شرح بلوغ المرام الدرس 179 حديث 204 ( من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة ….. ) ( 3 )

شرح بلوغ المرام الدرس 179 حديث 204 ( من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة ….. ) ( 3 )

مشاهدات: 452

بلوغ المرام ــــ باب الأذان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

204- وَعَنْ جَابِرٍ- رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ :

(( مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ اَلنِّدَاءَ : اَللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ اَلدَّعْوَةِ اَلتَّامَّةِ , وَالصَّلَاةِ اَلْقَائِمَةِ , آتِ مُحَمَّدًا اَلْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ , وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا اَلَّذِي وَعَدْتَهُ , حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ ))

 أَخْرَجَهُ اَلْأَرْبَعَةُ

 ـــــــــــــــــــ ( 3 )  ـــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

فنكمل ما تبقى من فوائد تحت هذا الحديث وآخر ما تكلم عنه  قوله عليه الصلاة والسلام : (( وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته ))

قلنا : إن لها أكثر من تخريج في الإعراب ، وذكرنا كلام ابن القيم وكنت ترددت في عزو هذه الفائدة إما في كتابه الفوائد أو بدائع الفوائد وممكن أن يغيب عن المسلم استحضار معلومة أو يتردد فيها فيكون هذا التردد خير له إن بحث ورجع وتحقق وبالفعل رجعت إلى كتابه بدائع الفوائد فوجدت أنه قال في ضمن ما قال ، قال : يمكن أن تعرب صفة لأنها في حكم المعرفة لفظا ومعنى فقال فتأمله

 

الفائدة التي مرت بي أثناء التصفح :

مرت معنا مسألة إنكار النووي لجملة [ المقام المحمود ] وأنها لم ترد وذكرنا أن [ ابن رجب ] قال ليست عند النسائي ، وإنما هي عند الإسماعيلي

 

بينما ابن حجر عزاها إلى النسائي ، وتحققت من ذلك فوجدتها عند النسائي

 

من ضمن ما قال ابن القيم في بدائع الفوائد :

قال :

الذي ورد عند البخاري : (( وابعثه مقاما محمودا ))

بالتنكير ، قال وورد عند النسائي وغيره بالتعريف ” وابعثه المقام المحمود ”

 

قال وهذه هي الفائدة التي اطلعت عليها :

قال ورواية التنكير أرجح من رواية التعريف لوجوه :

الوجه الأول : قال إن أكثر الرواة على ذكر التنكير (( وابعثه مقاما محمودا ))

الوجه الثاني : أنها هي الموافقة لما جاء في القرآن (( وابعثه مقاما محمود ))

الوجه الثالث : أن في التنكير تعظيما لهذا المقام المحمود يختلف عن التعريف

ولذلك قال تعالى : { وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ }

فنكره تعظيما له

الوجه الرابع : قال : ” إن التنكير يجعل المقام متعددا ومتنوعا بينما التعريف يحصره في شيء معين ومعلوم أن هناك مقامات كثيرة يوم القيامة يحمد فيها النبي عليه الصلاة والسلام قال:

وهذا نظير قوله تعالى :

{ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) }

الوجه الخامس : قال : إن هذا هو الموافق لفعله عليه الصلاة والسلام  كيف ؟

هو يحرص عليه الصلاة والسلام على موافقة القرآن لفظا ومعنى :

أما من حيث المعنى : فإنه عليه الصلاة والسلام لما وصل إلى السعي قال : (( أبدأ بما بدأ الله به )) فبدأ بالصفا قبل المروة

والله عز وجل قال : { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ  }

 

ثم هو بدأ بالوجه قبل اليدين في آية الوضوء تطبيقا

 

وأما من حيث اللفظ :

 فإنه في حديث البراء لما قال البراء : (( آمنت بكتابك الذي أنزلت ))

في دعاء النوم : (( إذا أتيت إلى مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة  ثم قل : اللهم إني أسلمت نفسي إليك ))

