شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 68 ) حديث 77 ( ألا يمس القرآن إلا طاهر)

شرح بلوغ المرام ـ الدرس ( 68 ) حديث 77 ( ألا يمس القرآن إلا طاهر)

مشاهدات: 473

شرح كتاب ( بلوغ المرام  )  ـ الدرس 68 حديث 77

( باب نواقض الوضوء  )

فضيلة الشيخ : زيد بن مسفر البحري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :

( أما بعد )

فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

عن عبد الله بن أبي بكر رحمه الله : أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم :

ألا يمسَّ القرآن إلا طاهر ”

رواه :  مالك مرسلا  .

ووصله : النسائي وابن حبان .

وهو معلول .

 ( من الفوائد )

أن هذا الحديث ذكر ابن حجر رحمه الله أنه ” معلوم “

وعلته من حيث السند  .

ورأي علماء المسلمين فيه أنه حديث مقبول ، مع أن سنده فيه ما فيه من الطعن – سبحان الله  – كيف يكون ذلك ؟

قال الشافعي رحمه الله : ” هذا حديث تلقته الأمة بالقبول ” فلو لم يكن صحيحا ما قبلته الأمة .

وقال الإمام أحمد رحمه الله ” أرجو أن يكون هذا الحديث صحيحا “

وقال ابن عبد البر  رحمه الله : ” هذا الحديث يشبه الحديث المتواتر ، لأن الأمة تلقته جيلا عن جيل “

فدل على أن له أصلا قوياً  .

ولذا قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في مقدمة أصول التفسير : ” إن الحديث إذا كان طويلا وليس بمتصل من حيث السند ، لكن الأمة تلقته تلقياً عظيما مع طوله ولم يختلفوا في أجزائه ولم ينقصوا منه شيئا ، تلقيهم له بالقبول مع هذا الطول ، يدل على أن له أصلا ، فقد يستغنى بشهرة الحديث مع طوله وأخذ الأمة به يستغنى بشهرته عن سنده “

وهذا هو شأن هذا الحديث ، وبالتالي فإن هذا الحديث ثابت  .

وجاء عن حكيم بن حزام رضي الله عنه  :

( ألا يمس القرآن إلا طاهر )

وفيه ما فيه من الضعف ، لكن يقوي حديث عمرو بن حزم أكثر وأكثر .

( ومن الفوائد )

أن هذا الكتاب بعث به النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن حزم الأنصاري – من بني النجار – وهو ابن سبع عشرة سنة إلى نجران ليفقههم في الدين ، فكان من ضمن هذا الكتاب أحكام تتعلق بالصدقات وبالديات ، فالحديث أطول من هذا .

سبحان الله ! عمره سبع عشرة سنة ، يبعث إلى نجران التي كانت مسكونة آنذاك من قِبل النصارى ، يبعثه في هذا السن ليفقه أهل نجران في دين الله عز وجل ، وهذا يقرر ما ذكرناه في دروس سابقة ، من أن الإنسان ” ابن بيئته ” فإذا كانت البيئة مهتمة بشيء ينشأ الصغار عليه ، إما سلبا وإما إيجاباً  ، إما حسنا وإما قبحا ، إما جدا وإما هزلا ، إما نشاطا وإما كسلاً .

ما هو حال من هو ليس ابن سبع عشرة سنة ، وإنما من عمره في الثلاثين أو فوق الثلاثين ؟!

وهذا لا يجعل الإنسان في عزلة من براءة الذمة – لا – إبراهيم عليه السلام نشأ في بيئة مظلمة ، ومع ذلك صار إلى ما صار  ، فلا شك أن للبيئة أثرا ، لكن لا يستسلم الإنسان ، ولذا همة الناس في هذا الزمن همة غوغائية ، لا طائل من ورائها ، إذا كان أسامة بن زيد رضي الله عنهما وهو في سن الثامنة عشرة من عمره يكون قائدا للجيش بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وتحت إمرته كبار الصحابة رضي الله عنهم فماذا عسانا أن نقول ؟

( ومن الفوائد )

أن هذا الحديث أخذ به الأئمة الأربعة ” أبو حنيفة – مالك – الشافعي – أحمد ” رحمهم الله ، فقالوا ” يحرم مس المصحف لمن به حدث أصغر من غير حائل ” لهذا الحديث  .

وقال بعض العلماء : لا يلزم الوضوء، لم ؟

قال لأن هذا الحديث إن كان ضعيفا فلا اعتداد به ، ولكن هو صحيح ، لكن كلمة ” الطاهر ” قد تشمل : من هو طاهر من الشرك .

وتشمل : من هو طاهر من النجاسة .

وتشمل  : من هو طاهر من الحدث الأصغر .

وتشمل : من هو طاهر من الحدث الأكبر .

فيقال / كلمة  ( طاهر ) كلمة مشتركة تدخل تحتها جميع هذه المعاني ، فإذا لا تبرأ الذمة إلا إذا أخذنا بأقل شيء ، ما هو أقل شيء ؟

أنه لابد أن يكون طاهرا من الحدث الأصغر .

( ومن الفوائد )

لو قال قائل :   قوله عز وجل :

{لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ }الواقعة79

استدل بهذه الآية بعض العلماء على أن القرآن لا يُمس إلا والإنسان طاهر من الحدث الأصغر والأكبر .

