الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (158) مسائل على باب ( ما جاء أن سبب كفر بني آدم)(2)

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (158) مسائل على باب ( ما جاء أن سبب كفر بني آدم)(2)

مشاهدات: 495

الشرح الموسع لكتاب التوحيد ـ الدرس (158)

 مسائل على باب

(ما جاء أن سبب كفر بني آدم ) الجزء الثاني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فضيلة الشيخ :  زيد بن مسفر البحري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

السابعة :

جبلة الآدمي في كون الحق ينقص في قلبه، والباطل يزيد.

هذا ما جبل به عز وجل الآدمي أن الحق ينقص من قلبه وأن الباطل يزيد وهذا باعتبار أصل ابن آدم لأنه ضعيف كما قال تعالى { وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا }

ففي أصله أن الحق ينقص وأن الباطل يزيد ولذا قال تعالى { وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا }

ففي أصله الظلم والجهل ، ومتى يحصل الظلم والجهل ؟

إذا بعد عن شرع الله ، لكن من وفقه الله إلى اتباع شرعه واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فإنه يرتفع مراحل عليا ما يحسب لها حساب وانظروا إلى الصحابة رضي الله عنهم وإلى التابعين ومن جاء بعدهم إذا قرأ الإنسان عن سير هؤلاء في العبادة في العلم في الأخلاق يستصغر الإنسان نفسه يقول إني قدم بل يقول إني لا شيء أمام هؤلاء العظماء ، لم ؟

لأن هؤلاء كانوا يربون أنفسهم ويربون الناس فانظروا إلى هؤلاء كيف  كانوا في عبادتهم وفي علمهم وفي ورعهم ، والأمثلة كثيرة في هذا فنسأل الله أن يوفقنا إلى ما وفق إليه هؤلاء القوم لأن الإنسان إذا نظر إلى حاله سواء كان في علم وفي عبادة  أو في تعامل مع الآخرين وجد أنه لا شيء فنسأل الله أن يرحمنا

 

الثامنة :

فيه شاهد لما نقل عن السلف أن البدعة سبب الكفر .

السلف نقل عن بعضهم أن البدعة بريد الكفر فإن الكفر له مقدمات ومن مقدماته البدع

ولذا يقول ابن حجر رحمه الله : ” اجعل بينك وبين المكروهات بابا من المباحات ، واجعل بينك وبينك المحرمات بابا من المكروهات “

معنى كلامه :

يقول ” اجعل بينك وبين المكروهات بابا من المباحات “

يعني لا تسرف في المباحات ، فإنك إذا أسرفت في كل مباح أوصلتك هذه المباحات إلى المكروهات ، وإذا أسرفت في المكروهات فإنها بريد المحرمات ، فكذلك البدعة بريد الكفر

وقد نقل عن بعض السلف أنه كان يقول : ” المعصية بريد الكفر “

ولا تناقض بين هذين لأن الحكم قد يكون له سببان فمن أسباب الكفر المعصية والبدع وسيأتي معنا بإذن الله أمثلة على هذا وهو أن الحكم قد يكون له سببان ، وأن السبب الواحد قد يكون له حكمان

 

 

التاسعة :  

معرفة الشيطان بما تؤول إليه البدعة ولو حسن قصد الفاعل.

الشيطان كما ذكر الله عنه في آيات كثيرة أخذ على نفسه العهد أن يضل بني آدم ماذا قال كما في سورة الإسراء { لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا }

قال بعدها في آيات { وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا }

ولذا ذكر ابن القيم أن الشيطان يأتي للإنسان من طرق متعددة وأنه لا يسلم منه حتى الصالحون ، ولكن المعصوم من عصمه الله

ولذا الشيطان علم أن أقرب وسيلة إلى الشرك بالله البدعة ، ولذا أتى إلى هؤلاء من قوم نوح وأوحى إليهم ما أوحى كما سبق بيانه لعلمه بمضرة البدعة

وبالفعل ما الذي آل إليه الأمر ؟ الشرك ، ولو حسن قصد الفاعل قصد هؤلاء الذين نصبوا أنصابا ما الذي قصدوه ؟

أن يتذكروا عبادة هؤلاء بهذه الصور فيزدادوا عبادة لله

والمثال على الثاني من حسن فعله ولم تحسن نيته :