 إلى أن قال : (( آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت ))

البراء لما عادها قال  : (( وبرسولك الذي أرسلت )) فقال عليه الصلاة والسلام : (( لا ، وبنبيك الذي أرسلت ))

قال :

ليوافق قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) }

فيقول هذه خمسة أوجه تدل على أن رواية التنكير أرجح من رواية التعريف فتقول : (( وابعثه مقاما محمودا ))

 

الذي وعدته قال :

إعرابها : إما أن تكون خبرا لمبتدأ محذوف تقديره : هو الذي وعدته أو هذا الذي وعدته فيكون هذا مبتدأ الذي وعدته خبر

ويمكن أن يكون بدلا من قوله : ” مقاما محمودا “

ويمكن أن يكون مفعولا به لفعل محذوف تقديره أعني ، أعني الذي وعدته

فـ ”  الذي ” في محل نصب لفعل محذوف تقديره أعني

قال : ويصح وهذا هو الذي انتهينا إليه ــ

ويصح أن يكون صفة مع أن الاسم الموصول معرفة ومقاما محمودا نكرة قال لأنها في ضمن المعرفة لفظا ومعنى فتأمله

فإذا ترددت فلا تحزن لكن عليك أن تتيقن

 

لكن لو قال قائل على كلامه : (( لا نقول المقام المحمود ))

لو قال إنسان بعد الأذان ” اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته ” أنمنعه ؟

الصحيح أن لا نمنعه ، لكن النص أتى بالتعريف وبالتنكير

 

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

 

أنه قال هنا (( الذي وعدته )) الجواب الفائدة الثمرة (( حلت له شفاعتي يوم القيامة ))

 

انظروا نجد أن السنة توضح ما في القرآن وبذلك نعلم علم اليقين كفر من ظهر فقال نحن قرآنيون لا نأخذ إلا بما جاء به القرآن كلمة حق أريد بها باطل

لأنه لو أخذ بالقرآن وعزلت السنة وطرحت لطرح شيء كبير من الدين

كيف نعرف صفة الصلاة ؟

كيف نعرف أنصبة الزكاة ؟

كيف نعرف دقائق ما جاءت به الشريعة ؟

ولذلك أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن هذه الطائفة تخرج

فقال عليه الصلاة والسلام : (( ألا لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته ــ وهو شبعان من الترف ــ يقول ما جاء في هذا القرآن من حلال أحللناه وما كان من حرام حرمناه ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه ))

يقولون نحن نأخذ بالقرآن فقط ، كلمة حق أريد بها باطل ، يريدون أن يسقطوا شعائر الدين ، وهم كذبوا لو أنهم أخذوا بالقرآن أخذوا بالسنة لأن الله عز وجل قال في ضمن القرآن :

{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا }

كيف أتت هذه الفائدة هنا وهو الرد على القرآنيين أو بيان أن السنة توضح القرآن :

في الآية : { عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) }

عسى  : كلمة تدل على الرجاء يعني أمر غير متحقق :

عسى زيد أن يكرمني ليس الأمر متحققا لكن لما جاء هذا الحديث بين أن [ عسى ] من الله واجبة يعني متحققة الوقوع

إذا قال ” عسى “ فهي متحققة ما الدليل ؟

هو قال : (( عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) ))

هنا قال : ((وابعثه مقاما محمودا )) هنا تحقق كيف تحقق (( الذي وعدته )) ووعد الله لا يخلفه  ، ثم مع أنه لا يخلفه جل وعلا من يقول هذا الدعاء تحل له الشفاعة

 

ولذلك :

قال ابن حجر في الفتح قال : (( الرجاء من الله ومن النبي عليه الصلاة والسلام واجبة )) يعني متحققة تفضلا منه جل وعلا ، وكذلك إذا وردت على لسان النبي عليه الصلاة والسلام على أنها وعد :