فيقال / هذه الآية لا دلالة فيها ، لم ؟

لأنها في سياق الملائكة ، قال عز وجل :

{لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ }الواقعة79

ولم يقل ” إلا المُطَهِّرون ” ففرق بين اسم المفعول وبين اسم الفاعل .

{ الْمُطَهَّرُونَ }اسم مفعول ، يعني أنهم طُهِّروا  .

ثم إن النص لم يأت في سياق النهي ، إنما أتى في سياق النفي ، قال تعالى :

{لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ }الواقعة79

هذا نفي ، ولو كان نهيا لقال :

( لا يمسَّه )

فقال بعضهم : هو نفي لكنه يراد منه النهي  .

نقول : سلمنا بهذا ، لكن أول الآيات التي قبلها تدل على أن المراد الملائكة ، وكذلك ما ذكرناه من قوله تعالى :

{ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ }

يعني أنهم ” طُهروا ” ولم يطهروا أنفسهم .

وما عليه اللجنة الدائمة في زمن شيخنا ابن باز رحمه الله على ” تحريم مس المصحف لمن به حدث أصغر  ، إذا كان من غير حائل “

( ومن الفوائد )

لو قال قائل : ما يتبع القرآن أيكون كحكمه ؟

مثل دفتي المصحف التي نسميها ” تجليدة “

الجواب / نعم ، تأخذ نفس الحكم ، للقاعدة الشرعية :

[  يثبت تبعا ما لا يثبت استقلالا ]

لكن بعض الناس يضع المصحف في غلاف من قماش – مثلا –  لو لمس هذا القماش ما الحكم ؟

الجواب / يجوز لأنه ليس متصلا به .

 

 

( ومن الفوائد )

مع انتشارات الجوالات الحديثة وما يوضع فيها من برامج عن القرآن أيجوز أن أقرأ القرآن من الجوال أو من الكمبيوتر وأنا ألمس الجوال بيدي ؟

الجواب / يجوز ، فالشاشة حائل ، ولو كسرت الشاشة ما وجدت شيئا .

( ومن الفوائد )

لو قال قائل / هل يمكن الصغار من حمل المصحف ؟

الجواب / قولان ، والصواب / أنه يجوز عند الضرورة   ، بشرط أن يتعاهدوا  .

 

( ومن الفوائد )

لو أنه كتب آيات في ورقة أيجوز له أن يمس هذه الورقة ؟

الجواب / لا يجوز له ، لأن القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتب في الجلود ، ولم يكن مجموعا في المصحف إلا بعد وفاته عليه الصلاة والسلام .

( ومن الفوائد )

لو قال قائل / لو أن المُعلم كتب على ” السبورة ” بعض الآيات القرآنية أيحق له أو لغيره ممن لم يتوضأ أن يمسها ؟

الجواب / لا يحق له .

لكن لو أن المعلم كان محدثا وكتب الآيات ولم يمسها ، فلا إشكال في ذلك ، لأنه لم يحصل منه مس للآيات .

( ومن الفوائد )

لو قال قائل / ما حكم التفسير الذي في المصاحف ؟

الجواب / ينظر في هذا ، إن كان التفسير أكثر فيجوز ، وإن كان التفسير أقل والآيات أكثر فلا يجوز .

وإن تساويا / فلا يجوز ، تغليبا لجانب الحظر على الإباحة .

وإن جهل / فلا يجوز .

مثل ” تفسير الجلالين ” فإن الآيات فيه أكثر من التفسير .

وكل هذا من باب تعظيم كلام الله عز وجل ، وكلام الله أشرف الكلام ، فينبغي للمسلم أن يكون على درجة عالية من الاهتمام به ، وبالتالي إذا كان بهذا  المقام من الرفعة فإنه :

لا تمد قدمٌ إليه .

ولا يوضع خلف الظهر .

ولا توضع كتب عليه ، بل يكون هو الأعلى .

ولا يوضع في أماكن نجسة .

لو قال قائل / أيجوز أن أضع المصحف على الأرض ؟

فلو أن إنسانا كان يقرأ فمرت به سجدة ، فوضع المصحف على الأرض ليسجد ؟

الجواب / الأولى به أن يرفعه ، ولكن لو وضعه لا بأس بذلك .

( ومن الفوائد )

هل يجوز يُقبَّل المصحف ؟

بعض الناس يقبله ولاسيما إذا سقط منه ، وبعضهم يضعه على جبهته من باب الاحترام والتقدير  .

قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في الفتاوى :

، إن السلف رحمهم الله لم يعهد عنهم أنهم كانوا يقبلونه “

وبالتالي فإن المشروع في حق المسلم ألا يقبل القرآن ، إنما المشروع في حقه أن يحرص على تلاوته وتدبره والعمل به والتحاكم إليه .

 

 

 

 

( ومن الفوائد )

أن الجوالات الموجودة الآن التي بها المصاحف يجوز للمرأة الحائض والنفساء أن تقرءا من هذه الأجهزة .

والأجهزة الموجودة الآن هي سلاح ذو حدين ، ولكن سوءها يظهر عندنا لسوء استخدامنا لها ، وهذه التقنية لو وقعت في أيدي الصحابة رضي الله عنهم لنشروا العلم في شتى أقطار الأرض .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد .