شرح كتاب التوحيد (19) [باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين]

شرح كتاب التوحيد (19) [باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين]

مشاهدات: 669

شرح كتاب التوحيد

( 19 )

[ باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم  وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين ]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لفضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وهذا هو رابط هذا الدرس على القناة العلمية الصوتية للشيخ :

 

https://www.youtube.com/watch?v=ewIFcEowIcg&index=20&list=PLLqPd_eY0IBM6kO0TRJOVvrp3H7mmLbbz

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

[ باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم  وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين ]

 

وقول الله عز وجل : ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ﴾  [النساء171].

 من الفوائد تحت هذه الآية:

1 ـ أن معنى «الغلو» هو: مجاوزة الحد في الثناء إما مدحاً وإما قدحاً، ولعل مراد المؤلف هنا  المدح، وإلا فإن اليهود قد غلت في عيسى عليه السلام  إذ تجاوزوا الحد في قدحه وقالوا: إنه ابن زانية.

2 ـ أن على الأمة الإسلامية أن تجتنب ما وقعت فيه الأمم السابقة من الأخطاء، ولذا ذكر غلو أهل الكتاب حتى تحذر الأمة مما وقعوا فيه.

3 ـ أن مجاوزة الحد في المدح قد تفضي بهذا المادح إلى أن يَرْفَعَ الممدوح فوق منزلته إلى أن يوصله إلى منزلة الله عز وجل ، بل قد يكون أعلى من ذلك كما هو صنيع غلاة الصوفية.

4 ـ أن الغلو منهي عنه حتى في دين الأنبياء السابقين.

5 ـ تحريم الفُتيا بغير علم، ولذا قال: ﴿وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا اَلْحَقَّ﴾  [النساء17]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وفي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما :

في قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً ﴾ [نوح23]  قال هذه أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنْ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمْ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ فيها أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا وَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ ونُسِي الْعِلْمُ عُبِدَتْ»

وقال ابن القيم: قال غير واحد من السلف: «لما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم».

 من الفوائد :

1 ـ أن هؤلاء تواصوا بالباطل إذ قالوا: ﴿لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ﴾  [نوح23]  فالواجب على أهل الخير أن يتواصوا على الخير

ولذا قال تعالى: ﴿ وَتَواصَوا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوا بِالصَّبْرِ﴾  [العصر 2] .

2 ـ أن كلام ابن عباس رضي الله عنهما من أنهم «رجال صالحون» : يُبْطِلُ كلامَ الواقدي في هذه الآية من أن هؤلاء المعبودين كانوا على صور حيوانات، والواقدي مع سعة علمه إلا أنه متروك الحديث فهو من الضعفاء المتروكين لأنه حاطب ليل  ، كما قال أهل الجرح والتعديل.

3 ـ أن أول شرك وقع في الأرض سببه الغلو في الصالحين ، كما كان في قوم نوح  عليه السلام، فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما «إن بين آدم ونوح عشرة قرون»  حتى دخل الشرك فبعث الله عز وجل   نوحاً  أول رسول إلى الأرض قال تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ﴾ [البقرة: 213] ،  وقال تعالى :  ﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا﴾  [يونس: 19] .

4 ـ التحذير من البدع ، والغلو يجر الإنسان إلى أن يقع في البدع والبدع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم  كما عند مسلم: «وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ» فجميع البدع ضلالة.

لو قال قائل: ولو استدل علينا بقول النبي صلى الله عليه وسلم عند مسلم:

«مَنْ سَنَّ فِى الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَىْءٌ»

فيقال:

أولا : إن هذه السنة لم ينشئها هذا المسن، وإنما هي من الشرع، ولذا قال صلى الله عليه وسلم «من سن في الإسلام» ولم يقل «من سن سنة»  وأطلق.

ثانيا : هذا الحديث يمكن أن يحمل على سنة كادت أن تندثر وقد سنها الشرع فأحياها.

ثالثا : هذا الحديث له سبب ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه وفد مضر مجتابي النمار وعليهم ثياب رثَّة، قام فخطب يحث أصحابه على الصدقة فجاء رجل بحفنة من طعام كادت يده أن تعجز عنها ثم تتابع الناس فقال صلى الله عليه وسلم «مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَىْءٌ» 

فتكون هذه السنة من هذا الرجل الذي أتى بحفنة الطعام تكون سنة تمثيل لا سنة تشريع.

ولو قال قائل:  إن بناء مدراس تحفيظ القرآن وإقامة المراكز الصيفية لنشر العلم وحث الناس على الخير من البدع؟

فيقال: إن هناك قاعدة شرعية تقول:  «الوسائل لها أحكام المقاصد» .

فما كان وسيلة إلى خير فإنه يكون خيراً ، بشرط أن تكون هذه الوسيلة مباحة شرعا ، ولذا النبي صلى الله عليه وسلم في مكة كان يجتمع في دار ابن الأرقم لأنه هو المكان المناسب، فلا يقل أحد من أن العلم لا يكون إلا في المسجد، لأن النبي  صلى الله عليه وسلم  كان يُعلِّم أصحابه إذا أتى إليهم في بيوتهم.