ولذلك :

لما قال عليه الصلاة والسلام عمن يدخل الجنة من جميع أبوابها :

قال أبو بكر : ما على أحد دخل من تلك الأبواب من ضرورة

يعني لو دخل من باب واحد يكفي

فقال أبو بكر : أفيدخل  أحد من جميع الأبواب

قال : نعم وأرجو أن تكون أنت يا أبا بكر

فالرجاء منه عليه الصلاة والسلام متحقق في هذه المسألة لأبي بكر

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

 

أن قوله : (( حلت له شفاعتي  ))

حلت : ضد الحلال الحرام فهل كان المقصود أنها كانت محرمة ثم حلت  أو كلمة حل تختلف معناها الحلال والجائز والمباح هو ما جاز تركه وفعله

وهو أحد أقسام التكاليف الخمسة واجب محرم مندوب مكروه مباح

 

حتى إن بعض الأصوليين لم يذكر المباح قال : لأنه لا يترتب عليه شيء

إذاً :

هي أربعة لكن باعتبار ما يفعل هذا الحلال باعتبار الأثر يكون إما مكروها أو مندوبا أو محرما أو واجبا

إذاً :

 (( حلت له )) هنا معناها استقرت وثبتت

قال ابن حجر : ” ويدل لها رواية مسلم (( حلت عليه ))

يعني استقرت وثبتت

وذكر ذلك أيضا السيوطي في (قوت المغتدي شرح سنن الترمذي ) وذكر ما ذكره ابن حجر

 

هناك طالب له رسالة في الدكتوراه اسمه ناصر الغريبي قال : والسيوطي تبع ابن حجر في عزو جملة حلت عليه في عزوها لمسلم

ويمكن أن ابن حجر توهم فليست عند مسلم

يقول : ليست عند مسلم

لنبقى في الإشكال إلا حلت له

 

الغريب :

أن معظم من شرح هذا الحديث ذكر هذا ، ذكر ما ذكره ابن حجر

من شرح الحديث بعد ابن حجر نقل كلام ابن حجر ، في الشروحات الأخرى في شروحات أهل السنن ذكروا ما ذكره ابن حجر ولم يتعقبوه

 

بحثت في صحيح مسلم في النسخة التي لدي فلم أجد (( حلت عليه ))

لكن توهيم ابن حجر ثم متابعة الشراح الذين أتوا بعده ليس بالسهولة نحن لا نقدس ابن حجر فقد يخطئ وهذا واقع لكن قبل أن توهم احذر أن توهم حافظا وتبعه حفاظ ثم حسب بحثك حسب ما تبحثه لا تعتمد على ما قاله ابن حجر بين ووضح من أنه لا يوجد في النسخة التي لديك هذه وابن حجر عزاها إلى مسلم وعزاها من جاء بعده من الشراح

أما أن تلقي بالحكم هكذا دون بحث دقيق هذا صعب

 

فنحن نقول : لم نجد هذه في النسخة التي معنا والشراح الذين أتوا بعد ابن حجر ذكروها لكني وجدتها وهذه فائدة المستخرجات

 

المستخرج : هو أن يعمد المستخرج يعني العالم إلى كتاب مثل ما حصل في صحيح البخاري وصحيح مسلم أن يعمد صاحب المستخرج إلى كتاب به أحاديث فيخرج تلك الأحاديث بأسانديه هو دون إسناد صاحب ذلك الكتاب ويلتقي معه في السند بشيخه أو بمن هو فوقه

هذا هو معنى المستخرج

 

هناك [ مستخرج لأبي عوانة ] مستخرج على صحيح مسلم وجدتها فيه

هذا يمكن فيه إشارة أنه موجود في إحدى النسخ يمكن ويمكن لا

 

والعلم عند الله

ومستخرج أبي عوانة مستخرج على صحيح مسلم

 

