شرح كتاب التوحيد ( 11 ) [ باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله ]

شرح كتاب التوحيد ( 11 ) [ باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله ]

مشاهدات: 436

شرح كتاب التوحيد

( 11 )

 [ باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله ]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وهذا هو رابط هذا الدرس على القناة العلمية الصوتية للشيخ :

 

https://www.youtube.com/watch?v=iqYq0iWdJ-U&list=PLLqPd_eY0IBM6kO0TRJOVvrp3H7mmLbbz&index=12

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

هذا الباب ذكره المؤلف رحمه الله من باب أن الوسائل لها أحكام المقاصد ، فإن ما سبق هو الشرك لأن الذبح لغير الله شرك ، وهنا وسيلة من وسائل الشرك وهو أن يذبح لله عز وجل  بمكان يذبح فيه لغير الله عز وجل .

وقول الله تعالى :

﴿لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾  [التوبة 108].

 من الفوائد تحت هذه الآية :

1 ـ أن هذه الآية نزلت في المنافقين الذين بنوا مسجد الضرار.

2 ـ أن المؤلف رحمه الله  ذكر هذه الآية وقد يقال إنه لا تعلق لها بالباب، لكنه رحمه الله أعطي كما سبق في المقدمة ذكاءً ثاقباً، فأورد هذه الآية من باب المشابهة فكل موضع يشرك فيه مع الله عز وجل  لا تجوز فيه العبادة التي تشابهها في هذا المكان

3 ـ أن قوله تعالى : ﴿لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً﴾  [التوبة 108] فيه دلالة على أن هذا المسجد مسجد ضرار وسيبقى كذلك فليس فيه خير، وإنما هو شر محض فالواجب أن يهدم وقد فعل ذلك صلى الله عليه وسلم .

4 ـ أن النبي  صلى الله عليه وسلم  كان يُظْهِر التوحيد في المواطن التي ظهرت فيها شعائر الكفر، كما فعل صلى الله عليه وسلم في مكثه وإقامته في خَيْف بني كنانة حين تقاسموا على الكفر.

5 ـ فضيلة مسجد قباء ، وأنه أسس على التقوى من أول يوم، وهذه الآية في مدح المسجد المبني على التقوى وهو مسجد قباء، ولا يعارضه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل:

” يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَىُّ الْمَسْجِدَيْنِ الَّذِى أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى؟ قَالَ: فَأَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصْبَاءَ فَضَرَبَ بِهِ الأَرْضَ ثُمَّ قَالَ: هُوَ مَسْجِدُكُمْ هَذَا”

 

قال ابن كثير رحمه الله: إن مسجد قباء قد أسس على التقوى  ومسجده أحق بذلك من مسجد قباء.

6 ـ أن الرجولة الحقيقية إنما تكون فيمن أقام شعائر الله عز وجل ؛ ولذا مدح من يقوم في مسجد قباء، وقد قال تعالى ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ﴾  [النور 36]

ولم يقل ذكور لأن الإنسان قد تكون فيه آلة الذكورية لكنه لا خير فيه وليس برجل.

7 ـ إثبات صفة المحبة لله عز وجل  وأنه يُحب المطهرين.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

عن ثابت بن الضَّحَّاكِ، قَالَ:

نَذَرَ رَجُلٌ أَنْ يَنْحَرَ إِبِلا بِبُوَانَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟»، قَالُوا: لاَ، قَالَ: «فَهَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟»، قَالُوا : لاَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «أَوْفِ بِنَذْرِكَ؛ فَإِنَّهُ لاَ وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلا فِيمَا لاَ يَمْلِكُ ابْنُ آدَم»   رواه أبو داود وإسناده على شرطهما  

 من الفوائد تحت هذا الحديث :

1 ـ أنه يجوز أداء عمل صالح في بقعة معينة ، ما لم يترتب على ذلك محظور شرعي، فلو أنه نذر أن يذبح عند جبل فيجوز من حيث الأصل شريطة ألا يعتقد أن لهذا المكان مزية وخاصية، أو إذا خشي أن يقتدى به فيظن أن لهذا المكان مزية على غيره فيحرم، ولذا قال  صلى الله عليه وسلم: «أَوْفِ بِنَذْرِكَ» فهو على سبيل الجواز.

2 ـ أن الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم: «أَوْفِ بِنَذْرِكَ» محتمل للجواز كما سبق ومحتمل أنه للوجوب، بمعنى  أن هذا الأمر المقتضي للوجوب ينصب على الوفاء بالنذر لأن الوفاء بالنذر في طاعة الله عز وجل  واجب ، قال  صلى الله عليه وسلم : « مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ »

3 ـ أن هذا الحديث  فيه نهي عن الشرك وعن وسائله، فالنهي في قوله : «هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يَعْبُدُ؟».

وأما الوسيلة فتضمنتها جملة «فَهَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟».

4 ـ أن ذكر  «كان» التي تفيد المضي تشعر بأن النهي باقٍ ولو زال عنه هذا الوثن أو زال عن هذا المكان إقامة أعياد الجاهلية ، ومن ثم فإنه يحرم أن يذبح بمكان به وثن سابق أو عيد انتهى للكفار في هذا المكان.

5 ـ أن العيد، اسم لما يعود ويتكرر على وجهٍ معتاد، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله.

6 ـ أن الإقرار بأعياد الكفار وتهنئتهم من وسائل الشرك لأن في ذلك إقراراً لهم على دينهم .