5 ـ الحذر من وساوس الشيطان ، فإن الشيطان أوحى لهؤلاء وحي شيطنة أن يَنْصِبُوا هذه الأنصاب في مجالسهم ليتذكروا بها العبادة فيعبدون الله عز وجل ، وهذا وحي باطل فكيف تنساق معه النفوس؟ وذلك لأن البدع لا تعين صاحبها على العبادة وإنما تثبطه عن العبادة لأن البدع لا خير فيها، ومن نظر إلى المحتفلين بليلة الإسراء والمعراج وجد أنهم ينشطون في هذه الليلة، ويفترون في سائر ليالي السنة.

6 ـ أن على طالب العلم ألا ينظر إلى واقعه وبيئته ، فقد تكون البيئة التي يعيش فيها بيئة طيبة ، فعليه أن يحتاط للتوحيد وأن يسد أبواب الشرك وينظر إلى المستقبل، فإن هؤلاء لما وضعوا هذه الأنصاب أرادوا بها خيراً لكنهم لم ينظروا نظر بُعْدٍ ، إلى من سيأتي من ذريتهم، ولذا كما سلف نقول: إنه يجوز الاستغاثة بالمخلوق بشروط ذكرناها،  وهذا يقال عند طلاب العلم فقط لكن عند عوام الناس إذا سئل هل يستغاث بغير الله عز وجل ؟ يقال: لا يجوز أن يستغاث بغير الله عز وجل   ، وهلم جرا.

7 ـ أن قوله رضي الله عنه: «ونُسِي الْعِلْمُ عُبِدَتْ» دل على ضرورة تعلم العلم الشرعي ولاسيما في العقيدة، لأن بنسيان العلم وبتركه يحل الضلال.

8 ـ أن هذه الأصنام التي كانت تعبد في قوم نوح  عليه السلام  انتقلت إلى قبائل في العرب أتى بها عمرو بن لحي، ولذا قال صلى الله عليه وسلم :

«رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرِ بْنِ لُحَيٍّ الْخُزَاعِيَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ» يعني أمعاءه.

9- أن قوله تعالى عن هؤلاء في تواصيهم : ﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ أَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَداً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً ﴾ [نوح 23]

دل على أن لهم آلهة كثيرة لكن من أبرزها هذه المذكورات.

10 ـ أن الشياطين عندهم وحي كما قال تعالى : ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ﴾  [الأنعام112] لكنه وحي مزخرف في طياته البطلان.

11 ـ أن قوله: «أوحى الشيطان» أن نسبته إلى الشيطان تدل على أنه وحي خبيث فاسد، لأن ما ينسب إلى الشيطان ليس بخير وإنما هو شر.

12 ـ أن الشيطان له مداخل عجيبة إذ قال: «انصبوا إلى مجالسهم»

والنَّصْب هو الارتفاع، وذلك حتى تكون ظاهرة واضحة بينة لكي تتعلق القلوب بها، فكأنه أوحى إليهم أن يرفعوها.

13 ـ أن هلاك الدين يتبعه هلاك الدنيا ؛ فمن هلك في دينه هلكت دنياه ولا محالة، ويدل على ذلك أن العلم لما نسي عبدت من دون الله عز وجل  فدلَّ على أن الدين يهلك، يهلك متى؟  إذا لم يتعلم لأنه لا دين صحيح إلا بالعلم بالصحيح، فإذا نُسي العلم وتُرِك هلك الدين وفي هلاك الدين تهلك الدنيا، ويدل لذلك ما جاء في الصحيحين قصة من قتل تسعة وتسعين نفساً:  «فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنَ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ لاَ» فهلك في دنياه بسبب جهله.

14 ـ أن ابن القيم  رحمه الله أشار إلى أن هؤلاء جمعوا بين فتنتين :

أولا : فتنة التصوير.

ثانيا : فتنة العكوف على القبر ، وكأن هؤلاء صوروهم على قبورهم وعكفوا عليها.

15 ـ أن ترك العلم إذا طال بالإنسان قسا قلبه وإذا قسا القلب هلك العبد ولذا عاتب الله عز وجل  الصحابة في قوله تعالى:﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد16]،   ثم قال:﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الحديد17] فكما أن الأرض تحيا بإنزال المطر منه عز وجل  فكذلك القلوب تحيى باستقبال هذا الغيث الذي هو الذِّكر والقرآن.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

وعن عمر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

«لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ»  أخرجاه.

 من الفوائد:

1 ـ أن قول المؤلف «أخرجاه» يعني البخاري ومسلم، وفي الحقيقة أن هذا الحديث لم يخرجه الإمام مسلم وإنما أخرجه الإمام البخاري رحمهما الله .

2 ـ التحذير مما وقع فيه النصارى من الغلو، وأي غلو؟ غلو قدح أو غلو مدح ؟  غلو مدح .

3 ـ حرص النبي صلى الله عليه وسلم على سد طرق الشرك ؛ ولذا قال:

«لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ».

