شرح بلوغ المرام ـ كتاب الصلاة ــ باب المواقيت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
169- وَعَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – (( اَلْفَجْرُ فَجْرَانِ: فَجْرٌ يُحَرِّمُ اَلطَّعَامَ وَتَحِلُّ فِيهِ اَلصَّلَاةُ, وَفَجْرٌ تَحْرُمُ فِيهِ اَلصَّلَاةُ – أَيْ: صَلَاةُ اَلصُّبْحِ – وَيَحِلَّ فِيهِ اَلطَّعَامُ )) رَوَاهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ, وَالْحَاكِمُ, وَصَحَّحَاهُ
170- وَلِلْحَاكِمِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ – رضي الله عنه – نَحْوُهُ, وَزَادَ فِي اَلَّذِي يُحَرِّمُ اَلطَّعَامَ: (( إِنَّهُ يَذْهَبُ مُسْتَطِيلاً فِي اَلْأُفُقِ )) وَفِي اَلْآخَرِ: (( إِنَّهُ كَذَنَبِ اَلسِّرْحَان ))
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح :
ــــــــــــــ
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــ
أن النبي عليه الصلاة والسلام أوضح أن الفجر فجران : فجر تتعلق به الأحكام الشرعية وفجرلا تتعلق به الأحكام الشرعية
ما تتعلق به الأحكام الشرعية كما قال العلماء يسمى بالفجر الصادق وأما ما علاقة له بالأحكام الشرعية يسمى بالفجر الكاذب
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــ
أن الفجر هو النور والظهور كما يقال انفجر الشيء يعني ظهر وبان واتضح فكلا الفجرين نور الفجر الصادق والفجر الكاذب
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــ
أن الفجر الكاذب لا تحل فيه الصلاة لأن الوقت لم يدخل ويباح فيه الطعام لأن الفجر الثاني لم يطلع حتى يبدأ وقت الصيام بينما الفجر الصادق يحرم فيه الطعام وتحل فيه الصلاة ولذلك تتعلق الأحكام الشرعية به
ولذلك قال هنا : (( اَلْفَجْرُ فَجْرَانِ: فَجْرٌ يُحَرِّمُ اَلطَّعَامَ وَتَحِلُّ فِيهِ اَلصَّلَاةُ, وَفَجْرٌ تَحْرُمُ فِيهِ اَلصَّلَاةُ – أَيْ: صَلَاةُ اَلصُّبْحِ ))
من باب التقييد من أن الحكم يتعلق بالفجر الذي به تحل صلاة الصبح
وبالتالي فإن التنويه هنا بذكر صلاة الصبح أن الفجر الكاذب لا تحرم فيه الصلاة لأن الوتر يؤدى فيه وقيام الليل يؤدى فيه فالمقصود من تحريم الصلاة صلاة الصبح لأن وقتها لم يدخل ما عدا صلاة الصبح فإن الصلاة تباح في وقت الفجر الكاذب بل إن الصلاة فيه مندوبة
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــ
أن النبي عليه الصلاة والسلام أشار إلى الفروقات بين الفجر الصادق وبين الفجر الكاذب قال عن الفجر الكاذب قال ” كذنب السرحان “ كذنب الذئب
ذنب الذئب قائم يعني أن الفجر الكاذب هو نور لكن نوره ذاهب إلى أعلى الأفق كذنب السرحان فهو ذاهب إلى الأفق
ولذلك : في حديث آخر أشار النبي عليه الصلاة والسلام بيده ورفعها إلى السماء بمعنى أنه يذهب هذا النور إلى الأفق يعني كالعمود يعني نور كالعمود ذاهب إلى أفق السماء
بينما الفجر الصادق ولذلك في رواية البخاري أشار النبي عليه الصلاة والسلام إلى الفجر الصادق أشار عن يمينه وعن يساره مما يدل على أنه ليس كالعمود وإنما هو معترض في الأفق
فكلاهما نور لكن نور الفجر الكاذب كالعمود ذاهب إلى أعلى إلى السماء بينما الفجر الصادق معترض من الجهتين
ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما في حديث سمرة عند مسلم قال ” لا يغرنكم ــ لا يمنعنكم ــ من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل هكذا حتى يستطير هكذا “
يعني : فسر هنا من أن الصادق هنا معترض بينما الكاذب ممتد
ولذلك عند الترمذي قال عليه الصلاة والسلام : ” ولا يهيدنكم ــ يعني لا يزعجنكم ــ النور الساطع المصعد “
يعني يذهب في صعود
فخلاصة القول :
أن الفرق بين الفجر الصادق والفجر الكاذب أن الفجر الكاذب ممتمد كالعمود يذهب إلى الأفق
بينما الفجر الصادق هو معترض ومستطير ويزيد نورا كلما مضى وقت زاد النور
بينما الفجر الكاذب كلما ذهب وقت ضعف النور
والفجر الصادق ليس بينه وبين الأفق ظلمة بينما الفجر الكاذب بينه وبين الأفق ظلمة
فأشار هنا عليه الصلاة والسلام إلى الفرق بين الفجر الصادق وبين الفجر الكاذب
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــ
أن هذا الحديث نص على ماذا ؟ نص على أن الصلاة أعني صلاة الصبح لا تباح إلا إذا طلع الفجر الثاني الذي هو الصادق ، وأن الطعام يحرم على من أراد الصوم ، وهذا هو الصحيح من أن وقت انتهاء الأكل للصائم أو انتهاء تناول المفطرات للصائم يكون من طلوع الفجر الثاني كما هنا
هذا دليل