مثل الكفار فإن نواياهم ومقاصدهم خبيثة لكن في أفعالهم معك تكون حسنة لا من أجل ما في قلوبهم من الحسن ولكن من أجل أن يحفظوا سمعتهم

ولذا قد ترى بعضهم من أعظم الناس أمانة ووفاء لا من أجل ما في قلبه من الحسن لأن في قلبه نجاسة الشرك ، لكن لأنه يحرص على دنياه ولكن المسلم التقي هو الذي يجمع بين الحسنيين حسن النية وحسن العمل

قال : “ولو حسن قصد الفاعل “  فإن البدعة شر وهي ضلال يقول الشراح إن قوله عليه الصلاة والسلام ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )

وفي رواية مسلم ( من عمل عملا …. )  لماذا تنوعت العبارتان ؟

قالوا إن العبارة الأولى تنصب على من ابتدع بمعنى الذي أتى بالبدعة وأما الثانية  ( من عمل عملا …. ) تشمل المبتدع وتشمل من لم يبتدع وإنما عمل البدعة ، فرواية مسلم تقضي بأن كل بدعة لا تقبل حسنت نية هذا الفاعل أم لم تحسن ؛ لأن ” من “ اسم شرط وأسماء الشرط تفيد العموم فأي  عامل ولا ينظر إلى ما في قلبه ، لكن هذا مخصص بما جاء عند أبي داود فيكون الحديث الذي عند مسلم لمن عمل هذا العمل وهو عالم بأنه مبتدع في السابق قد ابتدعه غيره

 

العاشرة :

معرفة القاعدة الكلية ، وهي النهي عن الغلو، ومعرفة ما يؤول إليه .

خلص المصنف في هذه المسألة إلى أن القاعدة الكبرى العامة التي تؤخذ من هذا الباب هي التحذير من الغلو وعدم قربه والعلم بما تؤول إليه هذه البدع

 

الحادية عشرة :

مضرة العكوف على القبر لأجل عمل صالح.

وتؤخذ هذه المسألة من أن هؤلاء عكفوا على قبورهم وعكفوا من أجل أن يعبدوهم أو ان يعبدوا الله ؟

من أجل أن يعبدوا الله ، لكن ما الذي آل إليه الأمر ؟

أن عبدوا هؤلاء من دون الله

وهذه المسألة أفرد لها المصنف الباب الذي يلي هذا الباب باب ” ما جاء في التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده ؟ “

 

الثانية عشر ة:

 معرفة النهي عن التماثيل، والحكمة في إزالتها.

التماثيل المراد منها تلك الصور التي صورت فيجب على المسلم أن يعرف الأدلة على تحريم هذه الصور التي منها التماثيل وأن يعرف الحكمة من الشرع في كون الشرع أمر بإزالتها كما جاء في حديث علي رضي الله عنه عند مسلم قال علي لأبي الهياج  ( ألا أبعثك على ما بعثني به رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تدع صورة إلا طمستها ولا قبرا مشرفا ــ أي مرتفعا ــ إلا سويته )

وقد أفرد باب في هذا الأمر وهو باب ” التصوير ” كما سيأتي إن شاء الله

هذا الحديث وهو حديث علي  رضي الله عنه جمع فيه بني أمرين

ما هما ؟

جمع فيه بين التصوير وبين القبور وهذا بالفعل ما وقع من قوم نوح فيما ذكره المصنف في هذا الباب

ما الذي صنعوا ؟

صوروا وعكفوا على القبور فدل على أن التصوير وسيلة من وسائل الشرك كما أن العكوف على القبر وسيلة من وسائل الشرك

 

الثالثة عشرة :

معرفة عظم شأن هذه القصة، وشدة الحاجة إليها مع الغفلة عنها.

هذه القصة قصة قوم نوح فالحاجة إلى معرفتها حاجة ملحة لدى المسلم

ومن فضل الله أنها موجودة في كتب أهل العلم لأن مثل هذه القصة إذا تمعن فيها الإنسان وجد خطورة الغلو ومن ثم فإنه يبتعد عن الغلو وتلك حاجة وضرورة يحتاج إليها المسلم

 

الرابعة عشرة :

 وهي أعجب وأعجب: قراءتهم إياها في كتب التفسير والحديث، ومعرفتهم بمعنى الكلام، وكون الله حال بينهم وبين قلوبهم حتى اعتقدوا أن فعل قوم نوح هو أفضل العبادات، واعتقدوا أن ما نهى الله ورسوله عنه، فهو الكفر المبيح للدم والمال.