وهناك مستخرج على صحيح البخاري مثل مستخرج الإسماعيلي

 

وهنا ذكرها السيوطي في تدريب الراوي قال : ” لا يظن أن المستخرجات فقط على الصحيحين ، لا ، وجد مستخرج على سنن أبي داود وعلى سنن الترمذي ” وذكر غيرها

 

ما فائدة المستخرج ؟

ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

فائدة المستخرج هي عشر فوائد ذكرها ابن حجر وذكرها أيضا السيوطي لكن أذكر ما تيسر منها :

المستخرج فائدته :

ــ كثرة طرق الحديث  وهذا يفيدنا في تقوية الحديث

ــ أنه قد يذكر التحديث  والتصريح بالتحديث لمعنعن في الصحيحين

معلوم أن المعنعن في الصحيحين مقبول ؛ لأن البخاري ومسلم لا يمكن أن يخرجوا لمدلس ، وإن كان بالعنعنة إلا أنهم يعلمون أنه صرح بالتحديث لكن المستخرج يبين لنا ، فكون المستخرج يذكر التصريح بالتحديث هذا يقين أحسن من شيء محتمل

ــ يبين المستخرج المدرج من غير المدرج

ــ تكون هناك بعض الزيادات في المتن يستفاد منها في المستخرج

 

ــ فله فوائد كثيرة في هذا لكن كما قلت لكم وجدتها في مستخرج أبي عوانة والعلم عند الله

 

هنا يأتي سؤال :

هل يبقى الحال على ما هو عليه ؟

(( حلت له )) يعني أنها كانت حراما فحلت ؟ على كل حال عند أبي عوانة حلت عليه في مستخرجه

جاء ما يؤيدها وهي شاهد عند الجاوي في حديث  ابن مسعود : (( إلا وجبت له ))

لكن هذا الشاهد فيه ضعف لكن لعله يؤيد من حيث المعنى بما جاء في المستخرج

ثم لو لم يرد فإن اللام ترد في اللغة ويكون معناها على :

تقول حلت له حلت عليه :

الدليل من القرآن :

{ وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ } يعني يخرون على الأذقان

 

 

من الفوائد :

ــــــــــــــــــــ

أنه جاء عند أبي داود (( وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته إلا حلت )) أتى بكلمة إلا

تأمل معي :

أول الحديث وآخر الحديث :

( من قال ) من هنا شرطية (( مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ اَلنِّدَاءَ : اَللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ اَلدَّعْوَةِ اَلتَّامَّةِ , وَالصَّلَاةِ اَلْقَائِمَةِ , آتِ مُحَمَّدًا اَلْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ , وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا اَلَّذِي وَعَدْتَهُ, حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ ))

 

كونه يأتي في رواية أبي داود (( إلا حلت )) ما يدخل على جواب الشرط إلا ممنوع

فكيف نوجه هذه الرواية ؟

قال بعض الشراح  : إنها زائدة ، ما الدليل على زيادتها ؟

الرواية الأخرى (( إلا حلت )) عند البخاري بدون إلا فدل على أنها زائدة

ويصح ، وقد قالها السندي تصريحا وقالها لسيوطي تلميحا لكن السندي صرح بها يقول : ” لا تكون مَن شرطية تكون استنفهامية استفهام للنفي  ” يعني ليست شرطية : (( من قال حين يسمع النداء ))

المعنى : لا أحد يقول حين يسمع النداء ثم يذكر الحديث إلا حلت ” إذاً  تكون إلا أصلية ليست زائدة

 

وهنا إذا كانت استفهامية بمعنى النفي وأتى الاستثناء وهو أصلي اجتمع عندنا هنا النفي  الذي تضمنه الاستفهام مع إلا والنفي مع الاستثناء أقوى أدوات الحصر كما مر معنا في بالبلاغة

يعني :  حصر الشفاعة في هذا الأمر من باب التوثيق والتثبيت