الدليل الثاني : أن النبي عليه الصلاة والسلام قال كما في الصحيحين قال : (( إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ))
وابن ام مكتوم يؤذن لصلاة الصبح ولذلك لا يؤذن حتى يقال أصبحت أصبحت لأنه كان أعمى
بينما بلال يؤذن بليل فقال : (فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)
والنبي عليه الصلاة والسلام كما في حديث زيد بن ثابت في الصحيحين قال : ” تسحرنا مع النبي عليه الصلاة والسلام فقيل له كم كان بين صيامكم وبين دخولكم في الصلاة ؟ قال : قدر خمسين آية “
ومعلوم أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصليها بغلس فدل على أنهم كانا يتناولون الطعام إذا أرادوا الصيام قبل صلاة الصبح
ــ أيضا ما جاء في السنن : حديث أبي ذر أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى بهم ذات ليلة قال حتى كاد أن يفوتنا الفلاح يعني السحور
ولذلك : أثر عن كثير من الصحابة أنهم كانوا يبادرون بالأكل والشرب قبل أذان الفجر
ــ أيضا من الأدلة : ما جاء عند أبي داود قوله عليه الصلاة والسلام :
” إذا أذن المؤذن والإناء في يد أحدكم فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه “
فدل هذا على أنه بمجرد ما يؤذن ينتهى عن الأكل والشرب وإنما أباح رخصة منه عليه الصلاة والسلام لمن وضع الإناء في يده واشتاقت نفسه إليه فرخص له
فدل على أن الأصل الامتناع
لماذا قلت بهذا ؟ لأن هناك قولا يقول : لك أن تأكل وأن تشرب في صيام فرض أو في صيام نفل حتى يظهر النور في الطرقات
ولذلك قال الأعمش رحمه الله قال : ” لولا الملامة أو لولا العيب لصليت الصبح ثم أكلت “
وأثر عن بعض الصحابة أنهم كانوا يأكلون حتى يظهر النور في الطرقات
هذه آثار لكن هذه الآثار لا يمكن أن تقاوم الأحاديث التي ذكرتها آنفا وهي آثار معارضة بآثار أخرى عن الصحابة فقول الصحابي حجة ما لم يعارض نصا فإذا عارض نصا طرح وقد عارض هنا نصا فإن لم يعارض نصا فينظر إن خالفه صحابي آخر طلب المرجح أيهما أرجح قولا من الآخر
لكن لو قال قائل :
هناك حديث عند الترمذي حديث ذر عن حذيفة قال : ” تسحرنا مع النبي عليه الصلاة والسلام ثم قال ألا إنه هو النهار لكن الشمس لم تطلع “
فدل هذا الحديث على أنه مسموح لك أن تأكل أيها الصائم إلى ان يظهر النور ما لم تطلع الشمس الآثار طرحناها ، هذا الحديث ما حاله ؟
قال بعض العلماء : يحمل على اختلاف الحالين يعني مرة مع زيد بن ثابت تسحروا قبل طلوع الفجر الثاني ومرة مع حذيفة تسحر بعد أن طلع النهار ولم تطلع الشمس
لكن هذا الحديث الصحيح أنه موقوف على حذيفة يعني من المتحدث ؟
المتحدث ذر تسحر مع من ؟ مع حذيفة ، وليس مرفوعا إلى النبي عليه الصلاة والسلام
هذه مسألة مهمة لأنا لا ندري ماذا يكون من أقوال تأتي في مستقبل الأيام فالأدلة عندكم هنا واضحة بدليل قول الله تعالى : ((وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ))
عدي بن حاتم :
كما في الصحيحين لما وضع عقالين أحدهما أبيض والآخر أسود وجعله تحت وسادته وجعل يأكل حتى استبان له لون العقالين قال عليه الصلاة والسلام : ( إن وسادك لعريض إن وسع الخيط الأبيض والأسود إنما هو بياض النهار وسواد الليل )
فدل هذا على أن أكل الطعام وتناول المفطرات ينتهي بطلوع الفجر الثاني
ولذلك جعل الانتهاء إلى الليل : (( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ))
حدده إلى الفجر
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــ
بيان حرص الإسلام على التنظيم ، والتنظيم إنما يكون بالوقت فعلق النبي عليه الصلاة والسلام أحكاما على الأوقات مما يدل على أن المسلم مطالب بتنظيم وقته وبتنظيم حياته فلا يتعدى وقت على وقت آخر
ولذلك بين أن الفجر نوعان وهذا كله ابتلاء من الله وامتحان لينظر إلى حال الناس في هذه الصلاة أيصلون دون أن يتثبتوا وإلا فهو جل وعلا قادرعلى أن يجعله فجرا واحدا ولا يأتي بهذا الفجر الكاذب
من الفوائد :
ــــــــــــــــــــــــــ
أن المسلم مثاب على ما يتعلق بالصلاة مما هو كائن قبلها فحينما يثبر دخول وقت الصلاة ويحرص عليه يؤجر على هذا الفعل فكما أن العبادة يكتب للعبد آثارها كذلك يكتب للعبد ما يسبقها لحفظها قال جل وعلا : ((إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ))
فتجد أن الإسلام عظيم ولاسيما فيما يخص هذه الصلاة ، هذه الصلاة قبل أن تدخل فيها لك أجر في ترقب الوقت ثم بعد دخول وقتها ( لا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة )
الذهاب إليها الآثارالمتعلقة بها قد تكون هناك مشقة في إسباغ الوضوء المشي إلى المساجد فهذا إن دل يدل على عظم هذه الصلاة