هذا من العجائب والعجب إما أن يكون عجب استحسان أو عجب إنكار فمن عجب الاستحسان قول عائشة رضي الله عنه في الصحيحين ( كان عليه الصلاة والسلام يعجبه التيمن في تنعله وترجله وفي طهوره وفي شأنه كله )

وفي رواية مسلم ( وفي سواكه )

والثاني وهو عجب الإنكار قوله تعالى { وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ } وكما قال الإمام أحمد : ” عجبت لقوم عرفوا صحة الإسناد يذهبون إلى رأي سفيان “

فهذا إنكار

وهذا هو ما عناه المصنف بقوله العجب

ما وجه العجب من المصنف ؟

هو يتحدث عمن في عصره ولاشك أن في بعض البلدان في عصرنا من هو شبيه بمن في عصره رحمه الله

يقول هذه القصة موجودة بين أيديهم في الكتب ويقرؤونها ويقرؤون كلام الله ومع ذلك حال الله بينهم وبين أن يفقهوا معناها كما قال تعالى { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } وقال تعالى { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }

ثم العجب فوق هذا العجب مع أن هناك استتارا من الله بين قلوبهم وبين شأن هذه القصة والحذر مما وقع منه هؤلاء العجب أنهم رأوا أن ما هم عليه هو الدين وأن ما عليه الآخرون هو الباطل ولاشك أن هذا الاعتقاد كفر مبيح للدم والمال ، لم ؟

لأنهم جعلوا الإيمان كفرا ولذا قال عليه الصلاة والسلام ( من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما )

قال بعض الشراح وهو وجه في هذا الحديث هو يكفر كفرا حقيقا كفرا يخرجه عن الملة إذا قال لأخيه المسلم يا كافر ، لم ؟

قالوا لأنه وصف الإيمان الذي في قلب أخيه وصفه بأنه كفر ووصف الإيمان بأنه كفر كفر

فانظروا كيف تدرج الشيطان إلى قلوب هؤلاء  ابتعدوا عن الحق فعموا عنه وحال بينهم عز وجل وبين الوصول إلى الحق وأصبحوا يعتقدون أن ما هم عليه هو الحق وأن ما عليه غيرهم هو الباطل

والموفق من وفقه الله

ولذا يسأل المسلم ربه التوفيق والثبات والوصول إلى الحق لاسيما في هذا العصر الذي كثرت فيه الفتن والشهبات والشهوات وأصبح أعداء الدين يدسون في كلامه السم القتال لقلوب الناس ولأجيالهم

ولذا قال عليه الصلاة والسلام ( إذا أراد الله ) من باب أن المعصوم من عصمه الله قال ( إذا أراد الله بالأمير خيرا جعل له وزير صدق إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه ، وإذا أراد الله بالأمير سوءا جعل له وزير سوء إن نسي لم يذكره وإن ذكر لم يعنه )

والمعصوم من عصمه الله

هذا هو الشأن من هذا الحديث : المعصوم من عصمه الله

الخامسة عشرة :

 التصريح أنهم لم يريدوا إلا الشفاعة.

إذا نوقش هؤلاء ماذا يقولون ؟ يقولون نحن لا نعبدهم وإنما نطلب شفاعتهم عند الله

ما سبب طلبكم للشفاعة من هؤلاء؟

قالوا لأن لهم مقامات ولهم قدرا ووزنا  ، فأتاهم الشيطان من هذا الباب ثم إذا بالشيطان يأتيهم بعد حين فبدل أن يجعلوا هؤلاء شفعاء يدعونهم ويلتجئون إليهم

ولذا يقول أظن شيخ الإسلام أو ابن القيم يقول ” فإنه وقر في القلب محبة الصالحين أكثر من محبة جدار أو خشب “

فإن هؤلاء ما عبدوا خشبا ولا جدارا ، ولذا هذه علتهم يقولون أنتم تشبهوننا بمن مضى يعبدون الأشجار والأحجار أما نحن فنستشفع فلا نستشفع بهؤلاء الصالحين فيقال لهم العلة ما هي ؟

العلة واحدة حجر شجر ولي أو نبي

ثم من قال إن من سبق عبدوا الشجار والأحجار فقط عبدوا الملائكة عبدوا الأنبياء .