن يثبت بالرأي وبالاجتهاد ، وإنما يثبت عن طريق السماع من الشرع .

( ومن الفوائد )

أن  ( جعل  ) هنا بمعنى صيَّر   ( اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين  ) يعني صيرني من التوابين ومن المتطهرين .

( ومن الفوائد )

بيان فضل الشريعة وأنها جاءت بالحث على التطهر ، وأعظم ما يحث فيه في الشرع على التطهر القلبي ، كما أن التطهر البدني الحسي مطلوب شرعا .

 

 

 

( ومن الفوائد )

أن الأحاديث تكاثرت على أن الأعضاء إذا غسلت في ثنايا الذنوب تتساقط الخطايا ، فكان هذا الدعاء المذكور في رواية الترمذي مناسبا

( اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين )

( ومن الفوائد )

أن من قال هذا الذكر ما ثوابه ؟

( فتِّحت له أبواب الجنة الثمانية ) ويصح

( فتِحت ) بالتخفيف وبالتشديد ، وبالتشديد أبلغ وأعظم .

( ومن الفوائد )

ما هو نوع هذا التفتيح ؟

إما أن هذا التفتيح هو ” تيسير الله عز وجل وإعانته للعبد على أن يسلك السبل من الطاعات التي بها يدخل أبواب الجنة الثمانية ، فيكون في هذا الذكر إعانة يإذن الله للعبد على أن يسلك سبيل الطاعات .

أو – وهو الأقرب والأظهر – أن الجنة تفتح له تكريما وتشريفا له ، وهذا إن دل يدل على فضل الوضوء ، ويدل على فضل التوحيد ، وإذا فضل الوضوء بالتالي تفضل الصلاة ،  فدل هذا على أن أعظم العبادات ” توحيد الله والصلاة “

لأن مفتاح الصلاة الوضوء ، وهذا مما يؤكد على أن من ترك الصلاة حاله كحال من ترك التوحيد ، ومن ترك التوحيد فهو كافر ، كذلك من ترك الصلاة فهو كافر .

( ومن الفوائد )

لو قال قائل : جاء عند البخاري وغيره :

( أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن أبا بكر – رضي الله عنه – يُدعى من جميع أبواب الجنة الثمانية ، قال وأرجو أن تكون منهم )

أيتفق أبو بكر – رضي الله عنه – في هذه المنقبة مع آحاد المسلمين ممن كان في زمنه أو ممن جاء بعده في هذا ؟

فأين المفارقة ؟

يقال : إن من قال هذا الوضوء تفتح له أبواب الجنة من داخل الجنة ، وليست الأبواب الرئيسية ، كما أشار إلى ذلك ابن حجر رحمه الله إشارة عابرة .

ويمكن – وهو الأقرب والأظهر – أن من يقول هذا الذكر تفتح له أبواب الجنة فقط ، لكن أبا بكر

تفتح له أبواب الجنة ويدعى ، ولذلك في رواية ( تقول خزنة كل باب ” هلم ”  ) وفرق بين من يُفتح له الباب ، وبين من يفتح له الباب ويقال له ادخل .

( ومن الفوائد )

” أن أبواب الجنة ثمانية “

ما أسماء هذه الأبواب ؟

ابن حجر رحمه الله لما ذكر البخاري حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( أن من كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة  )

قال

هذا باب ( الصلاة )

( وأن من كان من أهل الصيام دعي من باب الريان  ، وأن من كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ، وأن من كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة )

قال ابن حجر رحمه الله : ” ولا يبعد أن يكون هناك باب للحج “

وقال ورد عند أحمد – لكنه مرسل – ( أن هناك بابا يسمى بباب الكاظمين الغيظ )

وجاء في حديث الشفاعة : أن النبي صلى الله عليه وسلم يقال له أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن للجنة ) والذين لا حساب عليهم هم المتوكلون ، إذاً هناك ” باب المتوكلين “

وقال جاء عند الترمذي ( باب الذكر )

قال ويحتمل أن يكون هناك ” باب العلم ” ولا شك أن أعظم الذكر هو العلم الشرعي .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد .