شرح كتاب التوحيد
( 9 )
[ باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما ]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا هو رابط هذا الدرس على القناة العلمية الصوتية للشيخ :
https://www.youtube.com/watch?v=cz70nj2p2Ck&index=10&list=PLLqPd_eY0IBM6kO0TRJOVvrp3H7mmLbbz
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من الفوائد تحت هذا العنوان :
أن التبرك معناه: طلب البركة ، والتبرك أنواع:
فمن أنواع التبرك: تبرك ثبت بطريق الشرع، فهو تبرك محمود شريطة أن يؤتى به على المقتضى الشرعي، كالتبرك بالمساجد الثلاثة بمعنى أن يطلب البركة فيها بالصلاة فيها، أما التمسح بجدرانها وبأسقفها ونحو ذلك فهذا من البدع، ومثله ماء زمزم، بأن يأتي به على الوجه المشروع بشربه وبرشه على المرضى، وكذلك رمضان يُتبرك به على الوجه الذي جاء به الشرع وعلى هذا فقس، أما إذا لم يؤت به على الوجه الشرعي فهو التبرك المذموم.
ومن أنواع التبرك:
ما ثبت عن طريق الحس، كأن تحصل البركة من علم فلان العالم، فينفع الله عز وجل بعلمه أهل هذه البلاد أو أهل هذا البيت، لقول أُسيد بن حضير رضي الله عنه : «مَا هي بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِى بَكْرٍ» أما إذا تبرك بذواتهم كأن يتمسح بهم فإن هذا هو التبرك المذموم.
ومن أنواع التبرك :
التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم ، كعرقه وشعره، وهذا يختص به صلى الله عليه وسلم ، لفعل الصحابة رضي الله عنهم وإقراره، وقد مضى الحديث عنه، أما غيره فلا، ولذلك لم يتبرك الصحابة بآثار أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، أما التبرك بالأماكن التي نزل فيها فهذا غير مشروع، ولذا لم يوافق الصحابة رضي الله عنهم ابن عمر رضي الله عنهما لما كان يقف في الأماكن التي وقف فيها النبي صلى الله عليه وسلم لبولٍ أو لوضوءٍ ونحو ذلك، وابن عمر خالفه أبوه، فإنه لما علم أن هناك من يرتاد الشجرة التي تمت عندها بيعة الرضوان أتى إليها وقطعها، ثم إن ابن عمر لم يكن يأتي إلى هذه المواطن فيقصدها، وإنما كان يقف عندها كما قال شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه ” اقتضاء الصراط المستقيم ” كان إذا مر بها اتفاقاً لا قصداً نزل، من باب حرصه على متابعة النبي صلى الله عليه وسلم ، وله اجتهادات رضي الله عنه كما قال ابن القيم رحمه الله خالفه فيها كثير من الصحابة، فكان يغسل داخل عينيه من الجنابة رضي الله عنه.
ومن ثمَّ فإن شيخ الإسلام رحمه الله قال: لا تشرع زيارة غير المساجد الثلاثة، ومن ثم فلا تشرع زيارة جبل ثور، ولا غار حراء لعدم النقل عن الصحابة الكرام رضي الله عنهم ، فإن زيارة مثل هذه الأماكن يفضي بالعبد إلى أن يعظمها، ولذلك لما سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن جواز إحياء طريق الهجرة وما مر به النبي صلى الله عليه وسلم فيها على خيمة أم معبد أنكر ذلك أشد الإنكار وقال بالتحريم ، وقال: هذا يفضي بالناس إلى أن يتبركوا بهذه الأماكن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقول الله تعالى :
﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى(19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) ﴾
[النجم 19 ، 20]
من الفوائد :
1 ـ أن الإمام المجدد رحمه الله استدل بهذه الآية وهي في الشرك الأكبر استدل بها على الشرك الأصغر، ووجه المقارنة أن كفار قريش كانوا يتبركون بالأصنام، فيكون التبرك بما دونها مذموما في شرع الله عز وجل .
2 ـ أن ذكر اللات والعزى ومناة دون غيرها من الأصنام مع أن هناك أصناماً أخرى كهبل، لأن هذه المعبودات يعظمونها أشد من غيرها.
3 ـ أن الله عز وجل وصف ﴿مَنَاةَ﴾ بأنها أُخرَى يعني وضيعة فكيف يتبرك بأشجار أو أحجار لا تنفع ولا تضر؟! ولذا جاء بهمزة الاستفهام الإنكاري ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى﴾ [النجم 19]
فكأنه يقول: أين عقولكم في التبرك بهذه الأشياء؟ ولذا قال بعدها:﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ﴾ [النجم23]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ رضي الله عنه قال :
خَرَجنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى حُنَيْنٍ، ونحن حدثاءُ عهد بكفر، وللمشركين سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا وَينوطونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ، قَالَ فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كما لهم ذاتُ أنواط ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الله أكبر إنها السنن ، قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا قَالَت بنوا إسرائيل لمُوسَى ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» رواه الترمذي وصححه.