7 ـ أن قوله صلى الله عليه وسلم: «هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟»  لبيان الواقع لأن الوثن إذا وضع إنما يوضع للعبادة، ومن ثمَّ فإن هذا النص جاء لبيان الواقع فلا مفهوم له، فلو أن في هذا المكان وثناً لا يعبد فإن الحكم باقٍ.

8 ـ أن المكان الذي يُذبح فيه لغير الله عز وجل  يجوز أن تؤدى فيه الصلاة والسبب في ذلك: أن عبادة الصلاة لا تشابه عبادة الذبح من حيث الصفة ومن هنا يحمل ما جاء في صحيح البخاري :

« وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُصَلِّي فِي الْبِيعَةِ إِلَّا بِيعَةً فِيهَا تَمَاثِيلُ »  .

وذلك لأن صلاتهم لا تشابه صلاتنا.

9 ـ أن الإسلام يقرر ويحرص على إبعاد المسلم عن مشابهة الكفار في المكان وفي الزمان، فأما في المكان فكما جاء في هذا الحديث، وأما في الزمان فكما جاء في نهيه  صلى الله عليه وسلم  «عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها» وقال : « فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَي شَيْطَانٍ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ»

والمتأمل لحجته  صلى الله عليه وسلم يدرك ذلك كله فقد خالف الكفار في مواضع متعددة من حيث الزمن ومن حيث المكان، فترك مشابهته صلى الله عليه وسلم لهم في الحج تشمل النوعين  في الزمن،  فقد كان يفيض صلى الله عليه وسلم   بعد غروب الشمس من عرفة وقبل طلوع الشمس من مزدلفة بخلاف الكفار، وأما في المكان: فإنهم كانوا يقفون بمزدلفة وكان  صلى الله عليه وسلم   يقف بعرفة وما جاء في سنن أبي داود يدل على ذلك إذ قال:«وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»

قال شيخ الإسلام رحمه الله في اقتضاء الصراط المستقيم، قال: ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم لكن أقل أحواله التحريم.

10 ـ أن مخالفة المسلم للكفار تبرز شخصيته كمسلم، وأن له من الصفات ما ليس لغيره، وأن الواجب أن يقتدى به لا أن يقتدي بغيره ممن ضل وتاه عن الحق، ولأن في ترك التشبه بالكفار إغاظة لهم وإغاظتهم مطلوبة من حيث الشرع قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيهِمْ﴾  [التوبة 73] وقال تعالى: ﴿وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾  [التوبة: 120] ولأن التشبه بهم في الظاهر يورث التشبه بهم في الباطن.

11 ـ أن المعصية قد تؤثر في الأرض ولذا سأل  صلى الله عليه وسلم عن بوانة وهي هضبة وراء ينبع فقال:

«هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟ هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟» فدل على أن المعصية ضررها وخيم حتى على الجماد ، ولذا فإنه  صلى الله عليه وسلم   لما نام عن صلاة الفجر  قال : «تَحَوَّلُوا عَنْ مَكَانِكُمُ الَّذِى أَصَابَتْكُمْ فِيهِ الْغَفْلَةُ»  ولم يصل فيه  صلى الله عليه وسلم.

12 ـ أن الذبح لله في مكان قد ذبح فيه لغير الله عز وجل  أو ما زال يذبح فيه لغير الله عز وجل  وسيلة من وسائل الشرك فلربما دعاه الشيطان في المستقبل إلى أن يذبح لغير الله عز وجل .

13 ـ أن النحر يكون للإبل ولذا جاء التعبير في الحديث «أن ينحر إبلا» وليس الحكم خاصاً بالإبل فلو ذبح بقرة أو دجاجة فإن الحكم باقٍ.

14 ـ حرص الصحابة رضي الله عنهم على سؤال النبي  صلى الله عليه وسلم لمعرفة الحق من غيره، ولذا لما نذر الصحابي رضي الله عنه سأل النبي  صلى الله عليه وسلم.

15 ـ أن بعض الصحابة كان عنده علم بحال هذه الهضبة ولذا قالوا: لا، ولم يقل هو هذا الجواب فجاء الجواب بصيغة الجمع فدل على أن هناك من شاركه في الجواب ، أو أن غيره قد أجاب عنه.

16 ـ أن نذر المعصية لا يجوز أن يوفى به كما قال  صلى الله عليه وسلم   عند البخاري : «وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ»

لكن هل عليه كفارة أم لا ؟ اختلف العلماء ، والصحيح أن عليه كفارة لقوله  صلى الله عليه وسلم: «لاَ نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ»

17- أنه لا يجوز أن يشارك الكفار في أعيادهم فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم  نهى أن يذبح في مكان كان فيه عيد من أعياد الجاهلية فمن باب أولى النهي عن مشاركة الكفار في أعيادهم حتى ولو شاركونا في أعيادنا أو هنؤنا بأعيادنا لأن هناك فرقاً بين عيدنا وأعيادهم فإننا على الحق وهم على الباطل.

18- أن قول المؤلف ” رواه أبو داود وإسناده على شرطهما ” يعني  على شرط البخاري ومسلم، ولا يلزم من هذا إذا قال الحاكم في مستدركه: على شرطهما لا يلزم أن يكون على شرطهما، وذلك لأن البخاري أو مسلما قد تركا هذا الحديث ، ويكون من أسباب تركهما لهذا الحديث الذي قال عنه الحاكم: على شرطهما علة اطلعا عليها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