4 ـ أن تعظيمنا للنبي  صلى الله عليه وسلم  يكون بوصفنا له بأنه عبد لله وأنه رسوله ، ولذا قال: «فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» .

5 ـ أن  «الكاف» كما سبق معنا في النحو قد تكون للتشبيه وقد تكون للتعليل، قال صلى الله عليه وسلم: «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى» فـ «كما» هنا ليست للتشبيه، فليس مراده صلى الله عليه وسلم أن ينهى عن أن يمدح كمدح النصارى لابن مريم،  لأنهم رفعوه فوق منزلته، وإنما مراده  صلى الله عليه وسلم  أن يَدَعُوا مدحه حتى لا يفضي بهم هذا المدح الجائز إلى ما وصلت إليه النصارى فتكون الكاف هنا للتعليل.

6 ـ أن النصارى إذا ذُكِروا يقال نصارى، فلا يقال عن النصراني أنه مسيحي، فقول البعض إن هذا مسيحي خطأ ، لأن المسيحي هو المُتَبع لعيسى عليه السلام ولا يكون متبعاً لعيسى عليه السلام حتى يدخل في دين الإسلام، لأن عيسى عليه السلام يأمر بأن يُتَّبَع النبي محمد صلى الله عليه وسلم بل إن عيسى عليه السلام إذا نزل آخر الزمان يحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، بل يُسَمَّون بالنصارى كما هنا قال: «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى» وهم أخبروا عن أنفسهم بأنهم نصارى كما قال تعالى في سورة المائدة:﴿وَمِنْ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ ﴾   [المائدة: 14].

7 ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم محبب إليه وصف العبودية أكثر من الرسالة، ولذا قال: «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» لم؟ حتى يكون الإنسان في طريق متوسط في حقه صلى الله عليه وسلم  فهو عبد لا يعبد، ورسول لا يُكذَّب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم:  «إياكمْ والغُلُوَّ فإنّما أهلك مَنْ كانَ قَبْلَكمْ الغلو»  

 من الفوائد: 

1 ـ أن هلاك الدين هلاك للدنيا فإنهم هلكوا لما وقعوا في الغلو.

2 ـ أن من أدوات القصر «إنما»  فكأنه حصر الهلاك يعني هلاك من  قبلنا في سبب واحد، وهو الغلو.

3 ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم  أظهر في مقام الإضمار، وهذا ما يسمى بالإطناب، يعني يمكن أن يقول: «إيَّاكُمْ والغُلُوَّ فإنّمَا أَهَلَكَ مَنْ كانَ قَبْلَكمْ» لكن لما أعاد كلمة الغلو مرة أخرى دل على أن لهذه الزيادة فائدة وهي توكيد وتقرير خطر الغلو في الدين.

4 ـ أن كلمة الغلو شاملة فليست منحصرة في العقائد، بل حتى في العبادات، فلا يجوز أن يغلو المسلم في عبادته ولذا قال صلى الله عليه وسلم في سبب هذا الحديث لما أَمَرَ ابنَ عباس أن يلقط له حصى الجمار، كحصى الخذف قال: «أمثال هؤلاء فارموا وإياكم والغلو في الدين»

بل حتى إن الغلو في العادات مذموم ، ولذا لما جاء أولئك النفر ومن بينهم من قال:

«أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا ، وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ ، وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا» وفي مسلم:

«وَقَالَ بَعْضُهُمْ لاَ آكُلُ اللَّحْمَ» «فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ فَقَالَ أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ولمسلم عن ابن مسعود  رضي الله عنه:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ»  قَالَهَا ثَلاَثًا 

 من الفوائد:

1 ـ أن قوله صلى الله عليه وسلم: «هلك المتنطعون» إما أن يكون خبراً بمعنى أن هؤلاء المتنطعين المتشددين المتعمقين قد هلكوا.

أو أنه دعاء منه  صلى الله عليه وسلم عليهم جاء بصورة الخبر، يعني أن دعوته قد تحققت ووقعت.

2 ـ أن النبي  صلى الله عليه وسلم أعاد هذه الجملة ثلاث مرات، هلك المتنطعون – هلك المتنطعون – هلك المتنطعون، مما يدل على خطورة التنطع.

3 ـ أن  «ال» دخلت على المتنطعين فتشمل أي متنطع، في قوله،  في عمله،  في عادته، في سائر أحواله فالتنطع مذموم.

  • ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما عند مسلم: «إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ، فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ» وضبطت «فهو أهلكَهم».

فمعنى «فهو أهلكَهم»: يعني أنه أوقعهم في الهلاك، ومعنى فهو أهلكُهم:

يعني هو أول من وقع في الهلاك.

فقد يتعارض هذا مع ما ذُكِر هنا؟

ويجاب عن ذلك : بأنه لا يتعارض وذلك كما قال النووي رحمه الله، من أن الإنسان إذا أخبر بهلاك الناس افتخاراً بعبادته فإنه مذموم، أما لو رأى انهماك الناس في الدنيا وانصرافهم عن الآخرة فلا يذم على ذلك ، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم   قال: «هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ»  لِمَ؟ لأن هؤلاء المتنطعين قد انصرفوا عن دينهم.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