من الفوائد تحت هذا الحديث :
1 ـ أن من كان صالحاً وقُدِّر عليه أن يكون في موطن شبهة أو أن يصدر منه كلام يظن منه وقوعه في التهمة أن ينزِّه نفسه بتبيان حقيقة أمره، فإن العبد مأمور بنفي التهمة عنه، ولذا قال صلى الله عليه وسلم للرجلين: «عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَىٍّ، فَقَالاَ سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِى مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِى قُلُوبِكُمَا شَرًّا»
ولذا قال أبو واقد رضي الله عنه : «ونحن حدثاء عهد بكفر» فمن كان في هذه الحال فلا يؤمن عليه لقربه من البيئة الشركية، لا يؤمن عليه أن يطلب مثل هذا الطلب.
2 ـ أن التبرك موجود في الأمم السابقة كما قال عز وجل عن أصحاب موسى عليه السلام : ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةً﴾
3 ـ أن من انتقل من حالة سيئة إلى حالة حسنة قد تصدر منه ألفاظ أو أفعال اعتاد عليها، ومن ثمَّ فإن على الداعية أن يكون حكيماً.
4 ـ أن أصح القولين عند علماء الأصول أن المصيب في الاجتهاد واحد، وليس كل مجتهد بمصيب، فهؤلاء اجتهدوا وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشيء لكنهم لم يصيبوا في اجتهادهم، ومما يدل على أن المصيب في الاجتهاد واحد وأن المجتهدين ليسوا كلهم بمصيبين قوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين في حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: « إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا اجْتَهَدَ فأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» فدل على أن أحدهما يخطئ وأن الآخر يصيب.
5 ـ أن التعجب قد تدل عليه بعض الألفاظ كقوله صلى الله عليه وسلم هنا:« الله أكبر » أو قول:« سبحان الله » .
6 ـ أن قوله صلى الله عليه وسلم: « لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ من مِنْ قَبْلِكُمْ » ليس من باب الإقرار وإنما من باب التحذير، حتى يحذر المسلمون من التشبه بهم
7 ـ أن المسلم لا يؤمن عليه أن يقع في الشرك، ولذا قال الإمام المجدد رحمه الله في كشف الشبهات قال: إن قول البعض إن التوحيد قد فهمناه فهو من أكبر الجهل.
8 ـ أن من خالف التوحيد ممن هو من أهل التوحيد ينكر عليه ولو كان حسن النية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر عليهم .
9 ـ قال المجدد رحمه الله في «كشف الشبهات» قال: «ليس في هذا الحديث حجة للقبوريين» فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرهم على طلب التبرك ، وكذلك موسى عليه السلام لم يقر قومه.
10 ـ قال صلى الله عليه وسلم :« من قال لأخيه يا كافر أو يا عدو الله إلا حارت عليه»
وقال صلى الله عليه وسلم «إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا»
قال بعض العلماء: إن هذا الحديث من باب الترهيب، وقال بعضهم: إن من كفَّر أخاه فكأنما وصف الإيمان بأنه كفر ووصف الإيمان بأنه كفر هو الكفر بعينه، فالواجب أن لا يتسرع المسلم في تكفير أخيه المسلم ولذا قال شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى قال: «وعلم الله أنني ما جلست مجلساً إلا أحذر من أن ينسب إلى معين تكفير أو تبديع أو تفسيق إلا بدليل» ا.هـ
فإذا توفرت الأسباب وانتفت الموانع فلا يجوز لأحد أن يجبن عن التكفير حتى لا تتعطل أحكام الردة، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري «مَن بَدَّلَ دِينَه فاقْتُلُوه» لكن قتلهم إنما يكون من قِبل ولي الأمر، ولذا قال المجدد رحمه الله في نواقض الإسلام العشرة قال: «من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم فهو كافر».
11 ـ أن خروجهم إلى حنين إنما كان بعد فتح مكة ، فدل على أن هؤلاء أسلموا بعد فتح مكة فكان الوقت يسيراً بين إسلامهم وبين مقولتهم.
12 ـ أن التبرك لا يحصر النهي فيه على شجر السدر المذكور في الحديث، وإنما هو شامل فذكر «السدرة» هنا لبيان الواقع.
13 ـ أن صورة التبرك عندهم أنهم ينوطون بها أي يعلقون أسلحتهم بها تبركاً لكي تقوي أسلحتهم وشوكتهم في ظنهم.
14 ـ أن ترك التوحيد جهل لقول موسى عليه السلام : ﴿ إِنَّكُمْ قَومٌ تَجْهَلُونَ ﴾ [الأعراف 138] بل إن ترك التوحيد سفه كما قال تعالى: ﴿وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ﴾ [البقرة130].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